برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-11





بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم
مقدمه بين يدي البحث

السلام عليكم ورحمة الله
رأيت ان اضيف هذه المقدمة لأبين بعض الامور التي تحتاج الى توضيح بسبب ما توارد الينا من اسئلة كثيره من الشباب نتيجة الفهم الخاطئ لبعض ما ورد في هذه الرسالة , وهذا قد يكون مرده الى سوء الفهم وقد يكون الى مرده الى سوء الظن ابتداء ,
فالمخالفين لنا اصناف
منهم من لا يريد ان ينصف مخالفه ولو جاء بكلمة حق
ومنهم من لايري الا قوله وكلامه هو الصواب
ومنهم من يريد فقط ان تستمع اليه واذا اردت ان تجاوبه اعرض عنك وقطع الحديث , فاذا اعرضت عنه وامتنعت عن اجابته بسبب اسلوبه ,اتهمك بانك متكبر وانك لا تصبر على المخالف وانك لا تتحمل الأذى وغيره والله المستعان على امره

فأقول وبالله التوفيق
ان اول الاهداف التي يجب التركيز عليها عند قراءة هذا البحث
هو سبب الخلاف بيننا وبين مخالفينا في مسألة من مسائل الدين , وهي موضوع تكفير المسلم الذي توقف في معين او في شخص بعينه
ولا علاقة لكلامنا هذا بالتوقف في عموم الناس او المجتمعات الكافرة
فنحن نقول ان الموحد اذا ما توقف في معين بقرينة لا يكفر وهذا القول لا يخالفنا فيه المخالفون ويقرون به
ولكننا نزيد عليهم فنقول
ان الموحد اذا توقف في معين ولو بغير قرينة فهو لا يكفر عندنا والسبب هو ما سننقله في هذه الرسالة موضوع البحث
فقد بينا برهاننا الذي بنينا عليه هذا الاعتقاد ولله الحمد
كما قال الله تعالي
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)
وفي هذه الجزئية تحديدا يخالفنا من يخالفنا من الشباب ويرموننا بالكفر لأننا فقط لا نقرهم على ان التوقف في معين من غير قرينة كفر وهم يقولون انه لا يجوز التوقف الا بقرينة
فالموضوع بيننا وبينهم انحصر في هذه النقطة وهو ان المسلم اذا توقف في معين بقرينة لا يكفر عندنا وعندهم
واما اذا توقف المسلم بدون قرينة فهو يكفر عند المخالفين ولا يكفر عندنا للأسباب التي سنذكرها في هذه الرسالة

النقطة الثانية والمتعلقة بما جاء في هذا البحث
اعتقاد بعض الناس اننا لا نريد ان ننشره في منتديات التوحيد الخالص لأننا لا نريد ان يطلع عليه الشيخ حلمي ومحمد سلامي ويردوا عليه فيظهر تناقضنا كما يزعمون والله المستعان.
ولا يعرف المخالفون للأسف ان اغلب هذه الادلة التي اوردناها في البحث ولربما كلها ,هي ادلة ونقولات قد سبق للشيخ ولمحمد سلامي ان ردا عليها في مقالاتهم او كتبهم او تعليقاتهم , بمعني انها ليست ادلة جديده حقيقة عليهم حتى نحاول ان نخفيها فمن يقرأ للشيخ ويتابع ما يكتب يعرف ان هذه الادلة التي سنوردها قد رد عليها الشيخ في كثير من كتاباته وكلها قد تابعناها وقرأناها لهذا لا نخاف من هذا التناقض الذي ذكر ولله الحمد لأننا نعتقد ان الطريقة التي طرحت بها هذه الادلة على الشيخ لم تكن طريقه صحيحه بمعني لم تكن في سياقها ولهذا كان رد الشيخ حلمي عليها متماشياً مع السياق الذي طرحت فيه هذه الادلة
سواء في كتابه الدار والديار
او في كتاب التوقف بين الشك واليقين
او في تعليقات الشيخ على رسالة تَيسِير العَزِيز الغَفَّار فِي بَيان عَلامات الإِسْلام الْحُكْمِي الْمُستقلَّة والقرائِن وتَبعيَّة الدَّار
او تعليقاته وردوده على ضياء الدين القدسي او تعليقاته المنتشرة على صفحات المنتديات على هذه الادلة وردوده عليها.
واما ما رد به الشيخ على موضوع تكفير المعين فلا نوافقه عليه وهو سبب هذه الرسالة
وللأسف لو كان المخالفين يتابعون هذه الكتابات لما قالوا ما قالوا ولربما كان ردهم علينا واتهامهم لنا اكثر موضوعيه وعلمية لو انهم عرفوا هذه الحقيقة
لكن لا نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى
( عسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)
فلربما كانت هذه الاتهامات مفيدة في طرح الموضوع بصورة افضل وتوضيح بعض اوجه الاشتباه , حتى نجد مخالف منصف ينصفنا وان خالفنا, مخالف يبتغي الحق ولا يريد ان ينتصر لنفسه او لفكر او مذهب او جماعة .
مخالف همه الوحيد ان تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين من دونه السفلى.
ففي كثيرا من الاحيان كانت اجابات الشيخ على بعض الادلة التي ذكرنا متعلقة بحكم عموم الناس وكيف انه لا يمكن تكفيرهم نتيجة لان القرائن قد اختلف فيها بين اهل العلم , او لان احكام التبعية مختلف في بعض تفاصيلها, وبالتالي فان تكفير عموم الناس هو امر فيه غلو ولا يجوز بحسب قول المخالفين لنا في منهج التوحيد , وهذا استدلال مقلوب
كما لا يخفي على صاحب كل ذي لب
فنحن لا نستدل بأحكام التبعية على كفر الناس اليوم لان احكام التبعية هي احكام مترتبة على كفر الناس فكيف يجوز ان نقلب المعادلة ونجعل من النتيجة سبب, وهذا الذي لحق بكثير من المشركين و المدافعين عن اهل الشرك حين اعتقدوا اننا نبني تكفيرنا للمشركين على احكام الديار وعلى احكام التبعية فاعتقدوا انهم بإثبات الخلاف في هذه المسائل فانهم يطعنون في حقيقة التوحيد ولم يتفطنوا ان هذه الاحكام مترتبة على كفر الناس ابتداء وعلى غلبة احكام الكفر على الديار التي يسكنها هؤلاء الاقوام .
وان وجودها لاحق لهذا الكفر ولانتشاره وليس سابق له او مبني عليه بحيث انك اذا ذكرت الخلاف فيه فانك تكون قد توصلت الى ان الخلاف هو في حقيقة الكفر الثابت المتواتر عن عموم الناس.
وهذا الفرق بيننا وبينهم في فهم حقيقة هذه الاحكام وفي طريقة طرحها والتي ندعي انها ربما لم تطرح بصورة صحيحة , ونعتقد اننا وسط بين المغالي فيها الذي جعل احكامها كأحكام اصل الدين , وبين المفرط والمضيع لها الذي اعتقد انها دليل على اختلاف اهل العلم واهل السنة والجماعة في الكفر والشرك الظاهر الواضح والعياذ بالله, فجعلها حجة يدفع بها في وجه الموحدين
كما فعل صاحب رسالة تيسير العزيز الغفار.
ولكن ليس المقام هنا للرد على هذا الامر فهو معروف للموحدين مفروغ منه ولله الحمد.
اذا لماذا اعدنا طرح هذه الادلة اذا كان الشيخ حلمي وغيره قد سبق وان رد عليها وبين ما فيها؟؟

نقول وبالله التوفيق

ان هذه الادلة التي رد عليها وتكلم فيها اكثر المخالفين انما كان ردهم عليها في سياق انها دليل على عدم امكانية تكفير اهل الشرك اليوم بحجة الاختلاف في هذه الاحكام بين اهل العلم والسلف الصالح , وردودهم كانت موفقه لأنها كانت على حكم الناس اليوم وبالعموم.
او فيما يتعلق بمن يعتقدون في التوقف في عموم الناس فلا يكفرونهم ما لم يروا منهم اسلاما او كفرا , وهذا كفر والعياذ بالله.

واما ردود الشيخ حلمي ومحمد سلامي فيما يتعلق بموضوع تكفير المعين فلم تكن موفقه وحججهم في هذا الامر لم تكن قويه واما حجج من حاورنا فسنذكرها وسنذكر تناقضها ونطلب من المنصفين من المخالفين ان يحكموا على هذه الحجج وعلى قوتها
لكن الطرح الذي نعتقد انه ربما لم يبين بما فيه الكفاية , وان هذه الادلة متعلقة به هو توقف المسلم في معين او في شخص بعينه ولا يكون لهذا المسلم اي اعتقاد بان عموم الناس يجب التوقف فيهم او غيره من الاعتقادات التي نعرفها ولا نختلف فيها ولله الحمد.

ولنقرب الصورة اكثر على نقطة الخلاف نقول
ان توقف الموحد في معين عند وجود قرينة ليس بكفر وهذا لا يخالفنا فيه المخالفون وان كنا لا نعتقد ان هذا يصح اصلا لأنه المفترض ان نحكم عند ظهور القرينة لا ان نتوقف
لكننا نتكلم هنا عن حكم التكفير ولا نريد ان نتطرق لغيره من المواضيع
ونعني هنا ان المخالفين لا يرون بكفر هذا المتوقف بقرينة, وهو عندهم مسلم
لكنهم يكفرون المسلم اذا توقف في معين (بدون قرينة) ويكفرون من لا يكفره وهذا هو وجه الخلاف بيننا.

ولهذا نرى ان هذه الادلة وان كان الكثير من الناس قد رد عليها ربما مرارا وتكرارا , لكننا لا نعتقد ان احدهم قد طرحها بهذه الكيفية والله اعلم.
ولهذا نورد جملة من الاعتراضات والاسئلة لعلنا نجد من يجاوبنا بعلم وحلم

فمن هذه الاعتراضات
ان هذا الخلاف في القرائن بين اهل العلم ينعكس بوضوح على تكفير المتوقف في معين واحد عند من يخالف في هذه المسألة وهي اشتراطهم ان يتوقف المسلم اذا راي قرينه والا فانه يكفر, فكان طرحنا هو ماهي القرينة التي يمكننا ان نتفق عليها حتى نعرف ان من خالفها ولم يعمل بها فهو كافر ومن اخذ بها فهو مسلم اذا توقف عند رؤيتها؟؟؟.

ومع انهم يقرون بانهم مختلفون حتى فيما بينهم في اي القرائن يمكن الاخذ بها في هذا الواقع , الا انهم يطالبون المتوقف ان لا يتوقف الا بقرائن , فاذا سالت ماهي القرائن فانهم يختلفون فيما بينهم عليها وهذا بشهادتهم ان بعضهم يأخذ بقرائن معينه والبعض الاخر لا يعتبرها قرينة على الاسلام.
فما هي القرينة التي اذا توقف بها المسلم فانه لا يكون كافرا ؟؟
وكم عدد الاشخاص الذين يحق للسلم ان يتوقف فيهم بقرينه ؟؟

هذا الاعتراض الاول على هذا الشرط الذي وضعوه وهو شرط غير شرعي كما هو واضح, لأنه لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من اقوال اهل العلم .

والاعتراض الثاني هو انه اذا كان اهل العلم قد اختلفوا في القرائن في عصرهم كما سنذكره فكيف يمكن ان يجعل من هذه القرائن شرط في تكفير او عدم تكفير من توقف في معين بل وتكفير من لم يكفره.

فهذا هو السياق الذي طرحنا فيه هذه الادلة وهو سياق مختلف كما ترون عن السياق الذي ذكره غيرنا من قبل , ونعتقد والله اعلم انه امر يحتاج الى منصف مخالف ينظر بعين الشرع لا بعين التعصب ويرد علينا بعلم وحلم حتى نتمكن من الوصول الى الحق نحن ومن كانت ضالته الحق بأذن الله .

ويأتي الاعتراض الثالث في نفس هذا السياق وفيما يتعلق بتكفير المتوقف في معين او في شخص بعينه
وتعليق هذا التكفير بأحكام التبعية بحجة ان المخالف في تكفير معين قد خالف العمل بأحكام التبعية وان مخالفتها كفر على حسب قول المخالفين .
ورغم تناقضهم فى تصنيف هذه الاحكام هل هي من اصل الدين ام انها ليست من اصل الدين.

الا ان القوم لا يهتمون حقيقة ويجعلون التكفير حكم واحد في الحالتين سواء من قال منهم انه من اصل الدين ام من لم يقل انه من اصل الدين منهم .
فهذا كلام لا يستقيم مع ما ذكره اهل العلم من الخلاف الواضح في كيفية الحكم على الدار بانها دار اسلام او دار كفر وبالتالي الحاق اهلها والقاطنين بها بأحكامها,
فيكونون كفار اذا كانت دار كفر
ويكونون مسلمين اذا كانت دار اسلام,
لكن هذه الدار قد تكون عند بعض اهل العلم دار اسلام لأنها لم تتوفر فيها شروط دار الكفر
, وقد تكون نفس هذه الدار عند البعض الاخر دار كفر لأنها توفرت فيها شروط دار الكفر فهذا خلاف لا يمكن ان تخطئه عين المنصف المخالف, كما لا يمكن ان تخطئ ما يترتب عليه من احكام
وهنا نذكر ان هذه الاحكام مترتبة على غيرها من الاحكام ولا يعني الخلاف فيها الخلاف في اصلها الذي قامت بسببه وهو انتشار الكفر بين اغلب سكان الدار وغلبة احكام الكفر عليها, فأهل العلم لا يختلفون مثلا في قوم انتشر بينهم الكفر, لكنهم يختلفون فيما يترتب على انتشار الكفر بين قوم معينين من احكام .

فهل تصبح دارهم دار كفر ؟؟

ام انها لا تصبح دار كفر اذا كانت غلبة الاحكام فيها للمسلمين
كديار اهل الذمة التي هي تحت حكم المسلمين ؟؟

و اذا كانت هذه الدار وسط ديار المسلمين ويسكنها اهل الذمة مثلا لكن ظهر اهلها على المسلمين في هذه الدار وغلبوا احكام الكفر عليها.
فهل تبقى دار اسلام ام انها اصبحت دار كفر ؟؟
فهذا هو وجه الخلاف كما نعتقد ليس في الاصل انما فيما يترتب على هذا الاصل من احكام , لهذا نعتقد ان تكفير الموحد الذي توقف في معين بالاعتماد على هذه الاحكام وهي احكام التبعية هو امر لا دليل عليه وهذا ما حاولنا ان نوضحه قدر جهدنا في هذه الرسالة.

الاعتراض الرابع وهو الاهم ربما على الاطلاق

وهو تناقضهم وتخبطهم في اصل هذا الحكم ودليله
فمره يقولون ان التبعية ليست من اصل الدين ولكنها مما لا يتم اصل الدين الا به وهذا ما بينا بطلانه في هذه الرسالة ولله الحمد.
فاذا قلت لهم ان المتوقف الذي نتكلم عنه و لا نكفره هو الذي يتوقف في معين ولا يتوقف في عموم الناس .
فيقولون انه اذا توقف بقرينه فهذا مقبول واما اذا توقف بدون قرينه فانه يلزمه ان يتوقف في كل من لايري منه كفر ولا شرك , ولا يوافقون على عدم التكفير بلازم القول مالم يلتزمه صاحبه .
فاذا قلت لهم هذا الكلام ضربوا لك مثالهم الشهير وهو قولهم انك اذا وقفت مع هذا المتوقف في معين امام السوق وسالته عن كل من يخرج من هذا السوق وهو شخص بعينه لم تري منه كفر ولا اسلام فيقولون ماحكم هذا المعين ؟

فنقول لهم ان المسلم اذا توقف في معين لا يكفر
فيقولون حسنا اذا توقف في كل من يخرج لأنه معين فما حكمه ؟؟

فنقول لهم حكمه انه يكفر في هذه الحالة لأنه التزم بهذا القول فعلا وحقيقة وان لم يلتزمه قولا فهو كافر بهذا لان حقيقة فعله انه يتوقف في كل من لايري منه كفر.
فيقولون لنا وبما تكفرون انتم هؤلاء القوم الذين لم تروا منهم كفر ولا شرك نقول لهم نكفرهم بغلبة الظن وهي حكم اجتهادي.

فيقولون لنا ان تكفيرنا هذا غير مقبول لأنه تكفير اجتهادي وليس تكفير اعتقادي وليس من اصل الدين فيرجعون بك الى النقطة الاولي التي قالوا انهم لا يعتقدونها وهي ان احكام التبعية ليست من اصل الدين
فاذا كانت احكام التبعية ليست من اصل الدين فلماذا تعتبرون تكفيرنا هذا اجتهادي ؟؟
فهلا اخبرتمونا عن اعتقادكم حقيقة في احكام التبعية حتى نعرف كيف نحاوركم !!!!!!!
فاذا كنتم لا تعتقدون ان احكام التبعية ليست من اصل الدين فلماذا تعتبرون تكفيرنا اجتهادي؟؟

واذا كنتم ترون انها من اصل الدين فكيف تستثنون من هذا التكفير من توقف بقرينه ؟؟
ولعل الكثير من الاخوة يذكر قول بعض دعاتهم حين قال لنا عندما صرحنا له باننا نكفر من لا نعرف حاله بغلبة الظن انه من عموم الكفار ,
فقال لنا حينها (( لا يهم باي حكم تكفرونه المهم انكم تكفرونه)).
فاستوقفناه عند كلامه هذا الذي لا يتوافق مع قوله ان هذا الحكم من اصل الدين ويمكن ان يسأل الاخوة الذين حضروا هذه النقاشات في منتديات الغرباء عن هذه الحادثة

وهكذا ندور معهم في دائرة مغلقه فلا نحصل منهم على جواب الا التناقض والرد على سؤالنا بسؤال اخر ومن المفترض كما هو معلوم ان يردوا علينا بالحجة والدليل وليس بالأسئلة والشبهات والطعون
وسترون هذا في ردود بعضهم على هذه الرسالة ان اراد الله ذلك
وكأن الميزان انقلب واصبح من يدعون انهم اهل الحق لا يملكون الدليل على هذا الحق .
واصبح من يتهمونهم بانهم كفار هم من يردون ويحضرون الادلة والبراهين على صحة معتقدهم ولا يقابلهم الطرف الاخر الا بالأسئلة والشبهات والعناد والتناقض والازدراء, وكأننا نطلب منهم المستحيل.
وكيف هذا ونحن نريد منهم ان يبينوا لنا اصل دينهم حتى نتبعه ان كان حقاً بدون كبر ولا عناد ومماطله ولا شحناء
وسنترك للمتابعين من اهل الانصاف ان يحكموا.
فإنني اسال الله ان يرزقنا بمن يجاوبنا منهم ويبين لنا ادلتهم لنناقشها بعلم وحلم
لا من يشبعنا اسئلة فوق اسئلتنا والله المستعان فلا نصل معهم الى حل.

وختاماً نقول لمن اراد ان يعلق او يحاور انه اذا كان يريد الحق فنرجوا ان لا يستعمل اسلوب التشويش والشبهات لأننا لن نرد على هذه الاساليب التي لم ينل منها المسلمين الا الشقاق والفرقة , والتي اثبتت التجارب والسنين التي مضت من عمر هذه الشبهة ان مفاسدها اكبر من مصالحها لهذا فان عدم الرد عليها هو افضل رد .
لذلك لن نرد الا على من اراد النقاش والحوار بجدية وبعلم لا لمجرد التهكم لأنه يعتقد انه الوحيد الذي على حق وكل من خالفه جاهل معاند .
واما القول بتقليد احد من الناس فهذا اسم شرعي لمن اتبع غيره بدون حجه ودليل وليس هذا سب ولا شتم كما يعتقد بعض الناس بدليل انك لو قلت لهم انكم تتبعون غيركم بدون حجه لما اعتبروه هذا سب ولا شتم واما اذا قلت لهم انكم مقلدون اعتبروا هذا سبا
واذا تأخر الرد فارجوا ان يتلمس المحاور العذر لأننا لاندخل كثيرا
والحمد لله رب العالمين
ولا عدوان الا على الظالمين


برهان الموحدين
على أن طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين





رد علي بدعة تكفير من خالف احكام التبعية
بحجة انها مما لا يتم أصل الدين الا بها
وشرح لقاعدة الفرق بين الحكم الحقيقي والحكم التقديري


مقـدمـة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارِها لا يزيغ عنها إلا هالك، النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته، بعثه الله للناس كافة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عَن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.


أَمَّا بَعْدُ
يقول الله تعالي
(قل يا أهل الكتاب تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران:64)
قال بن كثير في تفسيره لهذه الآية
هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ومن جرى مجراهم .

ثم قال .

( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) أي : فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم)انتهي

وقال : العرباض بن سارية السلمي: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة فوعظنا موعظة ، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الأعين ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، قد وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا ، قال : " عليكم بتقوى الله - أظنه قال : والسمع والطاعة - ، وسترى من بعدي اختلافا شديدا - أو كثيرا - فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والمحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة ".

فها نحن اليوم نواجه هذا الاختلاف الشديد الذي حذر منه رسول الله صلي الله عليه وسلم صحابته الكرام, وأوصاهم باتباع سنته وسنة الخلفاء المهديين من بعده , وطلب منهم ان يعضوا عليها بالنواجذ , وحذرهم من المحدثات, لان كل بدعة ضلاله والعياذ بالله .
وها نحن اليوم نحاول القيام بنفس هذا الواجب , الذي قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في حياته, وأوصي صحابته بالقيام به بعد مماته , وهو تحذير المسلمين من هذه البدع والفتن والاختلافات , التي مزقت جسد الامة المسلمة الصغير , في الوقت الذي يجتمع فيه اعدائها في كل يوم وتشتد شوكتهم, وتنتشر دعوتهم بين الناس , وبعض من ينتسب الى المسلمين لايزالون في خلافهم على ما يدخل في اصل الدين وما لا يدخل فيه , فتجد اقواما منهم يخرجون عليك كل يوم بشيء يتبين لهم دون غيرهم انه من اصل الدين , وان مخالفه كافر لم يحقق اصل دينه ,ويستمرون في غيهم وطعنهم واضعافهم للجماعة المسلمة التي تواجههم وتواجه غيرهم من المشركين , فيكون الطعن والتنكيل ممن انتسبوا لهذه الجماعة انكى , وأشد واقوى من طعن المشركين , فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
فهم بخلافهم هذا يهدمون كل ما بناه المسلمون وعملوا على اظهاره طيلت سنين, بل يسفهون دين المسلمين من حيث لا يعلمون , بابتداعهم اقوال واحكام واصل دين جديد ما أنزل الله به من سلطان.
بل وفوق هذا كله يقلبون قواعد الدين التي قالوا ان مخالفيهم قد هدموها ,فيجعلون الفروع اصول , ويطالبون غيرهم بالأدلة رغم انهم هم المطالبون بها , ويكفرون كل من خالفهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ,ويدافعون عن عقيدة التوحيد بابتداع مالم يأذن به الله .
فما ابعد فعلهم هذا عن الدفاع عن هذه العقيدة التي حفظها الله سبحانه وتعالي من عبث العابثين , ومكر الحاقدين.
وهذه البدعة التي سنناقشها اليوم هي بدعة تكفير من خالف في طرق الحكم على الناس ومنها احكام التبعية , والتي ظهرت بسبب موضوع تكفير المتوقفين في الناس اليوم فلا يحكمون لهم بإسلام ولا بكفر, بحجة انهم لم يروا منهم ما يكفرونهم به من قول او عمل او اعتقاد, وشمل هذا ايضا تكفير المتوقف الذي يتوقف في معين أي في شخص واحد بدون قرينة, فكفروا هذا المتوقف في معين بحجة ان توقفه بدون قرينة ولو في شخص واحد, يستلزم توقفه في الناس كلهم , ثم كفروا من لم يكفره ايضا, وهكذا تتابعت بهم الامور حتى وصلوا الى قولهم المنكر من ان احكام التبعية وان لم تكن من أصل الدين الا انها مما لا يتم اصل الدين الا بها وبما ان اصل الدين واجب ولا يتم الا بأحكام التبعية حسب زعمهم اذا فأحكام التبعية واجبة ايضا وبهذا فان مخالفها كافر لأنه ترك مالا يتم اصل الدين الا به .

ولعل القارئ قد عرف من عبارتي مدي تداخل هذه الشبهة ومدي هشاشتها .
ومدي ضعفها, وافتقارها الى ابسط مقومات القواعد الشرعية , الا وهو الدليل الشرعي الذي بنيت عليه هذه البدعة , فنحن نعرف انه لا دليل على هذا الكلام لأنها ببساطه بدعة والبدعة هي ابتداع ما لا أصل له في دين الله, ومحاولة جعله شرعاً واجب الاتباع
يقول بن تيميه فى الاستقامة - (1 /13
لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره تمييز السنة من البدعة
إذ السنة ما أمر به الشارع والبدعة ما لم يشرعه من الدين فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو السنة وطريق مخالفه هو البدعة ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم المبتدع فيقوم من ذلك من الشر ما لا يحصيه إلا الله
وأول من ضل في ذلك هم الخوارج المارقون حيث حكموا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته وأن عليا ومعاوية والعسكرين هم أهل المعصية والبدعة فاستحلوا ما استحلوه من المسلمين)انتهي
وقال ايضا في الرد على البكري - (1 / 165)
و أما الشرع فيقال العبادات كلها مبناها على الإتباع لا على الابتداع فليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله)انتهى

قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: الروح)، ص257. «
والفَرْقُ بين الاقتصاد والتقصير: أنّ الاقتصادَ هو التوسُّطُ بين طَرَفَي الإفراطِ والتفريط، وله طرفان هما ضدان له: تقصيرٌ ومجاوزةٌ، فالمقتصدُ قد أخذ بالوسَطِ وعَدَل عَن الطَّرَفَين قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ (الفرقان:67)، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ (الإسراء:29)، وقال تعالى: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ (الأعراف:31).
والدين كله بين هذين الطَّرفين، بل الإسلامُ قَصدٌ بين الْمِلل والسُّنَّةُ قَصدٌ بين البدع، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
وكذلك الاجتهاد هو بذل الْجُهد فِي موافقة الأمر، والغُلُو مُجاوزته وتَعَدِّيه.
وما أمر الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: فإمَّا إلى غُلوٍ ومُجاوزةٍ، وإما إلى تَفريطٍ وتَقصيرٍ، وهما آفتان لا يَخلُص منهما فِي الاعتقاد والقَصْد والعمل إلا مَن مَشَى خَلْف رسول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَتَرَك أقوال الناسِ وآراءهم لِمَا جاء به، لا مَن تَرَكَ ما جاء به لأقوالهم وآرائهم، وهذان الْمَرَضَان الْخَطِران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذَّر السَّلف منهما أشدّ التحذير، وخوَّفوا مَن بُلِيَ بأحدِهما بالهلاك، وقد يَجْتَمِعَان فِي الشخصِ الواحد كما هو حالُ أكثرِ الخلقِ يكونُ مُقَصِّرًا مُفَرِّطًا فِي بعض دِيْنه، غَاليًا مُتجاوِزًا فِي بعضه، والْمَهْدِيُّ مَن هَدَاهُ الله»ا.هـ.

فانظر هداك الله الى هذه الدرر الربانية من علماء هذه الامه حين قالوا
ان الإسلامُ قَصدٌ بين الْمِلل
والسُّنَّةُ قَصدٌ بين البدع.
ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
وكذلك الاجتهاد هو بذل الْجُهد فِي موافقة الأمر.
والغُلُو مُجاوزته وتَعَدِّيه.
وما أمر الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان:
فإمَّا إلى غُلوٍ ومُجاوزةٍ.
وإما إلى تَفريطٍ وتَقصيرٍ.
وهما آفتان لا يَخلُص منهما فِي الاعتقاد والقَصْد والعمل .
إلا مَن مَشَى خَلْف رسول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَتَرَك أقوال الناسِ وآراءهم لِمَا جاء به.
لا مَن تَرَكَ ما جاء به لأقوالهم وآرائهم.
وهذان الْمَرَضَان الْخَطِران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذَّر السَّلف منهما أشدّ التحذير، وخوَّفوا مَن بُلِيَ بأحدِهما بالهلاك، وقد يَجْتَمِعَان فِي الشخصِ الواحد كما هو حالُ أكثرِ الخلقِ يكونُ مُقَصِّرًا مُفَرِّطًا فِي بعض دِيْنه، غَاليًا مُتجاوِزًا فِي بعضه، والْمَهْدِيُّ مَن هَدَاهُ الله.
فهذا الوصف يكاد ينطبق على كثير من اهل البدع هذه الايام والله المستعان بل ولا يكاد يخلوا حتى ممن يتصدون لهم احيانا فتجدهم يدافعون من جهه عن السنة ,ويقعون فى المقابل فى بدعه مشابهة .
فهلا توقف الجميع عند هذا القول وراجعوا أنفسهم أو على الأقل من يريد الحق منهم ويدعي انه يبحث عنه .
يقول شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل ـ معنون - (1 / 114)
الوجه الخامس عشر

وحينئذ فالدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل غير شرعي ويكون مقدما عليه بل هذا بمنزلة من يقول : إن البدعة التي لم يشرعها الله تعالي تكون مقدمة علي الشرعة التي أمر الله بها أو يقول : الكذب مقدم علي الصدق أو يقول خبر غير النبي صلي الله عليه وسلم يكون مقدما علي خبر النبي أو يقول : ما نهي الله عنه يكون خيرا مما أمر الله به ونحو ذلك وهذا كله ممتنع
وأما الدليل الذي يكون عقليا أو سمعيا من غير أن يكون شرعيا فقد يكون راجحا تارة ومرجوحا أخري كما أنه قد يكون دليلا صحيحا تارة ويكون شبهة فاسدة أخري فما جاءت به الرسل عن الله تعالي إخبارا أو أمرا لا يجوز أن يعارض بشيء من الأشياء .
وأما ما يقوله الناس فقد يعارض بنظيره إذ قد يكون حقا تارة وباطلا أخري وهذا مما لا ريب فيه لكن من الناس من يدخل في الأدلة الشريعة ما ليس منها كما أن منهم من يخرج منها ما هو داخل فيها والكلام هنا علي جنس الأدلة لا علي أعيانها)انتهي

وداء الابتداع داء له اسباب لم يغفل عنها سلف هذه الامة بل ذكروه وصنفوا فيه الكتب فقال الشاطبي مثلا في كتاب الاعتصام , ذاكرا بعض أسباب الابتداع , والدافع اليها فقال
- (1 / 148
)واما ان لم يصح بمسبار العلم انه من المجتهدين فهو الحرى باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم
اذ قد اجتمع له مع الجهل بقواعد الشرع
الهوى الباعث عليه في الاصل
وهو التبعية اذ قد تحصل له مرتبة الامامة والاقتداء والنفس فيها من اللذة مالا يزيد عليه ولذلك يعسر خروج حب الرئاسة من القلب اذا انفرد حتى قال الصوفية حب الرئاسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين
فكيف اذا انضاف اليه الهوى من اصل
وانضاف إلى هذين الأمرين دليل في ظنه شرعي على صحة ما ذهب اليه
فيمكن الهوى من قلبه تمكنا لا يمكن في العادة الانفكاك عنه وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه كما جاء في حديث الفرق
فهذا النوع ظاهر انه آثم في ابتداعه اثم من سن سنة سيئه)انتهى

وقال بعد هذا الكلام ايضا كلاما ينظبق على هذه البدعه وعلى من تمسك بها بصورة تكاد تكون مطابقه والله المستعان......

(وانما وضعوا ذلك بحسب ما ظهر لهم بادي الرأي من غير دليل عقلي ولا نقلي بل بشبهة زعموا انها عقلية وشبه من النقل باطلة اما في اصلها واما في تحقيق مناطها وتحقيق ما يدعون وما يرد عليهم به مذكور في كتب الائمة وهو يرجع في الحقيقه إلى دعاو واذا طولبوا بالدليل عليها سقط في أيديهم إذ لا برهان لهم من جهة من الجهات)انتهى

فأقول لهم اولا مثلما قال بن تيميه في رده على من اوجب مثلهم امرا لم يوجبه الله ورسوله للدخول في الاسلام أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدع أحدا من الخلق إلى الى معرفة طرق الحكم على الناس ولا احكام التبعية ابتداء ولا قال ان احكام التبعية مما لا يتم واجب تكفير المشركين الا بها و ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان وبذلك أمر أصحابه
كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : [ إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ]
وكذلك سائر الأحاديث عن النبي صلى* الله عليه و سلم موافقه لهذا كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عمر : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ]
وفي حديث ابن عمر : [ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ]
وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين وعلماء المسلمين فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين سواء كان معطلا أو مشركا أو كتابيا وبذلك يصير الكافر مسلما ولا يصير مسلما بدون ذلك
كما قال أبو بكر بن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذ قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به محمد حق وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح يعقل - أنه مسلم فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد.أ.هـ
واما الحجه التي يستعملها اكثرهم وهي قولهم ان هذه الاحكام داخله فى معني لا اله الا الله وطلب تحقيق لا اله الا الله متضمنا لهذه الاحكام فسنبين لهم ان هذا كلام غير صحيح ولا علاقة لهذه الاحكام بتحقيق لا اله الا الله

واما اصحاب هذا القول الذين يزعمون انه من اصل الدين وان اصل الدين لا يتم الا بمعرفة احكام التبعية بل وتكفير من خالفهم فيها ايضا فنقول لهم قبل ان نشرع في بيان فساد قولهم وبدعتهم
قال شيخ الاسلام بن تيميه في مجموع الفتاوى في بيان كل ما ينبغي اعتقاده اذا كان من اصل الدين - (5 / 7 .
قال
((فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه . ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق . وكلاهما ممتنع .
أما الأول : فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه ؛ أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته . وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر . وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضا عن الله وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى ؛ فكيف يقع في أولئك ؟ وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه : فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم . ثم الكلام في هذا الباب عنهم : أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف ؛ بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها) انتهى


ونبدأ ردنا على هذه البدعة من اخر ما نقلناه عن شيخ الاسلام في رده على من اعتقد ان خلف هذه الامة اعلم من سلفها فيما يتعلق بما يجب اعتقاده .
نقول وبالله التوفيق
يقول شيخ الاسلام مقررا قاعدته التي يميز بها بين السنة والبدعة في كثير من ردوده على اهل البدع , ونحن نستعيرها منه هنا للرد على هذه البدعة وهي تكفير الموحد الذي توقف في معين فنقول لهم
كيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب وهو ارتباط طرق الحكم على الناس واحكام التبعية باصل الدين وبشهادة ان لا اله الله قد وقع من الرسول على غاية التمام
ثم إذا كان قد وقع ذلك منه :
فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه .
ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم الذين يلونهم
ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين
لهذا قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى - (5 / 12)
وإنما قدمت " هذه المقدمة " لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم وإعراضهم عما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين)انتهى
وهذا من ابسط وأول الادلة التي نطالبهم بها وهو قول واحد من الله ورسوله او من صحابته او من القرون الفاضلة التي تليهم , يدل على ان مخالف أحكام التبعية كافر, لأنها مما لا يقوم الواجب وهو اصل الدين الا بها ,وما لا يقوم الواجب الا به فهو واجب وتركه او مخالفته كفر , ولا نتكلم هنا عن جحدها او انكارها لان جحد او انكار أي حكم شرعي هو كفر سواء كان متعلق بأصل الدين او لم يكن,هذا اولا.

وثانيا: سنحاول توضيح منزلة موضوع تكفير المشركين في عقيدة التوحيد و أصل الدين ؟
أين يقع داخل هذه العقيدة ؟
وكيف يمكن للمسلم ان يحقق هذا الاصل العظيم ؟
وما يدخل في تحقيق هذا الاصل ومالا يدخل فيه.
وهل طرق الحكم على الناس داخلة فى تحقيق معني لا اله الا الله ؟؟
وهنا سنناقش مبحثين فى هذا الباب لمحاولة للالمام باكبر قدر من الامور المتعلقه بهذه الشبهة حسب طلب كثير من الاخوه الذين راجعوا الرساله وابدوا ملاحظاتهم عليها .
وسنناقش اولا تعلق هذه الاحكام باصل الدين وهذا يرد على من كفر المتوقف فى معين بحجة ان طرق الحكم على الناس ومنها احكام التبعية هي من اصل الدين .

والامر الاخر هو مايتعلق بقاعدة من لم يكفر الكافر والتي يستند اليها اصحاب هذه الشبهة فى تكفير من لم يكفر المتوقف وهو الشخص الثاني وهو الذي لايتوقف لكن لايكفر المتوقف
ولو ان الرد على الاصل الاول يكفي فى وجهة نظرنا لانه اذا ثبت ان المتوقف لايكفر , فمن باب اولي ان لايكفر من لايكفره.
و لان هذا هو المدخل الصحيح لما بعده وهو المبحث الثالث وهو الفرق بين حكم الحال او تحقيق المناط والحكم الشرعي.

ثالثاً: سنبين صحة فهم أهل السنة والجماعة والقول الفصل بأذن الله في هذه الشبهة , وهو موضوح الفرق بين حكم الحال او تحقيق المناط وبين الحكم الشرعي في مسألة تكفير الكافر.
رابعاً: سنثبت لأصحاب هذه البدعة انهم هم المطالبون بالدليل على كفر الموحد الذي توقف في معين , لانهم دائما وفي كل حواراتهم تقريبا يقلبون القواعد الشرعية المتفق عليها ويطالبوننا بالدليل على اسلام من ثبت اسلامه ابتداء ويعتقدون اننا لا نستطيع الرد وانهم اصحاب الحق في طلب الدليل على اسلام المسلم .
.
خامساً: سنرد على ما أرسله لنا بعض الشباب من كلام بعض الشيوخ عن احكام التبعية وقوله انها مما لا يتم الواجب الا بها .
وسنبين اختلاف أهل العلم في هذه القاعدة وفي كيفية العمل والأخذ بها في الأمور الشرعية .
وسنوضح وبما لا يدع مجالاً للشك ان احكام التبعية من الاحكام التي اختلف فيها اهل العلم سواء اختلافهم في تحقيق مناط دار الكفر ودار الاسلام والتي يحكم على مجهول الحال بتبعيته لها .
او سواء في اختلافهم في احكام التبعية نفسها اذا اتفقوا على تحقق مناط دار الاسلام او دار الكفر, وهذا الذي سيبين لك فساد ملزومهم كما قال بن تيميه فان فساد اللازم يقتضي فساد الملزوم .

واني ارجوا من الله ان اتمكن من الاحاطه باكبر قدر من الجوانب التي تتعلق بهذا الموضوع ,اذ ان بعض الاخوة وضع تعليقات بعدم شمول هذه الرساله لكل الاوجه المتعلقه بهذه الرساله , وهذا ربما من الصعب تحقيقه ولربما تمكن غيرنا من سد النقص الذي يجده فى هذه الرساله.
والامر الاخر انه لايفترض فى اي بحث او رد علي شبهة معينه ان يتم الرد على كل ماقيل من شبهات وكلام متعلق بهذه البدعه و انما يكفي حسب ظننا أن نرد بالحق ونبينه ونبين ادلته وهذا كفيل بالرد على كل الشبهات وعلى كل المتحدثين بها بدون تخصيص, لان اظهار الحق بادلته هو الذي نطالب به امام الله, ولا نطالب بالرد على كل شبهه وكل كلمة ياتي بها اصحاب الشبهات والبدع كما قال غير واحد من اهل العلم .
وكذلك خوفا من ان تطول الرساله وتصبح لدي كثير من الاخوه ممله صعبه الفهم و يتشتت عقل وتفكير من يحاول الربط بين ابوابها ليصل الى الخلاصة المرجوه من هذه الرساله , وهذا كما لايخفي من اعظم الافات التي قد تحدث لاي رساله او رد خصوصا اذا كان فى موضوع مهم بل فى غاية الاهمية والله المستعان
.
الباب الاول
موضوع تكفير المشركين في عقيدة التوحيد التي هي أصل الدين ؟
أين يقع داخل هذه العقيدة ؟


لن ندخل في كل ما يتعلق بأصل الدين واركان عقيدة التوحيد , وان كان هذا ماطلبه بعض الاخوة عند تعليقهم على الرساله ومراجعتها وذلك لسبب مهم وبسيط وهو انه لا خلاف بيننا وبين اصحاب هذه البدعه على مقدمات هذه العقيدة بل وعلى كل مايتعلق بها الا فى هذا الموضوع كما نعلم , لهذا سنحاول فقط التركيز على مايتعلق بهذا الجانب.
وهو جانب طرق الحكم على الناس والتي منها احكام التبعيه و سنتكلم وباختصار عن موضوع تكفير الكافر وموضعه في هذه العقيدة حتى نتسلسل بهذا الفهم الى ان نصل الى الفهم الصحيح لهذه القواعد وننزلها منزلتها ونعرف مراد الله ورسوله منها فلا ندخل فيها ما ليس منها كما لا نخرج منها ما هو من صميمها
جاء في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد أثناء شرحه لكلمة التوحيد لا اله الا الله قال الشيخ - (1 / 34
وأما معنى الآية فأخبر تعالى أنه بعث في كل أمة أي في كل طائفة وقرن من الناس رسولا بهذه الكلمة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه فلهذا خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال تعالى قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به اليه أدعو وإليه مآب وهذه الآية هي معنى لا إله إلا الله فإنها تضمنت النفي والاثبات كما تضمنته لا لله إله إلا الله ففي قوله اعبدوا الله الاثبات وفي قوله اجتنبوا الطاغوت النفي فدلت الآية على أنه لا بد في الاسلام من النفي والاثبات فيثبت العبادة لله وحده وينفي عبادة ما سواه وهو التوحيد الذي تضمنته سورة قل يا أيها الكافرون وهو معنى قوله فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)انتهى
قال ابن القيم وطريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات فينفي عبادة ما سوى الله وثبت عبادته وهذا هو حقيقة التوحيد والنفي المحض ليس بتوحيد وكذلك الاثبات بدون النفي فلا يكون التوحيد إلا متضمنا للنفي والاثبات وهذا حقيقة لا إله إلا الله انتهى
ويدخل في الكفر بالطاغوت بغضه وكراهته وعدم الرضى بعبادته بوجه من الوجوه
ودلت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه وان أصل دين الانبياء واحد وهو الإخلاص في العبادة لله وان اختلفت شرائعهم))انتهى.
فهذا الركن المهم العظيم وهو الكفر بالطاغوت هو احد ركني هذه العقيدة وتارك هذا الركن لم يحقق اصل الدين وهو الكفر بالطاغوت .
لكن ماهي صفة الكفر بالطاغوت؟
او كيف يحقق الانسان هذا الركن ,ليكون بعدها كافر بالطاغوت؟
ليتسنى له بعدها ان يأتي بالركن الثاني وهو الاثبات وهو الايمان بالله بعد الكفر بكل ما يعبد من دونه.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كيفية تحقيق هذا الركن في رسالته الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة - (1 / 8
اعلم رحمك الله تعالى أنّ أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، والدليل قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أنِ اعبدوا اللهَ واجتنبوا الطاغوت } .
فأمّا صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم .

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مجموعة التوحيد ص 260: " صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها، وتكفِّر أهلها وتعاديهم "انتهى

قال ابن القيم رحمه الله -شفاء العليل ص 346:
" لا يكفي أن يعبد الله ويحبه ويتوكل عليه, وينيب إليه ويخافه ويرجوه ، حتى يترك عبادة غيره والتوكل عليه والإنابة إليه وخوفه ورجاءه ، ويبغض ذلك "انتهى

اذا يتحقق ركن الكفر بالطاغوت بهذه الشروط
اعتقاد بطلان عبادته وتركها وبغضها.
تكفيره اذا كان عاقل راضي بالعبادة .
(تكفير من يعبده)والكلام هنا عن من يعبد الطاغوت .
البراءة من عابديه ( أي عابدي الطاغوت بعد تكفيرهم طبعا).
وبغضهم ومعاداتهم.

اذا هذه هي صفة الكفر بالطاغوت والتي يجب على كل مسلم ان يحققها ليكون كافراً بالطاغوت .
والشرط الذي يتعلق به موضوع هذه الشبهة هو الشرط الثالث او الصفة الثالثة
وهو تكفير عبدة الطاغوت ,او تكفير المشركين , او تكفير الكافر .
واما الشرطين الرابع والخامس فهما متعلقين بالشرط الثالث وهو التكفير اولاً
وهذه احدي شبهاتهم التي يلبسون بها على العامة فيقولون لك عند محاورتهم
((إذا لم احكم على كل الناس كيف يمكنني ان اتبراء من المشركين ؟
والبراءة من المشركين من أصل الدين, فاذا توقف شخص في معين فهذا لم يحقق البراءة ,وبهذا هو لم يحقق أصل الدين , وبهذا يكفر )).
فنقول لهم هذه احدي الوسائل التي يستعملها اهل الشبهات وهي قلب الحقائق والقواعد الشرعية , فهم يقدمون البراءة على تكفير الكافر ,فيجعلون البراءة سابقة للتكفير وهذا من اعظم الجهل.
فالبراء او الولاء يتعلقان بالحكم بإسلام الشخص او بكفره وليس العكس بمعني انه يجب ان نحكم على الشخص اولا ثم ننزل عليه ما يتعلق بهذا الحكم من لوازم تتناسب وحكمه الشرعي
فاذا حكمنا بإسلام شخص لزمنا ان نواليه ونعصم دمه وماله
واذا حكمنا بكفر شخص لزمنا ان نتبرأ منه ونبغضه ونعاديه

جاء في مجموع الفتاوى لابن تَيمِيَّة)، ج12، ص 468رَحِمَهُ الله_
:«فَاعْلَمْ أَنَّ “مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ” هِيَ مِنْ مَسَائِلِ “الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ” الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ»(ا.هـ..


لهذا قال شيخ الاسلام بن تيمية ان هذه الاحكام تتعلق بها المولاة والمعاداة و القتل والعصمة وليس العكس ,فنرجوا ان لا يستعمل موضوع البراءة كحجة على كفر المتوقف في معين بعد هذا التوضيح ,لان هذا من اعظم الجهل بقواعد الدين كما بينا.

ونعود الان الى موضوع الحكم بكفر الكافر .
وما يهمنا هنا هو كيف يتحقق هذا الشرط؟؟
لان الخلاف ليس في وجوب الحكم بتكفير الكافر ,او في ارتباطه بأصل الدين .
بل الخلاف في كيفية تحقيق هذا الشرط بعد الايمان به.

فنقول وبالله التوفيق
ان الحكم على أي شيء يجب ان يسبقه أمرين مهمين .
اولاً :تصور حقيقة هذا الشيء في الواقع ومعرفته ومعرفة الصفات او العلامات او الامارات أو الشواهد الدالة على وجوده او تحققه أو وقوعه ولهذا الامر اسباب او شروط او موانع احيانا, ذكرها الشارع ليعرف بها تحقق شيء او وقوعه على صورة معينه ربطها الشارع بحكم معين .
ثانياً: معرفة الحكم المترتب على وقوع هذا الشيء او وجوده او تحققه , وسواء كان هذا الحكم شرعياً او عقلياً.

فحكم الكذب مثلا يجب ان يسبقه معرفة وتصور لمعني الكذب والذي هو قول مخالف للحقيقة او مغاير للحقيقة مع تعمد تغيير الحقيقة , فكل من ابلغ عن شيء بعكس حقيقته متعمداً فهذا غير حقيقة هذا الشيء وهو متعمد فهذا كذب.
وكل من توفرت فيه هذا الشروط فهو متصف بالكذب ويسمي كذاب ,هذا حاله. .
اما حكمه قبل ورود الشرع , فهو مما اجمع العقلاء على انه من القبائح حتى قبل ورود الشرع بتحريمه ,فهذا هو الحكم العقلي للكذب ,انه فعل قبيح يتوصل به الانسان الى تغيير الحقيقة لأخذ شيء بغير وجه حق او لإيذاء الغير او لأي سبب اخر.
واما حكمه الشرعي فهو التحريم .
وهكذا الامر في الحكم على كل الاشياء.
يجب اولا معرفة حقيقة الشيء وتصور واقعه والتحقق من وجوده
ثم معرفة حكمه الشرعي اذا كان الامر شرعياً او حكمه العقلي اذا احتاج الانسان الى ذلك في بعض الامور احياناً.
قال بن تيمية في مجموع الفتاوى)، ج35، ص227. _رَحِمَهُ الله_: «
وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِأَسْمَاءِ الدِّينِ مِنْ إسْلَامٍ، وَإِيمَانٍ، وَكُفْرٍ، وَنِفَاقٍ، وَرِدَّةٍ، وَتَهَوُّدٍ، وَتَنَصُّرٍ، إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ ا.هـ.

وكلامنا هنا عن حكم تكفير الكافر كيف يمكن ان نحقق هذا الشرط
ونحن لا نتكلم عن الجانب الاعتقادي هنا حتى لا يذهب القارئ بعيداً ,فكلامنا هنا عن كيفية تحقيق هذا الشرط على ارض الواقع بعد الايمان بوجوب العمل به ,وبأنه من أصل الدين , فالاعتقاد اذا موجود لدي الشخص وهو كون ان من عبد مع الله اله اخر فهو كافر او من ارتكب ما قال الله ورسوله انه كفر فهو كافر ويجب تكفيره.
لكن الخلاف هو في تحقيق هذا الشرط عملياً على ارض الواقع , وهو الحكم بكفر شخص ما او اسلامه .
وقد وضع الشارع الحكيم شروط واسباب رتب عليها احكام , وقرر ان هذه الاحكام لا تجري الا اذا تحققت شروطها ووجدت أسبابها وانتفت موانعها ,وأجرى أحكاما أخري بدون تحقق شروطها ووجود اسبابها لحكمة يريدها ,فلا معقب لحكمه ولا مبدل لشرعه , وسنبين هذه الاحكام لاحقاً والتي اجراها الشارع بدون تحقق شروطها وتوفر اسبابها وهي التي تسمي بالتقادير الشرعيه او بالاحكام التقديريه.
وهذه الاحكام التي رتبها الشارع عند تحقق شروطها ووجود اسبابها , لا يمكن اجرائها والعمل بها الا بعد تحقق هذه الشروط ووجود هذه الاسباب وانتفاء الموانع .
اذا وجب على كل مسلم ان يعرف هذه الشروط والاسباب ليتمكن من اجراء الاحكام وانزالها على مناطاتها الصحيحة .
وهذا لا يتأتى الا بنوعين من الفهم كما قال بن القيم _رَحِمَهُ الله
في إعلام الموقعين)، ج1، ص69._
: «وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي، وَلَا الْحَاكِمُ، مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ، وَالْفِقْهِ فِيهِ، وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ، وَالْأَمَارَاتِ، وَالْعَلَامَاتِ، حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِه فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا؛ فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(ا.هـ.

اذا يجب اولا فهم الواقع او معرفة حال هذا الشخص او حكم حاله.
والثاني فهم الحكم الشرعي الواجب في حق هذا الشخص بعد ان عرف حاله.

وانظر إلى عبارة بن القيم عليه رحمة الله حين قال ((ولا يتمكن)) أي أن من أراد أن يحكم على شئ ما فانه لن يتمكن من إجراء هذا الحكم إلا بنوعين من الفهم ذكرهما وشرحهما في رسالته التي نقلنا جزء منها
وهذين أصلين مهمين كما ذكر بن تيميه رَحِمَهُ الله في جوابه عندما سأل عن حكم التتار

فقال في مجموع الفتاوى)، ج28، ص510.: «_
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ يَجِبُ قِتَالُ هَؤُلَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَعْرِفَةُ بِحَالِهِمْ.
وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِي مَثَلِهِمْ»(ا.هـ.

وقال ايضاً في مجموع الفتاوى)، ج35، ص227. _رَحِمَهُ الله_: «
وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِأَسْمَاءِ الدِّينِ مِنْ إسْلَامٍ، وَإِيمَانٍ، وَكُفْرٍ، وَنِفَاقٍ، وَرِدَّةٍ، وَتَهَوُّدٍ، وَتَنَصُّرٍ، إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ ا.هـ.

اذا كلامنا هنا يتعلق بأصل معروف وهو ما يسميه أهل العلم مسائل الاسماء والاحكام .
ومسألتنا تتعلق بالاحكام التي ربطت بأسماء الدين كما ذكر شيخ الاسلام بن تيميه من اسلام وكفر ونفاق وردة وتهود وتنصر.
فالأحكام المتعلقة بهذه الاسماء لا تثبت الا لمن اتصف بالصفات الموجبة لتعلق الحكم بها او لانزال الحكم المناسب على من اتصف بها.
فكلامنا اذا وخلافنا هو في اثبات اتصاف الشخص المعين بصفات معينه توجب انزال احكام الكفر او الاسلام او الردة او النفاق علي ذلك الشخص.
وهو ما يسمي بتحقيق المناط او معرفة حكم حال الشخص قبل انزال الحكم عليه بإسلام او بكفر.
ولهذا فأن الخلاف فيه واسع ولا يكفر جهل حال انسان معين لعدم معرفته به او عدم تحققه من اتصاف هذا الشخص بصفة معينة توجب انزال الحكم الشرعي عليه, فاختلف هو وغيره في حكم هذا الشخص او توقف في الحكم على هذا المعين, يبينه عدم كفر من لم يكفر المنافق الذي لا يظهر كفره ونفاقه , فهذا المسلم يعلم أن المنافق كافر في الباطن ولا يختلف مع المسلمين في حكمه , ولكنه قد يخالف في الحكم على شخص بعينه انه منافق لأنه لم يري منه ما يحقق الأصل الأول للحكم على الناس وهو معرفة حاله , فجهله بحاله لا يجعله كافرا إذ انه لا يخالف في حكم المنافق , لكنه يخالف في كون هذا الشخص بعينه منافق أو يتصف بصفات حكم الشرع على من اتصف بها انه منافق , لهذا وجدنا أن هناك من الصحابة من يعرف بعض المنافقين ويحكم عليهم بالنفاق والكفر ولا يكفر من لم يكفرهم من الصحابة الذين لم يروا من هؤلاء المنافقين ما يدعوا إلى وصفهم بالنفاق أو تكفيرهم .
لأنه كما قلنا خلاف في حكم الحال وليس خلاف في الحكم الشرعي.
ولا تكفي مخالفة احكام التبعية وحدها في تكفير الموحد الذي خالف في الحكم بكفر شخص معين لأنه لم يري منه ما يقتضي ذلك لان أحكام التبعية أحكام تقديريه كما سنبين لاحقا وهي أحكام قدر الشارع وجودها رغم عدم وجود أسبابها وتحقق شروطها, بمعني أن من أجراها, أجراها بدون سبب ومن غير تحقق شرطها فالتكفير بها هو إرغام للمخالف أن يجري أحكام بدون أن تتوفر أسبابها وتتحقق شروطها, فإذا كان المكفر يعلم انه يكفر بحكم تقديري ويطلب من مخالفه التكفير به وهو يعلم انه لا سبب لهذا الحكم , فهذا افتراء وجهل عظيم بهذه الأحكام , وأما إذا كان لا يعرف أصلا أن هذه أحكام تقديريه وان إجرائها هو من باب إعطاء حكم الموجود للمعدوم , فالمصيبة أعظم .
ومثاله إعطاء حكم الكفر لأطفال المشركين رغم عدم وجود سبب الكفر وهو ارتكابهم لفعل مكفر .
والدليل ما سنذكره مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وفهم اهل العلم لهما.
وفتاويهم التي لاتعد ولا تحصى الدالة على صحة كلامنا هذا ولله الحمد والمنة على حسن الفهم ونسأله حسن القصد والصدق والاخلاص .

وسيكون ردنا على هذه الشبهة مبنياً على نقل كلام اهل العلم وفتاويهم المبنية على فهمهم لحكم حال كل شخص .
وهذه الاحكام المتعلقة بالثبوت او بتحقيق المناط او بحكم حال الاشخاص تنقسم الى أربع حالات وهي كالاتي:-
1-شخص لا يعرف عنه اسلام ولا كفر فهو مجهول الحال عند من يريد الحكم عليه وقد ذكر اهل العلم هذه الحال بهذا اللفظ تماما ً وهو قولهم "مجهول الحال ".

2- شخص معروف حاله وهو انه كافر وحكمه الكفر ولكن الخلاف بين اهل العلم ينحصر في معرفة متي ينتقل هذا الشخص من حكم الكفر الى حكم الاسلام فيصبح مسلماً بعد ان كان كافراً, وهذه التي تسمي بالطرق التي يحكم بها بأيمان الشخص وهي النص او الدلالة او التبعية وسنبين كيف اختلف اهل العلم في هذه الطرق الثلاثة ودلالتها على خروج الكافر من الكفر الى الاسلام.

3- شخص معروف حاله وهو انه مسلم وحكمه الاسلام ولكنه ارتد ورجع الى الكفر , وقد ذكر اهل العلم كيف يعرف حال هذا الشخص ومتي يحكم بردته بعد ان كان مسلماً.
4-شخص معروف حاله وهو انه مسلم موحد ولا يعلم عنه رجوعه عن الاسلام الى الكفر او خروجه من الدين فهذا حكمه الاسلام ويعصم دمه وماله وعرضه حتى يثبت بالدليل القاطع خروجه عن الدين او ردته ولا خلاف على من كان هذا حاله او من اظهر الاسلام حتى ولو كان منافقاً في انه يحكم عليه بحكم الظاهر وهو الاسلام مالم يأتي بناقض من نواقض الاسلام .

ولنبدأ بأول الحالات وبكلام أهل العلم عنها لأنها الاهم ولربما اكتفي الكثير من المتابعين بهذه الحالة وبادلتها لانهم لا يريدون قراءة كلام اهل العلم عن ما يسمونها بالقرائن , ولا يريدون معرفة الخلاف الذي دار بين اهل العلم في هذه القرائن , ويقولون انهم لا يخالفون في موضوع الاختلاف الحاصل بين اهل العلم في موضوع القرائن وهذا كلام لا يعرفون لوازمه والا لما التزموا به , لان بعض كلام اهل العلم واختلافهم ربما ينقض اعتقادهم من الاساس والله المستعان.

حكم المعين الذي لم يعرف عنه اسلام ولا كفر او ما يسمي بمجهول الحال
ونبدأ بالقول هنا ان الكلام عن المعين حتي لا يعتقد دعاة التوقف العام ان هذا الكلام في صفهم او لنصرتهم والله المستعان .


يقول الله _تَبَارَكَ وتَعَالى_:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾(النساء:94).

جاء في سبب نزول هذه الآية في صحيح البخاري)، حديث رقم(4591)، و(صحيح مسلم)، حديث رقم(3025)._ عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: “لَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿السَّلَامَ﴾ (النساء:94)”(

وفِي رواية سنن الترمذي)، حديث رقم(3030)، و(صحيح مسلم)، حديث رقم(2986).قال: “مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)”(

وفي تفسير هذه الآية وفهمها قال اهل العلم كلام اوضح من شمس النهار يبين صحة معتقدنا وقوة حجتنا من ان الخلاف في حكم حال الشخص الذي لم يعرف حاله ولم يثبت عليه كفر منصوص عليه في الكتاب والسنة ,ليس كفراً ولا يمكن ان يكون مما لا يتم اصل الدين الا به وغيره من الحجج والشبهات التي سوف تتهافت تهافت الزجاج بأذن الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
ونذكر ان الخلاف في معين كما يصفه اهل العلم في عبارتهم بانه (رجل) او ( اذا دخل علينا من لانعرف حاله ) أي معين وليس الكلام عن عموم الافراد او القوم .

قال الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي _رَحِمَهُ الله في أحكام القرآن)، ج3، ص225-226.
_: «فَقَوْلُهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، لَوْ خَلَّيْنَا وَظَاهِرُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ لَا تَنْفُوا عَنْهُ الْإِسْلَامَ وَلَا تُثْبِتُوهُ، وَلَكِنْ تَثَبَّتُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمُوا مِنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ بِذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ وَالنَّهْيُ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا مَتَى شَكَكْنَا فِي إيمَانِ رِجْلٍ لَا نَعْرِفُ، لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِإِيمَانِهِ، وَلَا بِكُفْرِهِ، وَلَكِنْ نَتَثَبَّتْ حَتَّى نَعْلَمَ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ بِخَبَرٍ لَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ، وَلَا يَكُونُ تَرَكْنَا لِتَكْذِيبِهِ تَصْدِيقًا مِنَّا لَهُ; كَذَلِكَ مَا وُصِفَ مِنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ لَيْسَ فِيهِ إثْبَاتِ إيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرِ بِالتَّثَبُّتِ، حَتَّى نَتَبَيَّنَ.
إلَّا أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي قَدْ ذَكَرنَا قَد أَوْجَبَتْ لَهُ الْحُكْمَ بِالْإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«أَقَتَلْت مُسْلِمًا؟»،«وقَتَلْته بَعْدَ مَا أَسْلَمَ؟»، وَقَوْلُهُ:«أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا»، فَأَثْبَتَ لَهُمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ; وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ اللَّيْثِيِّ:«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَى عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ مُؤْمِنًا»، فَجَعَلَهُ مُؤْمِنًا بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ; وَرُوِيَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَعْصِمُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِقَادِهِمْ الْكُفْرِ، وَعِلْمِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِنِفَاقِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، قَدْ اقْتَضَى الْحُكْمَ لِقَائِلِهِ بِالْإِسْلَامِ»(ا.هـ.

انظر هداك الله الى حسن فهم هذا الامام لهذه القواعد فهو يقول بكل وضوح ان ما تواتر من أدلة يوجب اعتقاد ان اظهار هذه الكلمة يثبت حكم الاسلام لقائلها, فاصبح حكم حال قائلها انه مسلم.
وعليه يقتضي ذلك الحكم له بالإسلام وما يلزم من ذلك من عصمة الدم والمال .
وهذا في وقت الامام.

وقال الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُ الله في الجواب الصحيح)، ج6، ص456._: «فَأَمَرَهُمْ بِالتَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْجِهَادِ، وَأَنْ لَا يَقُولُوا لِلْمَجْهُولِ حَالُهُ: لَسْتَ مُؤْمِنًا، يَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ إِخْبَارُهُمْ عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مُؤْمِنًا خَبَرًا بِلَا دَلِيلٍ، بَلْ لِهَوَى أَنْفُسِهِمْ لِيَأْخُذُوا مَالَهُ،
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ
إِذَا أَلْقَى السَّلَمَ، وفِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى السَّلَامَ، فَقَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مِنْ قَبْلُ مُؤْمِنِينَ تَكْتُمُونَ إِيمَانَكُمْ، فَإِذَا أَلْقَى الْمُسْلِمُ السَّلَامَ فَذَكَرَ أَنَّهُ مُسَالِمٌ لَكُمْ لَا مُحَارِبٌ، فَتَثَبَّتُوا وَتَبَيَّنُوا، لَا تَقْتُلُوهُ وَلَا تَأْخُذُوا مَالَهُ، حَتَّى تَكْشِفُوا أَمْرَهُ، هَلْ هُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ؟»(ا.هـ.

يقول الامام بن تيميه هنا ان هذا الشخص المجهول الحال ويقصد هنا هل هو مسلم او كافر ,لأنه لو كان كافرا لما قيل انه مجهول الحال ,ولقال الامام لا تقولوا للكافر اذا القي اليكم السلام لست مؤمنا حتى تتبينوا من صدقه او صحة قوله واعتقاده ,ولأنه اخبر بشيء قد لا يكون يعتقده وهو القول بأنه مسلم او مؤمنا لإتيانه بتحية الاسلام او بالشهادتين , وذكر ان ذلك من باب الاخبار الذي يحتمل الصدق والكذب وهذا ما يحتمل الخلاف وهو من باب ثبوت الشيء والتحقق منه فقد يعتقد البعض صدق هذا الرجل في دعواه وقد لا يصدقه البعض الاخر فيها ويحكم بكفره.
ولا يكفر بعضهم بعضاً, لأنه مما يحتمل الخلاف لكونه من باب الاخبار بالشيء.
ويبين صحة هذا الفهم ما ذكره الإمام الطبري _رَحِمَهُ الله
في تفسير الطبري)، ج7، ص351
._: قال ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ (النساء:94) يَقُولُ: فَتَأَنَّوْا فِي قَتْلِ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، فَلَمْ تَعْلَمُوا حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ وَلَا كُفْرَهِ، وَلَا تَعْجَلُوا فَتَقْتُلُوا مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ، إِلَّا عَلَى قَتْلِ مَنْ عَلِمْتُمُوهُ يَقِينًا حَرْبًا لَكُمْ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»(ا.هـ.

يصرح الامام الطبري هنا بان من اشكل امره على المسلمين او التبس حاله فلم يعرفوا حقيقة اسلامه ولا كفره ,يجب عليهم ان يتثبتوا قبل قتله ويتأكدوا من صدق دعواه ,وهذا تطبيق للأصل الأول في الحكم على الناس وهو معرفة حاله قبل أن يتم إجراء الإحكام عليه وهي في هذه الحالة القتل لمن ثبت كفره.
وقد يقول البعض ان هذا لا خلاف فيه اذا اظهر بعض الناس قرينة معتبره مثلما يقوله بعض من ناقشناهم , فنقول لهم ان الكلام هنا عن ما قلتم انه لا يتم اصل الدين الا به وهو الحكم على الناس , فاذا كان الحكم على الناس لا يتم اصل الدين الا به , فالتوقف في هذه الحالة امر كفري لأنه يعني عدم القدرة على الحكم على من كانت هذه حاله , وهذا ما ذكره اهل العلم صراحة ,وهو وقولهم انه اشكل على المسلمين امره فلم يعرفوا اسلامه او كفره , وبالتالي لم يحكموا عليه بحكم معين , وهذا ناقض للدين علي حسب معتقدكم وادعائكم فان الصحابة الذين تكلم عنهم اهل العلم في هذه الآية لم يحققوا احد اركان ومعالم العقيدة الرئيسية وهي مبداء المفاصلة بين المسلمين والمشركين , اذا انهم لم يوالوا هذا الرجل ولم يعادوه لان حاله التبس عليهم , فهم كفار على مذهبكم وحسب معتقدكم , بل حتى من قال هذا الكلام من اهل العلم فهو كافر لأنه نقل كلام كفري ولم يتبراء منه , فانظروا الى اين يأخذكم هذا المعتقد واتقوا الله الذي اليه تحشرون.
قال الإمام الخطّابي _رَحِمَهُ الله_: معالم السنن)، ج1، ص223.«
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها أين الله فقالت في السماء وسألها من أنا فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا السؤال عن امارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده ، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه منك فيقول زوجتي وتصدقه المرأة فإنا نصدقهما في قولهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر . كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه .
وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه ، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك. »(ا.هـ


وهنا ايضاً يبين الامام الخطابي عليه رحمة الله حكمين مختلفين لمن تدبر كلامه
الحكم الاول : من جهل حاله ولم يعرف عنه أمسلم هو ام كافر , اذا فهذا جهل بالحال ولم يتغير حكم حال هذا الشخص حتى قال انه مسلم عندها قال الامام انهم يقبلون منه دعواه ويحكمون له بحكم الاسلام وذلك عملا بالنص وهو قوله انه مسلم , وكذلك اذا رأى منه المسلمون ما يدل على كونه مسلما ً وهذه هي الدلالة, وهذا لانهم لا يعرفون حاله .
لكنه قبل ان يتفوه بهذه الكلمة قال الامام انهم يجهلون حاله , ومع هذا لم يثبت عن احدهم انه قال ان هذا الجهل بحاله هو كفر لأنه مما لا يتم اصل الدين الا به او لان الحكم على الناس هو من وسائل المقاصد او غيره .

الحكم الثاني :واما من عرفوا انه كان كافراً فقد وضح الامام انهم لا يكتفون منه بقوله اني مسلم حتى يصف الايمان بكماله وشرائطه كما قال.
((كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه)) .انتهى
وفي هذا دليل على التقسيم الذي ذكرناه في اختلاف الحكم على من عرف عنه الكفر ومن جهل حاله بإسلام أو كفر ومن عرف عنه الإسلام, ويبين للقارئ انه ليس تقسيما بدعياً وانه من تقسيمات السلف ولله الحمد

وقال الإمام ابن منظور)، ج13، ص25. _رَحِمَهُ الله_
فِي “لسان العرب”:
مادة آمن
« فإن الكافر إذا عُرِضَ عليه الإسلامُ لم يُقْتَصَرْ منه على قوله إني مُسْلِمٌ حتى يَصِفَ الإسلامَ بكماله وشرائِطه.
فإذا جاءنا مَنْ نَجْهَل حالَه في الكفر والإيمان فقال إني مُسْلِم قَبِلْناه فإذا كان عليه أَمارةُ الإسلامِ من هَيْئَةٍ وشارةٍ ودارٍ كان قبولُ قوله أَولى بل يُحْكَمُ عليه بالإسلام وإنْ لم يَقُلْ شيئاً وفي حديث عُقْبة بن عامر أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه وهذا من العامّ الذي يُرادُ به الخاصّ »(ا.هـ.


وقال الإمام ابن الأثير _رَحِمَهُ الله_ فِي “النهاية في غريب الحديث والأثر ر)، ج1، ص70، وجامع الأصول في أحاديث الرسول له)، ج1، ص232.”:
«إِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهل حالَه فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ إِنِّي مسْلم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَيْأةٍ وشَارَةٍ: أَيْ حُسْنٍ ودارٍ كَانَ قَبولُ قَوْلِهِ أَوْلَى، بَلْ نحكُم عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَقُل شَيْئًا»(ا.هـ.
وقد لاحظتم ان اهل العلم في النقلين السابقين قد ذكروا من يجهل حاله فى ايمان او كفر وذكروا الحكم عليه بالنص والحكم عليه بالدلالة والحكم عليه بالتبعية وهي الدار حين قالوا بل نحكم بإسلامه وان لم يقل شيء , فهذا يبين ان قولهم ان هناك من يجهل حاله ولا يعرف أمسلم هو أم كافر هو قول ليس بكفر , وليس فيه مخالفه للقاعدة سالفة الذكر وهي الحكم بالنص او الدلالة او التبعية , والا لقلبوا الامور وقالوا انه لا يوجد من يجهل حاله ويكون الحكم اما بالنص او بالدلالة او بالتبعية وعليه فكل من جاءنا لانعرف اسلامه فهو كافر حتى يغير هذا الحكم بنص او دلالة او تبعية .
وكلام أهل العلم عن هذا الموضوع كثير وسننقل المزيد منه لاحقاً في الاجزاء القادمة من الرسالة بأذن الله.
الخلاصة
إن جهل المسلم الموحد بحال شخص معين فلم يعرف أمسلم هو أم كافر.
ليس بالأمر الذي يكفر به الانسان , وان القول أن في هذا مخالفة لطرق الحكم على الناس وهي مما لا يتم أصل الدين إلا بها لأنه لا يتحقق التميز والمفاصلة بين المشركين والمسلمين إلا بها هو قول عار عن الصحة كما سننقل الأدلة على بطلانه هنا بعد هذا الكلام , وان الله يسر لنا الادلة والعلامات والشواهد والامارات حتى نعرف بها حال الاشخاص ونتمكن من الحكم عليهم اما بما ظهر من اقوالهم وافعالهم وهو الحكم بما ظهر من شروط واسباب وضعها الشارع علامة على كفر من تلبس بها, واما بغالب الظن وهو الاضعف .
وبعد ان نصل الى معرفة حكم حال الشخص يمكننا بعد ذلك ان ننزل عليه الحكم الشرعي المناسب لحاله سواء بالإسلام او بالكفر.
وهذه هي القاعدة اجمالا معرفة الحال أولاً ثم اجراء الاحكام المناسبة لهذا الواقع او لهذا الحال ,وهذه المعرفة كما ذكرنا قد تكون بما ذكره الله ورسوله من اسباب وشروط متى توفرت عرف حال صاحبها واجريت عليه احكامه فاصبح كافراً حقيقة وحكما , او تكون احيانا وللضرورة بدون توفر الشروط والاسباب فيكون التكفير حكما لا حقيقة مثلما هو الحال في كفر اطفال المشركين, والحكم بكفر من يكتم إيمانه وان لم يوجد منه كفر لأنه في الحقيقة مؤمن.
وهذه القاعدة التي سنبينها لاحقاً بعون الله , وهذا تجده موجود وواضح في كل فتاوي أهل العلم المتعلقة بمثل هذه المواضيع , ولا يمكن لعين المنصف ان تخطأه الا ان يشاء الله .

 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-11




ملحق للرد على بعض الشبهات

حتى نقوم بواجب الدعوة امام الله كما يجب وحتى نترك الناس ممن يتابعون هذه البدعة والشبهة على بينة من امرهم حتى يهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة ايضا

يقول اصحاب الشبهة الجديدة
ان كلام اهل العلم عن مجهول الحال في رساله برهان الموحدين هو متعلق بمن يأتي بقرينة معينه قد تكون معتبره عند بعض المسلمين وقد لا تكون معتبره عند البعض الاخر , ويقولون انه في هذه الحالة اذا جاء معين بقرينة معينه فانه يصبح عند بعض اهل العلم مجهول الحال بمعنى انهم لا يحكمون عليه بأيمان ولا بكفر لأنه اتي بقرينه غير معتبره كان يكون مثلا نطق بكلمة التوحيد او قال السلام عليكم او قال اني مسلم .
فيقول من جاء بهذه الشبهة انه بعد ان جاء هذا المعين بهذه القرينة الغير معتبره فان اهل العلم سموه مجهول الحال
وهو لم يكن مجهول الحال عند اهل العلم قبل ان يأتي بهذه القرينة , هذا حسب زعم صاحب هذه الشبهة .
ويقول صاحب هذه الشبهة انه لا يحكم بكفر المسلم اذا توقف في معين لأنه رأى منه قرينة معينه, حتى وان كانت هذه القرينة غير معتبره عند صاحب هذه الشبهة
وضرب لنا مثال بان هناك من المسلمين من يعتبر ان الكفر بالطاغوت بقرينة للحكم بإسلام من اتي بها , وهذه القرينة ليست معتبره عند صاحب هذه الشبهة ومع هذا فهو لا يكفر هذا المسلم رغم انه اختلف معه في القرينة ولهذا يري ان الاختلاف في القرائن لا يكفر به المسلم ويري ان كلام اهل العلم من هذا الباب
وعليه فان ما جاء في رسالة برهان الموحدين حسب فهمه هو من هذا الباب وهو انه من اتي بقرينة غير معتبره يعتبر عند بعض اهل العلم مجهول الحال ولا يمكن الحكم عليه بإسلام ولا بكفر .


الرد على هذه الشبهة

الجواب وبالله التوفيق
نقول اولا ان الجواب يكون بذكر كلام اهل العلم بطريقة مختلفة ولنري بعدها هل هذا هو الفهم الصحيح لكلام اهل العلم ام هو فهم خاطئ
والكلام الذي جاء في الشبهة كان مبنياً فقط على هذه الآية كما ذكرنا سابقا ولم يجمع من قال بهذه الشبهة بين ما جاء في كلام اهل العلم عن هذه الآية وبين كلام غيرهم من اهل العلم في مواقع اخري ذكرناها
يقول الله _تَبَارَكَ وتَعَالى_:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾(النساء:94).

فقد ذكر بعض الناس ان ما جاء في كلام اهل العلم عن مجهول الحال كله يندرج تحت هذا الفهم ولا فهم صحيح غيره
ولننظر الان الى كلام اهل العلم بتأني وروية
لنعرف هل عندما قالوا ان الشخص المعين مجهول الحال عندهم هل كانوا يقصدون بهذا انه مجهول حالة قبل ان يأتي بقرينة او بعد ان اظهر قرينة معينة ؟؟؟
وهذا كما لا يخفي على كل ذي لب هو مفتاح هذه الشبهة ولله الحمد

ولننظر مثلا الى ما ذكره الإمام الخطّابي _رَحِمَهُ الله_:
معالم السنن)، ج1، ص223.«
وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه ، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك. »(ا.هـ



وقال الإمام ابن منظور)، ج13، ص25. _رَحِمَهُ الله_
فِي “لسان العرب”:
مادة آمن
« فإن الكافر إذا عُرِضَ عليه الإسلامُ لم يُقْتَصَرْ منه على قوله إني مُسْلِمٌ حتى يَصِفَ الإسلامَ بكماله وشرائِطه.
فإذا جاءنا مَنْ نَجْهَل حالَه في الكفر والإيمان فقال إني مُسْلِم قَبِلْناه فإذا كان عليه أَمارةُ الإسلامِ من هَيْئَةٍ وشارةٍ ودارٍ كان قبولُ قوله أَولى بل يُحْكَمُ عليه بالإسلام وإنْ لم يَقُلْ شيئاً وفي حديث عُقْبة بن عامر أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه وهذا من العامّ الذي يُرادُ به الخاصّ »(ا.هـ.


وقال الإمام ابن الأثير _رَحِمَهُ الله_ فِي “النهاية في غريب الحديث والأثر ر)، ج1، ص70، وجامع الأصول في أحاديث الرسول له)، ج1، ص232.”:
«إِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهل حالَه فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ إِنِّي مسْلم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَيْأةٍ وشَارَةٍ: أَيْ حُسْنٍ ودارٍ كَانَ قَبولُ قَوْلِهِ أَوْلَى، بَلْ نحكُم عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَقُل شَيْئًا»(ا.هـ.


يقول اهل العلم الذين ذكرنا كلامهم ان الذي جاءهم هو شخص مجهول حالة لا يعرف عنه ايمان ولا كفر ولا تظهر عليه قرينة تدل على ذلك وهذا كلام واضح كما ذكرنا لمن اراد الله ان يهديه ولنزيده وضوحا وشرحا سنأخذ كلام اهل العلم ونفككه جملة جملة .
يقول اهل العلم اولا انهم جاءهم من يجهلون حاله ولا يعرفون امسلم هو ام كافر
قالوا ((اذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان

اذا هذا الشخص لم تظهر منه قرينة بعد وهو عندهم مجهول حاله كما هو واضح
ثم قالوا ان هذا الشخص المجهول الحال عندهم قال لهم

((فقال إني مسلم))

هذا يعني ان هذا الشخص المجهول الحال جاء ولم يكونوا يعرفون حاله هل هو مسلم ام كافر ولا تظهر منه قرينة توضح حالة ولهذا لم يحكموا له بإسلام ولا بكفر ثم عندما جاءهم قال انه مسلم اي اظهر قرينة بعد ان كان مجهول حالة وليس قبل ذلك بمعنى ان القرينة اتت بعد ان حكم عليه اهل العلم انه مجهول حاله

ثم قال هذا الرجل المجهول الحال قال اني مسلم
فقال اهل العلم ((قبلناه)) اي قبلنا قوله وحكمنا له بالإسلام
وهذه القرينة متعلقة بالنص كما ترون

واما الدلالة فقالوا ايضا عن مجهول الحال انه

((وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك.))

فهم يقولون ان مجهول الحال الذي حكموا بانه مجهول الحال ان حكم هذا المجهول الحال انه اذا اظهر أمارة او قرينة من امارات المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما فانهم يحكمون بإسلامه ايضا .

فهذا ولله الحمد بين ظاهر لمن اراد الحق
ولنراجعه بصورة ابسط واسهل
يقول اهل العلم انهم اذا جاءهم شخص مجهول الحال لا يعرفون انه مسلم او كافر وبالتالي لا يحكمون عليه لا بأيمان ولا بكفر
يقولون في الحكم على مجهول الحال بالنص انه
((وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم
قبلناه ، ))


ويقولون في مجهول الحال انهم يحكمون عليه بالإسلام بالدلالة اذا
وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان
و رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا باسلامه))


فهذا ولله الحمد بين واضح جلي اوضح من شمس النهار كما قال الشاعر
وليس يصح في الافهام شيء***** اذا احتاج النهار الى دليل
وكفى بربك هادياً ونصيرا


قاعدة في معرفة حال الشخص قبل الحكم عليه بإسلام أو بكفر

جاء في صحيح البخاري)، حديث رقم(391)، و(سنن النسائي)، حديث رقم(4997).«عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»(

قال الإمام ابن حجر _رَحِمَهُ الله_ فِي شرحه لهذا الحديث في فتح الباري)، ج1، ص4.: «وَفِيهِ: أَنَّ أُمُور النَّاس مَحْمُولَةٌ عَلَى الظَّاهِر، فَمَنْ أَظْهَرَ شِعَار الدِّين أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْله، مَا لَمْ يَظْهَر مِنْهُ خِلَاف ذَلِكَ»(ا.هـ.

اذا ًهذه هي القاعدة في معرفة حال الشخص قبل الحكم عليه بإسلام او بكفر
اولا ً: الشخص اظهر شعار الدين اذاً عرف حاله.
ثانياً: بعد ان عرف حاله أجريت عليه احكام أهل هذا الدين .

وقال _رَحِمَهُ الله_ فِي تعريف الإيمان فتح الباري)، ج1، ص46.:
«فَالسَّلَفُ قَالُوا: هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ _إلى قوله_ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ، فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ؛ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ»(ا.هـ.
وهنا ايضا استعملت نفس القاعدة ولكن فيمن اقر باعتقاد معين
أولا ً: الشخص أقر بأن لا اله الا الله اذاً عرف حاله.
ثانياً: بعد ان عرف حاله أجريت عليه احكام الاسلام .

قال الإمام بدر الدين الْعَيْنِي _رَحِمَهُ الله_: «
عمدة القاري )، ج4، ص125-126.
فِيهِ: أَن أُمُور النَّاس مَحْمُولَة على الظَّاهِر دون بَاطِنهَا، فَمن أظهر شَعَائِر الدّين أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام أَهله مَا لم يظْهر مِنْهُ خلاف ذَلِك، فَإِذا دخل رجل غَرِيب فِي بلد من بِلَاد الْمُسلمين بدين أَو مَذْهَب فِي الْبَاطِن غير أَنه عَلَيْهِ زِيّ الْمُسلمين حُمِل على ظَاهر أمره على أَنه مُسلم، حَتَّى يظْهر خلاف ذَلِك»(ا.هـ.


فاذا فهمت هذا هداك الله عرفت معني كلام أهل العلم في غيره من الابواب ومنها كلام الإمام الكاساني الحنفي _رَحِمَهُ الله_: «
في بدائع الصنائع)، ج7، ص102
عن الطرق التي يحكم بها يكون الشخص مسلماً حين قال
).الطُّرُقُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا بِكَوْنِ الشَّخْصِ مُؤْمِنًا، ثَلَاثَةٌ: نَصٌّ، وَدَلَالَةٌ، وَتَبَعِيَّةٌ»(ا.هـ.
فهو يتكلم هنا عن حكم الحال الذي اذا عُرف او ظهر ,حُكم للشخص بحكم الاسلام أو بأنه مؤمنٌ كما ذكر الإمام , وأجريت عليه احكامه, وهذا الفهم هو مفتاح حل هذه الشبهة, كما انه مفتاح الفهم لكل كلام أهل العلم في هذا الموضوع بدون استثناء, فبالنص أو بالدلالة أو بالتبعية يتوصل إلى معرفة حال الشخص أمسلم هو أم كافر ؟؟
هل يكفي هذا النص أو هذه الدلالة أو هذه التبعية في الحكم على حاله بأنه مسلم أو بأنه كافر ؟؟.
والدليل على ذلك هو بالنظر الى كلامهم في النص والدلالة والتبيعة وكيف اختلفوا في الحكم بها على حال الشخص, اذا لو كان الحكم على حال الشخص من اصل الدين لما جاز الاختلاف فيه بين أهل العلم وأئمة الدين .
ولو كانت طرق الحكم على الناس مسألة تتعلق بالاعتقاد وبأصل الدين لما جاز الاختلاف في هذه المسألة لأنها من مسائل الاعتقاد ومما لا يتم أصل الدين إلا بها كما يزعم أصحاب هذه البدعة .
وسنذكر اختلافهم في كل طريقة من طرق الحكم على الناس على حدة , حتى يتبين الحق لطالبه ويظهر كما يظهر ضوء الفجر في عتمة الليل بأذن الله تعالي.
واما الذي يحاول ان يتجاهل هذا الاختلاف لأنه يعرف ان هذا الاختلاف يعني ان الامر المختلف فيه ليس من اصل الدين , ولا هو مما لا يتم اصل الدين الا به والا لما جاز الاختلاف فيه على طريقة اصحاب هذه البدعة لان الاختلاف فيه يعني ان احد الطرفين كافر .
فمن يحاول ان يتجاهل هذا الامر ويقول انه لا يخالف في ان المتوقف اذا توقف بقرينة لا يكفر فهذا انما يحاول ان يخدع نفسه ويخدع من معه او انه يتجاهل حقيقة مهمه , لاتهم الا من يريد الانتصار للحق وليس الانتصار لنفسه ولا لمنهجه , لان الاختلاف بين اهل العلم في الحكم على كافر بانه مسلم اذا اتي بنص معين او كانت عليه دلالة معينه ,يعني ان احدهم حكم بإسلام هذا الكافر والاخر لم يحكم بإسلام هذا الكافر , وهذا يعني ايضاً ان احدهم لم يكفر الكافر عند الطرف الاخر , و لا يخفي على المنصف طالب الحق أن هذا من صلب الموضوع , اذا انه يعني
أولا- إمكانية ورود الخلاف في الحكم على الأشخاص
وهذا ينقض معتقد من قال ان الحكم على الناس هو من وسائل المقاصد والتي هي مفاصلة المشركين والتي هي احد معالم هذا الدين الرئيسية , وزعمهم ان هذه الطرق في الحكم على الناس وان لم تكن من اصل الدين , فأنها مما لا يتم اصل الدين الا بها ولا تتم المفاصلة وهي احد المعالم الرئيسية لهذا الدين الا بها حسب ادعائهم .
ثانيا ً- بطلان قولهم إن هذا دين الأنبياء
هذا قول أصحاب هذه البدعة واعتقادهم الذي كفروا به الموحدين
فهم يريدون منا ان نتبعهم وان نصدقهم في زعمهم بان هذا هو دين الانبياء ومع هذا اختلف اهل العلم في هذا الاعتقاد وفي هذه الوسيلة ولم يعرفوا دين الانبياء, ولم يتفطنوا الى ان هذه القضية تدخل في صلب المفاصلة بين المسلمين والمشركين وتدخل في صلب العقيدة وهو الولاء والبراء , بل ولم يتم اصل دين اهل العلم وسلف هذه الامه ابداً , اذ ما سنذكره من اختلافهم في الحكم على الناس وفي استعمالهم لهذه الطرق التي ذكرنا لا يدع مجالا للشك من ان هذا الفعل منهم لا يمكن ان يكون الا على احد وجهين
الاول وهو ان هذا الاختلاف في قضية الحكم على الناس لدرجة تمنع المفاصلة ليس كفرا ولا علاقة له بالمقاصد وليس مما لا يتم اصل الدين الا به وهو ما نعتقده وندين به ,فحين يقول بعض اهل العلم ان هذا الكافر اصبح مسلما , ويقول الاخر ان هذا الكافر لايزال كافرا وانت لم تكفره, فهذا يعني وبكل وضوح ان هذا الحكم لا علاقة له بأصل الدين ولا بما لا يتم اصل الدين الا به ,وانما هو خلاف في ثبوت حال الشخص وهل بفعله او بقوله يعتبر تغير حاله عند بعض اهل العلم ام انه لا يعتبر تغير حاله عند بعضهم الاخر بمجرد قوله او فعله لأنه يربط هذه الاقوال والافعال بقرائن ودلائل ويربط النصوص بواقع معين , في حين قد يكتفي بعضهم بظاهر النص الذي حكم بإسلام من اتي بقول معين او بفعل معين دون النظر الى هذا الواقع او القرائن او الدلائل , هذا هو العدل وهذا هو انصاف اهل العلم وانزالهم منازلهم , وهذا هو الفهم الصحيح لمراد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ولفهم صحابته الكرام ولائمة الدين وسلف هذه الامة .

واما الوجه الثاني لفهم كلام اهل العلم فلا يمكن القول به لأنه يعني ببساطة تخبطهم في اصل الدين وتضييع عقيدة التوحيد ومبداء مفاصلة المشركين بينهم ويعني ايضا انهم حين اختلفوا في الحكم بإسلام الكافر او ببقائه على كفره فان احدهم مخطئ والاخر مصيب وهذا الخطأ والاصابة اما ان تكون مقبولة معفي عنها ولها حكم امور الاجتهاد كلها وهذا ينقض معتقد اصحاب هذه البدعة ولله الحمد .
او ان يكون هذا الاختلاف هو اختلاف تضاد غير معفي عنه فمن اخطأ منهم فهو كافر .
وبهذا كان على المصيب منهم ان يكفر المخطئ لان هذه القضية من قضايا الاعتقاد ولا يجوز الخطأ فيها ولكنهم لم يكفروا المخطئ فيما نقلناه عنهم وفيما سمعناه وهذا يقضي بتكفيرهم كلهم كما لا يخفي على كل ذي عقل وبصيرة , وهذا لعمري من اشنع ما سمعنا واقبح ما ذكر في حق علماء المسلمين والله المستعان على امره , وهذا الذي يجره الابتداع والتقليد على اصحابه والعياذ بالله .

اختلاف أهل العلم في الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمناً.

أولاً: اختلافهم في حكم حال من تفوه بنص يدل على اسلامه.

كلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً وسبق ان نقلناه في رسالتنا السابقة (بيان ونصيحة للإخوان) والتي قالوا وقتها انه لا يغير شيء ولا يقدم جديدا في المسألة فسننقل جزء من كلام اهل العلم, حتى نتجنب الإطالة قدر المستطاع والله المستعان, واريد ان انوه الى ان بعض هذه النقولات قد اخذتها من بعض رسائل الشباب بعد التحقق من مصادرها , وهذا للأمانة وللتذكير بأن الكلام فقط عن نقولات اهل العلم وليس عن فكرة الرسالة ولا مضمونها ولله الحمد والمنة .
:
ولا يفوتني هنا ان اذكر مرة اخرى بالفكرة من نقل اختلاف اهل العلم في الطرق التي يحكم بها على الناس وانه اما ان يكون هذا الاختلاف اختلاف مقبول معفي عنه , او ان يكون اختلاف تضاد فعليه فان احد المختلفين كافر , اذ انه لم يحقق مبداء المفاصلة الذي هو من اصل الدين لأنه اخطأ في الحكم على الناس وهو الامر الذي لا يتم اصل الدين الا به, حسب اعتقاد وزعم اصحاب هذه البدعة
واذكر هنا بالتقسيم الذي ذكره الإمام الخطابي عليه رحمة الله في الحكم على الناس , وذكره كيفية الحكم على مجهول الحال وكيفية الحكم على من عرف عنه الكفر
الحكم الأول : من جهل حاله ولم يعرف عنه أمسلم هو أم كافر , إذا فهذا جهل بالحال ولم يتغير حكم حال هذا الشخص حتى قال انه مسلم عندها قال الإمام أنهم يقبلون منه دعواه ويحكمون له بحكم الإسلام وذلك عملا بالنص وهو قوله انه مسلم , وكذلك إذا رأى منه المسلمون ما يدل على كونه مسلما ً وهذه هي الدلالة, وهذا لأنهم لا يعرفون حاله .
لكنه قبل أن يتفوه بهذه الكلمة قال الإمام أنهم يجهلون حاله , ومع هذا لم يثبت عن احدهم انه قال أن هذا الجهل بحاله هو كفر لأنه مما لا يتم أصل الدين إلا به أو لان الحكم على الناس هو من وسائل المقاصد او غيره .

الحكم الثاني :وأما من عرفوا انه كان كافراً فقد وضح الإمام أنهم لا يكتفون منه بقوله أني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه كما قال.
((كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه)) .انتهى
والخلاف الذي سننقله والذي تتعلق به فتاوى طرق الحكم على الناس بالنص أو الدلالة أو التبعية متعلق بالقسم الثاني من هذا التقسيم وهو بمن عرف عنه انه كافر وأما مجهول الحال فقد ذكرنا كيف تعامل أهل العلم معه وكيف أن الجهل بحاله ليس كفر ولا يمكن أن يكفر من لم يكفر مجهول الحال هذا فضلا عن تكفير من لم يكفر من لم يكفره والله المستعان
نقول وبالله التوفيق
الخلاف فِي الحكم بإسلام من قال لا إله إلا الله:فقط
اختلف العلماء فِي صحة إسلام الكافر، إذا اقتصر على قول: لا إله إلا الله، ولم يقل: محمد رسول الله، على قولين:
الأول: انه لا يصحّ إسلامه، إلا بالنطق بالشهادتين معًا، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنّ مَن أتى مِن الشهادتين بكلمة تُخالف مُعتقده، حُكم بإسلامه.
قال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_: « شرح صحيح مسلم)، ج1، ص149
أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ:
فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لايكون مُسْلِمًا.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا، وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ».
وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى قَوْلِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، لِارْتِبَاطِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا، والله أعلم»(ا.هـ.

وقال الإمام العراقي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: « طرح التثريب)، ج7، ص179-181
.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
فِيهِ فَوَائِدُ:...
(الثَّالِثَةُ): اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْقِتَالِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي حُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْئًا.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا.
وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجْحَدُهُ.
وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَلِكَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ تُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ أَتَى مِنْهُمَا بِمَا يُوَافِقُهُ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، فَقَالَ فِي الْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ: مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْيَهُودِيِّ: إذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ إذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا، أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، هَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا؟.
قَالَ: وَمَيْلُ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ إلَى كَوْنِهِ إسْلَامًا.
وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا كَفَرَ الْمُسْلِمُ بِجَحْدِهِ كَانَ الْكَافِرُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُسْلِمًا بِعَقْدِهِ، ثُمَّ إنْ كَذَّبَ مَا صَدَّقَ بِهِ كَانَ مُرْتَدًّا.
وَقَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ: إنَّمَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْعَرَبِ، وَكَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ لَا يُوَحِّدُونَ فَاخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِمْ، وَبِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا بِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِيهِ اخْتِصَارًا، وَحَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا: «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ»، وَالْحَدِيثُ إذَا جُمِعَتْ طُرُقُهُ تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِرِوَايَةٍ، وَنَتْرُكَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ، وَالنَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ الْعَرَبَ، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ بَلْ ذَكَرَهُ شَرْعًا عَامًّا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ: «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ»، وَاسْتَغْنَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِذِكْرِ إحْدَاهَا عَنْ الْأُخْرَى لِارْتِبَاطِهِمَا، وَشُهْرَتِهِمَا»(ا.هـ.
وننوه هنا إلى هذا الأمر المهم حتى لا يستغل من بعضهم ويقول أن الكلام فقط في الوثني والمعطل وأما غيرهم فالأمر محسوم فيهم فقد ذكر الإمام بكل وضوح أن هناك قولين في المسألة حين قال
((الثَّالِثَةُ): اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْقِتَالِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
قال الأمام
فَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي حُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْئًا.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا.


وأما القول الثاني في المسألة والذي نسبه الإمام إلى إمام الحرمين وانه قول المحققين فهو قوله
(((وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجْحَدُهُ))
فارجوا أن لا يشغب بعض الناس ويقول أن هذه القرينة في حق الوثني أو المعطل فقط ففي المسألة قولين كما بينا

قال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_:
«...
روضة الطالبين)، ج8، ص283.
وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، أَنَّ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَلَا يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِهِمَا.
وَحَكَى الْإِمَامُ مَعَ ذَلِكَ طَرِيقَةً أُخْرَى مَنْسُوبَةً إِلَى الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ مَنْ أَتَى مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ تُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ أَتَى مِنْهُمَا بِمَا يُوَافِقُهُ، لَمْ يُحْكَمْ:
فَإِذَا وَحَّدَ الثَّنَوِيُّ، أَوْ قَالَ الْمُعَطِّلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، جُعِلَ مُسْلِمًا، وَعُرِضَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الرِّسَالَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ، صَارَ مُرْتَدًّا.
وَالْيَهُودِيُّ إِذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
وَحَكَى عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ إِذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا، أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِسْلَامًا؟
وَقَالَ: مَيْلُ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى كَوْنِهِ إِسْلَامًا.
وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا كَفَرَ الْمُسْلِمُ بِجَحْدِهِ، صَارَ الْكَافِرُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُسْلِمًا بِعَقْدِهِ، ثُمَّ إِنْ كَذَّبَ غَيْرَ مَا صَدَّقَ بِهِ، كَانَ مُرْتَدًّا.
وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ: مَا قَدَّمْنَاهُ»(ا.هـ.





الخلاف فِي الْحُكم بإسلام الكافر إذا اقتصر على قول: محمد رسول الله،
على ثلاثة أقوال:
قال الإمام ابن تَيمِيَّة_:« درء تعارض العقل والنقل)، ج8، ص7-8.
لكن تنازعوا فيما إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله: هل يتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد أو لا يتضمن؟ أو يفرق بين من يكون مُقراً بالتوحيد ومَن لا يكون مُقراً؟.
على ثلاثة أقوال معروفة من مذهب أحمد، وغيره من الفقهاء»(ا.هـ.
انظر هداك الله إلى قول بن تيميه أن النزاع في هذه الطريقة من طرق الحكم على الناس بالنص وهو (اشهد أن محمدا رسول الله) متنازع فيها على ثلاثة أقوال , فهل من عاقل منصف لا يخشي في الله لومة لائم يقف عند هذا الكلام ويتدبر معانيه ويترك التقليد وعبادة المذهب ؟؟؟؟
فأين هذا المعتقد وهو معتقد بن تيميه وبن القيم ومعتقد سلف هذه ألامه , من معتقد أصحاب هذا القول الذين يقولون أن طرق الحكم على الناس مما لا يتم أصل الدين إلا بها ويحكمون بكفر مخالفهم والله المستعان , فنقول لهم لقد حكمتم بكفر من ذكرنا من أهل العلم لأنهم يخالفونكم صراحة في معتقدكم فهل من منيب ؟؟

قال الإمام ابن القيّم زاد المعاد)، ج3،
_:«وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْكَافِرِ إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ، هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ؟
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ:
إِحْدَاهَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُقِرًّا بِالتَّوْحِيدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ»(ا.هـ.

وقد تقدم قول الإمام العراقي طرح التثريب)، ج7، ص180_:«
اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْقِتَالِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي حُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْئًا.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا.
وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجْحَدُهُ.
وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَلِكَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ تُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ أَتَى مِنْهُمَا بِمَا يُوَافِقُهُ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، فَقَالَ فِي الْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ: مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ فِي الْيَهُودِيِّ: إذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ»(ا.هـ.


الخلاف فِي اشتراط لفظ أشهد

الخلاف هنا على قولين هما
1-اشتراط لفظ الشهادة لدخول في الاسلام
2- عدم اشتراط الاتيان بلفظ الشهادة للدخول في الاسلام.

قال الإمام الخطيب الشربيني- مغني المحتاج)، ج5، ص437_: «..(
وَإِنْ) كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ارْتَدَّا إلَى دِينٍ لَا تَأْوِيلَ لِأَهْلِهِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَمُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيُنْكِرُ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
_ ثُمَّ أَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي “مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ”: وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ.
وَقَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَهُمَا لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَشْهَدُ لَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَالًا اخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي الْإِفْتَاءِ فِي عَصْرِنَا فِيهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَمَا قَالَهُ الزَّنْكَلُونِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ قَالَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ»(ا.هـ.

وقال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله الطرق الحكمية)، ص171_:
«وَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يَقُولَ الدَّاخِلُ فِيهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، بَلْ لَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَانَ مُسْلِمًا بِالِاتِّفَاقِ»(ا.هـ.
الخلاف فيمن أقرّ بأمر من أمور الشريعة، وهو على خلاف عقيدته

قال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_: « شرح صحيح مسلم)، ج1، ص149

.أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَوِ الصَّوْمِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مِلَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا؟.
فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: فَمَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا قَالَ: كُلُّ مَا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ، يَصِيرُ الْكَافِرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسْلِمًا»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_: « المجموع)، ج4، ص252
وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ زَكَاةٍ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِلَا شَهَادَةٍ.
وَضَابِطُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أنّ كُل ما يَصير المسلم كَافرًا بِجَحْده يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: لَا يَصِيرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_: « روضة الطالبين للنووي)، ج8، ص283
... وَحَكَى عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ خِلَافًا: فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ إِذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا، أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِسْلَامًا؟.
وَقَالَ: مَيْلُ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى كَوْنِهِ إِسْلَامًا.
وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُلَّمَا كَفَرَ الْمُسْلِمُ بِجَحْدِهِ، صَارَ الْكَافِرُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُسْلِمًا بِعَقْدِهِ. ثُمَّ إِنْ كَذَّبَ غَيْرَ مَا صَدَّقَ بِهِ، كَانَ مُرْتَدًّا.
وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ: مَا قَدَّمْنَاهُ»(ا.هـ.
وقال مثله الإمام العراقي _رَحِمَهُ الله_ فِي “طرح التثريب)، ج7، ص180

الخلاف فِي النطق بالشهادتين أو أحدهما دون التلفظ بالبراءة من غير دين الاسلام


والمقصود هنا مجرد عدم التلفظ وليس عدم البراءة من الاعتقادات الاخري إنما فقط عدم التلفظ بهذا التبرؤ
قال الإمام ابن عابدين _رَحِمَهُ الله_: « حاشية ابن عابدين)، ج1، ص353-354. “مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِهِ مُسْلِمًا مِنْ الْأَفْعَالِ”:
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ) لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ، أَرَادَ تَتْمِيمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا، فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ دِينِنَا وَشِعَارِ شَرْعِنَا؛ وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي “الْمِنَحِ” تَبَعًا “لِلْبَحْرِ” بِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي ضِمْنِ الْأَذَانِ لِيَكُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ، بَلْ هُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ.
وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إلَى الْعَرَبِ.
لِأَنَّ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا قِسْمَانِ: قَوْلٌ وَفِعْلٌ:
فَالْقَوْلُ مِثْلُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ، فَصَّلَ فِيهِ أَئِمَّتُنَا لِكَوْنِهِ مَحَلَّ اشْتِبَاهٍ، وَاحْتِمَالٍ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالُوا: لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، فِي الْعِيسَوِيِّ مِنْ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبَرِّي.
وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْضًا، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَيْضًا: وَأَمَّا الْأَذَانُ خَارِجَ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْعِيسَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ التَّبَرِّي مِنْ دِينِهِ. انتهى.
قُلْت: وَكَذَا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ أَيْضًا، لِمَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ “الْغَايَةِ” وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ، وكَافِر، وَالْأَذَانَ خَارِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ، لَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الِاسْتِهْزَاءَ لَمْ يَصِرْ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِيسَوِيًّا يَزِيدُ أَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهُ وَهُوَ التَّبَرِّي، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ»(ا.هـ.

وقال أيضًا _رَحِمَهُ الله_: « حاشية ابن عابدين)، ج4، ص229
“مَطْلَبٌ الْإِسْلَامُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ”:
“خَاتِمَةٌ”: اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا؛ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ، أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا، أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ، لَا الصَّلَاةُ وَحْدَهُ، وَمُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ، “بَحْرٌ”.
وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ نَظْمًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ»(ا.هـ.

جاء في الأعلام للزركلي)، ج1، ص230
وابن الشِّحْنَة: هو الإمام أحمد بن محمد بن محمد، أبو الوليد، لسان الدين الثقفي الحلبي المتوفى عام (882هـ)، ومن كتبه: “لسان الحكام فِي معرفة الأحكام”.





ذكر الإمام أبو جعفر الطَّحاوي الحنفي _: « شرح معاني الآثار)، ج3، ص213-216 في “بَابُ مَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِهِ مُسْلِمًا”
:...أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»....
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ صَارَ بِهَا مُسْلِمًا، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَقَالُوا لَهُمْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِنَّمَا كَانَ يُقَاتِلُ قَوْمًا لَا يُوَحِّدُونَ اللهَ تَعَالَى
... فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَجْحَدُونَ بِالنَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَلَيْسُوا بِإِقْرَارِهِمْ بِتَوْحِيدِ اللهِ مُسْلِمِينَ إِنْ كَانُوا جَاحِدِينَ بِرَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَإِذَا أَقَرُّوا بِرَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ عُلِمَ بِذَلِكَ خُرُوجُهُمْ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ دُخُولَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا انْتَحَلُوا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً....
……. أَنَّ الْيَهُودَ قَدْ كَانُوا أَقَرُّوا بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مَعَ تَوْحِيدِهِمْ لِلَّهِ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حَتَّى يُقِرُّوا بِجَمِيعِ مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ الْقَوْلِ مُسْلِمِينَ، وَثَبَتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْمَعَانِي الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَرْكِ سَائِرِ الْمِلَلِ...، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ _رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ_»(ا.هـ.


وقال الإمام الحافظ أبو الفضل العراقي الشافعي _رَحِمَهُ الله
طرح التثريب)، ج7، ص179-180
_: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
فِيهِ فَوَائِدُ:...
(الثَّالِثَةُ): اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْقِتَالِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي حُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْئًا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا.
وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجْحَدُهُ»(ا.هـ

.
وقال الإمام ابن مُفْلِح الحنبلي _رَحِمَهُ الله الفروع لابن مفلح)، ج10، ص197-200._: «
وَتَوْبَةُ كُلِّ كَافِرٍ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، مَعَ إقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ قَوْلُهُ: أَنَا مُسْلِمٌ.
وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَصَحِّ إقرار مرتد بما جحده، لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَمِنْهُ بِخِلَافِ تَوْبَةٍ مِنْ بِدْعَةٍ، ذَكَرَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ: لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ، إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ، فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا.
وَعَنْهُ: يُغْنِي قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
وَعَنْهُ: مِنْ مُقِرٍّ بِهِ.
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَوَثَنِيٍّ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِخَبَرِ أسامة وقتله الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَكْفِي مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثَيْ جُنْدُبٍ، وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَصَمَ بِهَا دَمَهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا.
وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وفِي “الانتصار” احْتِمَالٌ.
وَفِيهِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكِتَابَةِ الشَّهَادَةِ.
وَيَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ، كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ، وفِي “الْمُنْتَخَبِ” الْخِلَافُ»(ا.هـ.


وقال الإمام المرداوي الحنبلي _رَحِمَهُ الله_: «
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)، ج10، ص335-336.
بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ”:... قَوْلُهُ (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ: إسْلَامُهُ؛ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ).
يَعْنِي: يَأْتِي بِذَلِكَ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، إذَا كَانَ ارْتِدَادُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَعَنْهُ: يُغْنِي قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
وَعَنْهُ: يُغْنِي ذَلِكَ عَنْ مُقِرٍّ بِالتَّوْحِيدِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَالْوَثَنِيِّ، لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا_ وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ، بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيالْإِفْصَاحِ”: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ، وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بِهَا دَمُهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا»(ا.هـ.



وقال الإمام ابن عابدين الحنفي _رَحِمَهُ الله
العقود الدُّرية)، ج1، ص100_:
«لَا يَثْبُتُ إسْلَامُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِمَا ذُكِرَ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، لِعَدَمِ التَّبَرِّي، وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ كَمَا عَمَّمَ فِي ذَلِكَ فِي “الدُّرَرِ”، وَ“فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ”، وَ“التُّمُرْتَاشِيِّ” وَغَيْرِهِمَا، كَمَا فِي “الدُّرِّ الْمُخْتَارِ”.
وَأَفْتَىقَارِئُ الْهِدَايَةِ”: بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ، وَلَمْ يُتَابِعْ)ا.هـ.
وقارئ الهداية: هو الإمام الحنفي ، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن فارس الكناني المتوفى عام (829هـ)( انظر (الأعلام للزركلي)، ج5، ص57.


وقال الإمام السَرَخْسِي الحنفي _رَحِمَهُ الله_: «
شرح السِّيَر الكبير للسَرَخْسِي)، ج1، ص152
.لَوْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ: دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَبْرَأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَدَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ.
فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَدَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا قَالَ: دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ، يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الإسلَامِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَتَضَمُّنُ هَذَا اللَّفْظُ التَّبَرِّي مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ»(ا.هـ.
وقال الإمام الرملي الشافعي _رَحِمَهُ الله
فتاوى الرملي)، ج4، ص22._: «
وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ: بِأَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَتَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ، وَنَقَلَهُ وَلَدُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ “الْأُمِّ”.
وَتَبِعَ السُّبْكِيّ فِي إفْتَائِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالسِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ قَائِلَيْنِ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا صَدَرَ مِنْهُ»(ا.هـ.
وقال _رَحِمَهُ الله_: « فتاوى الرملي)، ج4، ص26-27....وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: وَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ فَرْضٍ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُحَرَّمٍ، فَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا اعْتَقَدَهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ ثَنَوِيًّا لَا يُقِرّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، هَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَهِيَ طَرِيقَةٌ نَسَبَهَا الْإِمَامُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ.
وَالْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. انتهى.

وَقَالَ الْغَزِّيُّ: إنَّ طَرِيقَةَ الْبَغَوِيِّ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ»(ا.هـ.


وقال الإمام النووي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
روضة الطالبين)، ج10، ص82-85
.قَالَ الْبَغَوِيُّ:... وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ...
“فَرْعٌ”: فِي “الْمِنْهَاجِ” لِلْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ:... لَوْ قَالَ الْيَهُودِيَّ: أَنَا بَرِئٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، أَوْ نَصَرَانِيٌّ: أَنَا بَرِيءٌ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْيَهُودِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْإِسْلَامِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، فَلَيْسَ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَلَيْسَ بِمِلَّةٍ.
فَإِنْ قَالَ: مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ مِنْ دِينٍ وَرَأْيٍ وَهَوًى، كَانَ مُؤْمِنًا.
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: الْإِسْلَامُ حَقٌّ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْحَقِّ وَلَا يَنْقَادُ لَهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْنَا عَنِ الْبَغَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: دِينُكُمْ حَقٌّ»(ا.هـ.


وقال الإمام أبو الفضل العراقي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
طرح التثريب)، ج7، ص181.
وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْإِسْلَامَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ.
فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِهِ، وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ.
وَحَمَلَهُ أَكْثَرُهُمْ عَلَى كَافِرٍ يَعْتَرِفُ بِأَصْلِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_ كَقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ إنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ فِي حَقِّهِمْ مِنْ الْبَرَاءَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ»(ا.هـ.


وقال الإمام النووي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
شرح صحيح مسلم)، ج1، ص149
أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُولَ: وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِلَى الْعَرَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِأَنْ يَتَبَرَّأَ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ»(ا.هـ.
وقال _رَحِمَهُ الله_: « في روضة الطالبين للنووي)، ج8، ص282-283 “فَرْعٌ”: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ فِي “الْمُخْتَصَرِ” فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْإِسْلَامَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وَاقْتَصَرَ فِي مَوَاضِعَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْبَرَاءَةَ.
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ، بَلْ إِنْ كَانَ الْكَافِرُ مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَصْلِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ يَقُولُونَ: مُرْسَلٌ إِلَى الْعَرَبِ فَقَطْ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ أَصْلَ الرِّسَالَةِ كَالْوَثَنِيِّ، كَفَى فِي إِسْلَامِهِ الشَّهَادَتَانِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا التَّفْصِيلَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ “قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ”.
وَنَقَلَ الْإِمَامُ خِلَافًا لِلْأَصْحَابِ، وفِي اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ، قَالَ: وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ.
قُلْتُ: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: حَكَاهَا صَاحِبُ “الْحَاوِي”:
وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّبَرُّؤَ شَرْطٌ مُطْلَقًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ»(ا.هـ

.
وقال الإمام الرملي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
فتاوى الرملي)، ج4، ص25-26.
وَعِبَارَةُ “الْجَوَاهِرِ”: هَلْ يَكْفِي فِي الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ الْإِتْيَانُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ؟.
نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتَبْرَأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَاقْتَصَرَ فِي مَوَاضِعَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ.
وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: فِيهِ قَوْلَانِ:
أَصَحُّهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. انتهى»(ا.هـ.

وقال الإمام النووي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
روضة الطالبين)، ج10، ص83. “فَرْعٌ”: فِي “الْمِنْهَاجِ” لِلْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْ لَا إِلَهَ سِوَى اللَّهِ، أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ، أَوْ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا الرَّحْمَنُ، أَوْ لَا رَحْمَنَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا الْبَارِئُ، أَوْ لَا بَارِئَ إِلَّا اللَّهُ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَحْمَدُ أَوْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَافِرٌ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْلَ ذَلِكَ، صَارَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا حَتَّى يَقُولَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْتُ بِمَا كُنْتُ أُشْرِكُ بِهِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَوْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ، كَقَوْلِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِكَافِرٍ: أَسْلِمْ لِلَّهِ، أَوْ آمِنْ بِاللَّهِ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ أَوْ آمَنْتُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ مُؤْمِنًا...الخ»(ا.هـ.

وقال الإمام الرملي الشافعي _رَحِمَهُ الله_: «
فتاوى الرملي)، ج4، ص27-28
وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته: أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ مُرْتَدًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، إلَّا بِتَلَفُّظِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَا فِيالْأَذْكَارِ، وَغَيْرِهِ، مِمَّا يُخَالِفُهُ، طَرِيقَةٌ مُقَابِلَةٌ لِلْمَذْهَبِ»(ا.هـ.

****************
الخلاف فِي الْحُكم بالإسلام لِمَن قال:“أسلمت لله:

قال الإمام الْعَيْنِي _رَحِمَهُ الله_: «
عمدة القاري للعيني)، ج24، ص33
وَاحْتج بَعضهم بقوله: “أسلمت لله”، على صِحَة إِسْلَام من قَالَ ذَلِك، وَلم يزدْ عَلَيْهِ.
وَرُدَّ ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي الْكَفّ، على أَنه ورد فِي بعض طرقه أَنه قَالَ: لَا إله إلاَّ الله، وَهِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث»(ا.هـ.




وقال الإمام ابن حجر _رَحِمَهُ الله_:« فتح الباري)، ج12، ص190
وَنقل ابن بطال عَن بن الْقَصَّارِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:«وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ»: أَيْ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ رَدْعَهُ وَزَجْرَهُ عَنْ قَتْلِهِ، لَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَالَأَسْلَمْتُحَرُمَ قَتْلُهُ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَافِرَ مُبَاحُ الدَّمِ، وَالْمُسْلِمَ الَّذِي قَتَلَهُ إِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا، فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَتِهِ»(ا.هـ.

الخلاف فِي النطق بالشهادتين بلغة غير العربية

قال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_:« المجموع للنووي)، ج3، ص
301
إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ:
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسَانِهِ، وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ:
الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ: صِحَّتُهُ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَآخَرُونَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا.
وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: يَصِيرُ.
وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ، الشَّيْخُ أَبُو حامد، والبدنيجي، والمحاملي، وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ.
وَقَاسَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَتَعَبَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظٍ، فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_:« شرح صحيح مسلم للنووي)، ج1، ص149.
إِذَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا؟.
فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْحَقُّ، وَلَا يَظْهَرُ لِلْآخَرِ وَجْهٌ»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_:« روضة الطالبين للنووي)، ج8، ص282
. “فَرْعٌ”: يَصِحُّ إِسْلَامُ الْكَافِرِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ “الشَّامِلِ” وَغَيْرُهُ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ. فَلَوْ لُقِّنَ الْعَجَمِيُّ الشَّهَادَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَلَفَّظَ بِهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، وَإِذَا تَلَفَّظَ الْعَبْدُ بِالْإِسْلَامِ بِلُغَتِهِ، وَسَيِّدُهُ لَا يَعْرِفُ لُغَتَهُ، فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يُعَرِّفُهُ بِلُغَتِهِ لِيَعْتِقَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ.
قُلْتُ: إِسْلَامُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ صَحِيحٌ، إِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ قَطْعًا.
وَكَذَا إِنْ أَحْسَنَهَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالْوَجْهُ بِالْمَنْعِ مَشْهُورٌ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ “التَّتِمَّةِ” وَغَيْرِهِ»(ا.هـ.

الخلاف فِي صحة إسلام الأخرس بالإشارة

قال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_: « روضة الطالبين)، ج8، ص282.
فَرْعٌ”: يَصِحُّ إِسْلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ.
وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا إِذَا صَلَّى بَعْدَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي “الْأُمِّ”.
وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ: الْأَوَّلُ، وَحَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْإِشَارَةُ مُفْهَمَةً»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله شرح صحيح مسلم للنووي)، ج15، ص178
._:«فِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِتَالِ، أَمْ فِي غيره، و«حِسَابه عَلى الله تَعالى»: معناه أَنَّا نَكُفُّ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَنَجَا مِنَ النَّارِ، كَمَا نَفَعَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
وَفِيهِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَفَتْهُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ»(ا.هـ.


الخلاصة
ونذكر هنا بما قلناه سابقا لعله يفيد
إن الاختلاف بين أهل العلم في الحكم على كافر بأنه مسلم إذا أتي بنص معين أو كانت عليه دلالة معينه ,يعني أن احدهم حكم بإسلام هذا الكافر والأخر لم يحكم بإسلام هذا الكافر , وهذا يعني أيضا أن احدهم لم يكفر الكافر عند الطرف الأخر , و لا يخفي على المنصف طالب الحق أن هذا من صلب الموضوع , إذا انه يعني
أولا- إمكانية ورود الخلاف في الحكم على الأشخاص
وهذا ينقض معتقد من قال أن الحكم على الناس هو من وسائل المقاصد والتي هي مفاصلة المشركين والتي هي احد معالم هذا الدين الرئيسية , وزعمهم إن هذه الطرق في الحكم على الناس وان لم تكن من أصل الدين , فأنها مما لا يتم أصل الدين إلا بها ولا تتم المفاصلة وهي احد المعالم الرئيسية لهذا الدين إلا بها حسب ادعائهم .
ثانيا ً- بطلان قولهم إن هذا دين الأنبياء
هذا قول أصحاب هذه البدعة واعتقادهم الذي كفروا به الموحدين
فهم يريدون منا أن نتبعهم وان نصدقهم في زعمهم بان هذا هو دين الأنبياء ومع هذا اختلف أهل العلم في هذا الاعتقاد وفي هذه الوسيلة ولم يعرفوا دين الأنبياء, ولم يتفطنوا إلى أن هذه القضية تدخل في صلب المفاصلة بين المسلمين والمشركين وتدخل في صلب العقيدة وهو الولاء والبراء , بل ولم يتم أصل دين أهل العلم وسلف هذه ألامه أبدا , إذ ما سنذكره من اختلافهم في الحكم على الناس وفي استعمالهم لهذه الطرق التي ذكرنا لا يدع مجالا للشك من أن هذا الفعل منهم لا يمكن أن يكون إلا على احد وجهين
الأول وهو أن هذا الاختلاف في قضية الحكم على الناس لدرجة تمنع المفاصلة ليس كفرا ولا علاقة له بالمقاصد وليس مما لا يتم أصل الدين إلا به وهو ما نعتقده وندين به ,فحين يقول بعض أهل العلم أن هذا الكافر أصبح مسلما , ويقول الأخر أن هذا الكافر لا يزال كافرا وأنت لم تكفره, فهذا يعني وبكل وضوح أن هذا الحكم لا علاقة له بأصل الدين ولا بما لا يتم أصل الدين إلا به ,وإنما هو خلاف في ثبوت حال الشخص ,وهل بفعله أو بقوله هذا يعتبر قد تغير حاله عند بعض أهل العلم أم انه لا يعتبر قد تغير حاله عند بعضهم الأخر بمجرد قوله أو فعله لأنه يربط هذه الأقوال والأفعال بقرائن ودلائل ويربط النصوص بواقع معين , في حين قد يكتفي بعضهم بظاهر النص الذي حكم بإسلام من أتي بقول معين أو بفعل معين دون النظر إلى هذا الواقع أو القرائن أو الدلائل , هذا هو العدل وهذا هو إنصاف أهل العلم وإنزالهم منازلهم , وهذا هو الفهم الصحيح لمراد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ولفهم صحابته الكرام ولائمة الدين وسلف هذه الأمة .

وأما الوجه الثاني لفهم كلام أهل العلم فلا يمكن القول به لأنه يعني ببساطة تخبطهم في أصل الدين وتضييع عقيدة التوحيد ومبدأ مفاصلة المشركين عندهم ويعني أيضا أنهم حين اختلفوا في الحكم بإسلام الكافر أو ببقائه على كفره فان احدهم مخطئ والأخر مصيب وهذا الخطأ والإصابة إما أن تكون مقبولة معفي عنها ولها حكم أمور الاجتهاد كلها وهذا ينقض معتقد أصحاب هذه البدعة ولله الحمد .
أو أن يكون هذا الاختلاف هو اختلاف تضاد غير معفي عنه فمن اخطأ منهم فهو كافر .
وبهذا كان على المصيب منهم أن يكفر المخطئ لان هذه القضية من قضايا الاعتقاد ولا يجوز الخطأ فيها ولكنهم لم يكفروا المخطئ فيما نقلناه عنهم وفيما سمعناه وهذا يقضي بتكفيرهم كلهم كما لا يخفي على كل ذي عقل وبصيرة , وهذا لعمري من أشنع ما سمعنا وأقبح ما ذكر في حق علماء المسلمين والله المستعان على أمره , وهذا الذي يجره الابتداع والتقليد على أصحابه والعياذ بالله
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-11





خلاف أهل العلم في ثاني طرق الحكم على الناس وهي حكم الدلالة او الفعل الذي يحكم به على كون الشخص مسلماً

ونذكر هنا بقول المخالفين ان طرق الحكم على الناس هي مما لا يتم اصل الدين الا بها حسب زعمهم , وسنبين هنا ان الدلالة وهي ثاني طرق الحكم على الناس مختلف فيها بشكل كبير لا يمكن ضبطه حتى يقال ان مخالفها كافر والله المستعان على من قال بهذه البدعة وسعي في نشرها .

الاختلاف في دلالة الصلاة على اسلام الكافر


وسنبدأ بكلام الامام الكاساني في هذا الجزء لأنه صاحب الفتوي التي تقول انه لا يحكم بإسلام الشخص الا بالنص او الدلالة او التبعية, ثم ذكر بنفسه ان هناك خلاف بينهم وبين الشافعية في الحكم للكافر بالإسلام اذا صلي ,وهو خلاف في الحكم بالدلالة وهي من اهم طرق الحكم على الناس والتي يقول المخالفين انها مما يثبت بالدليل الخاص , ثم انظر فيما الحديث هنا ؟
فالإمام يتكلم عن شخص معروف كفره قطعا , وهو بكونه اما كتابي او مشرك معروف ما هو عليه من شرك , وليس في شخص لا يعرف ما هو كفره وانما تم الحكم عليه بتبعيته لقومه او للدار , فانظر الى هذا الخلاف واطلب من الله ان يهديك سواء السبيل يامن تريد الحق ولا شيء غير الحق لتتبعه فهذه فرصتك وهذا امتحان لك امام الله سبحانه وتعالي لينظر اصدقت ام كنت من الكاذبين والعياذ بالله في قولك انك لا تريد الا الحق , وانه متى اتضح لك فانك ستتبعه فحاسب نفسك قبل ان يحاسبك الله على ترك الحق بعد ان تبين لك , وحاول ان لا تدخل تحت قول الله تعالى
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) .
او من الذين قال الله عنهم
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا"

او كالذين قال الله فيهم في سورة الاحزاب انهم
(وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا*ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا)
نسأل الله السلامة والعفو والعافية
قال الإمام الكاساني _: «
بدائع الصنائع)، ج7، ص103-104
.وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُحْكَمُ بِهِ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ:
فَنَحْوُ أَنْ يُصَلِّيَ كِتَابِيٌّ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي جَمَاعَةٍ، وَيُحْكَمَ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_: إنَّ الصَّلَاةَ لَوْ صَلَحَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ، لَمَا افْتَرَقَ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ حَالِ الِانْفِرَادِ، وَبَيْنَ حَالِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، فَعَلَى ذَلِكَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ.
وَلَنَا: أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الَّتِي نُصَلِّيهَا الْيَوْمَ، لَمْ تَكُنْ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا، فَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فَكَانَتْ دَلَالَةً عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِشَرِيعَتِنَا.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ _رَحِمَهُ اللَّهُ_: أَنَّهُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_:«مَنْ شَهِدَ جِنَازَتَنَا، وَصَلَّى إلَى قِبْلَتِنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ»..._إلى قوله_، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ يُصَلِّي سَنَةً، وَمَا قَالَا: رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ يَقُولُ: صَلَّيْتُ صَلَوَاتِي لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ أَيْضًا، فَلَا تَكُونُ الصَّلَاةُ الْمُطْلَقَةُ دَلَالَةَ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
وَشَهِدَ الْآخَرُ وَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ كَذَا، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ، وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الصَّلَاةِ مِنْهُ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ، وَذَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ لَا نَفْسَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ، فَقَدْ اجْتَمَعَ شَاهِدَانِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً، لَكِنْ تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْجَبْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ، لَا فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا حَقِيقَةً، فَهُوَ مُخْتَلِفٌ صُورَةً لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْفِعْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقَتْلِ وَاَللَّهُ _سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى_ أَعْلَمُ»(ا.هـ.



وجاء في كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف
على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - (1 / 280)
قوله: "وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه".
هذا المذهب مطلقا نص عليه وعليه الأصحاب وجزم به كثير منهم وهو من مفردات المذهب وذكر أبو محمد التميمي في شرح الإرشاد إن صلى جماعة حكم بإسلامه لا إن صلى منفردا وقال في الفائق وهل الحكم للصلاة أو لتضمنها الشهادة فيه وجهان ذكرهما ابن الزاغوني.
فائدة: في صحة صلاته في الظاهر وجهان وفي ابن الزاغوني روايتين وأطلقهما في الفروع وجزم في المستوعب والرعايتين وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم بإعادة الصلاة قال القاضي صلاته باطلة ذكره في النكت قال الشيخ تقي الدين شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلما وإن كان محدثا ولا يصح الائتمام به لفقد شرطه لا لفقد الإسلام وعلى هذا عليه أن يعيدها.
والوجه الثاني: تصح في الظاهر اختاره أبو الخطاب فعليه تصح إمامته على الصحيح نص عليه وقيل: تصح قال أبو الخطاب الأصوب أنه إن أقال بعد الفراغ إنما فعلتها وقد اعتقدت الإسلام قلنا صلاته صحيحة وصلاة من صلى خلفه وإن قال فعلتها تهزؤا قبلنا منه فيما عليه من إلزام الفرائض ولم نقبل منه فيما يؤثره من دينه قال في المغني إن علم أنه كان قد أسلم ثم توضأ وصلى بنية صحيحة فصلاته صحيحة وإلا فعليه الإعادة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يسلم بغير فعل الصلاة من العبادات والمذهب أنه يسلم إذا أذن في وقته ومحله لا أعلم فيه نزاعا ويحكم بإسلامه أيضا إذا أذن في غير وقته ومحله على الصحيح من المذهب: وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الكبير في باب الأذان وقدمه في الفروع وقيل: لا يحكم بإسلامه وأطلقهما في الرعاية الكبرى: وابن تميم فعلى المذهب لا يعتد بذلك والصحيح من المذهب: أنه لا يحكم بإسلامه بصومه قاصدا رمضان وزكاة ماله وحجه وهو ظاهر كلام اكثر الأصحاب وجزم به في المغني في باب المرتد والتزمه المجد وابن عبيدان في غير الحج وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقيل: يحكم بإسلامه بفعل ذلك اختاره أبو الخطاب وأطلقهما في الفروع والرعاية وابن تميم واختار القاضي يحكم بإسلامه بالحج فقط والتزمه المجد وابن عبيدان وقيل: يحكم بإسلامه ببقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة وسجدة تلاوة قال في الفروع ويدخل فيه كل ما يكفر المسلم بإنكاره إذا أقر به الكافر قال وهذا متجه.) انتهى

قال الإمام ابن قدامة _
الْمُغْنِي)، ج2، ص147
«الظَّاهِرَ مِنْ الْمُصَلِّينَ الْإِسْلَامُ، سِيَّمَا إذَا كَانَ إمَامًا»(ا.هـ.

وقال: «
الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج9، ص22
وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً.
وَلَنَا: أَنَّ مَا كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ. وَاحْتِمَالُ التَّقِيَّةِ وَالرِّيَاءِ، يَبْطُلُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا»(ا.هـ.


وقال _
الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج2، ص148
.«قَالَ أَصْحَابُنَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَافِرِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ، كَقَوْلِنَا، وَإِنْ صَلَّى فُرَادَى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا.».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِتَارَ بِالصَّلَاةِ، وَإِخْفَاءَ دِينِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ.
وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ»، وَقَالَ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ»، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ حَدًّا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَمَنْ صَلَّى فَقَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ فِي الْمَمْلُوكِ: «فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوكَ»، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَالْإِتْيَانُ بِهَا إسْلَامٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالصِّيَامُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ مَنْ لَيْسَ بِصَائِمٍ»(ا.هـ.






وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي _رَحِمَهُ الله_ فِي “الْمُهَذَّب”
: «وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة، فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا، كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ، أَوْ زَكَّى الْمَالَ.
وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ فَإِنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ نَظَرْتَ:
فَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ، لِأَنَّ عَلَى كُفْرِهِ أَمَارَةً مِنْ الْغِيَارِ.
وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَلَا تَصِحُّ خَلْفَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي الائتمام به»ا.هـ.


قال الإمام النووي فِي “المجموع)، ج4، ص250-253

: «الْأَمَارَةُ _بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ_، وَيُقَالُ الْأَمَارَ بِلَا هاء: وهى العلامة علي الشيء، وَالْغِيَارُ _بِكَسْرِ الْغَيْنِ_.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ، وَكَذَا الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَاهِلًا بِكُفْرِهِ:
فَإِنْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ؛ كَيَهُودِيٍّ، وَنَصْرَانِيٍّ، وَمَجُوسِيٍّ، وَوَثَنِيٍّ، وَغَيْرِهِمْ، لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَا يَلْزَمُهُ.
فَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِهِ؛ كَمُرْتَدٍّ، وَدَهْرِيٍّ، وَزِنْدِيقٍ، وَمُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ يُخْفِيهَا، وَغَيْرِهِمْ:
فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا.
الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَوْلِ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ: وُجُوبُ الْإِعَادَةِ.
وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ، وَالرَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ قَلِيلُونَ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ.
وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ.
وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ: الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْبَنْدَنِيجِيّ، وَالْمَحَامِلِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَالشَّيْخُ نَصْرٌ، وَخَلَائِقُ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَالْمَنْصُوصُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، قَالَ: وَغَلِطَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْإِعَادَةَ.
وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيالْأُمِّوَالْمُخْتَصَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ أَبُو إسحاق.
وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ صَاحِبُ “التَّتِمَّةِ”: إذَا صَلَّى حَرْبِيٌّ، أَوْ مُرْتَدٌّ، فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَالَ الشَّافِعِيِّ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ مُسْلِمًا يَقْصِدُ الِاسْتِهْزَاءَ، وَمُغَايَظَتَهُ بِالصَّلَاةِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُالشَّامِلِ”: أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ حَكَى قَوْلَ أَبِي الطَّيِّبِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ حَكَوْا قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ، وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ “التتمة” غَريب ضَعيف.
قال أصحابنا: وصورة المسألة: إذَا صَلَّى وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الشَّهَادَتَانِ، فَإِنْ سُمِعَتَا مِنْهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ غَيْرِهِ:
فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ:
الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يُحْكَمُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاسْتِدْعَاءِ غَيْرِهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا.
وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ: فِيمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْآذَانِ، أَوْ غَيْرِهِ، لَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ، وَلَا حَاكِيًا.
وَالصَّحِيحُ: الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ،
وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي “بَابِ الْأَذَانِ”.
وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ: أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْبَنْدَنِيجِيّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْمُتَوَلِّي، وَالشَّيْخُ نَصْرٌ، وَالشَّاشِيُّ، وَخَلَائِقُ غَيْرُهُمْ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ أَيْضًا فِي “بَابِ الْأَذَانِ”.
وَمَقْصُودِي بِهَذَا: أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَنِّفِينَ نَقَلَهُمَا عَنْ صَاحِبِ “الْبَيَانِ”، مُسْتَغْرَبًا لَهُمَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي “الْأُمِّ”، وَ“الْمُخْتَصَرِ”، وَالْأَصْحَابُ _رَحِمَهُمُ اللَّهُ_: وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ لإفساده صلاتهم، وتداعيه، وَاسْتِهْزَائِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ، وَزَكَّى الْمَالَ.
فَمُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ فَإِنَّهُ قَالَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، فَأَلْزَمَهُ أَصْحَابُنَا الصَّوْمَ، وَالزَّكَاةَ.
وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ زَكَاةٍ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِلَا شَهَادَةٍ، وَضَابِطُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أن كل ما يَصير المسلم كافرًا بجحده يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: لَا يَصِيرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْكَافِرِ”:
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّلَاةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثور، وداود.
وقال أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ حَجَّ وَطَافَ، أَوْ تَجَرَّدَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، صَارَ مُسْلِمًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ﴾ (التوبة:18)، وَبِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «نُهِيتُ عن قتال الْمُصَلِّينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ: أَنَّ مُجَرَّدَ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ عِمَارَةً.
وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَلَاتُنَا.
وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِيَادِ المساجد غير مراد، فلابد فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْكَافِرِ.
وَعَنْ الثَّالِثِ: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لكان معناه: مَن عُرف بالصَّلاة الصَّحيحة»(ا.هـ.
وفيما نقلناه عن حكم من صلي خلف كافرا ظاهر كفره انه لا يعيد الصلاة كما قال المزني .
وهذا رد على بعض قدامي المخرفين من اصحاب بدعة ولاء العبادة , فاذا كان الانسان يكفر اذا صلي خلف مشرك ,فهل يعقل ان صلاته لا يجب ان يعيدها ؟ وهل سيهتم الامام المزني بالصلاة واعادتها اذا كان صاحبها قد كفر او ارتد ؟؟؟
الحمد لله الذي هدانا لما اختلف فيه من الحق بأذنه , وجعلنا من اهل السنة والجماعة .



 الاختلاف على دلالة الحج على كون الشخص مسلماً
قال الإمام الكاساني الحنفي _
بدائع الصنائع للكاساني)، ج7، ص103
.«وَلَوْ حَجَّ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؟.
قَالُوا: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ، وَلَبَّى، وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْحَجِّ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ، لَمْ تَكُنْ فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِشَرِيعَتِنَا، فَكَانَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ.
وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ، أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ، وَلَمْ يُلَبِّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ عِبَادَةً فِي شَرِيعَتِنَا إلَّا بِالْأَدَاءِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَالْأَدَاءُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِسْلَامِ»(ا.هـ.

قال الإمام السَرَخْسِي الحنفي _:«
شرح السِّيَر الكبير)، ج1، ص151
.إذَا صَامَ، أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ، أَوْ حَجَّ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: إذَا حَجَّ الْبَيْتَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ فِعْلٌ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إسْلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ»(ا.هـ.





الفروع و تصحيح الفروع - (1 / 408)
مسألة -: قوله: "وفي حجه وصومه قاصدا رمضان وزكاة ماله، وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة وسجدة تلاوة وجهان" انتهى، يعني إذا فعل ذلك هل يحكم بإسلامه أم لا، أما الثلاثة الأول فأطلق الخلاف فيها وأطلقه ابن تميم وابن حمدان: أحدهما: لا يحكم بإسلامه بفعل شيء من ذلك وهو الصحيح، قلت وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وجزم به في المغني في باب المرتد وصرح به ابن الجوزي في تبصرة الوعظ والتزمه المجد في شرحه ومن تابعه في غير الحج.


والوجه الثاني: يحكم بإسلامه اختاره أبو الخطاب واختار القاضي الحكم بإسلامه بالحج فقط، نقله عنه ابن تميم والتزمه المجد ومن تابعه فيه أيضا.)أ.هـ



وقال الإمام ابن عابدين الحنفي _
حاشية ابن عابدين)، ج4، ص229.
“مَطْلَبٌ الْإِسْلَامُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ”:
“خَاتِمَةٌ”: اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا؛ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ، أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا، أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ، لَا الصَّلَاةُ وَحْدَهُ، وَمُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ، “بَحْرٌ”.
وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ نَظْمًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ»(ا.هـ.


وقال الإمام النووي الشافعي _
المجموع للنووي)، ج4، ص252
.«وقال أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ حَجَّ وَطَافَ، أَوْ تَجَرَّدَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، صَارَ مُسْلِمًا»(ا.هـ.


وقال الإمام ابن قدامة _:«
الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج2، ص148.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ، كَقَوْلِنَا، وَإِنْ صَلَّى فُرَادَى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ،...
وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ»، وَقَالَ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ»، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ حَدًّا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَمَنْ صَلَّى فَقَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ فِي الْمَمْلُوكِ: «فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوكَ»، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَالْإِتْيَانُ بِهَا إسْلَامٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالصِّيَامُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ مَنْ لَيْسَ بِصَائِمٍ»(ا.هـ.

قال الإمام ابن تَيمِيَّة _
درء تعارض العقل والنقل لابن تَيمِيَّة)، ج8، ص14
. «وَهُنَا مَسَائِلُ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، فَمن صَلَّى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَما؟.
والصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ»(ا.هـ.


وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي
_: « شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي)، ص27
وَهُنَا مَسَائِلُ تَكَلَّمَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ؛ كَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا، هَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا أَمْ لَا؟.
فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ»(ا.هـ.


الاختلاف على دلالة الاذان على كون الشخص مسلماً
وهنا ايضاً يذكر الامام الكاساني الخلاف بينهم وبين الشافعية في حكم من اذن للصلاة
قال الإمام الكاساني الحنفي _
بدائع الصنائع)، ج7، ص103.
_: «إذَا أَذَّنَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا،
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى_.
لَنَا: أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ دَلِيلَ قَبُولِ الْإِسْلَامِ»(ا.هـ.

وقال الإمام أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي _
فِي “أسنى المطالب)، ج1، ص128.
”: «“فَلَوْ أَذَّنَ كَافِرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا”، بِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ، وَالْعِيسَوِيَّةُ: فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ تُنْسَبُ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ، كَانَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ، يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً»(ا.هـ.

وقال الإمام النووي _
_: « روضة الطالبين للنووي)، ج1، ص202
وَإِذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ:
إِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ»(ا.هـ.

وفي النقل القادم سترون خلافاً من نوع اخر ,خلاف في اسلام اليهودي بالفعل دون ان يتبرأ مما هو عليه من اليهودية هذا بعكس الاسلام بالنص الذي ذكر بعض اهل العلم انه يجب فيه البراءة من اليهودية قبل الحكم بإسلام اليهودي اذا اتي بالشهادتين لاحتمال انه يقصد بالشهادتين ان محمد صلي الله عليه وسلم رسول الله للعرب فقط .

قال الإمام ابن عابدين الحنفي _
_: « حاشية ابن عابدين)، ج1، ص353.
صَرَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_إلَى الْعَرَبِ»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_:
حاشية ابن عابدين)، ج1، ص354
«أَنّ الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ، وكَافِر»(ا.هـ.



وقال _رَحِمَهُ الله_:
حاشية ابن عابدين)، ج4، ص229
«أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_:
حاشية ابن عابدين)، ج1، ص353
. «وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ»(ا.هـ.

وسنتكلم لاحقا بشي من التفصيل عن موضوع الخلاف في الحكم بإسلام العيسوية اذا تلفظوا بالآذان


فهذا الاختلاف في طريقتين من الطرق التي ذكر اهل العلم انها هي التي يحكم بها بكون الشخص مسلماً والطريقة الثالثة وهي التبعية سنذكرها لاحقا بشي من التفصيل ان شاء الله في معرض ردنا على كلام الشيخ حلمي عن التبعية وقوله انها مما لا يتم اصل الدين الا بها .

وهذه النقول التي سقناها وغيرها كثير مما ذكره اهل العلم في مصنفاتهم فيمن علم حاله وعلم الكفر الذي هو عليه , ويهمنا في النقولات السابقة هو كيفية التعامل مع من عرف حاله وعرف الكفر الذي عليه وكيف ان اهل العلم اختلفوا في طرق الحكم لهذا الكافر بالإسلام ولم يكفر بعضهم بعضاً لان الخلاف هو في حكم الحال هل يعتبر الكافر بعد اتيانه بهذه الامارات مسلماً فيحكم له بحكم المسلمين ام لا يعتبر مسلما للاعتراضات الذي ذكرها بعض اهل العلم كما بينا سابقاً
وفي النقولات القادمة سننقل حكم حال من عرف اسلامه لكنه اتي بأمر مكفر .
وما يهمنا هنا هو معرفة كيفية تعامل اهل العلم مع من كانت هذه حاله وكيفية معرفة حال المرتد للحكم عليه بالردة وتنزيل احكامها عليه وهذه الحالة وهى التي قلنا ان حكم حال الانسان فيها معلوم وهو انه مسلم وتجري عليه احكام المسلمين لكنه ارتكب فعلا مكفراً جعله مرتداً وكيفية قبول توبة هذا المرتد والحكم عليه بالإسلام وكما ذكر بعض اهل العلم انه مطابقة لإسلام الكافر الأصلي, ولكن قد يطلق بعضهم على الردة انها كفر طارئ تمييزاً لها عن الكفر الاصلي .
قال محمد بن محمد البابرتي (المتوفى : 786هـ)
صاحب كتاب العناية شرح الهداية - (8 / 124)
بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ الْكُفْرِ الطَّارِئِ ، لِأَنَّ الطَّارِئَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِيِّ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ .)انتهى

لكن في موضوعنا هنا فإننا سننظر لحكم حاله الاول وهو انه كان معلوم الحال وانه كان مسلما ثم ارتد فلحقته أحكام المرتد.
وسننظر ايضاً في الخلاف في القرائن المعتبرة في الحكم بتوبته او رجوعه للإسلام.


ذكر اهل العلم جميعهم ان المسلم متي اتي بفعل مكفر فانه يصبح مرتداً وتجري عليه بالتالي احكام الردة
جاء في المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- (2 / 167
باب المرتد
وهو الكافر بعد إسلامه فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو صفة من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سب الله أو رسوله فقد كفر.
ومن جحد وجوب عبادة من الخمس أو تحريم الزنا أو الخمر أو حل اللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك
وإن كان مثله لا يجهله كفر.
ومن ترك تهاونا فرض الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم أن لا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على ظنه موته قبله استتيب كالمرتد فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا نقلها أبو بكر واختارها وعنه يختص الكفر بالصلاة وعنه بها والزكاة إذا قاتل الإمام عليها وعنه لا كفر ولا قتل في الصوم والحج خاصة.
ومن ارتد وهو بالغ عاقل مختار رجل أو امرأة دعي إلى الإسلام واستتيب ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يسلم قتل بالسيف وهل استتابته واجبة أو مستحبة على روايتين.
وأما الصبي المميز فيصح إسلامه وردته إذا كان له عشر سنين وعنه سبع وعنه لا يصحان منه حتى يبلغ وعنه يصح إسلامه دون ردته ويحال بينه وبين أهل الكفر على الروايات كلها وإذا صححنا ردة الصبي والسكران لم يقتلا حتى يستتابا بعد البلوغ والصحو ثلاثة أيام وجعل الخرقي أول الثلاثة في السكران من وقت ردته ولا تقبل توبة الزنديق وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ولا من تكررت ردته ولا الساحر المكفر بسحره ولا من سب الله أو ورسوله بل يقتلون بكل حال وعنه تقبل توبتهم كغيرهم.
وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا من كان كفره بجحد فرض أو تحريم أو تحليل أو نبي أو كتاب أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به
-ولا يغنى قوله أشهد أن محمدا رسول الله عن كلمة التوحيد
-وعنه يغني
-وعنه إن كان ممن يقر بالتوحيد أغنى وإلا فلا..)انتهى
انظر الى الروايات التي رويت عن الامام احمد رحمة الله
الاولي ان قول اشهد ان محمد رسول الله لايغني عن كلمة الشهادة
والثاني انه يغني
والثالث انه يغني من مقر بالتوحيد .
وفي كلام الإمام احمد حجة في تكفير من لم يكفر أصحاب بدعة ولاء العبادة الذين قالوا إن الحج كفر والصلاة إلى جانب الكافر كفر , لأنهم جحدوا وجوبها في هذه الأيام لعدم القدرة على أدائها بعيدا عن الكفار حسب زعمهم
كما قال الإمام
ومن جحد وجوب عبادة من الخمس أو تحريم الزنا أو الخمر أو حل اللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك
وإن كان مثله لا يجهله كفر)انتهى

وجاء في الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة - (4 / 221
باب المرتد هو لغة الراجع مطلقا وشرعا ( الراجع عن دين الإسلام
وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان ) وهو تصديق محمد صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به عن الله تعالى مما علم مجيئه ضرورة
وهل هو فقط أو هو مع الإقرار ؟؟ قولان
( يقصد تصديق محمد صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به )
وأكثر الحنفية على الثاني
والمحققون على الأول
والإقرار شرط لإجراء الأحكام الدنيوية بعد الاتفاق على أنه يعتقد متى طولب به أتى به فإن طولب به فلم يقر فهو كفر عناد
قاله المصنف وفي الفتح من هزل بلفظ كفر ارتد وإن لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد والكفر لغة الستر
وشرعا تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به من الدين ضرورة وألفاظه تعرف في الفتاوى بل أفردت بالتآليف
مع أنه لا يفتى بالكفر بشيء منها إلا فيما اتفق المشايخ عليه كما سيجيء
قال في البحر وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها ( وشرائط صحتها العقل ) والصحو ( والطوع ) فلا تصح ردة مجنون ومعتوه وموسوس وصبي لا يعقل وسكران ومكره عليها وأما البلوغ والذكورة فليسا بشرط
بدائع
وفي الأشباه لا تصح ردة السكران إلا الردة بسب النبي صلى الله عليه وسلم)انتهى


قال الإمام ابن قدامة الحنبلي _رَحِمَهُ الله_
فِي الْمُغْنِي)، ج9، ص3.”:
«“كِتَاب الْمُرْتَدّ”:... وَإِنْ ارْتَدَّ بِجُحُودِ فَرْضٍ، لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيُعِيدَ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِمَا اعْتَقَدَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَ نَبِيًّا، أَوْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِهِ، أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، أَوْ اسْتَبَاحَ مُحَرَّمًا، فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ»(ا.هـ

وقال الإمام زكريا الأنصاري الشافعي
_ فِي الغرر البهية للأنصاري)، ج5، ص78.
«“بَاب الردَّة”:... وَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِإِحْدَاهُمَا، وَيَكْفِيَانِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ إلَّا مَنْ خَصَّهَا بِالْعَرَبِ، فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَقُولَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِجُحُودِ فَرْضٍ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُحَرَّمٍ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَرْجِعَ عَمَّا اعْتَقَدَهُ»(ا.هـ..

وقال الإمام عبد الرحمن المقدسي الحنبلي
فِي الشرح الكبير)، ج10، ص92.”:
«“بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ”:... وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ يَقُولُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ»(ا.هـ.


وقال الإمام الحجّاوي الحنبلي
_ فِي زاد المستقنع للحجاوي)، ص225.
«“بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ”:... وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ وَكُلِّ كَافِرٍ إِسْلاَمُهُ، بِأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَمَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِجَحْدِ فَرْضٍ وَنَحْوِهِ فَتَوْبَتُهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ إِقْرَارُهُ بِالْمَجْحُودِ بِهِ، أَوْ قَوْلُهُ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الإِْسْلاَمَ»(ا.هـ




وقال الإمام ابن حجر العسقلاني الشافعي _
_ فتح الباري لابن حجر)، ج12، ص279.:
«“بَابُ قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ، وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ”:...،

وَفِيهِ مَنْعُ قَتْلِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَلْ يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مُسْلِمًا؟.
الرَّاجِحُ لَا، بَلْ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ قَتْلِهِ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ، وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة بِالِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ: «إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ».
قَالَ الْبَغَوِيُّ: الْكَافِرُ إِذَا كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ ثَنَوِيًّا لَا يُقِرُّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دين الْإِسْلَام، وَأما من كَانَ مقر بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَقُولَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِنْ كَانَ كَفَرَ بِجُحُودِ وَاجِبٍ أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُحَرَّمٍ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا اعْتَقَدَهُ»(ا.هـ.
.
وهذا الذي نقله الإمام المرداوي في كتابه
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)، ج10، ص335-336.
«“بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ”:... قَوْلُهُ (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ: إسْلَامُهُ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ).
يَعْنِي: يَأْتِي بِذَلِكَ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، إذَا كَانَ ارْتِدَادُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي “الْوَجِيزِ”، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي “الْفُرُوعِ”.
وَعَنْهُ: يُغْنِي قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
وَعَنْهُ: يُغْنِي ذَلِكَ عَنْ مُقِرٍّ بِالتَّوْحِيدِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي “الْفُرُوعِ”.
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَالْوَثَنِيِّ. لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا_، وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ، بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي “الْإِفْصَاحِ”: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بِهَا دَمُهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا»(ا.هـ.!!.

فقد نقل الامام قولين عن المذهب
الاول هو قوله وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَالْوَثَنِيِّ. لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا_، وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ، بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ.)

والخلاف هنا القول الثاني الذي نقله عن بن هبيرة وهو مخالف لهذا القول السابق وفيه(وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي “الْإِفْصَاحِ”: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بِهَا دَمُهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا)



الخلاصة
بهذا نكون قد انهينا الجزء الاول من هذه الرسالة وهو المتعلق بكيفية تحقيق صفة تكفير الكافر وكيفية الحكم علي الكافر لتحقيق هذا الشرط من شروط الكفر بالطاغوت.
وبينا ان الحكم على الكافر بالكفر يحتاج الى نوعين من الفهم او يحتاج الى اصلين عظيمين كما ذكر اهل العلم وهو معرفة حال الشخص ومعرفة ما عليه من كفر .
وثانيا معرفة حكم الله فى امثاله .
والاصل الاول وهو معرفة الحال يجوز الاختلاف فيه, وهو الذي ترتبط به الفتوى المشهورة المتعلقة بطرق الحكم على الناس التي ذكرها الإمام الكاساني وهي النص أو الدلالة أو التبعية.
إلا إذا عرف كفر الشخص عن طريق الوحي ككفر فرعون او هامان او كفر ابو لهب او غيره .
وكذلك تكفير الاقوام في هذه الأزمنة بالعموم, لما انتشر عنهم من كفريات.
وكذلك تكفير من عرف عليهم الكفر بالتواتر كأصحاب الدولة العبيدية وبن عربي والحلاج وغيرهم فهؤلاء كفرهم معروف منقول بالتواتر ولا يمكن للإنسان انكاره, الا من عرف من حاله انه يجهل كفرهم فانه يعرف بحالهم و بكفرهم فان كفرهم والا الحق بهم.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية فيمن كان من عوام الاتحادية وهو جاهل بحالهم فقال : " ولهذا هم - طائفة ابن عربي- يريدون دولة التتار ويختارون انتصارهم على المسلمين إلاّ من كان عامياً من شيعتهم وأتباعهم فإنه لا يكون عارفاً بحقيقة أمرهم ......
إلى أن قال : " ومن كان محسناً للظن بهم - أي في طائفة ابن عربي - وادّعى أنه لم يعرف حالهم عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم".أ.هـ
واما الحلاج فقد كفره ابن تيمية في الفتاوى ص483ثم ذكر فيمن توقف في كفر الحلاج فقال في : " لكن بعض الناس يقف فيه لأنه لم يعرف أمره ".أهـ.

واما المعين الذي قد يخفي حاله على بعض المسلمين فهو اولي ان يلتبس حاله على بعض المسلمين فيجهل حكم حاله ,فيتوقف في الحكم عليه بالإسلام او بالكفر ولا يكون هذا التوقف كافياً في حد ذاته لتكفير هذا الموحد واخراجه من الملة بسبب انه توقف في حكم الحال او خالفنا في حكم حال شخص معين سواء بالإسلام او بالكفر او بالتوقف, وقد بينا أن طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين ولا مما لا يتم أصل الدين إلا به ولا غيره من هذا الكلام وبينا اختلاف أهل العلم في هذه الطرق وفي الحكم على الناس بالنظر إليها , ولم يكفر بعضهم بعضا ولله الحمد والمنة على نعمائه.

وأما من حكم بكفر هذا المتوقف وبتكفير من لم يكفره فهو المطالب بالدليل على هذا التكفير , وعلى اخراج الموحدين من دين الاسلام , وهذا هو موضوع الباب الثاني من هذه الرسالة وهو اثبات ان من كفر الموحدين بسبب موضوع توقف الموحد في معين هو المطالب بالدليل على هذا التكفير, ولا يستقيم في الشرع ولا في العقل ان يطالب الموحدون بالدليل على بقائهم على الاسلام واستمرار عقد الاسلام لهم مالم يقوموا بشيء ذكر الله ورسوله انه كفر مخرج من الملة وهذا الذي سنذكر كلام اهل العلم وحجتهم وادلتهم عليه , لنبين للقارئ فساد استدلال هذه الطائفة جهلهم بأبسط قواعد الشرع ,بل بمخالفتها وقلبها رأساً على عقب والله المستعان على امره . 


قولهم
(من باشر القوم علم حالهم)


هذه من الاقوال والقواعد التي يرددها بعض من يتبع هذه البدعة وهو لا يعرف انها حجة عليه فلقد استعملها الامام بن تيمية عند ذكره للأصلين اللذين يعتمد عليهما في معرفة حكم التتار ,فقال من باشر القوم علم حالهم
وهذا يدل على ان من لم يباشرهم لم يعلم حالهم وبالتالي فيجب ان يبين له حالهم , ويبين له حكم الله في امثالهم اذا كان عملهم مما لا يدخل في اصل الدين , ثم اذا لم يكفرهم الانسان بعدها الحق بهم .
ولهذا فان الكلام على المعين لا تنطبق عليه هذه القاعدة التي يرددها اصحابها وهم لا يعلمون انها حجة عليهم .
فاذا سالتهم هل باشرتم هذا المعين فعرفتم حاله ؟؟
فسيقولون لك لا لم نباشره ولم نتعرف عليه ولا نعرف حاله لكننا الحقناه بالدار
فاذا كان هذا هو ما يعتمدون عليه في تكفيرهم لهذا المعين فلماذا يرددون هذه القاعدة وهي قولهم من باشر القوم علم حالهم ؟؟ فهذه تتعلق بعموم القوم ولم يخالفهم احد في كفر عموم القوم لكن هذه القاعدة لا تتنزل على المعين اذا انهم يقرون انهم لم يباشروه ولم يعلموا حاله انما الحقوه بقومه او بداره من غير معرفة حاله على التعيين , وهذا من اشنع الخلط والله المستعان , ان تستعمل القواعد في غير محلها ويلبس بها على عوام الموحدين فيوهموا الناس ان كلامهم حق لا ريب فيه , حتى اذا اتاه الموحد العامي وجده سراباً ووجد الله عنده فوفاه حسابه , وعاقبه على تقليده من غير برهان ولا دليل لا من كتاب ولا من سنة , فحسبنا الله ونعم الوكيل على من ينشر هذه الضلالات , ويدمر جماعة المسلمين ويشتت امرهم وينشر بينهم الفرقة والخلاف وهو يعلم ذلك , نسأل الله ان يجعل كيدهم في نحرهم , وان يجعل تدميرهم في تدبيرهم , آمين اللهم آمين





الباب الثاني
من المطالب بالدليل ؟؟
الذين يقولون بإسلام من ثبت اسلامه ؟
ام الذين يخرجون من ثبت اسلامه بدون دليل من الاسلام ويكفرونه؟.


قلنا في بداية هذه الرسالة اننا سنثبت لأصحاب هذه البدعة انهم هم المطالبون بالدليل على كفر الموحد الذي توقف في معين , لانهم دائما وفي كل حواراتهم تقريبا يقلبون القواعد الشرعية المتفق عليها ويطالبوننا بالدليل على اسلام من ثبت اسلامه ابتداء ويعتقدون اننا لا نستطيع الرد وانهم اصحاب الحق في طلب الدليل على اسلام المسلم .
وسنبدأ بما اتفقنا عليه مع بعضهم عند حوارنا معهم واقرار بعضهم ممن راسلنا بانه متفق معنا على انه يمكن للإنسان ان يحقق التوحيد ويكون مسلما حتى بدون معرفة الواقع المحيط , ثم اذا عرفه وفهمه وتحقق منه وجب عليه ان ينزل علي هذا الواقع ما يجب من احكام حسب علمه بهذا الواقع.
وسننقل هنا جزء من ردود سابقه مع بعض اصحاب هذا المعتقد وكيف انهم متفقون على ان اصل الدين يمكن ان يتحقق بدون معرفة الواقع والفقه فيه .
نقل من رسالتهم لنا بعنوان (رد احد الشباب على قول أبو نخلة في التوقف فى الاعيان من غير التزام او قرائن).
قلنا لهم في هذه الرسالة وفي حوارنا مع مجموعة منهم
(فالموحد الذي حقق التوحيد وجهل واقع معين ولم يعرف ان من فيه لا يعرفون التوحيد فهذا لا يكفر لأنه كما قلنا حقق التوحيد ابتداء لان معرفة واقع الناس ليس من اصل الدين وقد بينا ذلك بمثال الرجل الذي يسكن ببداية بعيده ولا يوجد في مكانه احد ليحكم عليه لا بإسلام ولا بكفر ثم بعد ان تعلم التوحيد انتقل الى بلاد اخري فوجد ان اغلب اهلها يُصلون ويظهرون شعائر الاسلام ولم يعرف انهم بدلوا دينهم ولم يعرفوا من الاسلام الا رسمه فحكم بإسلامهم ثم تبين له بعد فتره انهم لا يعرفون التوحيد وان كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون فحكم بكفرهم فهل هذا الشخص كافر حين حكم بإسلامهم اول مرة لجهله بواقعهم ؟؟

طبعا اخر عهدنا بما سمعناه من القوم انهم قالوا لا ليس كافر وانه حقق اصل الدين وانه بجهله بالواقع لا يعني انه جاهل بالتوحيد ,وهذا لا ينكرونه بدليل انهم قالوا بعدها ان الحكم بتكفير المتوقف هو بسبب ان الحكم على الناس لا يتم التوحيد الا به حسب زعمهم ومالا يتم الواجب الا به فهو واجب كما قالوا
اذا نتفق انه مسلم ثبت اسلامه بيقين, فمن اراد اخراجه من الاسلام باي دعوة يدعيها فعليه الدليل ,فهو المطالب بالبحث عن كفر هذا الموحد ولسنا مطالبين بالبحث عن اسلامه اذا ان اسلامه تحقق بمجرد قيامه بالتوحيد وتركه للشرك والذي من شروطه تكفير الكافر وليس تكفير الناس كلهم اجمعين هكذا بالعموم في أي واقع وأي زمان وأي مكان بدعوي حكم الديار او غيره من الدعاوي الا بغالب الظن لأنه الحكم الشرعي الصحيح ولا حكم غيره وحتى من تكلم عن حكم الدار من اهل العلم بين انه تحصل به غلبة الظن وهذا هو الحكم الوحيد الذي يمكن الاستناد عليه في هذه المسألة , والا فماذا يفعل المسلم الذي ولد في دار اسلام لا كفر ولا كفار فيها ؟؟
كيف يمكنه تحقيق اصل دينه , اذ لا يوجد في بلاده كفار حتى يكفرهم ليحقق اصل دينه , نعرف انه يكفيه الاعتقاد بان من كفر بالله فهو كافر ومن عبد مع الله اله اخر فهو مشرك , فبهذا يكون قد حقق التوحيد, حتى وان لم يُكفر كافر في حياته لأنه لم يقابل كافر لوجوده في دار اسلام)انتهى النقل
النص المكتوب اللون الازرق زائد على ما كتب سابقا في الرد على هؤلاء الشباب

وهذا كلام احد الذين كتبوا رسالتهم التي ذكرناها ورده علينا وهو موافق لأغلب من قابلناهم وحاورناهم
((هذا مسلم، عرف إسلامهم فحكم بإسلامهم وعرف كفرهم فحكم بكفرهم، وحال هذا ليس كحال المتوقف الذي نختلف فيه.))
وقال في نفس الرد
((اتفقنا على أن هذا مسلم، وليس الهدف هو تكفير أكبر عدد من الناس.)).

اذا نتفق على ان المسلم يمكنه ان يحقق توحيده بدون معرفة واقعه بالكامل وانه يمكنه ان يجهل هذا الواقع ولا يكون بجهله بالواقع جاهلا بأصل الدين.
وبهذا يكون هذا الشخص مسلما عندنا وعند المخالفين.
ولكنهم يقولون ان هذا الشخص المسلم اذا توقف في معين فلا يحكم له بإسلام ولا بكفر فهو كافر ويذكرون اسباب عديده يقولون مثلا ان التوقف في كل الناس مثل التوقف في واحد منهم ويقولون ان احكام التبعية مما لا يتم اصل الدين الا بها ولهذا يكفر مخالفها او جاهلها وغيره من الاعذار ,ولكنهم لم يذكروا دليلا شرعياً واحداً لا من كتاب ولا من سنة .
ولم يذكروا حتى فتوي لبعض اهل العلم تفيد بكفر هذا المسلم بسبب هذا التوقف في معين , بل ولا لواحد من اهل العلم ,بل ولا حتى قول من اقوال المبتدعة السابقين.
فلا نعلم كيف يمكن ان يقال عن أمر ما انه من اصل الدين او مما لا يتم اصل الدين الا به ثم يعجز اصحابه عن الاستدلال عليه بأدلة محكمة من الكتاب والسنة.
ولا يجدون في جعبتهم الا قياسات عقليه وادلة هشة يحاجون بها المسلمين والمخالفين ويكفرون من لم يتبعهم ويذعن لهم ويرضخ لشبهاتهم ويوافقهم عليها.

وفوق هذا تجدهم في كل حواراتهم يقولون لك هذه العبارة المبتذلة التي تدل على ان صاحبها يهرف بما لا يعرف ,تجدهم يقولون
(( اين الدليل على ان هذا المتوقف في معين ليس كافرا))؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فيقلبون الادلة الشرعية وكيفية تطبيقها والاستدلال بها وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً
والله المتسعان على امره .
وبدل ان يثبتوا هم الدليل على كون من قام بهذا الفعل فانه كافر مستحل الدم والمال , يطالبون غيرهم بالدليل على بقاء هذا الشخص على اسلامه , ونحن لم نعرف عنه ما يخرجه من هذا الاسلام وهذا الدين, ويعتقدون فوق هذا انهم افحموا الخصم لأنه لم يستطع الرد عليهم ولم يستطع ان يثبت لهم ان هذا الشخص باقي على اسلامه الذي ثبت له ابتداء ولا يمكن اخراجه منه الا بيقين لا بمجرد الشك او بمجرد اعتقادات باطله
وحتى ننهي هذا الجدل ونثبت لهؤلاء القوم انهم ليسوا على صواب وانهم هم المطالبون بالدليل على تكفيرهم لهذا الموحد بعد أن توقف في معين .

ثم هم مطالبون بالدليل على تكفير من لم يكفره ثانياً( لان اخراج امرئ مسلم من الإسلام لا يقدم عليه المسلم الا بدليل اوضح من شمس النهار لا بمجرد استحسان عقله كما قال الامام الشوكاني وغيره من ائمة العلم .

وهذا الذي سنحاول ان نوضحه ونشرحه في هذا الجزء لهذه الطائفة ولغيرهم ممن يسارعون بتكفير اهل الاسلام واستحلال دمائهم واعراضهم واموالهم بدون سلطان من الله ,والله المستعان على هذه المصيبة .
ولنشرع في بيان المقصود وتوضيح سبب هذا الكلام وكيف شرحه اهل العلم وبينه بما لا يحتاج الى مزيد بيان او شرح لمن كان له عقل او القى السمع وهو شهيد.
قال الإمام ابن تَيمِيَّة في درء تعارض العقل والنقل)، ج1، ص242_
الكفر حُكْم شرعي مُتلقَّى عَن صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ فِي العقل يكون كفرًا فِي الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صوابًا فِي العقل تجب فِي الشرع معرفته»)ا.هـ..

وقال الإمام ابن الوزير العواصم والقواصم في الذبّ عن سنة أبي القاسم)، ج4، ص178. (
(أن التكفير سَمعي مَحضٌ، لا مَدخل للعقل فيه»(ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله ج4، ص179._
:«أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَّا سمعيًّا قطعيًّاا.هـ.

وقال الإمام ابن تَيمِيَّة رَحِمَهُ الله في الردّ على البكري)، ج2، ص492_
:«.أهل العلم والسنة لا يُكفِّرون مَن خالفهم، وإن كان ذلك الْمُخالف يُكفِّرهم؛ لأن الكُفر حُكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كَذَب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله فلا يُكفَّر إلا مَن كفَّرَه الله ورسوله»(ا.هـ.

وهذا الكلام ولله الحمد واضح لا يحتاج الى مزيد شرح او توضيح ومختصره ان الكفر حكم شرعي وعليه لا يمكن ان نكفر احدا من المسلمين الا بما جاءنا فيه دليل من الله ورسوله على ان فاعله كافر .
فهذا متفق عليه ولله الحمد واضح بين.
اذا فهمنا هذا الامر ننتقل منه لأمر اخر ربما هو اكثر اهمية من هذا الامر وهو ايجاب شيء او تحريمه, ونقصد هنا ان يقول بعض الناس ان هذا الامر واجب وعليك القيام به واذا لم تقم بهذا الفعل او تترك هذا الشيء فانت كافر او فاسق او آثم .
وهذا كما لا يخفي فيه تشريع مالم يأذن به الله ,والله المستعان , وفي موضوعنا هذا هو قولهم ان احكام التبعية امر واجب معرفته ولا يتم اصل دين الانسان ويتحقق توحيده ويعصم دمه وماله الا به , وجاهل هذا الامر او مخالفة كافر مستحل الدم والمال والعرض.
اذ لو عرف هؤلاء القوم ان الاصل في العبادات البطلان حتى يقوم الدليل عليها لما اقدموا على هذا الابتداع وهذا التكفير بمجرد ما عندهم من عقليات, ولما اوجبوا مالم يوجبه الله ورسوله على المسلمين من ضرورة معرفة احكام التبعية وغيرها مما لم يأمر الله به ولا رسوله .
فلا يخفي على من له ادنى ذرة من عقل ان مثل هذا القول ان لم يكن عليه دليل من الله ورسوله فهو امر عظيم جلل يستحق من اصحاب هذه البدعة الوقوف عنده والتأمل فيه والتدبر , ليعلموا ما هي حقيقة ما يدعون اليه وما هو دليله, وهل عندهم سلطان من الله على هذا الامر وهذا الايجاب وهذا التكفير ؟؟؟؟

يقول الامام بن القيم في إعلام الموقعين - (1 / 344
ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ولا حرام إلا ما حرمه الله ولا دينا إلا ما شرعه الله فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم
والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله فإن العبادة حقه على عباده وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين
وهو تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه
وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفوا لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه)أ.هـ

قال الغزالي في المستصفي1-218 [sup].[/sup]
(أعلم أن الأحكام السمعية لا تدرك بالعقل لكن دل العقل على براءة الذمة عن الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وتأييدهم بالمعجزات وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع) [sub]أ.هـ[/sub]

ولهذا قلنا لأصحاب هذه البدعة انهم هم المطالبون بالدليل على صحة قولهم واعتقادهم ولسنا نحن المطالبون بالدليل, وهذا الذي نفعله مع كل من لا يعرف دين الاسلام نأتيهم بالدليل على ان الله اوجب عليهم ان يسلموا له وان يتركوا عبادة غيره وان يوحدوه ويعبدوه بما شرعه لهم , ولا يمكننا ان نطالبهم هم بصحة معتقدهم والدليل علي انهم على صواب.

واما اخراج المسلم من الاسلام وتكفيره بدون دليل بل بمجرد استحسان العقل او بمجرد الظن فهذا الذي حذر الله ورسوله منه, وشدد اهل العلم فيه واحتاطوا في كل ما يتعلق به من احكام , ولهذا فان من ثبت اسلامه بيقين عندهم فانه لا يزول الا بيقين لا يزول بمجرد الشك او الظن.
يقول العلامة ابن حزم الظاهري:
[sub]الأحكام[/sub][sub] في أصول الأحكام لابن حزم 3/772 [/sub]
(وكذلك نقول: من ادعى أن فلاناً قد حل دمه بردة
أو زنا عهدناه بريئاً من ذلك
فهو على السلامة حتى يصح الدليل على ما ندعيه،
وكذلك نقول لمن ادعى أن فلاناً: العدل قد فسق أو أن فلاناً الفاسق قد عدل، أو أن الحي قد مات أو أن فلانة قد تزوجها فلان، أو أن فلاناً قد طلق امرأته، أو أن فلاناً قد زال ملكه عما كان يملك، أو أن فلاناً قد ملك ما لم يكن يملكه وهكذا كل شيء على ما كنا عليه حتى يثبت خلافه)[sup].[/sup]

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
" فأمَّا تقريركم أول الكلام أن الإسلام خمس كأعضاء الوضوء ...
"إلى أن قال : " ، ولكن من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض لا نكفره بالظن ؛ لأن اليقين لا يرفعه الظن ، وكذلك لا نكفر من لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذُكر عنه ، ونحن لم نتحققه ، وما قررتم هو الصواب الذي يجب على كلّ مسلم اعتقاده والتزامه " اهـ

ولنتمم الفائدة رأينا ان ننقل هذا الكلام عن استصحاب حكم الحال وهو مطابق لأكثر من موضوع في هذه الشبهة
فالنوع الاول من استصحاب حكم الحال الذي سيذكره الامام السرخسي ينطبق على مسألة تكفير المسلم بدون دليل .
والنوع الثاني من استصحاب حكم الحال ينطبق على مسألة فهم واقع الانسان او معرفة حال الانسان الذي تريد ان تكفره وانت لا تعلم عنه شيء ولا تعرف حاله بمعني انه مجهول الحال عندك .

قال الامام أبو بكر السرخسي في كتاب أصول السرخسي
- ج 2 - الصفحة 226
ثم استصحاب الحال ينقسم أربعة أقسام:
أحدها استصحاب حكم الحال مع العلم يقينا بانعدام الدليل المغير، وذلك بطريق الخبر عمن ينزل عليه الوحي أو بطريق الحس فيما يعرف به، وهذا صحيح قد علمنا الاستدلال به في قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * الآية، وهذا لأنه لما علم يقينا بانعدام الدليل المغير وقد كان الحكم ثابتا بدليله وبقاؤه يستغني عن الدليل فقد علم بقاؤه ضرورة.
والثاني: استصحاب حكم الحال بعد دليل مغير ثابت بطريق النظر والاجتهاد بقدر الوسع، وهذا يصلح لإبلاء العذر وللدفع ولا يصلح للاحتجاج به على غيره، لان المتأمل وإن بالغ في النظر فالخصم يقول قام الدليل عندي بخلافه، وبالتأمل والاجتهاد لا يبلغ المرء درجة يعلم بها يقينا أنه لم يخف عليه شيء من الأدلة، بل يبقى له احتمال اشتباه بعض الأدلة عليه،
وما كان في نفسه محتملا عنده لا يمكنه أن يحتج به على غيره.
(اقول_ المنتصر بالله : وهذه هي الجملة التي حاولنا ان نشرحها لبعض اصحاب هذه البدعة وهي الفهم الصحيح لمعني غلبة الظن وكونها انما تقع في نفس المجتهد او الشخص الذي تقابله مسألة ويريد ان يعرف حكمها فما كان في نظره وغالب ظنه انه حلال او حرام فهذا لا يمكنه ان يحتج به على غيره لأنه امر متعلق بما في نفسه هو من ظنا غالب في نظره)انتهى.

ويتابع الامام فيقول .......
والثالث: استصحاب حكم الحال قبل التأمل والاجتهاد في طلب الدليل المغير وهذا جهل، لان قبل الطلب لا يحصل له شيء من العلم بانتفاء الدليل المغير ظاهرا ولا باطنا، ولكنه يجهل ذلك بتقصير منه في الطلب، وجهله لا يكون حجة على غيره ولا عذرا في حقه أيضا إذا كان متمكنا من الطلب إلا أن لا يكون متمكنا منه. وعلى هذا قلنا: إذا أسلم الذمي في دار الاسلام ولم يعلم بوجوب العبادات عليه حتى مضى عليه زمان فعليه قضاء ما ترك، بخلاف الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب العبادات عليه حتى مضى زمان.
وعلى هذا قلنا: من لم يجتهد بعد الاشتباه في أمر القبلة حتى صلى إلى جهة فإنه لا تجزيه صلاته ما لم يعلم أنه أصاب، بخلاف ما إذا اجتهد وصلى إلى جهة فإنه تجزيه صلاته وإن تبين أنه أخطأ.
والنوع الرابع: استصحاب الحال (لإثبات الحكم ابتداء، وهذا خطأ محض وهو ضلال محض ممن يتعمده لان استصحاب الحال) كاسمه، وهو التمسك بالحكم الذي كان ثابتا إلى أن يقوم الدليل المزيل، وفي إثبات الحكم ابتداء لا يوجد هذا المعنى، ولا عمل لاستصحاب الحال فيه صورة ولا معنى، وقد بينا في مسألة المفقود أن الحياة المعلومة باستصحاب الحال يكون حجة في إبقاء ملكه في ماله على ما كان، ولا يكون حجة في إثبات الملك له ابتداء في مال قريبه إذا مات. وبعض أصحاب الشافعي يجعلونه حجة في ذلك، لا باعتبار أنهم يجوزون إثبات الحكم ابتداء باستصحاب الحال، بل باعتبار أنه يبقى للوارث الملك الذي كان للمورث، فإن الوراثة خلافة)انتهى



معني العلم والظن والتصديق والدليل والامارة
جاء في المحصول للرازي - (1 / 99) كلام مهم عن هذه التعريفات نعتقد ان بعض اصحاب هذه الشبهة قد يحتاجونه اذا كانوا يبتغون الحق والفهم الصحيح لهذه المصطلحات, والله هو الهادي الى سواء السبيل




الفصل الثالث
في تحديد العلم والظن
هذا المقصود إنما يتحقق ببحثين
الأول أن حكم الذهن بأمر على أمر
إما أن يكون جازما
أو لا يكون
فإن كان جازما
فإما أن يكون مطابقا للمحكوم عليه
أو لا يكون
فإن كان مطابقا
فإما أن يكون لموجب
أو لا يكون
فإن كان لموجب
فالموجب إما أن يكون حسيا
أو عقليا
أو مركبا منهما
فإن كان حسيا فهو العلم الحاصل من الحواس الخمسة ويقرب منه العلم بالأمور الوجدانية كاللذة والألم
وإن كان عقليا فأما أن يكون الموجب مجرد تصور طرفي القضية
أو لا بد من شيء آخر من القضايا
فالأول هو البديهيات
والثاني النظريات
وأما إن كان الموجب مركبا من الحس والعقل
فإما أن يكون من السمع والعقل وهو المتواترات
أو من سائر الحواس والعقل وهو التجريبيات والحدسيات
وأما الذي لا يكون لموجب فهو اعتقاد المقلد
وأما الجازم غير المطابق فهو الجهل
وأما الذي لا يكون جازما فالتردد بين الطرفين
إن كان على السوية فهو الشك
وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم
الثاني أنه ليس يجب أن يكون كل تصور مكتسبا
وإلا لزم الدور أو التسلسل
إما في موضوعات متناهية أو غير متناهية
وهو يمنع حصول التصور أصلا بل لا بد من تصور غير مكتسب
وأحق الأمور بذلك ما يجده العاقل من نفسه ويدرك التفرقة بينه وبين غيره بالضرورة
ومنها القسم المسمى بالعلم لأن كل أحد يدرك بالضرورة ألمه ولذته ويدرك بالضرورة كونه عالما بهذه الأمور
ولولا أن العلم بحقيقة العلم ضروري وإلا لامتنع أن يكون علمه بكونه عالما بهذه الأمور ضروريا لما أن التصديق موقوف على التصور
وكذا القول في الظن
ثم العبارة المحررة أن الظن تغليب لأحد مجوزين ظاهري التجويز
وها هنا دقيقة وهي أن التغليب
إما أن يكون في المعتقد
أو في الاعتقاد
أما الذي يكون في المعتقد
فهو أن يكون الشيء ممكن الوجود والعدم إلا أن أحد الطرفين به أولى
كالغيم الرطب فإن نزول المطر منه وعدم نزوله ممكنان لكن النزول أولى

وأما الذي يكون في الاعتقاد
فهو أن يحصل اعتقاد الوقوع واعتقاد اللا وقوع كل واحد مع تجويز النقيض لكن اعتقاد الوقوع يكون أظهر عنده من اعتقاد اللاوقوع
فظهر أن اعتقاد رجحان الوقوع مغاير لرجحان اعتقاد اللاوقوع

فهذا الثاني (وهو رجحان اعتقاد اللاوقوع) هو الظن فان كان مطابقا للمظنون كان ظنا صادقا وإلا كان ظنا كاذبا
وأما الأول وهو اعتقاد رجحان الوقوع فإن كان مطابقا للمعتقد كان علما أو تقليدا على التفصيل المتقدم وإلا كان جهلا والله أعلم
الفصل الرابع
في النظر والدليل والأمارة
أما النظر فهو ترتيب تصديقات في الذهن ليتوصل بها إلى تصديقات أخر
والمراد من التصديق اسناد الذهن أمرا إلى أمر بالنفي أو بالإثبات اسنادا جازما أو ظاهرا
ثم تلك التصديقات التي هي الوسائل إن كانت مطابقة لمتعلقاتها فهو النظر الصحيح وإلا فهو النظر الفاسد
ثم تلك التصديقات المطابقة إما أن تكون بأسرها علوما فيكون اللازم عنها أيضا علما وإما أن تكون بأسرها ظنونا فيكون اللازم عنها أيضا ظنا
وإما أن يكون بعضها ظنونا وبعضها علوما فيكون اللازم عنها أيضا ظنا
لأن حصول النتيجة موقوف على حصول جميع المقدمات فإذا كان بعضها ظنا كانت النتيجة موقوفة على الظن والموقوف على الظن ظن فالنتيجة ظنية لا محالة
وأما الدليل فهو الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم
وأما الأمارة فهي التي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيها إلى الظن)أ.هـ

انتهي الباب الثاني من الرسالة ويليه الباب الثالث وهو رد على قول حلمي شاكر ان احكام التبعية مما لا يتم اصل الدين الا بها.

 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-11









الباب الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على قول حلمي هاشم ان طرق الحكم على الناس ومنها أحكام التبعية مما لا يتم اصل الدين الا بها


في هذا الباب سنرد بحول الله على ما جاء في كلام حلمي هاشم ورده على بعض المخالفين له في مسألة التكفير بدعوى ان طرق الحكم على الناس ومنها أحكام التبعية مما لا يتم اصل الدين الا به.
وللتنبيه فقط فان ردنا هذا ليس من باب التهجم على الشيخ فله من الفضل علينا ما الله به عليم ولا هو من باب الدفاع عن هذا المخالف وهو ضياء القدسي فمنهجنا يخالف ويختلف عن منهجه , وهذا واضح في كثير من القضايا, وانما وجب التنبيه حتى لا يختلط الامر على بعض المتابعين, وإنما ردنا هذا هو من باب قول الحق والدفاع عن عقيدة التوحيد وتذكير المخالف الذي يبتغي الحق لكنه حاد عن الصواب مخطئ , بهذا الطريق حتى يعود إليه منيباً.

وسبب هذا الرد حقيقة راجع الى امرين مهمين.
اولهما وهو الاهم: مخالفة ما جاء به حلمي هاشم في مسألة الحكم على الناس لمراد الله ورسوله من هذه الاحكام ومن كيفية تطبيقها وتنزيلها على الواقع , واستعماله قواعد مختلف فيها بين اهل العلم وجعلها بمثابة القواعد التي لا تحتمل المخالفة , الى حد تكفير من لم يعمل بها في موضوع الحكم على الناس ونقصد هنا قاعدة حكم الوسائل و المقاصد
وقاعدة (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب)
وهي التي ورد ذكرها في كتب اهل العلم عند حديثهم عن موضوع حكم الوسائل و المقاصد.
وعدم ذكر الكثير من الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع, وهذا الامر كما لا يخفي على كل صاحب عقل , من اهم ما يجب تعليمه عندهم وذكره وتوضيحه للناس اذا هو كما يقول الشيخ مما لا يتم الواجب الا به.
فاذا كان الشيخ يعرف كل هذا ولم يذكره , ولم يعلمه للناس وكفر به المخالف فهذه مصيبة.
وان كان لا يعلم كل هذا فالمصيبة اعظم لسببين.
1- لأنه حكم على نفسه بالكفر لأنه لم يتعلم ما قال ان دينه لا يتم الا به .
2- لأنه يكفر الناس بما لا يعلم هو نفسه حقيقته ولا يعلم حجيته ولا دلالته على ما يقول ,وبهذا يكون كفر من لم يكفره الله ورسوله , واوجب مالم يوجبه الله ورسوله وحرم مالم يحرمه الله ورسوله , ولهذا كانت المصيبة اعظم على الشيخ وعلى من قلده على غير بصيرة من الله او اتبعه في غير طاعة الله ورسوله .

والسبب الثاني لهذا الرد: وهو تقليد بعض الناس لهذا الكلام واعتمادهم عليه بدون البحث ولا النظر في حجية هذه القواعد , وتكفير مخالفيهم فيها ,بل وتكفير حتى من لم يكفرهم واستحلال دمائهم واموالهم واعراضهم بدون برهان من الله ورسوله .
وهو جراءة على دين الله وتحريف للكلم عن مواضعه , ومحاربة للموحدين المسلمين وتكفيرهم بدون وجه حق وبما لم يأذن به الله, وتضييع اوقات المسلمين في الرد على مشكلات خلقها بعض من لا يتقون الله وصرفهم عن هدفهم الاصلي وعدوهم الحقيقي.
فوجب توضيح ما قلدوه فيه بدون دليل حتى تقوم عليهم الحجه امام الله وامام انفسهم وامام الناس اجمعين , لانهم حلفوا بالله مراراً وتكراراً انهم يبحثون عن الحق ولا يريدون التكفير أنما يريدون الحق .
فسنري بعد هذا البيان والتوضيح هل هم فعلاً كذلك ؟؟ .
ام انهم سيبحثون عن حجة اخري وسبب اخر للتمسك بمذهبهم والدفاع عن تكفيرهم للمسلمين بدون وجه حق .
خوفاً من ان يتراجعوا عن الباطل ,وكأنهم يتراجعون لمصلحة انسان او في مواجهة انسان , وليس في مواجهة ما يقولون انهم ضحوا بالغالي والرخيص في سبيل اتباعه ونصرته وهو الدين الحق , والصراط المستقيم الذي افني بعضهم عمره مطارداً في سبيل الله من اجل عقيدته وضحي بعضهم باهله وماله من اجل رضي الله , وليس من اجل مذهب او اعتقاد بعينه , وانما من اجل رضي الله ومن اجل كل ما يتبين لهم انه الحق من ربهم .
فهذا هو يوم الامتحان قد حان ليميز الله الخبيث من الطيب وليميز الله الصادق من الكاذب وليرفع الله الذين امنوا منهم والذين يستمعون القول فيتبعون احسنه درجات عند ربهم ,فنسأل الله ان يعين طالب الحق منهم على هذا الامتحان فأن ترك هوي النفس ومعاندتها من اجل الحق هو الامر الصعب العسير خصوصاً اذا كان هناك اصحاب واتباع وانصار ربما سيتحولون عنه وربما يواجهونه ويصبحون اعداء بعد ان كانوا اخوة ,وربما يكفرونه ويجد نفسه وحيداً بينهم وربما غير ذلك مما تكرهه النفس , ولا ينجح في هذا الا من اراد الله هدايته.
واما من اضل الله فلن تجد له من هاد ,والله المستعان على امره .

وسيكون ردنا على هذه البدعة مبنياً على احد الرسائل التي بعث لنا بها احد اتباع هذا المذهب وهذه البدعة ورغم انه يكفر حلمي الا انه يتبعه في هذا الطرح ويكفر المخالف ويكفر من لا يكفره .
وهي كما يبدو رد من حلمي هاشم على ضياء القدسي.
يقول فيها من ارسلها لنا
((نرجو منك إن تبين لنا هل الشيخ حلمي هاشم أخطاء أم هو على حق
فان كان الأول, فنرجو منك ان تبين بالأدلة والبراهين (بطلاً) ما ذهب إليه))انتهى

نقول لاتباع هذا الطرح نعم لقد اخطاء شيخكم وسنبين ذلك لكم بالأدلة ان شاء الله تعالي .
وقبل ان نشرع في الرد نريد ان نوضح اننا سنرد على ما يستحق الرد في هذه الصفحات وهي حوالي 9 صفحات تبين منهج اصحاب هذه البدعة وكيفية اخذهم بقواعد مختلف عليها واستعمالها في تكفير الموحدين بدون برهان من الله.
وسنترك الرسالة كاملة لكم في نهاية هذا الرد حتى يراجعها كاملة من اراد ذلك .
ولكننا سنرد على ما نعتقد انه مهم وما نعتقد انه مرتكز هذه البدعة وهذا الطرح وهما قضيتان
الاولي موضوع المقاصد والوسائل واستعمال قاعدة ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب, والتي وردت في رد حلمي هاشم تلميحاً وتصريحاً حين قال في مواضع من رده
((أن الصلاة أحد مقاصد الشريعة الرئيسية والتى لا يمكن تحقيقها والعمل بها إلا بوسائل : كالسعى إلى المساجد للجماعة أو تحرى أوقاتها أو مثل ذلك
فيصير السعى إلى المساجد أو تحرى أوقات الصلاة المفروضة شيئا من المفروض بذات النص على الفرض))

ويقول في موضع اخر مؤكدا هذا الاعتقاد بأن حكم التبعية من وسائل تحقيق قضية تكفير الكافر والتي هي من اصل الدين ,هكذا بدون تفصيل فيقول مثلا.
((ثم إن الحديث كان عن المبادئ العامة والقواعد المنظمة لقضية الحكم علي الناس
وأن هذه القواعد حاكمة لعموم الأفراد إلا ما يخرج عن حكم القاعدة العامة بالدليل الخاص ((.

ويقول بعدها رداً على مخالفه ضياء القدسي معلقاً على الاحكام المتعلقة بالحكم على الناس ومنها حكم التبعية

((ولم يشفع لهذه الأحكام والقواعد عنده
أنها أحد )الوسائل الشرعية( الرئيسية المقررة للعمل بأصل الدين في )دنيا الواقع (
وأنه لا سبيل ولا وسيلة مقررة شرعا فى ذلك إلا بذلك ، فلها ما لأصل الدين من قدسية واحترام
وإلزام وأحكام ، لأن الأمر بالشئ أمر به وبما لا يتم إلا به من وسائل ، يعلم هذا من يعلمه ويجهله من يجهله
دون أن يغير ذلك من طبيعة هذه الأحكام شئ والله أعلم))

ويقول فى موضع ثالث

((القاعدة الثانية: ) أن للوسائل نفس حكم المقاصد(

من المستقر أصوليًا أن للأحكام الشرعية مقاصد ) أي غايات( ووسائل لتحقيق هذه المقاصد والغايات، ولذا
فإنه من المقرر والمستقر أصوليا أن للوسائل نفس حكم المقاصد، وسواء جاء ذكر هذه الوسائل في النص الآمر
أو في نص مستقل أو لم يرد حيث يعد النص الآمر بالحكم الأصلي هو بذاته الموجب لأداء هذه الوسائل
والتي لا يمكن تحقيق التكليف الأساسي إلا بها))

واما القضية الثانية التي تحتاج الى رد حتى نحسم مادة النزاع وهو موضوع التبعية
فسنبين بأذن الله تعالي ان هذا الامر مختلف فيه بين اهل العلم وهو الدليل العام كما يقول حلمي هاشم .
وقد بينا سابقاً كيف اختلف اهل العلم حتى فيما يدعي حلمي هاشم انه الدليل الخاص وهو النص والدلالة ونقلنا كلام اهل العلم فيهما وكيف اختلفوا في قضية الحكم على الناس , ولم يكفر بعضهم بعضاً استناداً لقاعدة المقاصد والوسائل او قاعدة ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

افلا يسع حلمي هاشم ومن اتبعه في هذه البدعة ما وسع سلف هذه الامه وعلمائها وائمتها الكرام ؟؟؟





قاعدة (للوسائل نفس حكم المقاصد)
سنحاول ان نوضح في هذا المبحث كيف ان هذه القاعدة والتي ذكرها حلمي هاشم قاعدة الوسائل والمقاصد لها جوانب وضوابط وحدود لم يذكرها حلمي هاشم وهي تبين ان هذه القاعدة لا يمكن الاعتماد عليها هكذا في الحكم بتكفير المخالف في مسائل تتعلق بأصل الدين فضلا عن تكفير من لم يكفره وان لم يعتقد معتقده.
وسنتكلم عن قاعدة مالا يتم الواجب الا به فهو واجب , وهي التي يستعملها اصحاب هذه البدعة كحجة شرعية في تكفير المخالفين وتكفير من لم يكفرهم ,بحجة ان الاحكام التي يحكم بها على كون الشخص مسلماً او كافراً وهي النص او الدلالة او التبعية هي وسيلة التمييز بين المسلمين والكافرين ,وهذا التمييز الذي لا يمكن ان تتم المفاصلة والبراءة من المشركين بدون تحققه حسب الترتيب الذي يعتمده اصحاب هذه البدعة .
فنحن هنا امام وسائل الوسائل حقيقة وليست وسائل تحقيق المقاصد.

قال العز بن عبد السلام - رحمه الله -، قواعد الأحكام 1/105

: (وهذان قسمان: أحدهما: وسيلة إلى ما هو مقصود في نفسه: كمعرفة التوحيد، وصفات الإله؛ فإن معرفة ذلك من أفضل المقاصد، والتوسل إليه من أفضل الوسائل. القسم الثاني: ما هو وسيلة إلى وسيلة: كتعليم أحكام الشرع؛ فإنه وسيلة إلى العلم بالأحكام، التي هي وسيلة إلى إقامة الطاعات، التي هي وسائل إلى المثوبة والرضوان، وكلاهما من أفضل المقاصد ))انتهى

فالمثوبة والرضوان من افضل المقاصد وتعليم احكام الشرع وسيلة للعلم بالأحكام والتي هي وسيلة الى اقامة الطاعات التي هي وسائل للمثوبة والرضوان

وقال في موضع آخر قواعد الأحكام 1/141.:
(والحقوق كلها ضربان: أحدهما: مقاصد، والثاني: وسائل، ووسائل وسائل) انتهى

والخلاف هنا يتعلق بمقدمتين يجب الاتفاق على واحده منهما حتى يتم الوصول الى الحق وهما.
المقدمة الاولي وهي التي تقول
ان تحقيق اصل الدين يعني البحث عن الكافر وتكفيره والبراءة منه ومعاداته ,والبحث عن المسلم والحكم بإسلامه وموالاته , وهي ما يدعيها اصحاب هذه البدعة ويؤمن بها دعاتها, وان لم يصرحوا بهذا الا انه واضح من جعلهم طرق الحكم على الناس والتي اختلف فيها اهل العلم كما بينا ,جعلوها واجبه لأنها وسيلة لتحقيق المقصد الاعظم وهو توحيد الالوهية ,وبالتالي فأن لها ما لأصل الدين من الزام و احكام لأنها واجبة بحكم انها وسيلة لتحقيقه كما يدعون .

واما المقدمة الثانية وهي مخالفة لهذه المقدمة وهي التي تقول
ان المطلوب هو انه متي وجد السبب وهو الكفر وجب تكفير من قام به ,ومن لم يقم بهذا التكفير فانه نقض اصل دينه والذي منه تكفير الكافر ؟؟.

وهذا الذي نقول به وهو من باب ترتيب الحكم على السبب او من باب خطاب الوضع وهومن باب ترتب الحكم على سببه او شرطه والذي يعني ان الشارع وضع هذا السبب او الشرط او المانع دليلا على وجود الحكم او عدمه , ومن انواع هذا الخطاب :السبب والشرط والمانع والعزائم والرخص والصحة والبطلان وزاد القرافي عليها التقادير الشرعية وهي اعطاء حكم الموجود للمعدوم او العكس وكذلك الحجاج التي يستعملها القضاة في حكمهم .
ولنضرب مثالا بسيطا عن فهمنا لهذه المقدمة كما فهمها اهل العلم ,فلننظر لكلام شيخ الإسلام محمد بن الوهاب رحمه الله عندما قال :
أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك، والموالاة فيه وتكفير من تركه.
الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك، والمعادة فيه وتكفير من فعله.
فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا وهو دين الرسل أنذروا قومهم من الشرك كما قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ﴾ [النحل:36]. أ.هـ .
فهو يقول ان الاصل الثاني هو
1-الإنذار عن الشرك في عبادة الله.
2-والتغليظ في ذلك.(التغليظ في هذا الاصل الثاني )
3-والمعادة فيه .(المعاداة في هذا الاصل الثاني)
4-وتكفير من فعله.(تكفير من فعل الشرك وهو يتضمن القول والعمل)
فلم يذكر الشيخ مثلا ان هذا الدليل الخاص والتبعية هي الدليل العام, ورتب التكفير على الفعل وهو من كسب الانسان ولم يرتبه على تبعية الانسان لقوم او بلده لأنها ليست من كسبه , انما هي من باب استصحاب حكم الدار لهذا الشخص الموجود فيها لتعذر الوقوف على اعتقاده , لهذا لم يقل انها من هذا الاصل ولا تدخل فيه ولا قال انها مما لا يتم مقام التوحيد الا به ,فهل غاب هذا الامر عن هذا الامام ؟؟؟.

وبما ان الاختلاف ظاهر بين المقدمتين ,وبالتالي النظر اليهما والى وسائلهما وكيفية تحقيقهما يختلف من مقدمة الى اخري , لكننا سنحاول ان نحترم عقول اصحاب هذه البدعة ونخاطبهم من وجهة نظرهم وننطلق من مقدمتهم طبعاً بعد ان بينا للقارئ مقدمتنا واعتقادنا في هذه المسألة فيما تقدم من الابواب السابقة.

فنقول وبالله التوفيق
ان الناظر الى المقدمة الاولي وهي التي بنيت على ان تحقيق اصل الدين والذي منه تكفير الكافر يعني انه يجب البحث عن الكافر وتكفيره والبراءة منه ومعاداته ,والبحث عن المسلم والحكم بإسلامه وموالاته , وهذه المقدمة ينبني عليها ان تكفير الكافر واجب وهو حق ولكن الخلاف معهم في قولهم
( ان تكفير الكافر بما انه واجب فانه لا يمكن تحقيقه الا بما قرره اهل العلم من طرق الحكم على الناس وهي النص والدلالة والتبعية ,وعليه فان النص والدلالة والتبعية هي واجبة المعرفة ايضا وواجب العمل بها لأنها من وسائل تحقيق اصل الدين , وبما ان مالا يتم الواجب الا به فهو واجب , فعليه فان من لم يعمل بهذه الوسائل او خالف فيها فهو كافر لأنه خالف في شيء حكمه حكم المقاصد والمقصود هنا هو التوحيد ومخالف التوحيد كافر ,اذا مخالف هذه الوسائل كافرا ايضاً.
لهذا يقول حلمي هاشم في رده على مخالفه .
((فالشيخ ضياء لم ينصف نفسه بقرأته ما ورد فى مقدمة الكتاب عن
) علاقة قضية الحكم على الناس بالتوحيد(
ليعلم أن التبعية كأحد معالم قضية الحكم على الناس ما هي إلا الوسائل الشرعية المقررة والمنصوص عليها
لتحقيق أحد معالم التوحيد الرئيسية وهو البراءة من المشركين ومفاصلتهم )توحيد الطلب والقصد()) انتهى كلامه

فالتبعية اذا كما يري حلمي هاشم واتباعه هي الوسيلة الشرعية المقررة لتحقيق معالم التوحيد الرئيسية وهي البراءة من المشركين !!!!!
فهذه المقدمة التي بني عليها اصحاب هذه البدعة بدعتهم وكفروا بها المسلمين لان المسلمون خالفوهم في حكم الوسائل وفي حجيتها حسب زعمهم وهي التي لها حكم التوحيد واصل الدين عندهم.
لهذا يقول حلمي شاكر عن هذه الوسائل انها
(((وأنه لا سبيل ولا وسيلة مقررة شرعا في ذلك إلا بذلك ، فلها ما لأصل الدين من قدسية واحترام
وإلزام وأحكام ))انتهى كلامه
فهو يقول ان هذه الوسائل لها من الالزام والاحكام ما لأصل الدين.
وهذا حقيقة مخالف لفهم اهل العلم في هذه القضايا ,ولهذه القواعد الا اننا قررنا ان نجاري اصحاب هذا الطرح في قولهم لنعرف هل يصح هذا ام لا يصح بالنظر الى القواعد التي قالوا انهم يلتزمون بها وانها حجتهم في تكفير المخالف وهذا ما سنبين بطلانه في رسالتنا بأذن الله تعالى.
وسنذكر هنا بعض ما قاله اهل العلم عن حكم الوسائل مع المقاصد
فقد قالوا مثلا أن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد
وقرروا مثلا انه يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد.
جاء في كتاب شرح تنقيح الفصول ص449 .
أن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد

جاء في أنوار البروق في أنواع الفروق - (3 / 45)
( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل )
وموارد الأحكام على قسمين مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها)انتهى

بل ان حلمي هاشم يخالف القرافي فيما ادعي انه مقرراٌ ومستقرا اصوليا
من ان الوسائل لها حكم المقاصد وان لم يرد النص بها فهو يقول مثلا

((فإنه من المقرر والمستقر أصوليا أن للوسائل نفس حكم المقاصد، وسواء جاء ذكر هذه الوسائل في النص الآمر
أو في نص مستقل أو لم يرد ))انتهى كلامه

ولكن القرافي وغيره من اهل العلم يخالفه في هذا الامر فلا ندري يا تري هل يكفر القرافي عند حلمي واتباعه ام لا ؟؟ .
يقول القرافي في انوار البروق في نفس النقل السابق
قال ( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل ) قلت : جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح غير ما قاله من أن حكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره فإن ذلك مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه والله تعالى أعلم) انتهى


وقال في نفس النقل .....
قال ابن الشاط وكون ما أفضى إلى الواجب واجبا مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه )انتهى

يقول اهل العلم هنا ان الصحيح ليس ما قاله حلمي بل الصحيح ان هذه القاعدة تطبق فيما صرح به الشرع فقط لا فيما لم يصرح به او مالم يرد به نص كما قال حلمي في نقله السابق وحتى هذا الامر خالف فيه اخرون وقالوا كما قال حلمي كما سنري لاحقاً الا انهم لم يكفروا بعضهم بعضاً.


ولان الوسائل أدنى من مرتبة المقاصد حصل التساهل في حكم الوسائل؛ فخرجت قاعدة(يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد)
كما جاء في الأشباه والنظائر للسيوطي ص158
وايضاً ما ذكره ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص121
(يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها)



يقول السيوطي في الأشباه والنظائر ص158 .
القاعدة السابعة و الثلاثون يغتفر في الوسائل مالا يغتفر في المقاصد
و من ثم جزم بمنع توقيت الضمان و جرى في الكفالة خلاف لأن الضمان التزام للمقصود و هو المال و الكفالة للوسيلة و يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد و كذلك لم تختلف الأمة في إيجاب النية للصلاة و اختلفوا في الوضوء )انتهى.

وجاء فى كتاب إيضاح القواعد الفقهية - (1 / 92)
ومن فروعها : عدم حرمة السفر ليلة الجمعة لأن السفر ليلة الجمعة وسيلة لترك الجمعة ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد ، ومنها عدم حرم بيع مال الزكاة قبل الحول ، لأن البيع وسيلة لترك الزكاة فاغتفر فيه ، ومنها : عدم حرمة حيلة بطلان الشفعة لأنها وسيلة فاغتفر فيها ، ومنها . عدم حرمة الحيلة المخلصة من الربا إلا أنها مكروهة في سائر أنواع الربا كما قاله ابن حجر ، ومنها عدم وجوب قبول ثمن الماء في الطهارة ولو من اصله وفرعه لأن الثمن وسيلة والمقصود هو الماء ، فإذا وهب له وجب قبوله لا قبول ثمنه )انتهى

ثم ان القول بأن الوسائل لها ما للمقاصد من الزام واحكام كما قال حلمي هاشم يتعارض مع ما قاله الزركشي في البحر المحيط عن الخلاف الذي نقله عن القرافي في تساوي الثواب والعقاب على الوسيلة وعلى المقصد
هل يثاب الانسان ثوابين على فعل الوسائل وعلى فعل المقاصد.
وهل يعاقب عقابين الاول على تركه الوسائل والثاني على تركة المقاصد؟؟.
هذا نزاع يحتاج الى تحقيق .
جاء في البحر المحيط في أصول الفقه - الزركشي- (1 / 179)
هل نقول إنه يثاب على الواجب وعلى تحصيل السبب لكونه وسيلة للقربة وهل يثاب عليه ثواب الواجب لأنه لما توقف عليه الوجوب فقد توقف عليه فعل الواجب فيه نظر واحتمال
وقال القرافي لا نزاع في أن المقاصد تتوقف على الوسائل .
وإنما النزاع إذا تركت الوسيلة مع المقاصد
هل يعاقب عقابين على الوسيلة والمقصد؟؟
وإذا فعلهما هل يثاب ثوابين عليهما؟؟
وتعدد الثواب والعقاب لا دليل عليه وإنما دل الدليل على التوقف وهو مسلم إجماعا
فمن أين لنا أن الله يعاقب تارك الجمعة وتارك الحج على ترك العبادة وعلى ترك السعي بمجرد كونه آمرا بهما مع السكوت عن السعي
ولك أن تقول تخريج العقاب على ذلك واضح وأما تخريج الثواب ففيه نظر لجواز أن يثاب عليه وإن لم يكن واجبا كما تقدم
ثم حاصله أنه لا فائدة لها إلا الثواب والعقاب في الآخرة)) انتهى
فاذا كنتم ترون ان للوسيلة نفس ثواب المقصد كما يقول به بعض اهل العلم
فهل هذا ينطبق على كل ما توسل به الى هذا المقصد من وسائل الوسائل , ام على بعضه فقط؟؟

يقول العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام ص105
(وإنما أُثيبوا على الظمأ والنصب وليس من فعلهم؛ لأنهم تسببوا إليهما بسفرهم وسعيهم، وعلى الحقيقة فالتأهب للجهاد بالسفر إليه، وإعداد الكراع والسلاح والخيل وسيلة إلى الجهاد، الذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين.. وغير ذلك من مقاصد الجهاد، فالمقصود ما شرع الجهاد لأجله والجهاد وسيلة إليه. وأسباب الجهاد كلها وسائل إلى الجهاد، الذي هو وسيلة إلى مقاصده، فالاستعداد له من باب وسائل الوسائل)انتهى
فالاستعداد للجهاد له حكم الجهاد لأنه كما قلتم من الوسائل التي يتحقق بها الجهاد فلها حكمه وهكذا كل ما يستعان به على الجهاد من تربية الخيول واعداد الأطعمة والالبسة والادوات التي يستعان بها على الجهاد ,فهي من وسائل الوسائل كما بينا .

قال ابن سعدي: القواعد والأصول الجامعة ص11
(فالذهاب والمشي إلى الصلاة، واتباع الجنائز.. وغير ذلك من العبادات- داخلٌ في العبادة، وكذلك الخروج إلى الحج والعمرة، والجهاد في سبيل الله من حين يخرج ويذهب من محله إلى أن يرجع إلى مقره وهو في عبادة؛ لأنها وسائل للعبادة ومتممات لها، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ .. ﴾)انتهى

فاذا كنتم تقولون بهذا فهذا يدخل تحته مالا ينحصر من وسائل الوسائل لتحقيق اصل الدين , وهذا مالا يمكن ضبطه ومن تركها او ترك بعضها او خالف في بعضها فهو كافر على حسب منهجكم واعتقادكم, فان التزمتموه فقد ضيقتم واسعاً والله المستعان.
*****
ثم لم يحدد لنا اصحاب هذه البدعة ما اذا كانت هذه الوسائل الى الحكم على الناس متساوية في الحكم بحيث اذا ما اخذنا بأحدها اجزئ عن غيره من الوسائل أم لا.
بمعني انه هل يمكننا ان نحكم باي من هذه الوسائل كيفما اتفق ؟؟
وعندها لا يكون للتفريق والترتيب أي فائدة تذكر بمعني انه يمكننا ان نحكم بالتبعية ابتداء من غير نظر الى نص او دلالة والعكس .
ام ان هذه الوسائل تختلف في قوتها وفي ترتيبها ؟؟.
واذا كانت تختلف في قوتها وفى ترتيبها -وهو كذلك -فهل لها كلها نفس درجة الإلزام و الاحكام حتى مع تدرجها وقوة بعضها وضعف الاخر ,ام انها تختلف في الالزام والاحكام ايضاً؟؟.

قال الشاطبي: الموافقات 2/212
(وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هي تبع للمقاصد؛ بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو تُوُصل إلى المقاصد دونها لم يُتوسل بها، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملة؛ لم يكن للوسائل اعتبار، بل كانت تكون كالعبث )انتهى

فهل هذه الوسائل عبث في نظركم ان توصل الى المقاصد بدونها ؟؟
وهل تكفرون الناس بالعبث ؟؟

قال ابن عاشور في مقاصد الشريعة ص149 .
: (وقد تتعدد الوسائل إلى المقصد الواحد، فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيلها أقوى تلك الوسائل تحصيلاً للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كاملاً، راسخاً، عاجلاً، ميسوراً، فتقدمها على وسيلة هي دونها في هذا التحصيل. وهذا مجال متسع، ظهر فيه مصداق نظر الشريعة إلى المصالح، وعصمتها من الخطأ والتفريط...
فإذا قدّرنا وسائل متساوية في الإفضاء إلى المقصد باعتبار أحواله كلها: سوّت الشريعة في اعتبارها، وتخير المكلف في تحصيل بعضها دون الآخر؛ إذ الوسائل ليست مقصودة لذاتها))انتهى.

فاذا كنتم تقولون ان التبعية مثلا وهي وسيلة ,هي الدليل العام والنص والدلالة خرجت عن هذا الدليل العام بدليل خاص كما تزعمون.
وكل من هذه الوسائل لها حكم التوحيد وحكم عدم تكفير الكافر اذا تركت هذه الوسائل.
فما هو حكم النص والدلالة اذا اخذ بعض الناس بحكم التبعية وتوصل به الى المقصود الاعظم وهو تكفير الكافر الذي هو من اصل الدين؟؟
لو اخذنا بالقاعدة وبما ذكره اهل العلم فانه اذا توصلنا الى المقصود بأي وسيلة فأنها تكون هي الواجبة وغيرها من الوسائل ليست واجبة لأنها لم يتوصل الى المقصود بها.
كمن اراد السفر الى مكة فهو مخير بين السفر براً او جواً او بحراً فاذا سافرا براً سقط عنه وجوب السفر بحراً او جوا, لان الواجب قد تم بالسفر براً.
فما هو حكم من حكم لاحد الناس بحكم التبعية , ثم رأي منه نص او دلالة ؟؟
هل يبقى حكم التبعية واجباً على هذا الشخص ؟؟
ام يسقط عنه ذلك الواجب وينتقل الواجب الى النص او الدلالة بحيث انه ان لم يعمل بأحدهما فانه يكفر رغم عمله بالوسيلة الاولي وهي التبعية ؟؟

ونذكركم بكلام الامام الشاطبي: الموافقات 2/212
(وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هي تبع للمقاصد؛ بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل،
وبحيث لو تُوُصل إلى المقاصد دونها لم يُتوسل بها)انتهى.





قاعدة
(مالا يتم الواجب الا به فهو واجب)

وهذه القاعدة هي ما بني عليه حلمي هاشم تكفيره للموحدين وهي التي اتبعه عليها من قلده وركن اليه وصدقه من غير ان يعرف حقيقة هذه القاعدة وما قاله اهل العلم عنها.
يقول حلمي هاشم مقرراً انه بني تكفيره للمخالف لأحكام التبعية عليها حين قال
((ولم يشفع لهذه الأحكام والقواعد عنده أنها أحد )الوسائل الشرعية( الرئيسية المقررة للعمل بأصل الدين في )دنيا الواقع ( وأنه لا سبيل ولا وسيلة مقررة شرعا فى ذلك إلا بذلك ، فلها ما لأصل الدين من قدسية واحترام
وإلزام وأحكام ، لأن الأمر بالشئ أمر به وبما لا يتم إلا به من وسائل ، يعلم هذا من يعلمه ويجهله من يجهله
دون أن يغير ذلك من طبيعة هذه الأحكام شئ والله أعلم))انتهى كلامه

ورغم ان حلمي هاشم يكرر في اكثر من موضع انه يتكلم عن من انكر هذه الاحكام او جحدها (احكام التبعية) الا اننا لا نتكلم هنا عن هذا الامر ,وانما نتكلم عن حكم من خالف في هذه الاحكام وهي احكام التبعية فلم يري ان لها ما لأصل الدين من الزام واحكام , ليس بمعني انها كقواعد شرعية لا يلتفت لها , ولكن بمعني ان نضعها موضعها الذي وضعه الله ورسوله لها , فلا نرفع من حجية هذه الاحكام فنقول ان لها احكام اصل الدين ومخالفها او جاهلها كافر .
كما لا نقلل من قدرها وننكرها او نجحدها بالكلية اذا قام الدليل على وجوب العمل بهذه الاحكام.
فلا يكتفي حلمي بالقول ان مخالف هذه الاحكام كافرا فقط بل يزيد ويقول ان من خالف الغاية المنشودة وهى المفاصلة والتمييز بين المشركين والمسلمين فصار المشرك عنده مسلما فان هذا مالا تقبله الشريعة ولا تقر صاحبه عليه , بدون ان يوضح نوع هذه المخالفة للغاية المنشودة, هل هو الجهل بأحكام التوحيد ابتداء ام الاختلاف في الترجيح بين الادلة الشرعية .
ولا ندري كيف لم يتفطن اهل العلم الذين نقلنا لكم كلامهم وخلافهم في حكم بعض الاعيان بعد ان صدر منهم قول او فعل ينقلهم في نظر البعض من اهل العلم من الشرك الى الاسلام , ولا ينقلهم في نظر البعض الاخر من هذا الشرك الى الاسلام , فاذا سلمنا بما قاله حلمي فان بعضهم قد حقق المفاصلة والغاية المنشودة , والبعض الاخر من اهل العلم الذين حكموا بإسلام هذا الكافر قد صار الخبيث بين يديهم طيبا والمشرك مسلما ,ثم لماذا اختلفوا اصلا في هذه الاحكام وهي احدى الوسائل المحققة لاحد معالم التوحيد ؟
فهم لم ينكروها ولم يجحدوها انما اختلفوا فيها وفي تطبيقها على المعين وفي الحكم عليه بالإسلام او بالكفر , فما حكمهم عند اتباع هذا المنهج يا ترى ؟؟؟
يقول حلمي هاشم في رده هذا
((إن قضية ) الحكم على الناس( هي أحد الوسائل الرئيسية المحققه لأحد معالم التوحيد الرئيسية وأصل الدين وهو
المعلم المتعلق بالبراءة من المشركين ومفاصلتهم المنصوص عليها بسورة الإخلاص )الكافرون( وغيرها .
- فإذا لم يقنع الناظر في الشريعة بما أوردته الشريعة من مسالك ووسائل لتحقيق مقاصدها الأساسية . فليختار ما
يشاء من وسائل أخرى أولى بالاعتبار فى نظره المريض من تلك الوسائل التي دلت عليها الشريعة وألزمت بها المكلفين ، ولكن إذا خالف صاحب الرأي الثمرة المنشودة في النظر الشرعي ) وهى الغايات( بحيث ينقلب بين
يديه الخبيث إلى طيب وأن المشرك صار مسلما بالمخالفة للميزان الشرعي المقرر للأحكام فذلك مالا تقبله
الشريعة ولا تقر صاحبه عليه))انتهى كلامه

ولنرجع لحديثنا عن قاعدة مالا يتم الواجب الا به , والى كلام حلمي عن احكام التبعية وكيف ان لها ما لأصل الدين من الزام واحكام ذلك لان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به
يقول حلمي في هذا الرد مقررا ان احكام التبعية مأمور بها لأنها من وسائل تحقيق التوحيد وهو المفاصلة وحكمها حكمه ومخالفها كافر , ولن نتكلم عن الجحود والانكار , اذ انه لا يحتاج ان يكون الامر المنكر او المجحود من اصل الدين او فيما يتعلق بأصل الدين حتى يكفر الجاحد او المنكر ,بل يكفي ان يجحد او ينكر أي شيء من الدين بعد ان يكون قد بلغته الحجة ليكفر , فذكر هاذين الحدين في هذا الموضوع لا طائل منه حقيقة .
يقول حلمي في رده
((فلها ما لأصل الدين من قدسية واحترام
وإلزام وأحكام ، لأن الأمر بالشئ أمر به وبما لا يتم إلا به من وسائل ، يعلم هذا من يعلمه ويجهله من يجهله
دون أن يغير ذلك من طبيعة هذه الأحكام شئ والله أعلم))انتهى كلامه


ولعلنا لا نحتاج الى مزيد بيان بعد ان ننقل لكم ما ذكره اهل العلم في هذا الامر وهذه القاعدة التي استدل بها اصحاب هذا المنهج على تكفير المخالف , اذ ان كلامهم فيها واضح سهل ميسر لمن اراد الله هدايته ولله الحمد, فسنكتفي بذكر كلامهم فيها , وسنعلق اذا رأينا ان الحاجة تستدعي بعض التعليقات , وسننقل الخلاف فيها بين مقرا لها ومخالف وبين من يخالف في بعض تفاصيلها ويقر بالبعض, وانما ننقل الخلاف هنا حتى نبين انها مما اختلف فيه اهل العلم ولم يكفر بعضهم بعضاً فيها , ولم يقل احدا منهم ان هذه القاعدة اذا استعملت فيما له علاقة بأصل الدين فان حكم مخالفها الكفر واما اذا استعملت في غير اصل الدين فيمكن ويجوز الخلاف فيها, فكيف يقول اصحاب هذه البدعة انهم يكفرون المخالف اعتماداً على هذه القاعدة ؟؟؟
لا ندري كيف تجرؤا على دين الله وعلى عباده الموحدين والله المستعان على امره .
جاء في التمهيد في تخريج الفروع على الأصول -الأسنوي (1 / 83)
مسألة 15
الأمر بالشيء هل يكون أمرا بما لا يتم ذلك لشيء إلا به وهو المسمى بالمقدمة أم لا يكون أمرا به
فيه مذاهب
أصحها
عند الإمام فخر الدين وأتباعه وكذا الآمدي أنه يجب مطلقا ويعبر عنه الفقهاء بقولهم مالا يتأتى الواجب إلا به فهو واجب
وسواء كان سببا وهو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم
أو شرطا وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم
وسواء كان ذلك السبب شرعيا كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب أو عقليا كالنظر المحصل للعلم الواجب أو عاديا كحز الرقبة في القتل إذا كان واجبا
وهكذا الشرط أيضا
فالشرعي كالوضوء والعقلي كترك أضداد المأمور به والعادي
كغسل جزء من الرأس في الوضوء للعلم بحصول غسل الوجه
مثال ذلك إذا قال السيد لعبده كن على السطح فلا يتأتى ذلك إلا بنصب السلم والصعود فالصعود سبب والنصب شرط

والمذهب الثاني
يكون أمرا بالسبب دون الشرط
والثالث
لا يكون أمرا بواحد منهما حكاه ابن الحاجب في المختصر الكبير واختار في مختصره المعروف في الشرط أنه إذا كان شرعيا وجب وإن كان عقليا أو عاديا فلا
إذا علمت ذلك فيتخرج على هذه القاعدة مسائل
الأولى غسل جزء من الرأس والرقبة ونحوهما ليتيقن غسل الوجه فإنه واجب لما ذكرناه
هذا هو المعروف
وحكى الدارمي في الاستذكار فيه وجهين فقال وهل وجب في نفسه أو لغيره على وجهين
الثانية إذا اشتبهت زوجته بأجنبيه فيجب عليه الكف عن الجميع
ومثله إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات فليس له أن يتزوج واحدة منهن
وسنعيد المسألة مبسوطة في الكلام على التخصيص
الثالثة إذا نسي صلاة من الخمس ولم يعلم عينها فيلزمه الخمس
الرابعة إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فيجب غسل الجميع وتكفينهم والصلاة عليهم ثم هو بالخيار إن شاء صلى على الجميع دفعة واحدة وينوي الصلاة على المسلمين منهم وإن شاء صلى على كل واحد ويقول في نيته أصلي عليه إن كان مسلما ) انتهى


العدة في أصول الفقه -القاضي أبو يعلى (2 / 419)
مسألة [ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب]:
إذا أمر الله تعالى [عبده] بفعل من الأفعال وأوجبه عليه، وكان المأمور لا يتوصل إلى فعله إلا بفعل غيره؛ وجب [55/أ] عليه كل فعل لا يتوصل إلى فعل الواجب إلا به.
__________
قال محقق الكتاب ردا على القاضي ابو يعلي

يفهم من ثنايا كلام المؤلف رحمه الله: محل النزاع، ولكنه غير مدرك بصورة واضحة، ولتوضيحه نقول
ما لا يتم المأمور إلا به على صورتين:
الأولى: ما لا يتم الوجوب إلا به؛ فليس بواجب، حكاه المرداوي في تحرير المنقول الورقة "12/ب" إجماعًا.
الثانية: ما لا يتم الواجب إلا به، وذلك على قسمين:
الأول: غير مقدور للمكلف؛ فليس بواجب عند الحنابلة.
الثاني: مقدور للمكلف؛ فواجب عندهم، حكاه المرداوي والموفق ابن قدامة وأبو البقاء الفتوحي.
وهناك طريق أخرى للتقسيم تابع ابن قدامة الغزالي فيها.
كما أن هناك طريق ثالثة سكلها أحد آل تيمية في "المسودة".
انظر: المراجع السابقة في أول المسألة.
وما لا يتم المأمور إلا به؛ إما أن يدخل في هيئة المأمور به أو لا؛ فإن كان داخلًا؛ فلا خلاف في كونه داخلًا في المأمور به.
وإن كان خارجها؛ فإما أن يكون سببًا أو شرطًا، وكل منهما، إما شرعي أو عقلي أو عادي، وفي كل ذلك خلاف. أفاده أبو البقاء الفتوحي في كتابه "شرح الكوكب المنير" ص "112"، والمرداوي في تحرير المنقول الورقة "12/ب".)انتهى


جاء في كتاب الإحكام للآمدي - (1 / 152)
المسألة السابعة ما لا يتم الواجب إلا به
هل يوصف بالوجوب
اختلفوا فيه
ولا بد قبل الخوض في الحجاج من تلخيص محل النزاع فنقول

ما لا يتم الواجب إلا به
إما أن يكون وجوبه مشروطا بذلك الشيء
أو لا يكون مشروطا به
فإن كان الأول
فهو كما لو قال الشارع أوجبت عليك الصلاة إن كنت متطهرا فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجبا وإنما الواجب الصلاة إذا وجد الشرط
وإن كان الثاني
وهو أن يكون وجوبه مطلقا غير مشروط الوجوب بذلك الغير بل مشروط الوقوع فذلك هو محل النزاع
إن كان الشرط مقدورا للمكلف
وذلك كما لو وجبت الصلاة وتعذر وقوعها دون الطهارة أو وجب غسل الوجه ولم يكن إلا بغسل جزء من الرأس إلى غير ذلك

وإن لم يكن الشرط مقدورا للمكلف فلا
إلا على رأي من يجوز تكليف ما لا يطاق
وذلك كحضور الإمام الجمعة وحصول تمام العدد فيها فإن ذلك غير مقدور لآحاد المكلفين
وإذا تلخص محل النزاع فنقول
اتفق أصحابنا والمعتزلة على أن ما لا يتم الواجب إلا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب
خلافا لبعض الأصوليين
قال أبو الحسين البصري وإنما قلنا إن تحصيل الشرط واجب لأنه لو لم يجب بل كان تركه مباحا لكان الآمر كأنه قال للمأمور مباح لك ألا تأتي بالشرط وأوجب عليك الفعل مع عدم الإتيان بما لا يتم إلا به
وذلك تكليف بما لا يطاق وهو محال
وهذه الطريقة في غاية الفساد وذلك لأن وجوب المشروط إذا كان مطلقا فلا يلزم من إباحة الشرط أن يكون التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط فإن عدمه غير لازم من إباحته بل حالة عدم وجوب الشرط
وفرق بين الأمرين
فلا يكون التكليف بالمشروط تكليفا بما لا
يطاق
ثم يقال له إن كان التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط محالا فالتكليف بالمشروط مشروط بوجود الشرط وكل ما وجوبه مشروط بشرط فالشرط لا يكون واجب التحصيل لما سبق ولا جواب عنه
والأقرب في ذلك أن يقال انعقد إجماع الأمة على (إطلاق) القول بوجوب تحصيل ما أوجبه الشارع
وتحصيله إنما هو بتعاطي الأمور الممكنة من الإتيان به
فإذا قيل يجب التحصيل بما لا يكون واجبا كان متناقضا
وبالجملة فالمسألة وعرة والطرق ضيقة فليقنع بمثل هذا في هذا المضيق )انتهى

جاء في البحر المحيط في أصول الفقه - الزركشي- (1 / 179)
مسألة ما لا يتم الواجب إلا به
ما لا يتم الواجب إلا به هو
إما أجزاء الواجب
أو شروطه الشرعية
أو ضروراته العقلية أو الحسية
لا تنفك عن هذه الثلاثة

فالأول واجب بخطاب الاقتضاء (إذا كان من أجزاء الواجب)
والثاني بخطاب الوضع(إذا كان من شروطه الشرعية يعني انه إما سبب أو شرط أو مانع )
والثالث لا خطاب فيه فلا وجوب فيه لأن الوجوب من أحكام الشرع

إذا عرفت هذا فنقول

ما يتوقف عليه الواجب إما أن يكون توقفه عليه في وجوبه أو في إيقاعه بعد تحقق وجوبه

فأما ما يتوقف عليه إيجاب الواجب
فلا يجب بالإجماع لأن الأمر حينئذ مقيد لا مطلق وسواء كان سببا أو شرطا أو انتفاء مانع فالسبب كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة فلا يجب تحصيله على المكلف لتجب عليه الزكاة والشرط كالإقامة هي شرط لوجوب أداء الصوم فلا يجب تحصيلها إذا عرض مقتضى السفر يجب عليه فعل السفر والمانع كالدين فلا يجب نفيه لتجب الزكاة
وأما ما يتوقف عليه إيقاع الواجب ودخوله في الوجود بعد تحقق الوجوب
فإن كان جزءا فلا خلاف في وجوبه لأن الأمر بالماهية المركبة أمر بكل واحد من أجزائها ضمنا
وإنما الخلاف إذا كان خارجا كالشرط والسبب
كما إذا تقرر أن الطهارة شرط ثم ورد الأمر بالصلاة فهل يدل الأمر بها على اشتراط الطهارة ).....
(وما ذكره حلمي هاشم من مثال السعي الى الصلاة في رده يدخل تحت هذا )

يواصل الزركشي فيقول ((.....
هذا موضع النزاع
ولهذا عبر بعضهم عنه بالمقدمة لأن المقدمة خارجة عن الشيء متقدمة عليه بخلاف الجزء فإنه داخل فيه

المذاهب في الشرط الشرعي
وفي المسألة مذاهب
أحدها أنه واجب مطلقا لكن شرطوا أن يكون مقدورا للمكلف كالطهارة وغيرها من الشروط فالأمر بالصلاة أمر بها أما ما لا يمكن من الآلات والذوات فتخرج على جواز تكليف ما لا يطاق وحينئذ فإنما يعتبر هذا الشرط من منع تكليف ما لا يطاق هذا هو الأصح عند الأصوليين وبه جزم سليم في التقريب قالوا وسواء كان شرطا أو سببا وكان الشرط شرعيا كالوضوء للصلاة أو عقليا كترك أضداد الواجب أو عاديا كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه وإذا قلنا بهذا فاختلفوا في موضعين أحدهما أن الوجوب هل يتلقى من نفس الصيغة أو من دلالتها أشار ابن السمعاني إلى حكاية الأول وهو ضعيف والجمهور على الثاني ونصره ابن برهان قال لم يدل عليه من حيث اللفظ وإنما دل عليه من حيث المعنى لأن الدلالة اللفظية ما كان مسموعا في اللفظ ولا شك أن للشرط لفظا يخصه ولم يسمع ذلك فوجب أن دلالته من حيث المعنى ويخرج من اختلاف عباراتهم مذهبان آخران أحدهما أنه يدل بالالتزام والثاني بالتضمن وهو ما صرح به إمام الحرمين في البرهان والتلخيص وقد يستشكل بأن الطهارة ليست جزء الصلاة فكيف يدل بالتضمن وإيضاحه أن إيجاب الطهارة دل عليه قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم فالصلاة وجبت مقيدة بالغسل الذي هو الوضوء فإذا استقر ذلك ثم ورد قوله وأقيموا الصلاة وجب حمله على الصلاة المعهودة وهي المقيدة بالطهارة والدال على الصلاة المقيدة دال على قيدها بالتضمن كقوله أعتق الرقبة المؤمنة ثم يقول أعتق الرقبة فمطلق الرقبة دال على الإيمان بالتضمن الثاني إذا قلنا إنه وجب من دلالته فهل وجب لنفسه أو لغيره على وجهين حكاهما الدارمي في الاستذكار وظاهر كلام الأصحاب أنه لغيره ورجح إمام الحرمين في التلخيص فيما يتوقف عليه عادة كغسل شيء من الرأس لغسل الوجه واستصحاب الإمساك عن المفطر في جزء من أول الليل أنه وجب لنفسه وحكى قولا أنه ندب لا واجب وزيفه بأنه إذا لم يقدر على الواجب إلا به فلو تركه لتعطل الواجب فما معنى وصفه بالتطوع

وزعم الإبياري أنه لا خلاف في وجوب الشرط الشرعي وليس كذلك
فقد حكى الإمام في التلخيص الخلاف فيه عن بعض المعتزلة وزعم تلميذه ابن الحاجب أنه لا خلاف في وجوب السبب وليس كذلك لكن بهذا صرح صاحب المصادر فقال الذي لا يتم الواجب إلا به إن كان سببا كالرمي في الإصابة فلا خلاف أن الأمر بالمسبب أمر بالسبب في المعنى وعلى هذا فإيجاب المسبب إيجاب لسببه وإباحته إباحة لسببه وحظره حظر لسببه لأنه لا يتم بدونه بخلاف العكس لوجوده بدونه وإن كان شرطا شرعيا كالوضوء أو غير شرعي كالمشي إلى عرفات للوقوف فإن ورد الأمر مطلقا فهو في المعنى أمر بالشرط هذا بعد أن تقرر في الشرع ذلك وإن ورد مشروطا باتفاق حصول المقدمة فليس أمرا بالمقدمة كالأمر بالحج بشرط الاستطاعة ا هـ

ويمكن أن يقال لا منافاة بين ما نقله صاحب المصادر وابن الحاجب وما نقله الجمهور لأن محل الخلاف في أن إيجاب المسبب هل هو دال على إيجاب السبب ومحل الإجماع على أنه إذا وجب المسبب فقد وجب السبب لا من جهة اللفظ ولهذا قال في المنتهى فإنا لا ننكر وجوب الأسباب بدليل خارجي كما أن أسباب الحرام حرام
والمذهب الثاني
أنه ليس بواجب مطلقا ونسب للمعتزلة وحكاه ابن السمعاني في القواطع عن أصحابنا لأن هذه الشرائط لها صيغ بخصوصها واختلاف الصيغ يدل على اختلاف المصوغ له واعلم أنا لا ننكر كون الصلاة مقتضية للطهارة بالدلالة وإنما ننكر كونه من حيث الصيغة مقتضية له وقد قال أصحابنا إن الصلاة بصيغتها تدل على الدعاء فقط وما زاد على الدعاء ثبت بالدليل الشرعي لا من جهة الصيغة بقي أن يقال إن ذلك الشرط هل نصفه الآن بالندب لأنه طريق إلى تحصيل أمر واجب أو بالإباحة لم أر من تعرض له ويشبه أن يكون على الخلاف في استحباب النذر أو إباحته

والمذهب الثالث
التفصيل بين أن تكون الوسيلة سبب المأمور به فيجب أو شرطه فلا يجب وهو اختيار صاحب المصادر كما سبق والفرق أن وجود السبب يستلزم وجود المسبب بخلاف الشرط

والمذهب الرابع
إن كان سببا أو شرطا فهو واجب وإن كان غيرهما فليس
بواجب
والمذهب الخامس
يجب الشرط الشرعي إذا كان الفعل يتأتى بدونه عقلا أو عادة لكن الشرع جعله شرطا للفعل كالوضوء وأما ما لم يتأت اسم الفعل إلا به عقلا أو عادة كالأمر بغسل الوجه فهو واجب في نفسه ولا نسميه شرطا إذ لا يتم عادة غسل الوجه إلا بغسل شيء من الرأس وبهذا أجاب إمام الحرمين وابن القشيري وابن برهان وتبعهم ابن الحاجب والفرق أن الشرط الشرعي يمكن دخوله في الأمر بالمشروط هاهنا كما سبق تقريره بخلاف غير الشرعي نحو غسل جزء من الرأس فإنه لم يقع من الشرع نص على إيجابه بل ورد الأمر بغسل الوجه مطلقا والعادة تقضي بأن غسل الوجه لا يحصل إلا بغسل جزء من الرقبة فبهذا افترق الشرط الشرعي وغيره هذا تحرير النقل عن إمام الحرمين

المذهب السادس
الوقف أشار إليه صاحب المعتمد إلزاما للواقفين في صيغ العموم لأنه لا يأمن أن يكون أمرا بشرط تحصيل المقدمة ولا بأمر خلافه فيجب الوقف

وقال بعض المتأخرين إن كان ما لا يتم الواجب إلا به ملازما في الذهن بحيث إن المكلف حال استماع الأمر ينتقل ذهنه إلى ذلك الشيء ويعلم أن الإتيان بالمأمور به ممتنع بدون الإتيان بتلك المقدمة فهو واجب وإن لم يكن ملازما بل يتوقف عليه عقلا أو شرعا فلا يكون الأمر واجبا من تلك الصيغة بل من المركب من الأمر والعقل أو من الأمر والدليل الشرعي وقال أبو نصر القشيري مجليا لعبارة الإمام ليس الخلاف في العادي كالأمر بغسل شيء من الرأس لأجل استيعاب الوجه لأن ذلك القدر لا يلزم قطعا أي من جهة الصيغة وليس من قبيل الشرائط بل من قبيل ما يؤول إلى المعتاد قال
فالأقسام ثلاثة
أحدها متلقى من صيغة الأمر وهو المقصود
والثاني ما ثبت شرطا في العبادة وفي المأمور به وإن لم يكن جزءا منه كالوضوء فالأمر بالصلاة الصحيحة يتضمن أمرا بالطهارة وكذا وضع الشرائط
والثالث ما يتعلق بالإمكان وليس بمقصود الشرع لا مشروطا ولا شرطا
ولكنه في علم الجبلة يضاهي الشروط وإن لم يكن شرطا شرعيا وهذا يلتفت على الانتهاء عن أضداد المأمور به في محاولة امتثال الأمر ا هـ

وحاصله أن العادي لا يسمى شرطا ولا يجب وإنما يجب الشرط الشرعي وهذا هو تقرير قول إمام الحرمين وزاده ابن برهان إيضاحا فقال
تحصلنا على ثلاثة أقسام لا يتأتى فعل المأمور به إلا بها
أحدها ما كان من أبعاضه وأجزائه كأجزاء الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود فالأمر يتناولها ودل عليها لفظا

الثاني ما كان من شرائطه وأسبابه كالطهارة والقبلة وستر العورة فالأمر تناولها ودل عليها معنى لا لفظا

والثالث ما كان من ضروراته كأخذ جزء من الليل في صوم اليوم وأخذ جزء من الرأس في غسل الوجه فالأمر ما تناوله ولا دل عليه من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وإنما ثبت لأنه من ضرورات المأمور جبلة وخلقة والفرق بين هذا والذي قبله أن ما كان من ضرورات المأمور يتصور الإتيان بالمأمور بدونه وما كان من شرائطه وأسبابه لا يتصور إتيان المأمور به إلا إذا أتي به

مثاله أنا لو قدرنا أن الله تعالى خلق في الواحد منا إدراك أول جزء من النهار حتى تطبق النية عليه صح صومه ولم يجب عليه إمساك جزء من الليل ولذلك لو قدر على غسل ما هو الفرض لم يجب عليه غسل جزء من الرأس وهكذا في ستر العورة بخلاف الشرط فإنه لا يتصور صحة الأمر إلا به فكان الأمر دالا عليه معنى ولم يكن دالا على الأول لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى

تنبيهات
التنبيه الأول فائدة الخلاف قد تطلب فائدة هذا الخلاف فإن الصورة مفروضة حيث دل الدليل من خارج على أنه شرط وحينئذ فما فائدة الخلاف في أنه يشمله الأمر بالمشروط ويمكن أن يقال فائدته أنه إذا وقع الشرط ترتب الفعل الواجب عليه)انتهى

جاء في التحبير شرح التحرير –
المرداوي الحنبلي (2 / 923)
قوله : { فصل } { ما لا يتم [ الوجوب ] إلا به ليس بواجب مطلقاً إجماعاً } . سواء قدر عليه المكلف : كاكتساب المال للحج ، والكفارات ، ونحوهما . قال ابن عقيل وغيره : ( وإرغاب العبد سيده في كتابته بمال كثير ) . أو لم يقدر عليه : كاليد في الكتابة ، وحضور الإمام والعدد المشترط في الجمعة ، فإنه لا صنع للمكلف فيه . قوله : { وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور للمكلف ، فواجب عندنا ، وعند الشافعية ، والأكثر }
ما لا يتم الواجب إلا به لا يخلو ، إما أن يكون جزءاً للواجب ، أو خارجاً عنه : كالشرط ، والسبب . فإن كان الأول فهو واجب اتفاقاً ، لأن الأمر بالماهية المركبة ، أمر بكل واحد من أجزائها ضمناً ، فالأمر بالصلاة مثلاً ، أمر بما فيها من ركوع وسجود وتشهد وغير ذلك .

وإن كان الثاني ، فهو محل الخلاف .
فأقسام ما لا يتم الواجب الخارج إلا به وهو المسمى بالمقدمة المتوقف عليها ستة ، محل الخلاف فيها لا غير ،
وهي :
السبب ،
والشرط ،
وكل واحد منهما
إما شرعي ،
أو عقلي ،
أو عادي ،
فهذه ستة أقسام .
مثال السبب الشرعي : صيغة العتق في الواجب من كفارة أو نذر ، وكذا صيغة الطلاق حيث وجب .
ومثال السبب العقلي : النظر الموصل إلى العلم .
ومثال السبب العادي : السفر إلى الحج .
ومثال الشرط الشرعي : الطهارة للصلاة ونحوها .
ومثال الشرط العقلي : ترك أضداد المأمور به .
ومثال الشرط العادي : غسل الزائد على حد الوجه في غسل الوجه ، ليتحقق غسل جميعه .
فالشرط الشرعي : ما جعله الشارع شرطاً ، وإن أمكن وجود الفعل بدونه .
والشرط العقلي : ما لا يمكن وجود الفعل بدونه عقلاً .
والشرط العادي : ما لا يمكن عادة .
إذا علم ذلك ؛ فالصحيح من مذهب الإمام أحمد وأصحابه والشافعية والأكثر ، وحكاه الآمدي عن المعتزلة : أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب ، إذا كان مقدوراً للمكلف ، ثم اختلف في كون وجوب المقدمة متلقى من نفس صيغة الأمر بالأصل ، أو من دلالة الصيغة ، قولان لهم ، الثاني قول الجمهور . قال ابن برهان : ( لأن المتلقى من الصيغة ، ما كان مسموعاً منها ) . وينحل ذلك إلى أن الدلالة عليه بالتضمن أو بالإلتزام ، وصرح بالأول أبو المعالي في ' البرهان ' ، و ' التلخيص ' . وتقريره : أنه إذا تقرر التوقف ثم جاء الأمر ، كان كأنه مصرح بوجوب المجموع به .
واختلف أيضاً في الإيجاب ، هل هو شرعي أو عقلي ؟ فيه خلاف ، ولعل مأخذه ما سبق في كونه مأخوذاً من الأمر ، أو من دلالة الأمر ، وهل هو بالتضمن أو بالالتزام ؟ { وقيل : إن كان سبباً } بأقسامه وجب ، وإلا فلا : كالنار للإحراق فيما إذا وجب إحراق شخص ، فإنه يتوقف على وجود النار ، التي هي سبب للإحراق ، بخلاف الشرط فإنه لا يجب ، ويعزى هذا القول للشريف المرتضى ، وصاحب المصادر من المعتزلة . بخلاف الشرط : كالوضوء للصلاة ، فلا يجب لوجوب مشروطه .
والفرق : أن السبب لاستناد المسبب إليه ، أشد ارتباطاً من الشرط بالمشروط . { وقال أبو المعالي ، وابن برهان ، وابن الحاجب ، وابن حمدان ، والطوفي :
أو شرطاً شرعياً } .

يعني : أن هؤلاء الجماعة ، أوجبوا ما كان سبباً بأقسامه كالقول الذي قبله وزادوا ، فأوجبوا أيضاً من الشروط الشرط الشرعي : كالطهارة للصلاة ونحوه ، ولم يوجبوا الشرط العقلي ولا العادي .
{ و } حكي { عن المعتزلة : [ أنه ] ليس بواجب } ، سواء كان سبباً بأقسامه ، أو شرطاً بأقسامه . { قال ابن الجوزي : ( [ لا يجب ] إمساك جزء من الليل } في الصوم ، { في [ أصح الوجهين ] ) } . لكن كلامه ما يشمل إلا عدم اشتراط الشرط العادي ، وقد يكون قائلاً بوجوب الشرط الشرعي . قلت : قال ابن مفلح في ' فروعه ' : ( لا يجب إمساك جزء من الليل في أوله وآخره ، في ظاهر كلام جماعة ، وصرح به كثير ، وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين ، خلافاً لمالك في إحدى الروايتين عنه ، وقطع جماعة بوجوبه في أصول الفقه وفروعه ، وأنه مما لا يتم الواجب إلا به ، وذكره في ' الفنون ' ، وأبو يعلى ' الصغير ' ، وفاقاً في صوم يوم ليلة الغيم ، وهو
يناقض ما ذكروه هنا ، وذكره القاضي في الخلاف في النية من الليل ظاهر كلام أحمد ، وأنه مذهبنا ؛ لئلا يفوت بعض النهار عن النية ، والصوم يدخل فيه بغير فعله فلا يمكنه مقارنة النية حال الدخول ، بخلاف الصلاة ، [ كذا قال ] ، وسبق في النية من الليل ) انتهى . وحكى ابن الحاجب : أنه لا خلاف في السبب بأقسامه . وحكى شيخه الأبياري : أنه لا خلاف في الشرط الشرعي . ويردهما حكاية الخلاف .
استدل للمذهب الأول وهو الصحيح بما اعتمد عليه أبو الخطاب في ' التمهيد ' ، وغيره : أن الأمر بالشيء مطلقاً ، يستلزم وجوبه في كل أحواله الممكنة ، فيقتضي وجوب لازمه ، وإلا كان واجباً حال عدمه ، وهو محال . وتقييده بوقت وجود لازمه خلاف ظاهر الأمر ، لأنه مطلق ، واللازم لا ينفيه اللفظ ، لعدم دلالته عليه ، فلا مخالفة لظاهره . وقال ابن عقيل : ما عرف من اطراد العادة كالملفوظ ، ولأنه لو لم يجب الشرط لم يكن شرطاً لجواز [ تركه ] . واستدل أيضاً - : لو لم يجب صح الفعل دونه ، وإلا لزمه تكليف المحال بتقدير عدمه ، ولما وجب التوصل إلى الواجب . ورد : إن أريد بالصحة والوجوب : ما لا بد منه ، فمسلم ، [ ولا ] يلزم أنه مأمور به ، وإن أريد ، مأمور به ، فأين دليله ؟ وإن سلم أن التوصل واجب ففي الأسباب المستلزمة لمسبباتها ، لا لنفس الأمر بالفعل . قالوا : { لو وجب لزم تعقل ] الموجب له ، ولم يكن تعلق الوجوب لنفسه لتوقف تعلقه على تعلقه بملزومه ، والطلب لا يتعلق بغير المطلوب ، ولامتنع التصريح بغير وجوبه ، ولأثم بتركه ، ولانتفى المباح ، ولوجبت نيته . رد الأول : إنما يلزم لو وجب أصلاً لا تبعاً ، ثم ينتقض بالشروط . ورد الثاني : بأنه أراد التعلق بالأصالة مع انتفاء التالي ، فإن تعلق
الوجوب باللازم فرع تعلقه بملزومه ، وإلا فتعلق الوجوب الناشئ من وجوب الأول يتعلق باللازم لذاته ، ثم ينتقض بالشرط . ورد الثالث : بمنع الملازمة في القادر على غسل الوجه دون غسل جزء من الرأس ، ونفي التالي في العاجز . وبه يجاب عن الرابع . ثم تركه يوجب ترك الواجب أصلاً ، ثم ينتقض بالشرط . ورد الخامس : بأنه يلزم نفي المباح لو تعين ترك الحرام به . ورد السادس : يلزم لو وجب أصلاً لا تبعاً ، وتسقط الوسيلة تبعاً . تنبيه : هذه المسألة هي المعبر عنها في الأصول : بما لا يتم الواجب إلا به واجب ، وربما قيل : ما لا يتم المأمور إلا به يكون مأموراً به ، وهو أجود وأشمل من حيث إن الأمر قد يكون للندب ، فتكون مقدمته مندوبة ، وربما كانت واجبة : كالشروط في صلاة التطوع ، إلا أنه لما وجب الكف عن فاسد الصلاة عند إرادة التلبس بالصلاة مثلاً وجب ما لا يتم الكف مع التلبس إلا به ، فلم يخرج عما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . وإذا اتضح الأمر في مقدمة الواجب عدي إلى المندوب بما يليق به من الأمرين . تنبيه آخر : تقدم أن ما لا يتم به الواجب تارة يكون جزءاً
للواجب ،
وتارة يكون خارجاً عنه كالشرط والسبب ،
وأن الأول واجب اتفاقاً ؛ لأن الأمر بالماهية المركبة ، أمر بكل واحد من أجزائها ضمناً ، لكن يشترط أن يكون مقدوراً له ، قطعاً ، للحديث : ' إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ' ، فلو سقط وجوب البعض المعجوز هل يبقى وجوب الباقي [ المقدور ] عليه ؟ قاعدة المذاهب في الأصل البقاء ، للحديث الموافق لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [ التغابن : 16 ] ، وقد ذكر أصحابنا : أن من سقط عنه النطق في الصلاة لعذر لم يلزمه تحريك لسانه ، خلافاً للقاضي من أصحابنا ، وأكثر الشافعية ، لوجوبه ضرورة : كجزء من الليل في الصوم ، وشروط الصلاة .
قال ابن مفلح : ( ويتوجه الخلاف ، وقال بعض أصحابنا : يستحب في قول من استحب غسل موضع القطع في الطهارة ، وكذا إمرار الموسى فيمن لا شعر له ، ورد . وقال ابن عقيل في ' عمد الأدلة ' : ( يمر الموسى ولا يجب ، ذكره شيخنا ، وأما كلام الإمام أحمد فخارج مخرج الأمر ، لكنه حمله شيخنا على الندب ) انتهى . وقال القاضي في ' التعليق ' ، وغيره - في وطء المظاهر - : ( إن الأمر بالصلاة متضمن للأمر بالطهارة ، وإن التابع يسقط بفوات المتبوع : كالطهارة للصلاة ) انتهى . ولنا فروع كثيرة شبيهة بذلك : كوجوب القيام على من عجز عن الركوع والسجود لعلة في ظهره ، وواجد بعض ما يكفيه لطهارته من الماء ، وبعض صاع في الفطرة . وربما خرج عن القاعدة فروع ، الراجح خلاف ذلك ، لمدارك فقهية محلها الفقه . تنبيه آخر : قوله : ( وما لا يتم الواجب المطلق ) . قال القرافي : ( فمعنى قولنا : ' مطلقاً ' ، أي : أطلق الوجوب فيه ، فيصير معنى الكلام : الواجب المطلق إيجابه ففرق بين قول السيد لعبده : اصعد السطح ، وبين قوله : إذا نصب السلم اصعد السطح ، فالأول مطلق في إيجابه ، فهو موضع الخلاف ، والثاني مقيد في إيجابه ، فلا يجب تحصيل الشرط فيه إجماعاً ) انتهى . وقال الكوراني : ( قد فسر الواجب المطلق بما يجب في كل وقت وعلى كل حال ، فانتقض بالصلاة ، فإن صلاة الظهر مثلاً [ لا تجب ] في كل وقت ، فزيد : في كل وقت قدره الشارع ، فنقض بصلاة الحائض فزيد : لا لمانع ، وهذا لا يشمل غير المؤقتات ، ولا مثل الحج والزكاة في إيجاب ما يتوقف عليه من الشروط . فالواجب المطلق : هو الذي لا يكون بالنظر إلى تلك المقدمة التي [ يتوقف ] عليها مقيداً ، وإن كان مقيداً بقيود أخر فإنه لا يخرجه عن الإطلاق ، كقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) [ الإسراء : 78 ] ، فإن وجوب الصلاة في هذا النص [ مقيد ] بالدلوك ، وغير مقيد بالوضوء والاستقبال ) انتهى . قوله : { وغير المقدور من المحال } . لأنه فرد من أفراده : كالقدرة واليد في الكتابة ، لأنهما مخلوقتان لله تعالى ، فليس ذلك في وسع المكلف [ وطاقته ] .)انتهى


رد علي الرسالة التي بعث بها احد الشباب الينا والتي طلب منا فيها الرد على كلام حلمي هاشم
وعلى وبدعة ان احكام الديار مما لا يتم اصل الدين الا به وقد ضللناها باللون البني ووضعنا بعض الردود السريعة على بعض اجزائها باللون الازرق

((نرجو منك إن تبين لنا هل الشيخ حلمي هاشم أخطاء أم هو على حق
فان كان الأول, فنرجو منك ان تبين بالأدلة والبراهين بطلاً ما ذهب إليه))انتهى

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ حلمي هاشم في رده على الشيخ ضياء......

أن شيخ ضياء في الواقع لا يدرك الفرق بين أصل الدين كأحد أعظم
)مقاصد الشريعة الغراء( وبين غيره مما يتعلق به أو ارتبط به من )وسائل)
وإلا فما الحامل علي أن يكتب في ص 4 وفي مواطن أخري ماكتب
وحيث يقول :
أقول ضياء الدين ) : حكم التبعية لا أحد ينكره . والخلاف بيننا في جعله من أصل الدين . والخلاف في جعل
تبعية الدار من أصل الدين وتكفير من يخالف في ذلك( أ.ه
وأقول
فالشيخ ضياء لم يدرك الفرق بين أصل الدين كأحد أعظم )مقاصد الشريعة الغراة( وبين غيره مما يتعلق به أو
ارتبط به من )وسائل(
كما لم يدرك الفرق عامة في أحكام هذه الشريعة بين الغايات أو )المقاصد( /والوسائل ،
وأن ذلك في عامة ما جاءت به الشريعة من أحكام في العبادات والمعاملات بلا فرق
ومن ثم فإن القول بـ ) أن الله خالق كل شئ ) فذلك من أصل الدين وهو التوحيد فلا يخرج عن ذلك شئ
ولا يقيد بشئ

قال صاحب كتاب الكوكب المنير شرح مختصر التحرير - (2 / 29)
. ( و ) من التخصيص بالمنفصل أيضا ( العقل ) ضروريا كان أو نظريا . فمثال الضروري : نحو قوله تعالى { الله خالق كل شيء } فإن العقل قاض بالضرورة أنه لم يخلق نفسه تعالى وتقدس . ومثال النظري : نحو قوله تعالى ( { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ) فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل والمجنون بالتكليف بالحج , لعدم فهمهما , بل هما من جملة الغافلين الذين هم غير مخاطبين بخطاب التكليف .. انتهى


ومن زعم القدرة علي الخلق كخلق الله أو ظن ذلك ، كفر بالله لمناقضته أصل الدين
وهكذا القول )إن الحكم إلا لله ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد
وأن الله تعالي هو)القاهر فوق عباده ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد


وأن الله تعالي )عدو للكافرين ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد
وأنه تعالي) برئ من المشركين) فلا يخرج عن ذلك مشرك ورد النص بكفره (حقيقة( وهو الثابت كفره بالدليل
الخاص
16
أو ( حكما ) وعلي الظاهر وهو الثابت كفره بالدليل العام والله أعلم بالسرائر ، فذلك من أصل الدين وهو
التوحيد


اقول ((المنتصر بالله ))ونسأل الشيخ هنا وفي هذه الجزئية بالتحديد وقد ذكر الكافر حقيقة والكافر حكما
ونحن نعرف الكافر حقيقة وان الله قال انه عدو لهذا الكافر وان الله برئ من هذا الكافر .
لكن هل الله سبحانه وتعالي عدو لأطفال المشركين وهم كفار حكما ؟؟؟
وهل الله سبحانه وتعالي برئ من اطفال المشركين ومن مجانينهم وهم كفار حكما ؟؟
ارجوا ان ينصفنا اصحاب هذا المذهب وهذا القول , ويبينوا لنا كيف واين وجدوا هذا الحكم
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، و أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعين موكول إلى علم الله وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب، و أما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم)

واما معني قوله عن الاطفال انهم كفار تجري عليهم احكام اوليائهم فلا يعني ان الله عدو لهم ولا انه برئ منهم اذا انهم لم يقترفوا كفرا او يصفوه او يعتقدوه
جاء في كتاب أحكام أهل الذمة - (3 / 21)
والصحيح في هذه المسائل أنه يحكم بإسلامه تبعا لسابيه مطلقا وهذا مذهب الأوزاعي وهو إحدى الروايات عن أحمد لأنه مولود على الفطرة وإنما حكم بكفره؟ تبعا لأبويه لثبوت ولايتهما عليه فإذا انقطعت ولايتهما بالسباء عمل مقتضى الفطرة عمله إذ لم يبق له معارض فكيف يحكم بكفره وقد زال حكم الأبوية عنه وهو لم يصف الكفر ولم يعرفه وإنما كان كافرا تبعا لهما والمتبوع قد زال حكم استتباعه إذ لم يبق له تصرف في نفسه ولا ولاية على ولده ومن ههنا قال: الإمام أحمد ومن تبعه إنه يحكم بإسلامه بموت الأبوين إذ عدمهما أقوى في زوال التبعية من سابيه منفردا عنهما أو معهما أو مع أحدهما.)) ))انتهى.


فهل تنطبق الآيات التي ذكرت على من هذا حاله وهو الكافر حكماً لا حقيقة ؟؟

ومن ثم فالمتأمل لذلك يعلم أن هذا الذى يعد أصل الدين هو المحكم الذى : 
لا يقبل التأويل - أى صرفه عن ظاهره
ولا يقبل ادعاء النسخ لشئ منه
ولا يقبل التخصيص – فلا يخرج عن حكمه شئ ولا يخرج عن خلقه شئ
ولا يقبل التقييد – بزمان دون زمان أو مكان دون مكان ، فلا يقيد خلقه وحكمه بعدد أو كم أو كيف

اقول ((المنتصر بالله ))
(( لكن مع قول حلمي هاشم ان اصل الدين لا يقبل التخصيص فلا يخرج عن حكمه شئ , الا انه يري ان دفع الصائل ليس تحاكم وهو بالتالي يخرج عن هذا الحكم لا لشئ الا لأنه يسترد حقه و لأنه لم يبادر هو بطلب الحكم انما جاء مدافعا عن نفسه رغم ان اعظم هذه المقاصد التي ذكرها حلمي هاشم هو الحفاظ على الدين قبل المال والنفس والولد والعقل , فكيف خرج حكم الدفاع عن النفس من هذه المقاصد ولم يعارضها ؟؟ وكيف قدم المال على الدين في هذه الفتوى والله المستعان ؟؟انتهى

.......
ثم أن هذا الأصل ) أصل الدين ( هو أعظم ) مقاصد( الشريعة علي الإطلاق ، وإلا فإن المقصود بأعظم المقاصد
والغايات هنا تحقيق التوحيد ومن صلبه البراءة من الشرك وأهله وهو المبدأ المعروف بالمفاصلة و والمعروف
(بتوحيد الطلب والقصد)
ثم يرد عليه من )الوسائل( ما لا يمكن العمل بمقتضاه إلا بهما.

مثل العلم بالوسائل الشرعية اللازمة للحكم على الناس وتمييزهم
فيقال أن )للحكم على الناس( علاقة بأصل الدين
فلا يقال أنه هو أصل الدين
هذه العلاقة تتمثل فى علاقة المقاصد بالوسائل والتى نظمتها أحكام الشريعة بحيث جعلت أن للوسائل حكم المقاصد
- ومع ذلك ، ومع أن للوسائل حكم المقاصد ، ولكن يبقى دائما فى النظر أن هذه )مقاصد( وأن هذه ( وسائل(
فإذا تحدثنا عن الوسائل لا يقال أنها هى هى المقاصد وإلا صارت الرؤية مضطربة ووقع
التشكيك فى صدق الأحكام ولم ننتبه للفروق بينها .
لأن الوسائل هى الوسائل وإن اتفقت مع المقاصد فى درجة اللزوم والثبوت .
ويظهر ذلك فى الأمثلة المضروبة عندما يقال : 
أن الصلاة أحد مقاصد الشريعة الرئيسية والتى لا يمكن تحقيقها والعمل بها إلا بوسائل : كالسعى إلى
المساجد للجماعة أو تحرى أوقاتها أو مثل ذلك
فيصير السعى إلى المساجد أو تحرى أوقات الصلاة المفروضة شيئا من المفروض بذات النص على الفرض
الأصلى )الصلاة( ثم لا يقال أن السعى إلى المساجد هو أصل الفريضة ولا يقال أن تحرى أوقات الصلاة هو
أصل الفريضة
والذى يقع فى مثل هذا التوصيف الخاطئ تضطرب بين يديه الأحكام عندما يكتشف عدم صدق ظنه أو قوله لمّا
ظن أن السعى إلى المساجد هو أصل الفريضة .....
وهكذا فإن كان أصل الدين هو الوحدانية بمعالمها الرئيسية فإن قضية الحكم على

الناس لها متعلق بهذا الأصل تعلق )الوسائل( بأصل )المقاصد( لا أنها هى أصل الدين
وإذا كان أحد معالم أصل الدين الرئيسية هو مفاصلة المشركين )وهو توحيد الطلب والقصد(
فإن هذه ) المفاصلة( كأحد المقاصد الشرعية الكبرى الرئيسية لا يمكن تحقيقها إلا بتمييز الناس مسلمهم
وكافرهم وهذا هو موضوع )الحكم على الناس( كأحد وسائل تحقيق ) توحيد الطلب والقصد ( والذى ثبت
شرعا أن تفاصيل تمييزهم بين مسلم وكافر تكون من خلال :
)الدليل الخاص( المتمثل فى القول أو الفعل الصادر من كل أحد منهم .
فإن لم يتوافر الدليل الخاص ، وهو شئ خارج عن طاقة البشر توافره فى كل الأعيان بالمجتمعات والمدن
والقرى ، وهيهات أن تري من كل شخص في المجتمع الذي يعج بالبشر فعلا أو قولا يدل علي حكمه, لذا فمن لم نعلمه بالدليل الخاص ، شمله حكم )الدليل العام( الذى يشمل القوم بحكمه وهو )التبعية


اقول ((المنتصر بالله ))
سبحان الله هل المفاصلة مقصد ام وسيلة ؟؟
لا ندري من هو الذي اختلطت الاحكام عنده ؟؟
هل المقصد الأعظم هو افراد الله بالعبادة ام هو تكفير المشركين ؟؟
ماذا لو لم يكن بين اظهر المسلمين مشركين حتى يكفروهم فهل يقال انهم لم يحققوا احد المعالم الرئيسية ؟؟ ام يكفي ان يعتقد الموحد ان من عبد مع الله اله اخر فهو كافر, حتى وان لم يري في حياته من يعبد غير الله .))انتهى

 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-11










(
ذلك المبدأ الثابت بالوجوه المتعددة الثابتة بالنص الواضح الصريح قرآنا وسنة وبفهم سلف الأمة وقد ساق
بيانها بتفاصيلها وجمع أطرافها كتاب الدار والديار وكتاب الشك واليقين ومن هنا قال أهل العلم أن
الحكم على الناس يكون من خلال النص أو الدلالة )وهوالدليل الخاص( ، أو التبعية )وهو الدليل العام(
فمن علم أن )الوسائل المقررة شرعا للحكم على الناس( أو للتعرف علي حكم الناس بلإسلام أو الكفر
من نص أو دلالة أو تبعية يرتبط بأصل الدين إرتباط مقاصد الشريعة بوسائلها أراح واستراح
ومن ظن أن )الوسائل المقررة شرعا للحكم على الناس ( أو للتعرف علي حكم الناس بلإسلام أو الكفر
من نص أو دلالة أو تبعية هو أصل الدين بذاته ، أو ظن أن هذه رؤية مخالفيه فقد اتعب نفسه واتعب غيره
معه ، لأنه لم ينصف نفسه ولم ينصف الآخرين ، ولم يستقيم له النظر لا فى فهم أصل الدين ولا فى وسائل تحقيقه
والعمل به

اقول ((المنتصر بالله ))
نعم عرفنا هذا لكننا بينا ماهي حقيقة الارتباط بين الوسائل والمقاصد وبينا الاختلاف بين اهل العلم في كل ما ذكرت من نص او دلالة او تبيعة ,فارجوا ان نكون قد انصفنا .

.
فهذا من جانب
ومن جانب أخر 
أن أصل الدين هذا ، شأنه كشأن سائر العبادات من حيث الماهية وأركانها وشروط صحتها .
ثم يرد على هذا الأصل وهذه الماهية ما يناقضها وينقضها
فمثلا : إذا قلنا أن الصلاة أحد أركان الإسلام الرئيسية ، وأن مكوناتها الأساسية هو القيام والركوع والسجود
وخلافه وأن شروط صحتها هو الطهارة والوضوء واستقبال القبلة وستر العورة وخلافه
فهذا جميعه شئ

ثم إذا تحدثنا عما ينقضها وجدناه ، الإحداث من بول أو غائط أو ريح . أو ضحك أو الكلام فى الصلاة أو
...........أو .........
فالمتأمل الواعى
يجد أن ما يناقض الصلاة ويبطلها شئ ، وأن الصلاة وأركانها وماهيتها شئ أخر
ولا يقول عاقل أن الإحداث المناقض للصلاة هو أصل الصلاة أو أصل الفريضة
وهكذا بالنسبة للتوحيد كأصل هذا الدين العظيم
وهو الثابت على النحو المحكم القاطع كأركان وماهية ومعالم
ثم ما يناقض هذا التوحيد من شرك أو عدم مفاصلة الكافر أو تبديل شرائع أو إستهزاء بالدين أو ........أو ........ أو ......... شئ أخر

ومن هنا نجد أن ما يناقض التوحيد قد يرد عليه التخصيص والتقييد والإستثناء ..
وهكذا فالشرك منه أكبر ومنه أصغر وهذا تخصيص
والكفر منه ما هو كفر التأويل ، وكفر المآل ، وكفر دون كفر . وهذا تقييد لمطلق الكفر
وكلمة الكفر فى ظل الإكراه لا يؤآخذ بها المرء وهذا استثناء
فإصرار شيخ ضياء ومن معه على مناقشة القضايا وفق تصورات خاطئة ومسميات خاطئة ومحاكمة ما جاءت
به الشريعة إلى هذه الظنون والأوهام والقصور فى العلم والأحكام ، جميع ذلك مما يوردهم المهالك و مما قد
يقعوا به تحت طائلة المؤاخذة الشديدة والوعيد الأليم لمن تكلم بغير علم وقال على الله وفى دينه بغير برهان .
ثم إن إنكار ما جاءت الشريعة بإثباته واضحا صريحا كحكم التبعية ووسائل الحكم علي الناس ... 
كيف يهون فى نظر أصحاب الدين ، وكيف يهون هذا الفعل بزعم أن ما أنكروه ليس من أصل الدين أو
بزعم التأويل )ولا اجتهاد مع النص الصريح(
أليس هذا من العبث بالأحكام وتضييع للأديان وتبديل للشرائع
وإذا كانت الأحكام الناصة على كفر )الجاحد ( للشريعة ومن ) أبى واستكبر( عن الإنقياد لها .. لم تشمل
أمثال هؤلاء المتوقفين ، فهل هى قد اقتصرت على كفر ابليس وفرعون فقط حتى إذا اتبع مذهبهم من اتبع
من اصدقاؤنا فلا شئ عليه
إن المخالفة فى الرأى لا يفسد للود قضية إذا تعلق الأمر بالرأى والاجتهاد فى القضايا الظنية 
أما إذا تعلق الأمر بإنكار ما ثبت من أحكام على النحو الصريح بل والذى تعددت أدلته ، فذلك هو
الجحود والاستكبار بل والمعاندة لأحكام الشريعة


اقول ((المنتصر بالله ))
اما انكار او جحد شيء من الشريعة فهذا لا يتطلب ان يكون الامر المجحود او المنكر صغيراً في الشريعة او كبيراً في الشريعة , بل يكفي مجرد العلم بصحة هذا الامر وثبوته في أي امر مهما صغر حجمه ليكفر جاحده او منكره ولو انكر حل الخبز او حل الماء فلا مجال للاستدلال هنا على كفر من خالف في احكام التبعية بعد ما ذكرناه من كلام اهل العلم والا فهي المكابرة والعناد والله المستعان على امر
ه

وأضل منه من يقر بالأدلة وكثرتها وتعددها وصحتها في هذا الشأن ، ثم يلتمس العذر لمنكرها وجاحدها ،
كما أقر بذلك شيخ ضياء في آخر صفحات رده عندما قال
: ولا نريد منك نصًا يثبت حكم التبعية فنحن
عندنا من الأدلة على هذا أكثر مما ذكرته في كتابك . أ.ه

كيف بعد هذا الإقرار بكثرة أدلة المبدأ ثم يلتمس العذر لمنكره وجاحده !!!
فكيف إذا تعلق الأمر بعد ذلك منهم بالشك فى كفر الكافرين والدفاع عن المجرمين والمجادلة بالباطل عنهم
.
هذا هو حال أهل التوقف ومن يجادل عنهم
والله المستعان
***
(8)
و هذا الخطأ المنوه عنه في الفقرة السابقة من شيخ ضياء من عدم قدرته علي تمييز علاقة قضية الحكم
علي الناس بأصل الدين وأنها أحد ) الوسائل( التي يتوقف عليه العمل بركن المفاصلة أي )توحيد الطلب والقصد(
هذا الخطأ منه هو الحامل له علي سؤ الفهم وما كتب من قوله فى ص 58

بأن أصل الدين لا يقبل الاستثناء
قولك : وقد ثبت بالدليل الخاص خروج أفراد بأعيانهم عن حكم هذه القاعدة العامة أي التبعية
أقول )ضياء الدين ( : أصل الدين لا يقبل الاستثناءات . فلا يخرج من أصل الدين ما كان فيه بدليل خاص .
فإن كنت تقول يخرج .فهل لك يا شيخ أن تعطيني مثالاً واحدًا لشيء من أصل الدين استني منه شيء بد ليل
خاص . أ.ه
أقول
من الواضح أن الحديث كان عن (مبدأ التبعية وأدلتها ) وكيف يخرج عن حكمها من يخرج بالدليل الخاص )من نص أو دلالة (
وبالتالي فإن شيخ ضياء يعترض علي ذلك بادعاء أننا نقول بأن مبدأ التبعية هو أصل الدين
وقد جمع شيخ ضياء في ذلك القول بين أخطاء متعددة تثبت أنه فاقد للقدرة الحقيقية علي التركيز و فهم المعاني
وتصور المسائل مما يشرحه أهل العلم أو مما جاءت به النصوص وهذا جميعه واضح في طول وعرض رسائله ،
أما في هذه الفقرة فقد جمع بين :
-1 الكذب علينا حين ادعي أننا نقول أن التبعية هي بذاتها أصل الدين

فدل بذلك علي عدم علمه بالحقيقة الشرعية الكبري أن الدين مقاصد ووسائل وأن التبعية جزء من قضية
الحكم علي الناس وهي الوسيلة المقررة شرعا لتحديد مسلمهم وكافرهم

-2 كما دل علي أنه لا يعلم بوضوح أصل الدين مما يناقضه
***
ومن ثم فالقارئ لما كتبه شيخ ضياء في ص 6 عندما قال
:
قولك : القاعدة الثانية: ) أن للوسائل نفس حكم المقاصد(

من المستقر أصوليًا أن للأحكام الشرعية مقاصد ) أي غايات( ووسائل لتحقيق هذه المقاصد والغايات، ولذا
فإنه من المقرر والمستقر أصوليا أن للوسائل نفس حكم المقاصد، وسواء جاء ذكر هذه الوسائل في النص الآمر
أو في نص مستقل أو لم يرد – حيث يعد النص الآمر بالحكم الأصلي هو بذاته الموجب لأداء هذه الوسائل
والتي لا يمكن تحقيق التكليف الأساسي إلا بها.

أقول : ضياء الدين : تكفير مجهول الحال في دار الحرب وسيلة لماذا ؟
ومنذ متى أصبح تكفير المجهول في دار الحرب من مقاصد الشريعة أو من وسائلها ؟
هكذا تاهت الحقائق الشرعية عن نظر شيخ ضياء ،فكان ذلك سببا في مثل هذا الصياح منه واستنكار أن يكون
تكفير الكافر(مما يسميه مجهول الحال ( لا من أصل الدين ولا من وسائل تحقيق المفاصلة أو )توحيد الطلب والقصد( .
والدين عامة مقاصد ووسائل ولا ثالث لهما فإذا خرج الحكم علي )مجهول الحال( عن مقاصد الدين أو وسائله
كما يدعي شيخ ضياء ، لكان معني ذلك أن حكم هذا الذي يدعيه شيخ ضياء ) مجهول الحال ( ليس من الدين
في شئ ألبته ...
بل صار المتكلم في حكم مجهول الحال الذي يدعيه شيخ ضياء ، متكلم في أمر خارج عن الديانة ، ولعل هذا
هو السبب الذي بناء عليه يدعي شيخ ضياء أن الله لم يكلفنا بالحكم علي مجهول الحال
***
ثم إن الحديث كان عن المبادئ العامة والقواعد المنظمة لقضية الحكم علي الناس
وأن هذه القواعد حاكمة لعموم الأفراد إلا ما يخرج عن حكم القاعدة العامة بالدليل الخاص .
فانظر كيف يصر شيخ ضياء على إبطال قدسية القواعد العامة والمبادئ الكلية الحاكمة بادعاء أنها من
)أصل الدين ( أو ) من غير أصل الدين(
فهل من أنكر شئ من أصل الدين يكفر ، ومن أنكر أحد قواعد الإسلام الأساسية لا يكفر ؟
من أين أتى بهذه النظرة التى ظن أنها علمية !!
أن أبجديات الفهم عن الله تعالي ورسوله صلى الله عليه وسلم تقضي بأن كل من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة كفر ولو لم
يتعلق الأمر بأصل الدين ، بل لو أنكر أحد الناس حل الخبز لكفر بهذا
.
وقد كفّر علماء أهل السنة طوائف من الخوارج عندما أنكروا الرجم عن الزاني المحصن تعلقا بظاهر القرآن
ونبذا للثابت بالسنة ،
فكيف هان علي شيخ ضياء قدسية القواعد العامة والمبادئ الرئيسية فى شريعة الإسلام حتى يرى أن إنكارها لا
يعد أمرا خطيرا ، وأن من أنكرها لا شئ عليه مادامت لا تسمى أصل الدين ،
ولم يشفع لهذه الأحكام والقواعد عنده أنها أحد )الوسائل الشرعية( الرئيسية المقررة للعمل بأصل الدين فى
)دنيا الواقع ( وأنه لا سبيل ولا وسيلة مقررة شرعا فى ذلك إلا بذلك ، فلها ما لأصل الدين من قدسية واحترام
وإلزام وأحكام ، لأن الأمر بالشئ أمر به وبما لا يتم إلا به من وسائل ، يعلم هذا من يعلمه ويجهله من يجهله
دون أن يغير ذلك من طبيعة هذه الأحكام شئ والله أعلم .

فهذا الرجل غير عابئ بالنصوص والقواعد والأصول والمقاصد الشرعية والوسائل المؤدية إليها ..
أن ما سبق تقريره عن قضية الحكم على الناس ) ومن معالمها مبدأ التبعية( هو ما تم تدوينه بالفعل 
بكتاب ) التوقف بين الشك واليقين( بصدد شرح المقدمة الثالثة ص9 /8 والتى كانت بعنوان ) علاقة قضية الحكم على الناس بالتوحيد ( فإذا تقرر أن لقضية الحكم على الناس علاقة أساسية بالتوحيد وأصل الدين فهل
هذا يعنى أن مناقشة معالم قضية ) الحكم على الناس( هى مناقشة صلب موضوع التوحيد )توحيد الربوبية
وتوحيد الألوهية (
إن قضية ) الحكم على الناس( هي أحد الوسائل الرئيسية المحققه لأحد معالم التوحيد الرئيسية وأصل الدين وهو
المعلم المتعلق بالبراءة من المشركين ومفاصلتهم المنصوص عليها بسورة الإخلاص )الكافرون( وغيرها .
- فإذا لم يقنع الناظر في الشريعة بما أوردته الشريعة من مسالك ووسائل لتحقيق مقاصدها الأساسية . فليختار ما
يشاء من وسائل أخرى أولى بالاعتبار فى نظره المريض من تلك الوسائل التي دلت عليها الشريعة وألزمت بها المكلفين ، ولكن إذا خالف صاحب الرأي الثمرة المنشودة في النظر الشرعي ) وهى الغايات( بحيث ينقلب بين
يديه الخبيث إلى طيب وأن المشرك صار مسلما بالمخالفة للميزان الشرعي المقرر للأحكام فذلك مالا تقبله
الشريعة ولا تقر صاحبه عليه :

فأحد أخطر مواطن سوء الفهم لدى شيخ ضياء فى قضيتنا هذه ما صار يردده كثيرا عن مناقشته لمبدأ التبعية من
أنها ) أصل الدين( عندنا أي صلبه الذي في زعمه لا يقبل التخصيص أو الإستثناء ...
فالشيخ ضياء لم ينصف نفسه بقرأته ما ورد فى مقدمة الكتاب عن ) علاقة قضية الحكم على الناس بالتوحيد(
ليعلم أن التبعية كأحد معالم قضية الحكم على الناس ما هى إلا الوسائل الشرعية المقررة والمنصوص عليها))انتهى
 الباب الرابع
قاعدة خطاب التكليف، وخطاب الوضع
والحكم التقديري او التقادير الشرعية


مما تقدم يتبين أن ما لا يتم الواجب إلا به هو
إما انه جزء من أجزاء الواجب
أو شرط من شروطه الشرعية
أو ضروراته العقلية أو الحسية
لا تنفك عن هذه الثلاثة

فالأول واجب بخطاب الاقتضاء
(إذا كان من أجزاء الواجب)
والثاني بخطاب الوضع
(إذا كان من شروطه الشرعية يعني انه إما سبب أو شرط أو مانع )
والثالث لا خطاب فيه فلا وجوب فيه لأن الوجوب من أحكام الشرع

و أهل العلم يفرقون بين ما إذا كان الشئ الذي لا يتم الواجب إلا به هو من أجزاء الواجب أي جزء منه لا ينفصل عنه

أو من شروطه الشرعية
إذا طبقنا هذا الفهم على طرق الحكم على الناس وعلاقتها بأصل الدين بالنظر إلى قاعدة مالا يتم الواجب إلا به فنقول
أن ما لا يتم أصل الدين (الواجب) إلا به وهو طرق الحكم على الناس
إما أنها جزء من أجزاء الواجب وهو اصل الدين
أومن ان طرق الحكم على الناس شرط من شروطه الشرعية
أو من ضروراته العقلية أو الحسية

فالأول وهي كونها جزء من أصل الدين فهذا مالا يتحقق في طرق الحكم على الناس لأنهم قالوا أنها ليست من أصل الدين بل هي مما لا يتم أصل الدين إلا به ولأنهم لا يمكنهم القول أنها من أصل الدين لأنه لا دليل عندهم علي ذلك.

وإما أن تكون طرق الحكم على الناس شرط من شروط أصل الدين الشرعية
أو من ضروراته العقلية والحسيه.
فإذا كانت طرق الحكم على الناس جزء من أجزاء الواجب وهو أصل الدين
وهي مما يتوقف عليها مبدأ المفاصلة بين المشركين والمسلمين وهو الواجب
فهو إما أن يكون توقفها عليه في وجوبه
أو في إيقاعه بعد تحقق وجوبه

فإذا كانت طرق الحكم على الناس مما يتوقف عليه إيجاب الواجب وهو المفاصلة بين المشركين والمسلمين
فلا يجب بالإجماع لأن الأمر حينئذ مقيد لا مطلق وسواء كان سببا أو شرطا أو انتفاء مانع فالسبب كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة فلا يجب تحصيله على المكلف لتجب عليه الزكاة والشرط كالإقامة هي شرط لوجوب أداء الصوم فلا يجب تحصيلها إذا عرض مقتضى السفر يجب عليه فعل السفر والمانع كالدين فلا يجب نفيه لتجب الزكاة
وعل هذا قس طرق الحكم على الناس فإنها إذا كان الوجوب متوقف عليها فلا تجب بالإجماع لأنها خارجه عن تحصيل المكلف لكونها من خطاب الوضع وليست من خطاب التكليف
وأما إذا كانت طرق الحكم على الناس مما يتوقف عليه إيقاع الواجب ودخوله في الوجود بعد تحقق الوجوب
فإن كانت جزءا من التوحيد ومن أصل الدين وهذا مالا دليل عليه فلا خلاف في وجوبها لأن الأمر بالماهية المركبة أمر بكل واحد من أجزائها ضمنا

وإنما الخلاف إذا كانت طرق الحكم على الناس خارجة عن الواجب وهو مبدأ المفاصلة بين المشركين والمسلمين
كالشرط والسبب
كما إذا تقرر أن الطهارة شرط ثم ورد الأمر بالصلاة فهل يدل الأمر بها على اشتراط الطهارة
هذا موضع النزاع
ولهذا عبر بعضهم عنه بالمقدمة لأن المقدمة خارجة عن الشيء متقدمة عليه بخلاف الجزء فإنه داخل فيه كما ذكر الإمام الزركشي فيما نقلناه عنه

ولكن ما هو خطاب الاقتضاء أو خطاب التكليف ؟
وما هو خطاب الوضع ؟
وما علاقتهما بمسألتنا هذه ؟؟



لعل من ابسط التعريفات لخطاب الوضع وخطاب التكليف هو ما جاء في كتاب شرح بلوغ المرام - (40 / 4) حين قال :
خطاب الشرع ينقسم إلى قسمين: خطاب التكليف، وخطاب الوضع.
فخطاب التكليف هو: الذي فيه الأمر والنهي بالتشريع أو التحريم.
وخطاب الوضع هو: العلامة أو الشرط أو المانع المتعلق بهذا العمل الذي كُلف به المسلم.) انتهي

فخطاب التكليف في مسألتنا هذه هو انه يجب عليك تكفير الكافر إذا توفرت أسباب أو تحققت شروط أو انتفت موانع
وخطاب الوضع هو متي رأيت من شخص فعل أو قول أو اعتقاد وهذا كله خارج عن قدرتك وعن تكليفك لأنه من فعل الغير وليس من فعلك عندها فقط يكون السبب قد وقع والشرط قد تحقق ويجب عليك بعدها أن تكفر الذي ارتكب السبب الذي رتب عليه الشارع حكم الكفر
لكن إذا كان فعل الغير هو من خطاب الوضع الذي لا يجب فيه علم المكلف ولا قدرته ولا تحصيله , فهل أحكام تبعية الأطفال لآبائهم وتبعية المكلفين لديارهم أو أقوامهم هل هي من خطاب الوضع وما هي حجيتها إذا كانت كذلك هل هي بنفس قوة السبب والشرط الذي رتب الشارع عليه الأحكام؟؟
أم أنها تختلف عنها في حجيتها وقوتها ؟؟

يقول الإمام القرافي
أنوار البروق في أنواع الفروق - (2 / 173)
( الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع ) وهذا الفرق أيضا عظيم القدر جليل الخطر وبتحقيقه تنفرج أمور عظيمة من الإشكالات وترد إشكالات عظيمة أيضا في بعض الفروع وسأبين لك ذلك في هذا الفرق إن شاء الله تعالى وتحرير القاعدتين أن خطاب التكليف في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة مع أن أصل هذه اللفظة أن لا تطلق إلا على التحريم والوجوب لأنها مشتقة من الكلفة ، والكلفة لم توجد إلا فيهما لأجل الحمل على الفعل أو الترك خوف العقاب وأما ما عداهما فالمكلف في سعة لعدم المؤاخذة فلا كلفة حينئذ غير أن جماعة يتوسعون في إطلاق اللفظ على الجميع تغليبا للبعض على البعض فهذا خطاب التكليف.

وأما خطاب الوضع فهو خطاب بنصب الأسباب كالزوال ورؤية الهلال ونصب الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة ونصب الموانع كالحيض مانع من الصلاة والقتل مانع من الميراث ونصب التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم ، أو المعدوم حكم الموجود كما نقدر رفع الإباحة بالرد بالعيب بعد ثبوتها قبل الرد)انتهى

وجاء في شرح الأربعين النووية - (57 / 3)
يقول علماء الأصول: إن خطاب الله للعباد ينقسم إلى قسمين: خطاب تكليف، وخطاب وضع، فخطاب التكليف هو الذي فيه أمر بفعل: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } [البقرة:43] { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة:183] { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [آل عمران:97] { لا تَقْرَبُوا الزِّنَى } [الإسراء:32] { لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ } [الإسراء:33] كل هذه من باب خطاب التكليف أمراً أو نهياً.
أما خطاب الوضع: فهو بيان إما لشرط أو لسبب أو لزمن، لإيقاع ذلك الواجب الذي كلف به العباد،
فمثلاً: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة:183]
متى نصوم؟ { شَهْرُ رَمَضَانَ } [البقرة:185]،
{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ } [آل عمران:97]
متى نحج؟ { أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } [البقرة:197]،
{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } [البقرة:110]




متى نقيمها؟ (( لدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ))[الإسراء:78]،انتهى




البحر المحيط في أصول الفقه - (1 / 250)
تنبيه هذه الأنواع الثلاثة متفق على أنها من خطاب الوضع عند القائلين به وزاد الآمدي وغيره أربعة أنواع وهي الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة وسنذكرها وزاد القرافي نوعين آخرين وهما التقديرات الشرعية والحجاج أما الأول فهو إعطاء الموجود حكم المعدوم كالماء في حق المريض الخائف وعكسه كالمقتول يورث عنه الدية وإنما تجب بموته ولا يورث عنه إلا إذا دخلت في ملكه وبعد موته لا يملك فيقدر دخولها في ملكه قبل موته حتى ينتقل لوارثه فقدرنا المعدوم موجودا للضرورة .
وقال ابن التلمساني الحكم التقديري ينقسم إلى تقدير صفة شرعية في المحل يظهر أثرها كتقدير ملك النكاح واليمين وإلى تقدير أعيان محسوسة كتقدير الدراهم في الذمة قال ومن العلماء من لا يثبت هذه التقادير ويقول حكم الفرع في المحل هو نفس ما ادعى كونه أمرا أما تقدير صفات موجبه لها فإثبات ما لا دليل عليه ومن هذا النمط قولهم الحدث أمر مقدر في أعضاء المحدث أثره المنع من الصلاة وأما الحجاج فهي التي يستند إليها القضاة في الأحكام كالبينة والإقرار واليمين مع النكول أو مع الشاهد الواحد فإذا نهضت تلك الحجة عند القاضي وجب عليه الحكم وهذا في الحقيقة راجع إلى السبب) انتهى.

اذا خطاب الشرع نوعان خطاب تكليف هو: الذي فيه الأمر والنهي بالتحليل أو التحريم.
وخطاب الوضع هو: العلامة أو الشرط أو المانع المتعلق بهذا العمل الذي كُلف به المسلم , وزاد الآمدي وغيره أربعة أنواع وهي الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة وزاد القرافي نوعين آخرين وهما التقديرات الشرعية والحجاج.
وكلامنا هنا عن خطاب الوضع
فإن معنى خطاب الوضع كما قال القرافي هو قول صاحب الشرع اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك هذا في السبب أو يقول عدم كذا في وجود المانع أو عند عدم الشرط .
ثم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه بخلاف خطاب الوضع لا يشترط ذلك فيه إلا في موضعين كما ذكر القرافي ولهذا يتابع القرافي في موضع أخر موضحا خطاب الوضع فيقول ....
وأما عدم مناسبة الاشتراط في خطاب الوضع فإنه ليس معناه إلا أن الشارع ربط هذا الحكم بهذا الأمر أو بعدمه وذلك لا يستلزم تعذرا من المكلف من حيث إنه ليس بلازم أن يكون من فعله ولا من كسبه وأما عدم اطراده فواضح كما في زوال الشمس مثلا وفي كل سبب ليس من فعل المكلف .
فخطاب الوضع إذا لا يلزم فيه كونه من فعل المكلف أو من كسبه , حتى تجري عليه الأحكام المتعلقة بهذا الخطاب , وهذا هو حال أنواع خطاب الوضع وهي السبب والشرط والمانع وزاد بعض أهل العلم الرخصة والعزيمة والصحة والبطلان وزاد القرافي أيضا التقادير الشرعية والحجاج.
وسنتكلم هنا عن التقادير الشرعية لتعلقها بموضوع البحث وهو إعطاء حكم الكفر مع عدم وجود الكفر حقيقة من أطفال المشركين وإعطاء حكم الإسلام مع عدم وجود الإسلام حقيقة من أطفال المسلمين وهو ما يسمي في عرف الفقهاء بإعطاء المعدوم حكم الموجود وبصورة أخري هو اعتبار وجود الأمر حكما مع عدمه حقيقة .

مجلة مجمع الفقه الإسلامي - (4 / 1467)
الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين أساسيين :
أحكام تعود إلى خطاب الوضع : على معنى أن الشارع وضع الحكم دون اعتبار لإرادة المكلف أو غفلته ودون اعتبار لعلمه أو جهله فيكون مناطا للحكم بوضع الشارع. وهذه هي الأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية.
أحكام تعود إلى خطاب التكليف أي لا بد من مراعاة إرادة المكلف واختياره وكونه عاقلا بالغا وهي الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والإباحة والكراهة والندب .
جاء في كتاب الذخيرة - (5 / 306)
والتقدير من الأمور العامة في الشرع فأبسط القول فيه فأقول : التقدير إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود
فإعطاء المعدوم حكم الموجود كإيمان الصبيان قبل تعلمهم وكذلك البالغون حالة الغفلة وكفر أطفال الكفار وعدالة الشهود حالة الغفلة وكذلك فسق الفساق والإخلاص والرياء فيمن مات على شيء من هذه الصفات فالشرع يحكم عليهم بهذه الصفات حالة عدمها وتجري عليهم أحكامها))انتهى



وكما لا يخفي فأهل العلم يتكلمون هنا عن حكم أطفال المشركين في الدنيا وهو الكفر حتى لا يقول احدهم إن هذا كلام عن الحكم الأخروي أو حكمهم في الأخرة أو عند الله كما يحاول أن يروج له محمد سلامي في ردوده التي سنذكرها لاحقاً بأذن الله .

وزاد الإمام العز بن عبد السلام الأمر توضيحاً في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام - (2 / 89)
حين تكلم عن قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها فقال..

(قال عليه السلام: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وهذا حث منه عليه السلام على ترك المشتبهات.
اعلم أن التحليل والتحريم والإباحة والندب والإيجاب والكراهة ليس لها متعلق إلا أفعال العباد المقدور عليها أو على التسبب لها، ولا يطلب الشرع من الأفعال والتروك إلا ما يقدر المكلف عليه كما لا يجده إلا في مقدور عليه، فليس وصف الأفعال بالتحليل والتحريم والكراهة والندب والإيجاب وصفا حقيقيا قائما بالأفعال إذ لا يقوم عرض بعرض، ولا يقع التكليف إلا بالأعراض، وإنما هو عبارة عن تعلق الشرع بالأفعال، وكذلك الوصف بالسببية والشرطية والمانعية والرق والحرية والملك والاختصاص، فالمملوك ما ثبت له أحكام الملك، والحر من ثبتت له أحكام الحرية، والرقيق من ثبتت له أحكام الرق، والوقف ما ثبتت له أحكام الوقف، بخلاف المسلم والكافر والبر والفاجر فإن الإسلام والكفر والبر والفجور أوصاف حقيقية قائمة بالمحل، وإطلاق أسمائها على النائم والمجنون والغافل عنها إنما هو من مجاز تسمية الشيء بما كان عليه، والوصف بها في حال الغفلة عنها كالوصف بالرق والحرية، وإجراء الأحكام عليها من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود على ما سنذكره عقيب هذه القاعدة إن شاء الله)انتهى

فالأمام هنا يوضح لنا حقيقتين
الأولي وهي انه ليس وصف الأفعال بالتحليل والتحريم هو وصفا حقيقيا قائما بالأفعال وإنما هو عبارة عن تعلق الشرع بالأفعال، وكذلك الوصف بالسببية والشرطية والمانعية والرق والحرية والملك والاختصاص, وهي من خطاب الوضع كما بينا كلها ليست أوصافا حقيقة قائمة بالأفعال .

والحقيقة الثانية هي: إن الإسلام والكفر والبر والفجور أوصاف حقيقية قائمة بالمحل، وإطلاق أسمائها على النائم والمجنون والغافل عنها إنما هو من مجاز تسمية الشيء بما كان عليه، والوصف بها في حال الغفلة عنها كالوصف بالرق والحرية، وإجراء الأحكام عليها من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود.

إذا هناك أوصاف ليست حقيقة ولا تعلق لها بالمحل , مثل كون الشيء سببا أو شرطا أو مانعا لشي أخر ..
وهناك أوصاف حقيقة متعلقة بالمحل كالإسلام والكفر والفسوق والفجور.
وهذه الأوصاف الحقيقية قد تتغير وتصبح أوصافا غير حقيقية في حالة الغفلة عنها أو عدم اقترافها كما في حال الأطفال وإجراء الأحكام عليها هو من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود, كما في حال أحكام التبعية, ولهذا قيل في حقها انها من باب وجود الأمر حكما مع عدمه حقيقة .
ولهذا قيل في التقدير إنه خلاف للأصل لا يجوز الذهاب اليه إلا إذا دعت الضرورة بأن يدل الدليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه.

جاء في أنوار البروق في أنواع الفروق - (6 / 189)
والذمة وأهلية التصرف من القسم الثاني وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود فإنه لا شيء في المحل من الصفات الموجودة كالألوان والطعوم ونحوهما من الصفات الموجودة وإنما هو نسبة خاصة يقدرها صاحب الشرع عند سببها موجودة وهي لا وجود لها ، بل هذا المعنى من التقدير فقط كما يقدر الملك في العتق وهو معدوم وكذلك هذه التقادير تذهب عند ذهاب أسبابها وتثبت عند تثبيت أسبابها كمتعلقات الخطاب في التحريم والإباحة وغيرهما والتعلقات أمور عدمية تقدر في المحال موجودة)انتهى

ولتوضيح هذا الكلام الذي ربما يكون مشكلا وصعبا عند البعض يقول
العز بن عبد السلام
في قواعد الأحكام في مصالح الأنام - (2 / 95)
فصل: في التقدير على خلاف التحقيق

التقدير إعطاء المعدوم حكم الموجود، أو الموجود حكم المعدوم، فأما إعطاء المعدوم حكم الموجود فله أمثلة.
أحدها: إيمان الصبيان في وقت الطفولة فإنهم لم يتصفوا به حقيقة وإنما قدر وجوده وأجري على ذلك الموجود المقدر أحكام الإيمان، وكذلك تقدير الإيمان في حق البالغين إذا غفلوا عنه أو زال إدراكهم بنوم أو إغماء أو جنون.

المثال الثاني: تقدير الكفر في أولاد الكفار مع أنهم لا يتعقلون إيمانا ولا كفرا وتجري عليهم في الدنيا أحكام آبائهم.
المثال الثالث: العدالة مقدرة في العدول إذا غفلوا عنها وزوال إدراكهم بنوم أو إغماء أو جنون.
المثال الرابع: الفسق يقدر في الفاسق مع غفلته عنه أو مع زوال الإدراك.
المثال الخامس: الإخلاص والرياء فإنهما يقدران مع زوالهما)انتهى

وجاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي - (196 / 9)ما يزيد الكلام السابق وضوحا حين قال ....
ولذلك قالوا: لهذه القواعد عدة فروع منها: أطفال المؤمنين، يأخذون حكم آبائهم مع أن الإيمان غير موجود، فأنت عندما تأتي إلى بلد وتجد فيه طفلاً لقيطاً لا يعرف أبواه، إن كان في بلدٍ مسلم فتقول: هذا ابن للمسلمين، وعليه فتعطيه حكم أبناء المسلمين، ولا تقل: هل هو مسلم؟ لأنه لم يكن عليه التكليف، وقد رُفِع عنه القلم كالنائم، قالوا: فننزل المعدوم منزلة الموجود)انتهى
وهذه التقادير التي ذكرنا لا يلجئ إليها إلا للضرورة بل وهناك من أهل العلم من لم يعتبرها وأنكر العمل بها
جاء في كتاب الفروق مع هوامشه - (2 / 327)
قاعدة التقادير وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود وقد تقدم بسطها في قاعدة خطاب الوضع نعم التقدير من حيث إنه خلاف الأصل لا يجوز إلا إذا دعت الضرورة إليه بأن يدل الدليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه وههنا قد دعت الضرورة إليه )انتهى


وفي شرح الكوكب المنير - (4 / 91)
قال الرازي: والحق أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للفقهاء البصريين.
قال صاحب تنقيح المحصول: أنكر الإمام وجمع تصوير التقدير في الشرع، فضلا عن التعليل به.
قال في شرح التحرير: قلت: الفروع الفقهية كثيرة بالتعليل بالأمور التقديرية، لا يكاد أن يكون عندهم في ذلك خلاف، وكأنها عندهم بمنزلة التحقيقيات. ألا ترى أن الحدث عندهم وصف وجودي مقدر قيامه بالأعضاء يرفعه الوضوء والغسل، ولا يرفعه التيمم ونحو ذلك!!)انتهى

وبعد هذه التوطئة ومعرفة حقيقة هذه الأحكام وكيفية تطبيقها نتكلم ألان عن أحكام التبعية بصورة عامة.




الباب الخامس

أحكام التبعية
رد على تعليقات محمد سلامي في موضوع تبعية الاطفال المشركين لآبائهم
وجعله هذا الحكم من اصل الدين



سنتكلم بحول الله في هذا الباب عن احكام التبعية , وهي احكام كثيرة ومتشعبة ومختلف فيها بصورة لا يمكن حصرها كما سنبين بعد قليل , منها ما يتعلق بتبعية الاطفال لآبائهم , ومنها ما يتعلق بتبعية الاشخاص للدار او لأقوامهم.
ومن احد اهم المآخذ على اصحاب هذه البدعة ايضاً, عدم تحديدهم لأحكام التبعية التي يكفر مخالفهم فيها, هل يتكلمون عن جميع انواع احكام التبعية, ام يتكلمون عن بعضها؟؟
وهل يكفر المخالف في احكام تبيعة الاطفال لآبائهم ؟
ام يكفر المخالف لأحكام تبعية البالغين لأقوامهم او للدار التي يعيشون فيها ؟ وقد يعتقد بعض مقلديهم ان هذا الامر ليس بذي بال اذ انهم يعتقدون بقطعية جميع هذه الاحكام بمعني ان مخالفتها كفر اذ انهم يعتقدون كما ذكرنا سابقا انها مما لا يتم الواجب الا به حسب زعمهم .
لكن الناظر الى تفاصيل هذه الاحكام يعرف قطعاً انها مما لا يكفر مخالفها ذلك لان اغلب هذه الاحكام سواء المتعلق منها بتبعية الاطفال او بتبعية البالغين مختلف فيها بين اهل العلم وبصورة لا يمكن ان يخطئها المنصف .
ولن نكتفي في هذه المقدمة بمجرد الكلام الانشائي كما يفعل مخالفينا بل سنثبت صدق دعوانا وصحة قولنا بتوضيح هذا الاختلاف في هذه الاحكام حتى لانترك للمخالف حجة بعد هذا البيان بحول الله

ولنبدأ بمسألة طال الحديث عنها وهي مسألة تبعية الاطفال في احكام الدنيا الى ابائهم , وسنذكر اولا تفاصيل هذه الاحكام ثم نبين اقوال اهل العلم المختلفة في كل مسألة , والتي ذكر بعض المعاصرين انها تصل الى سبعة وعشرين مسألة وحكم مختلف يتعلق كل منها بالحالة التي يوجد فيها الطفل .
فوجوده مع ابويه له حكم , ووجوده مع احدهما له حكم اخر , ووجوده بدونهما له حكم ثالث , ووجوده مع احد اقربائه له حكم رابع وغيره من التفاصيل التي يقول اصحاب هذه البدعة انه مما لا يتم اصل الدين الا بمعرفتها .

وسنري تفاصيلها والاقوال المختلف فيها في كل مسألة على حدى ونترك للمخالفين ان يسألوا انفسهم هل يعرفون هذه التفاصيل ام يجهلونها ؟؟
فاذا كانوا يعرفونها فلماذا لم يذكروها عند دعوتهم الناس للتوحيد ؟؟
واما اذا كانوا يجهلونها فانهم يشهدون على انفسهم حينها بانهم لم يتموا اصل دينهم بعد.
ولننظر لقول بعض دعاتهم وهو محمد سلامي وهو ينسب هذا الاعتقاد لرسول الله صلي الله عليه وسلم ويحاول أن يربط بين فعله صلي الله عليه وسلم وبين كون هذا الأمر من أصل الدين هكذا بدون النظر إلى القواعد التي يمكن بها معرفة لماذا حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم على أطفال المشركين بحكم أبائهم وكيف فهم صحابته الكرام وأهل العلم من بعده هذه القواعد
يقول محمد سلامي في رسالة له هي رد على رسالة أخري
اسمها(تعليقات على رسالة

القول بأن الحكم بتبعية الأطفال لآبائهم من أصل الدين

لابد قبل البحث في العلل والمناطات وتقعيد القواعد أن ننظر في عمل النبي صلى الله عليه وسلم ونضع وفقه قواعدنا، وإلا فإننا سنخرج بعقيدة أخرى غير عقيدته، ولو أخذنا بهذه المقدمات اللغوية لوجب الحكم بإسلام الصغير مطلقا بغض النظر عن أبويه، بما أن لفظ الكافر يطلق حقيقة على من قام بفعل الكفر.
وللزم القول أن التكفير الذي هو من أصل الدين وتقوم عليه (لا إله إلا الله) هو تكفير من عُرف كفره بين الكفار شخصيا، بينما النبي صلى الله عليه وسلم اعتقد في كفرهم جميعا من أظهر الكفر ومن لم يظهره من كبير أو صغير تابع لهم، وبالتالي فمن يفرّق بين طائفة وطائفة وبين حالة وحالة عليه بالدليل المسبق، لا أن يفرضه كقاعدة مسلّمة ينطلق منها.) انتهي قوله

ويا ليته ذكر لنا عن أي حالة يتكلم من حالات تبعية الأطفال المشركين إلى أبائهم وهل كلها تدخل في أصل الدين أم إن هناك مالا يدخل في أصل الدين وما يدخل في أصل الدين حتى نتمكن من اجتنابه وتعلمه وتعليمه للناس !!!!!!

بل ويطلق العنان لأفكاره ويقول بكل ثقة مرددا حاسماً أمره مرتبا قواعد شرعية لا أصل لها ولا دليل عليها فيقول مثلا
((الخلاف في الكفر خلاف في أصل الدين والخلاف في أصل الدين كفر، وأصل الدين هو كل ما ينتفي الإسلام بانتفائه، ولا يمكن أن يكون أمر من الكفر ويختلف فيه مسلمان.) انتهى كلامه

فلا ندري من أين له بهذه القاعدة التي تقول هكذا بإطلاق أن الخلاف في الكفر خلاف في أصل الدين وهذا كفر ؟؟؟؟؟
الله اكبر هل هكذا يتكلم في دين الله وتطلق الأحكام وتنزل القواعد الشرعية , بل وتكتب الكتب وتنشر البحوث وتملئ الصفحات بمثل هذه الإنشاءات التي لا دليل عليها لا من كتاب ولا من سنة , فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وهذه الرسالة حقيقة تحتاج إلى رد مفصل لكن أردنا فقط ضرب مثال على بعض شطحات القوم وجهلهم بقواعد الشرع الذي أوقعهم في كل هذه البدع والشبهات والعياذ بالله والتي سنبين لكم لاحقاً بعدها عن دين الله ومخالفتها لهدي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يدعون أنهم على دينه وعلى دين الأنبياء كما ذكرنا آنفا.
ولننظر إلى نقل أخر من هذه الرسالة التي تخلوا من أي دليل شرعي وكان صاحبها يتكلم عن موضوع في الاقتصاد أو الأدب وليس عن شئ من أصل الدين كفر به الموحدين واستحل به دمائهم وأعراضهم
يقول سلامي في هذه الرسالة نفسها
((من لم ينتبه لحقيقة ما اختلفوا فيه خرج من دائرة مسائلهم ووسع الخلاف إلى ما لا يختلف فيه مسلمان وهو حكم الطفل مطلقا، ويعتبره مسلما بسبب الفطرة فقط، أو يجعل حكمه خلافيا أو اجتهاديا.
لم يختلفوا في الطفل مطلقا كما وقع الآن، فلم يكن هناك من يقول أن عامة أولاد الكفار مسلمون لمجرد أنهم على الفطرة، وإنما كانت خلافاتهم من المسائل التي ينظر فيها القضاء، لمن يكون حق التكفل بتربية الطفل؟ هل يربى على الإسلام أم على الكفر؟ وكما يجب تكثير عدد المسلمين لا يجوز أن يُظلم كافر فيؤخذ منه ابنه ليربى على الإسلام.
لقد كانوا يفتون في مسائل القضاء في دولة الإسلام حيث المفتي هو القاضي أو يفتي للقاضي، وليس لمجرد الإعتقاد في حكم شخص معين كحالنا.
ولم يكن هناك طفل أسلم أبوه مثلا وفارق زوجته وأخذت ابنها معها لتربيه على الكفر ومع ذلك يقال أنه مسلم تبعا لأبيه، هذا لم يقع الخلاف فيه بهذا الشكل، ولا أن من أسلم جده تنتقل تبعيته إليه رغم أبويه الكافرين اللذين لا زالا يربيانه كما يربي سائر الكفار اليوم أبناءهم.
فحتى ولو قالوا أن الطفل إذا سبي مع أبويه يحكم بإسلامه فالمقصود أنه يربى على الإسلام ويجبر عليه، لا مجرد اعتقاد بإسلامه وإلغاء تبعيته لوالديه مع أنهما يربيانه على الكفر ولا نملك تصرفا فيه، فهذا لم يكن في دار الإسلام حيث الغلبة للمسلمين.)) انتهي

فارجوا أن تتذكروا كلامه هذا لأننا سنتوقف عنده لاحقاً لنري هل تكلم الرجل بعلم أم انه يحاول أن يتكلم فقط لمجرد الكلام والخلاف والانتصار لمذهب باطل والعياذ بالله , فالرجل يقول أن مقصود أهل العلم ليس أن الطفل يحكم بإسلامه , لكن مقصودهم انه يجبر على الإسلام , تذكروا هذا القول وهذا الكلام

ولنبدأ بعون الله في الحديث عن مسألة تبعية الاطفال لآبائهم في احكام الدنيا
فنقول وبالله التوفيق


ان هذه المسألة خاضعة لقواعد فقهية هي التي حددت احكامها وبينت لأهل العلم مواطن تطبيقها وشروط واسباب اجرائها على غير المكلفين ممن لا يجري عليهم الحكم بالكفر او بالأيمان لانهم فعلوا كفر او اظهروا ايمانا ًكأطفال المسلمين واطفال المشركين , بل تجري عليهم احكام الكفر و الأيمان في الدنيا من باب التقادير الشرعية , وهي اعطاء المعدوم حكم الموجود , وهي من خطاب الوضع وليست من خطاب التكليف بمعني انها مما لا يشترط في ثبوتها على الاشخاص العلم او القدرة لأنها ليست من كسبهم اصلا, وهو ما ينطبق على مسألة التبعية لأنها ليست من كسب الانسان وانما هي من باب التقادير الشرعية .
ولنبسط القول اكثر سنحاول الرجوع الى كلام اهل العلم عن هذه القواعد الشرعية
فهذه الأحكام يمكن تقسيمها الى قسمين
قسم ذكر كثير من اهل العلم انه لا نزاع فيه بين اهل العلم وهو حكم الاطفال اذا كانوا مع ابويهما الاحياء .
والقسم الاخر من هذه الاحكام وهو الذي يظهر الخلاف فيها بصورة واضحة وهو حكم الاطفال اذا كانوا مع احد الابوين او بدونهما , وهذا القسم اختلف فيه اهل العلم على اقوال كثيرة في كل حالة, كما سنذكره ان شاء الله .

وهذا ورغم ما ذكره كثير من اهل العلم عن القسم الاول بانه مما لا خلاف فيه بين المسلمين من ان احكام الاطفال تكون كأحكام ابائهم اذا كانوا احياء وكانوا معهم ولا يوجد ما يمنع النسب , رغم هذا القول الا اننا سنبين كيف اختلف او خالف بعض اهل العلم هذا الاتفاق وهذا القول الذي ذكر بن القيم وبن تيمية انه من المعلوم من شريعتنا بالضرورة, وهذا طبعا ما حاول محمد سلامي نفيه جملة وتفصيلا بدون دليل كعادة القوم , بل جعله من أصل الدين , فلا ندري ما سيكون حكمه على من سنذكر من أهل العلم ومن السلف الذين اعتقدوا بتأويل مثلا أن أطفال المشركين يحكم لهم بالإسلام قبل ان يشرع الجهاد ثم ظن هذا العالم أن هذا الحكم نسخ وأصبح يحكم لهم بالكفر , بمعني انه ظن أنهم كان يحكم لهم بأنهم مؤمنين قبل الجهاد .
فهل ينسخ أصل الدين يا محمد سلامي ؟؟
أم أن هذا العالم ليس على منهج النبوة ولا على دين الأنبياء ؟؟
وهذا الذي قاله بن تيميه حين ذكر عن هذا العالم انه ظن انه
(لكن ظن أن الحديث اقتضى أن يحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال : هذا منسوخ كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء والأطفال والمؤمن لا يسترق)
لكن محمد سلامي لم يتفطن لهذا بل وأنكر هذا.
وأصر أن هذا حكم من أصل الدين ومع هذا اعتقد احد السلف أنهم كانوا يحكم لهم بأنهم مؤمنين قبل الجهاد ولكن هذا الحكم نسخ !!!!
هل ينسخ أصل الدين يا محمد سلامي ؟؟
يقول محمد سلامي
((كان الأصل عند الصحابة أن أبناء الكفار منهم ولم يفرقوا بين الكبير والصغير، كما هو الحال عند كل البشر، فلا يرون أبناء أهل ملة من الملل إلا على دين آبائهم، وهذا هو الحال عند كل مسلم، فإذا بلغه حديث الفطرة أخرج مسألة الفطرة وحال الأطفال يوم القيامة، ويبقى الأصل على حاله لا يُنسخ به لأنه مسألة أخرى، هكذا تفسر المسألة بكل بساطة.))

يقول محمد سلامي
نعم، الشرائع تختلف من رسالة إلى أخرى وقد نزلت بالتدرج وقد يجهلها المسلم أو يتأول فيها، لكن لم يوجد في دين نبي من الأنبياء تفريق بين حكم الصغير وحكم الكبير في الدنيا، فأن يعمّ الحكم الصغير والكبير كما تقرون بذلك فإن التمييز بين الحكمين يتطلب دليلا مسبقا على ذلك.

ويقول بعدها
الخلاف بيننا ليس في كون حكم الطفل تبعا لوالديه في أحكام الدنيا ولا في كونه على الفطرة باطنا، ولكن في اعتبار ذلك الحكم الدنيوي من أصل الدين أو من فروع الشريعة التي لا يكفر مخالفها أو جاهلها، فهل في كلام العلماء إن صح الإستدلال به ما يشير إلى أنهم قالوا أن هذا يمكن أن يختلف فيه المسلمون؟ وهل كون الحكم تبعيا يخرجه من أصل الدين؟))
ثم انظروا كيف يتمادي في هذا الافتراء ويقول إن كل هذه النقولات إنما تتحدث عن الحكم على الحقيقة وليس عن حكم التبعية , فلا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله
يقول سلامي
((يجب التنبيه إلى أن هذه النقول تتحدث عن الفرق بين حكم التبعية والحكم على الحقيقة، وليس فيها ما يشير إلى أن أبناء الكفار مسلمون ولا إلى كون تكفيرهم دون أصل الدين، بل إن هذا المعنى الذي قد يتوهمه البعض هو الذي استندوا إلى بطلانه كونه منتفيا عند الجميع سواء الخوارج أو أهل السنة.
أما هذه الأحاديث فليس فيها أكثر من تقرير أمر الفطرة وأحكام القتال في حق الولدان كاستثناء من الكبار، أما حكمهم في الدنيا فكان مقررا أصلا كحكم الكبار، ولم يرد فيه نص يقرره ابتداء. ) انتهي كلامه
لعلنا نكتفي بهذا القدر الذي يبين للقارئ معتقد محمد سلامي في موضوع أطفال المشركين حتى إذا بينا أدلتنا لاحقا التي تدحض هذا الادعاء كان هذا كافيا بإذن الله لمن يقلدونه ليعرفوا الحق أن ارادو أن يتبعوه كما يقولون

ولننظر ألان إلى القسم الأول من أحكام التبعية والى كلام اهل العلم وكيف اجمعوا على ان الاطفال تبع لآبائهم في احكام الدنيا, وما هو دليلهم في ذلك ولماذا قالوا ان هذا مما علم بالاضطرار من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم ,رغم ان بعضهم قال ان هذا من التقادير الشرعية وهي اعطاء المعدوم حكم الموجود ؟
أي بمعني أنها خلاف للأصل

جاء في أنوار البروق في أنواع الفروق - (6 / 193)
والتعلقات أمور عدمية فيقدرها صاحب الشرع في المحل عند سببها موجودة وتكون من قبيل التقادير الشرعية التي هي إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود خلافا للأصل)انتهى

ثم رغم هذا الذي قيل لماذا خالف البعض الاخر مخالفة صريحة في هذا الامر كما نقله بن تيميه عن بن عبد البر حين قال (قال أبو عمر بن عبد البر اختلف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلافا كثيرا
وكذلك اختلفوا في الأطفال وحكمهم في الدنيا والآخرة))انتهى
ورغم كل هذا الخلاف وما سننقله ورغم الاقرار بان هذا مما يعلم بالاضطرار من شرعنا الا انهم لم يكفروا بعضهم البعض , ولم يذكر عنهم حتى تفسيق من خالفهم فضلا عن تكفيره وتكفير من لم يكفره .

نقول وبالله التوفيق
ان الاصل في هذه المسألة هو حديث الفطرة الذي جاء ذكره في صحيح البخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللهُ عَنْهُ_ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ»(صحيح البخاري)، و(صحيح مسلم)، ا.هـ.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي _رَحِمَهُ الله_:(شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي)، ص221-222.

«فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ عَنْ أَبَوَيْهِ هُوَ: دِينُ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الطِّفْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَافِلٍ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبَوَاهُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ _عَلَى الصَّحِيحِ_ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ وَتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ دِينَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ بِعَقْلِهِ هُوَ أَنَّهُ دِينٌ صَحِيحٌ.
ا.هـ.
وكلام الإمام أبي العز الحنفي ربما لا يرد على تسأولات محمد سلامي حين قال مستغرباً
((هل يصح أن يقال: نكفر الطفل بالتبعية ثم نكفره كبيرا لدينه ويختلف الحكمان، فأحد الحكمين لا يكفر مخالفه والثاني يكفر مخالفه؟
وهل هناك سن محدد لتحويله إلى أصل الدين؟ فلم يعرف المسلمون يوما التحقق من بلوغ أبناء الكفار لمعرفة إن كانوا كفارا تبعا أو استقلالا، وإنما كانوا ينظرون إليهم لمعرفة إن كانوا بالغين ليُسترقوا أو يقتلوا كما جرى مع بني قريظة، ومسألة التكفير كانت ثابتة في الحالتين، أما وفق قولكم فوجب البحث في ذلك.)) انتهي تسأوله

طبعا سيقول محمد سلامي هذا متفق عليه لأنه في أحكام الأخرة وفى الحكم على الحقيقة والحكم عند الله وليس في أحكام الدنيا
نقول - لا ليس هذا صحيحا بدليل أن أهل العلم يفرقون في الأحكام بين الصغير وبين العاقل الكبير في حالات لا حصر لها
فالكبير العاقل حكمه واحد لا يختلف فيه إذا كان كافرا سوا كان مع والديه أو مع أقاربه أو وحده وسواء كان حرا طليقا أو عبدا مملوكا
وأما الصغير فأحكامه مختلفة متشعبة لا تكاد تحصر كما سنبين
فكيف يقال أن أهل العلم لا يفرقون بين حكم الكبير وبين حكم الصغير
وإذا كان حكم الصغير من أصل الدين فهلا أراحونا من هذه الاختلافات والأحكام التي يصعب تتبعها وتذكر الخلاف فيها حتى لا يخطئ المسلم فيها ويخرج من الملة والعياذ بالله
سبحانك هذا بهتانا عظيم

قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص339.
«لَمَّا كَانَ الطِّفْلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ وَلِيٍّ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ، وَيَكُونُ تَابِعًا لَهُ، وَأَحَقُّ مَنْ نُصِبَ لِذَلِكَ الْأَبَوَانِ، إِذْ هُمَا السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ سِوَاهُمَا، فَكَانَا أَخَصَّ بِهِ، وَأَحَقَّ بِكَفَالَتِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْشَأَ عَلَى دِينِهِمَا كَمَا يَنْشَأُ عَلَى لُغَتِهِمَا،«فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ»، فَإِنْ كَانَا مُوَحِّدِينَ مُسْلِمِينَ رَبَّيَاهُ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْفِطْرَةُ الْخلقِيَّةُ وَتَرْبِيَةُ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَخْرَجَاهُ عَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا بِتَعْلِيمِهِ الشِّرْكَ وَتَرْبِيَتِهِ عَلَيْهِ، لِمَا سَبَقَ لَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ.
فَإِذَا نَشَأَ الطِّفْلُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ كَانَ عَلَى دِينِهِمَا شَرْعًا وَقَدَرًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَبَعِيَّتُهُ لِلْأَبَوَيْنِ بِمَوْتٍ، أَوِ انْقِطَاعِ نِسَبٍ كَوَلَدِ الزِّنَا، وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ، وَاللَّقِيطِ، وَالْمَسْبِيِّ، وَالْمَمْلُوكِ: فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الطِّفْلِ فِي هَذِهِ الْحَالِا.هـ.

ويوضح مسألة انقطاع النسب وتغير حكم الطفل والحكم بإسلامه عند بعض اهل العلم رغم ان ابويه على قيد الحياة
ما جاء في كتاب أحكام أهل الذمة - (3 / 6)
((فإن قيل: فيلزمكم أن تحكموا بإسلام أولاد الزنى من أهل الذمة لانقطاع أنسابهم من آبائهم.
قيل: قد التزمه أصحاب هذا القول وحكموا بإسلامهم طردا لهذه القاعدة وهذا ليس بجيد
فإن من انقطع نسبه من جهة أبيه قامت أمه مقام أبيه في التعصيب ولهذا تكون أمه وعصباتها عصبة له يرثون منه كما يرث الأب وعصباته لانقطاع نسبه من جهة الأب ويلزمهم على هذا أن يحكموا بإسلام ولد الذمي إذا لاعن عليه لانقطاع نسبه من جهة الأب وهذا لا نعلم قائله من السلف!.))انتهى كلام بن القيم
هل تذكرون كلام محمد سلامي حين قال
((أما حكمهم في الدنيا فكان مقررا أصلا كحكم الكبار، ولم يرد فيه نص يقرره ابتداء.))انتهى كلامه
فانظروا كيف ذكر بن القيم أن هناك من التزم القول بإسلام أطفال أهل الذمة إذا انقطع نسبهم بالزنا وذكر انه قول لم يقل به احد من السلف لكن هل هذا مخرج من الملة أو مخالف لأصل الدين ؟؟
سنري لاحقا رأيهم في هذا الكلام .

فانظر هنا مثلا للإمام بن القيم يقول ان ولد الزنا المقطوع النسب اختلف الفقهاء في حكمه وذلك لتعذر تبعيته لأبويه بسبب هذا الطارئ رغم ضعفه مقارنة بما ذكرنا من ان حكم الاطفال وتبعيتهم لآبائهم مما يعرف بالاضطرار ,وكذلك اللقيط والمسبي والمملوك, وهذا يبين لك ضعف حكم تبعية الاطفال لآبائهم وتأثره باي عارض يطرا عليه لأنه تقديري معدوم مخالف للأصل , بل وزاد بعض اهل العلم كما سنذكره لاحقاً ان الابوين المشركين اذا نسبا طفلهما الى الاسلام صار الطفل مسلما , رغم انه لم يفعل ما يوجب اسلامه لعدم بلوغه وقدرته على ذلك, ورغم استمرار تبعيته لهما حقيقة وانقطاعها حكماً,
فهل يسلم محمد سلامي بهذا أم يصر على أن هذا ليس هو دين الأنبياء وان الحكم بكفر أطفال المشركين هو من أصل الدين ؟؟
يقول محمد سلامي
((لا دلالة في كلام ابن حزم ولا في غيره من النقول التي قدمتها على أن أصحابها كانوا يعتقدون بأن أبناء الكفار لهم حكم آبائهم وأن من اعتقد بإسلامهم تأويلا لكونهم على الفطرة فهو مسلم، وإنما كانوا يردون على من اعتقد بكونهم كفارا باطنا، هذه هي مسائلهم التي اختلفوا فيها.)) انتهى كلام سلامي

وهذا الذي ذكره الامام بن القيم يشرحه ويفصله شيخة بن تيمية وفيه رد بليغ على كلام محمد سلامي الذي نقلناه عن عدم دلالة كلام اهل العلم على اسلام من تأول في مسألة الحكم بإسلام اطفال المشركين او اعتقد بإسلامهم في حالات معينة.
جاء في درء تعارض العقل والنقل ـ (8 / 389)
وكلام أحمد في أجوبة أخرى له يدل على أن الفطرة عنده الإسلام كما ذكر محمد بن نصر عنه أنه آخر قوليه
فإنه كان يقول إن صبيان أهل الحرب إذا سبوا بدون الأبوين كانوا مسلمين وإن كانوا معهما فهم على دينهما وإن سبوا مع أحدهما فعنه روايتان وكان يحتج بالحديث
قال أبو بكر الخلال في الجامع في كتاب أحكام أهل الملل أنبأ أبو بكر المروزي أن أبا عبد الله قال في سبي أهل الحرب إنهم مسلمون إذا كانوا صغارا وإن كانوا مع أحد الأبوين وكان يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأبواه يهودانه وينصرانه
قال وأما أهل الثغر فيقولون إذا كان مع أبويه إنهم يجبرونه على الإسلام
قال ونحن لا نذهب إلى هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
فأبواه يهودانه قال الخلال أنبأ عبد الملك الميموني قال سألت أبا عبد الله قبل الحبس أي قبل أن يحبس أحمد في محنة الجهمية عن الصغير يخرج من أرض الروم وليس معه أبواه قال إذا مات صلى عليه المسلمون قلت يكره على الإسلام
قال إذا كانوا صغارا يصلون عليه أكره من يليه إلا هم وحكمه حكمهم
قلت فإن كان معه أبواه قال إذا كان معه أبواه أو أحدهما لم يكره ودينه على دين أبويه
قلت إلى أي شيء يذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه قال نعم
قال وعمر بن عبد العزيز نادى به قال فرده إلى بلاد الروم إلا وحكمه حكمهم
قلت في الحديث كان معه أبواه قال لا وليس ينبغي إلا أن يكون معه أبواه قال الخلال ما رواه الميموني قول أول لأبي عبد الله ولذلك نقل إسحاق بن منصور أن أبا عبد الله قال إذا لم يكن معه أبواه فهو مسلم قلت لا يجبرون على الإسلام إذا كان معه أبواه أو أحدهما قال نعم
قال الخلال وقد روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خلق كلهم قال إذا كان مع أحد أبويه فهو مسلم وهؤلاء النفر سمعوا من أبي عبد الله بعد الحبس وبعضهم قبل وبعد والذي أذهب إليه ما رواه الجماعة
وقال الخلال ثنا أبو بكر المروزي قال قلت لأبي عبد الله إني كنت بواسط فسألوني عن الذي يموت هو وامرأته ويدعا طفلين ولهما عم ما تقول فيهما فإنهم قد كتبوا إلى البصرة فيها وقالوا إنهم قد كتبوا إليك فقال أكره أن أقول فيها برأي دع حتى أنظر لعل فيها عمن تقدم فلما كان بعد شهر عاودته فقال قد نظرت فيها فإذا قول النبي صلى الله عليه وسلم
فأبواه يهودانه وينصرانه وهذا ليس له أبوان قلت يجبر على الإسلام قال نعم هؤلاء مسلمون لقول النبي صلى الله عليه وسلم.........
((اقول المنتصر بالله_ انظر الى الامام احمد كيف اخذت منه المسألة شهر قبل ان يجد الجواب فهل يقول عاقل ان هذه الاحكام مما لا يتم اصل الدين الا بها او كما قال محمد سلامي ان الاصل عندهم كان كفر اطفال المشركين وان حكمهم حكم الكبار فهل يحتاج هذا الامر اذا كان حكمهم مثل حكم الكبار الى شهر حتى يعرف حكم المشرك الكبير ؟؟ سبحانك هذا بهتانا عظيم))
ونتابع النقل ......
وكذلك نقل يعقوب بن بختان قال أبو عبد الله الذمي إذا مات أبواه وهو صغير جبر على الإسلام وذكر الحديث
فأبواه يهودانه وينصرانه
ونقل عن عبد الكريم بن الهيثم العاقولي في المجوسيين يولد لهما ولد فيقولان هذا مسلم فيمكث خمس سنين ثم يتوفى قال ذاك يدفنه المسلمون قال النبي صلى الله عليه وسلم
فأبواه يهودانه وينصرانه
وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن قوم يزوجون بناتهم من قوم على أنه ما كان من ذكر فهو للرجل مسلم وما كان من أنثى فهي مشركة يهودية أو نصرانية أو مجوسية فقال يجبر هؤلاء من أبى منهم على الإسلام لأن آباءهم مسلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم
فأبواه يهودانه وينصرانه يردون كلهم إلى الإسلام
ومثل هذا كثير في أجوبته يحتج بالحديث على أن الطفل إنما يصير كافرا بأبويه فإذا لم يكن مع أبوين كافرين فهو مسلم
فلو لم تكن الفطرة الإسلام لم يكن بعدم أبويه يصير مسلما فإن الحديث إنما دل على أنه يولد على الفطرة ونقل عنه الميموني أن الفطرة هي الدين وهي الفطرة الأولى)) انتهى كلام بن تيميه
هل تذكرون كلام محمد سلامي السابق عن فهمه لكلام اهل العلم على انهم يقصدون الاجبار على الاسلام وتربيته على الاسلام ولا يقصدون الحكم بإسلام اطفال المشركين وكذلك حين قال سلامي
((يجب التنبيه إلى أن هذه النقول تتحدث عن الفرق بين حكم التبعية والحكم على الحقيقة، وليس فيها ما يشير إلى أن أبناء الكفار مسلمون ولا إلى كون تكفيرهم دون أصل الدين، بل إن هذا المعنى الذي قد يتوهمه البعض هو الذي استندوا إلى بطلانه كونه منتفيا عند الجميع سواء الخوارج أو أهل السنة.
أما هذه الأحاديث فليس فيها أكثر من تقرير أمر الفطرة وأحكام القتال في حق الولدان كاستثناء من الكبار، أما حكمهم في الدنيا فكان مقررا أصلا كحكم الكبار، ولم يرد فيه نص يقرره ابتداء. ) انتهي كلامه

فهل رأيتم كيف يخالف سلامي كلام الإمام احمد وكلام أهل العلم وفهمهم لهذا الحديث وكيف أنهم يقولون صراحة عن أطفال المشركين في بعض الحالات أنهم مسلمون وان حكمهم حكم الإسلام
يتابع الإمام بن تيميه كلامه فيقول
((((قال الخلال أخبرني الميموني أنه قال لأبي عبد الله كل مولود يولد على الفطرة يدخل عليه إذا كان أبواه معناه أن يكون حكمه حكم ما كانوا صغار فقال لي نعم ولكن يدخل عليك في هذا فتناظرنا بما يدخل علي من هذا القول وبما يكون بقوله قلت لأبي عبد الله فما تقول أنت فيها وإلى أي شيء تذهب قال إيش أقول أنا ما أدري أخبرك هي مسلمة كما ترى ثم قال لي والذي يقول كل مولود يولد على الفطرة ينظر أيضا إلى الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها قلت له فما الفطرة الأولى هي الدين قال لي نعم
فمن الناس من يحتج بالفطرة الأولى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم
كل مولود يولد على الفطرة قلت لأبي عبد الله فما تقول لأعرف قولك قال أقول إنه على الفطرة الأولى
فجوابه أنه على الفطرة الأولى وقوله إنها الدين يوافق بأنه على دين الإسلام
وأما جواب أحمد أنه على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة الذي ذكر محمد بن نصر أنه كان يقول به ثم تركه

فقال الخلال أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قال لأبي عبد الله كل مولود يولد على الفطرة ما تفسيرها قال هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها شقي أو سعيد وكذلك نقل عنه الفضل بن زياد وحنبل وأبو الحارث أنهم سمعوا أبا عبد الله في هذه المسألة قال الفطرة التي فطر الله العباد عليها من الشقاوة والسعادة
وكذلك نقل عن علي بن سعيد أنه سأل أبا عبد الله عن كل مولود يولد على الفطرة قال على الشقاء والسعادة فإليه يرجع على ما خلق
وعن الحسن بن ثواب قال سألت أبا عبد الله عن أولاد المشركين قلت إن ابن أبي شيبة أبا بكر قال هو على الفطرة حتى يهوده أبواه أو ينصراه فلم يعجبه شيء من هذا القول
وقال كل مولود من أطفال المشركين على الفطرة يولد على الفطرة التي خلقوا عليها من الشقاء والسعادة التي سبقت في أم الكتاب ارفع ذلك إلى الأصل هذا معناه كل مولود يولد على الفطرة
قلت وأما ثبوت حكم الكفر في الآخرة للأطفال فكان أحمد يقف فيه .
((اقول – المنتصر بالله -
هذا يوضح للقارئ ان الكلام السابق كله كان عن حكمهم فى الدنيا والان الكلام عن حكمهم فى الاخرة))انتهى


يتابع بن تيميه كلامه عن حكم الاطفال فى الاخره فيقول نقلا عن الامام احمد

تارة يقف عن الجواب وتارة يردهم إلى العلم كقوله الله أعلم بما كانوا عاملين وهذا أحسن جوابيه كما نقل محمد بن الحكم عنه وسأله عن أولاد المشركين فقال أذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم
الله أعلم بما كانوا عاملين
ونقل عنه أبو طالب أن أبا عبد الله سئل عن أطفال المشركين
فقال كان ابن عباس يقول فأبواه يهودانه وينصرانه حتى سمع الله أعلم بما كانوا عاملين فترك قوله
قال أحمد وهي صحاح ومخرجها كلها صحاح وكان الزهري يقول من الحديث ما يحدث بها على وجوهها
وأما توقف أحمد في الجواب فنقل عنه علي بن سعيد أنه سأله عن قوله فأبواه يهودانه وينصرانه قال الشأن في هذا وقد اختلف الناس ولم نقف منها على شيء أعرفه
وقال الخلال رأيت في كتاب لهارون المستملي قال أبو عبد الله إذا سأل الرجل عن أولاد المشركين مع آبائهم فإنه أصل كل خصومة ولا يسأل عنه إلا رجل الله أعلم به قال ونحن نمر هذه الأحاديث على ما جاءت ونسكت لا نقول شيئا
وقال المروزي قال أبو عبد الله سأل بشر بن السري سفيان الثوري عن أطفال المشركين فصاح به وقال يا صبي أنت تسأل عن هذا
وكذلك نقل خطاب بن بشر وحنبل أن أبا عبد الرحمن بن الشافعي سأل أحمد عن هذا فنهاه ولم ينقل أحد قط عن أحمد أنه قال هم في النار ولكن طائفة من أتباعه كالقاضي أبي يعلى وغيره لما سمعوا جوابه بأنه قال الله أعلم بما كانوا عاملين ظنوا أن هذا من تمام حديث مروي عن خديجة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولادها من غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم
هم في النار فقالت بلا عمل فقال الله أعلم بما كانوا عاملين فظن هؤلاء أن أحمد أجاب بحديث خديجة وهذا غلط على أحمد فإن حديث خديجة هذا حديث موضوع كذب لا يحتج بمثله أقل من صحب أحمد فضلا عن الإمام أحمد)انتهى



وجاء في موقع اخر من نفس الكتاب ما يبين ما ذكرناه سابقا من اجراء قاعدة التقادير الشرعية وكيفية اجراء الكفر حكما مع عدمه حقيقة , وهذا ما يبين حقيقة قولنا من ان مخالف هذه الاحكام لا يكفر, ويبين ولله الحمد صحة منهجنا ووسطيته بين المكفرين بمخالفة احكام التبعية ,وبين المتوقفين عن العمل بها بحجة انهم لم يروا الكفر حقيقة من من حكم بكفره تبعاً .
قال الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُ الله_:(درء تعارض العقل والنقل لابن تَيمِيَّة)، ج8، ص430-435.
« وأيضا فإنه ذكر هذا الحديث لما قتلوا اولاد المشركين ونهاهم عن قتلهم وقال
اليس خياركم اولاد المشركين كل مولود يولد على الفطرة فلو اراد انه تابع لأبويه في الدنيا لكان هذا حجة لهم ويقولون هم كفار كآبائهم فنقتلهم وَكَوْنُ الصَّغِيرِ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا هُوَ لِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَبٍّ يُرَبِّيهِ، وَإِنَّمَا يُرَبِّيهِ أَبَوَاهُ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُمَا ضَرُورَةً، ولهذا متى سُبي مُنفردًا عنهما صار تابعًا لسابيه عند جمهور العلماء؛ كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وغيرهم، لكونه هو الذي يربّيه.
وإذا سُبي مُنفردًا عن أحدهما، أو معهما، ففيه نِزَاع للعلماء.
واحتجاج الفقهاء؛ كأحمد وغيره، بهذا الحديث على أنه متى سُبي مُنفردًا عن أبويه يصير مسلمًا، لا يستلزم أن يكون المراد بتكفير الأبوين مجرد لحاقه بهما فِي الدين، ولكن وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا وُلِدَ عَلَى الْمِلَّةِ فَإِنَّمَا يَنْقُلُهُ عَنْهَا الْأَبَوَانِ اللَّذَانِ يُغَيِّرَانِهِ عَنِ الْفِطْرَةِ، فَمَتَى سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ، وَهُوَ مَوْلُودٌ عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، فَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ.
وَلَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ يَجْعَلَانِهِ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدُونِ تَعْلِيمٍ، وَتَلْقِينٍ، لَكَانَ الصَّبِيُّ الْمَسْبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ الْكَافِرِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَافِرَ الْبَالِغَ إِذَا سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا حَقِيقَةً.) انتهي كلام بن تيميه
وهذا هو الذي ذكرناه سابقا في مخالفة كلام محمد سلامي
بل انظروا كيف يصر محمد سلامي على مخالفة بن تيميه وجمهور أهل العلم حين يقول

((القول بأن الأبوين جُعلا مانعا من استمرار الفطرة، فيه الكثير من الغموض، فالحديث يبين أن الله خلق الولد على الفطرة فجاء أبواه فمحواها بتربيته على الكفر، وهذا في الحقيقة والإستقلال، أما ما نتحدث عنه من التبعية للأبوين فهي موجودة في الظاهر مع وجود الفطرة في الباطن في نفس الوقت، ولا يقطعان استمرارها، لأنهما لا يستطيعان قطعها ما دام الطفل لم يعرب عنه لسانه.
والتبعية للوالدين لم تستنبط من هذا الحديث وحده، وإنما هي أصل علمه الناس قبل العلم بوجود الفطرة، كون الطفل تحت مسؤولية أبويه وسيربيانه على دينهما، ولا يصير مسلما إلا بالدخول في الإسلام، بخلاف أبناء المسلمين الذين لا يحتاجون للدخول في الإسلام لأنهم لم يدينوا بما يخالفه.)) انتهى كلام محمد سلامي وهو يري أن كلام بن تيميه وكلام جمهور أهل العلم قول فيه كثير من الغموض ويري أن كلامه واضح سهل وبسيط على منهج الأنبياء
فهو يقول أن الطفل لا يصير مسلما إلا بعد أن يعرب عنه لسانه أي انه إذا سبي لوحده أو مع احد والديه أو حتى معهما لا يعتبر مسلماً , يخالف محمد سلامي جمهور أهل العلم بكل بساطه !!!!! فقول بن تيميه ((ولهذا متى سُبي مُنفردًا عنهما صار تابعًا لسابيه عند جمهور العلماء؛ كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وغيرهم، لكونه هو الذي يربّيه.
وإذا سُبي مُنفردًا عن أحدهما، أو معهما، ففيه نِزَاع للعلماء))انتهى

فيه كثير من الغموض عند محمد سلامي
سبحانك هذا بهتانا عظيم








 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07-12


















يتابع بن تيميه كلامه فيقول
ف((َلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ التَّابِعُ لِأَبَوَيْهِ كَافِرًا حَقِيقَةً لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ الْكُفْرِ بِالسِّبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَبَاهُ كُفَّارٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا، فَهُوَ هُنَا كَافِرٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ هَوَّدَاهُ، وَنَصَّرَاهُ، وَمَجَّسَاهُ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ يُلَقِّنَانِهِ الْكُفْرَ وَيُعَلِّمَانِهِ إِيَّاهُ.
وَذَكَرَ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ الْعَامُّ الْغَالِبُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ، فَإِنَّ كُلَّ طِفْل صغير فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَهُمَا اللَّذَانِ يُرَبِّيَانِهِ مَعَ بَقَائِهِمَا، وَقُدْرَتِهِمَا، بخلاف مَا إذا مَاتا أو عَجِزا لسبي الولد عَنهما أو غَير ذَلك.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ، إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»، فَجَعَلَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ إِلَى أَنْ يَعْقِلَ، وَيُمَيِّزَ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ بِكُفْرِ الْأَبَوَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ حِينِ يُولَدُ قَبْلَ أَنْ يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الحديث الآخِر الصَّحِيح، حديث عِيَاض بْن حِمَار عَن النبيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فيمَا يَرويه عَن رَبِّه:«إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا))،صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَالَتْهُمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَمَرَتْهُمْ بِالشِّرْكِ.
فَلَوْ كَانَ الطِّفْلُ يَصِيرُ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ حِينِ يُولَدُ، لِكَوْنِهِ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَحَدٌ الْكُفْرَ وَيُلَقِّنَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنِ الشَّيَاطِينُ هُمُ الَّذِينَ غَيَّرُوهُمْ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالشِّرْكِ، بَلْ كَانُوا مُشْرِكِينَ مِنْ حِينِ وُلِدُوا، تَبَعًا لِآبَائِهِمْ.
وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اشْتِبَاهُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ الْكُفْرِ فِي الْآخِرَةِ: فَإِنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ لَمَّا كَانَتْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مِثْلُ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ لِآبَائِهِمْ، وَحَضَانَةِ آبَائِهِمْ لَهُمْ، وَتَمْكِينِ آبَائِهِمْ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ، وَتَأْدِيبِهِمْ، وَالْمُوَارَثِةِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ آبَائِهِمْ، وَاسْتِرْقَاقِهِمْ إِذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مُحَارِبِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، صَارَ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَالَّذِي تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ، وَأَرَادَهُ، وَعَمِلَ بِهِ.
ومن هنا قال من قال: أن هذا الحديث وهو قوله:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»، كان قبل أن تنزل الأحكام، كما ذكره أبو عبيد عن محمد بن الحسن.
فأمّا إِذَا عُرِفَ أَنَّ كَوْنَهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا زَالَتِ الشُّبْهَةُ.
وَقَدْ يَكُونُ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ فِي الْبَاطِنِ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، مَن لا يَعلم الْمُسلمون حَاله إذا قاتلوا الكفار، فيقتلونه وَلا يُغسَّل وَلا يصلّى عليه ويُدفن مَع المشركين، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، فَحُكْمُ الدَّارِ الْآخِرَةِ غَيْرُ حُكْمِ دَارِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا، وَعَلَيْهَا الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ إِذَا عَمِلَ بِمُوجِبِهَا وَسَلِمَتْ عَنِ الْمَعَارِضِ، لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ شَرْعِ الرَّسُولِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ يَكُونُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَوْلَادَهُمْ لَا يُنْزَعُونَ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ لِلْآبَاءِ ذِمَّةٌ، وَإِنْ كَانُوا مُحَارِبِينَ اسْتُرِقَّتْ أَوْلَادُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا كَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ الْأَحْيَاءَ مَعَ آبَائِهِمْ، لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الطِّفْلِ إِذَا مَاتَ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؟.
فعن أحمد رواية: أنّه يُحكم بإسلامه لقوله:«فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه»، فإذا مات أبواه بقي على الفطرة.
والرواية الأخرى: كقول الجمهور؛ أنه لا يُحكم بإسلامه، وهذا القول هو الصواب، بل هو إِجْمَاعٌ قَدِيمٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، بل هُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا.
فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِالْمَدِينَةِ، وَوَادِي الْقُرَى، وَخَيْبَرَ، وَنَجْرَانَ، وَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَمُوتُ، وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَحْكُمِ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِإِسْلَامِ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي زَمَانِهِمْ طِبْقَ الْأَرْضِ بِالشَّامِ، وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفِيهِمْ مِنْ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ اقْتَضَى أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ حَضَانَةَ يَتَامَاهُمْ كَمَا كَانَ الْأَبَوَانِ يَتَوَلَّيَانِ حَضَانَةَ أَوْلَادِهِمَا.
وَأَحْمَدُ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ يَقُولُ: إِنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا مَاتَ وَرِثَهُ ابْنُهُ الطِّفْلُ، مَعَ قَوْلِهِ فِي إِحْدَى الراويتين: إِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَا زَالَ أَوْلَادُهُمْ يَرِثُونَهُمْ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَصَلَ مَعَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ لَمْ يَحْصُلْ قَبْلَهُ، والقَول الآخر: هُو الصَّواب كَما تقدَّم.
والمقْصُود هُنا: أن قوله:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»، لم يُرِد به فِي أحكام الدنيا بَل فِي نَفس الأمْر؛ وهو مَا ترتّب عَليه الثَّواب والعِقاب)انتهى

فلو كان الامر من اصل الدين عند السلف فهل يعقل ان يكون فيه روايتين عن احمد او غيره من اهل العلم ؟؟؟
سبحانك هذا بهتانا عظيم

وقال فى موقع اخر من كتابه درء تعارض العقل والنقل - (8 / 379)
وذكر الأبوين بناء على الغالب إذ لكل طفل ابوان وإلا فقد يقع ذلك من أحد الأبوين وقد يقع من غير الأبوين حقيقة وحكما) انتهى


فانظر الى ضعف هذه الاحكام لدرجة ان احد الابوين اذا مات او فقد انقطعت هذه التبعية وانقطعت احكامها على احد القولين رغم وجود احد والديه بخلاف من قال الكفر او اراده او عمل به ,وبخلاف الكافر البالغ , فان احكام الكفر لا تنقطع عنه الا بتوبته منه ورجوعه عن الكفر .

ورغم الذي ذكرناه من اتفاق اهل العلم على حكم تبعية الاطفال لآبائهم الا اننا نجد الاختلاف واضحاً في الاحكام المتعلقة بتبعية الاطفال لآبائهم رغم انهم اتفقوا على هذه التبعية اجمالا ولكن اختلفوا فى تفاصيلها كما نقله بن تيمية عن بن عبد البر في كتابه درء تعارض العقل والنقل رغم ان بن تيمية قال بكل وضوح ان حكم تبعية الاطفال لآبائهم هو مما قد علم بالاضطرار من شرع الرسول أن اولاد الكفار يكونون تبعا لآبائهم في احكام الدنيا وان اولادهم لا ينتزعون منهم إذا كان للآباء ذمة وان كانوا محاربين استرقت اولادهم ولم يكونوا كأولاد المسلمين
ولا نزاع بين المسلمين أن اولاد الكفار الاحياء مع آبائهم لكن تنازعوا في الطفل إذا مات ابواه أو أحدهما هل يحكم بإسلامه هذا كلامه بنصه .
فانظر الى حكم الطفل مع ابواه اذا كانا الاثنان أحياء فهو معهم فى الحكم , ثم بمجرد ان مات احدهما وقع الخلاف فيما كان معلوما بالاضطرار من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر بن تيميه في اول النقل القادم قول بن عبد البر ان العلماء اختلفوا في هذا الامر
قال في درء تعارض العقل والنقل - (8 / 379)
قال أبو عمر بن عبد البر اختلف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلافا كثيرا
وكذلك اختلفوا في الأطفال وحكمهم في الدنيا والآخرة فذكر ما ذكره أبو عبيد القاسم سلام في غربيه المشهور قال قال ابن المبارك يفسره آخر الحديث قوله صلى الله عليه الله اعلم بما كانوا عاملين
قال ابن عبد البر هكذا ذكر عن ابن المبارك لم يزد شيئا
وذكر عن محمد بن الحسن انه سأله عن تأويل هذا الحديث فقال كان هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد هذا ما ذكره أبو عبيد
قال ابن عبد البر... إما ما ذكره عن ابن المبارك فقد روى عن مالك نحوه وليس فيه مقنع من التأويل ولا شرح موعب في امر الاطفال ولكنها جملة تؤدي إلى الوقوف عن القطع فيهم بكفر أو ايمان أو جنة أو نار مالم يبلغوا العمل
قال واما ما ذكره عن محمد بن الحسن فأظن محمد بن الحسن حاد عن الجواب فيه إما لإشكاله عليه أو لجهله به أو لما شاء الله واما قوله أن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد فلا ادرى ما هذا فإن كان اراد أن ذلك منسوخ فغير جائز عند العلماء دخول النسخ في إخبار الله تعالى واخبار رسوله لان المخبر بشيء كان أو يكون إذا رجع عن ذلك لم يخل رجوعه عن تكذيبه لنفسه أو غلطه فيما اخبر به أو نسيانه وقد جل الله وعصم رسوله في الشريعة والرسالة منه وهذا لا يجهله ولا يخالف فيه أحد له ادنى فهم فقف عليه فأنه أمر جسيم من اصول الدين
(اقول – المنتصر بالله -يقصد بن عبد البر هنا دخول النسخ في اخبار الله تعالي واخبار رسوله انه لا يجوز النسخ فيه لانه يعني اما تكذيبه لنفسه او غلطه فيه وانه من الامور المعروفة من اصول الدين فتفطن فانه لا يقصد ان كفر اطفال المشركين من اصول الدين هنا وهذا الفهم ربما هو الذي وقع فيه بعض اصحاب هذه البدعة والله المستعان انتهى كلام المنتصر بالله))

وقول محمد بن الحسن أن ذلك كان قبل أن يؤمر الناس بالجهاد ليس كما قال لان في حديث الاسود بن سريع ما يبين أن ذلك كان منه بعد الأمر بالجهاد
وروى باسناده عن الحسن عن الاسود بن سريع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بال اقوام بلغوا في القتل حتى قتلوا الولدان فقال رجل أو ليس إنما هم اولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليس خياركم اولاد المشركين انه ليس من مولود يولد إلا على الفطرة حتى يبلغ فيعبر عنه لسانه ويهوده ابواه أو ينصرانه
قال وروى هذا الحديث عن الحسن جماعة منهم بكر المزنى والعلاء بن زياد والسرى بن يحي وقد روى عن الاحنف عن الاسود ابن سريع قال وهو حديث بصرى صحيح قال وروى عوف الاعرابي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين
قلت (بن تيميه )إما ما ذكره عن ابن المبارك ومالك فيمكن أن يقال أن المقصود أن اخر الحديث يبين أن الاولاد قد سبق في علم الله ما يعلمون إذا بلغوا وان منهم من يؤمن فيدخل الجنة ومنهم من يكفر فيدخل النار فلا يحتج بقوله
كل مولود يولد على الفطرة على نفي القدر كما احتجت به القدرية ولا على أن اطفال الكفار كلهم في الجنة لكونهم ولدوا على الفطرة فيكون مقصود الأئمة أن يستقر الاطفال على ما في اخر الحديث
واما قول محمد فانه رأى الشريعة قد استقرت على أن ولد اليهودي والنصراني يتبع ابويه في الدين في احكام الدنيا فيحكم له بحكم الكفر في انه لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه المسلمون ويجوز استرقاقهم ونحو ذلك فلم يجز أحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الاطفال في الدنيا حكم المؤمنين حتى تعرب عنهم ألسنتهم وهذا حق لكن ظن أن الحديث اقتضى أن يحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال هذا منسوخ كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء والأطفال والمؤمن لا يسترق ولكن كون الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمر ما زال مشروعا ومازال الأطفال تبعا لأبويهم في الأمور الدنيوية
والحديث لم يقصد بيان هذه الأحكام وإنما قصد ما ولد عليه من الفطرة وإذا قيل إنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفا ونحو ذلك فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده
فإن الله تعالى يقول { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } سورة النحل 78 ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته
فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض)انتهى


فانظر الى قول شيخ الاسلام ((ومنشأ الاشتباه في المسألة )) فهذا يدل على ان هذه المسألة حصل فيها اشتباه عند بعض اهل العلم فلم يفرقوا بين احكام الدنيا واحكام الاخرة واعتقدوا ان من حكموا بكفره في الدنيا فهذا يعني الحكم بكفره قطعا في الاخرة والحكم بدخوله النار حتى وان لم يقترف ما يستوجب ذلك وهذا قول القدرية ومن اتبع قولهم في هذه المسألة من الذين جوزوا ان يعذب الله سبحانه وتعالي من لم يقترف ذنبا بدون سببا قط ومن غير حكمة ,تعالي الله سبحانه عن ذلك علوا كبيرا لهذا جوزوا ان يدخل الله اطفال المشركين النار ان ماتوا قبل البلوغ وان لم يقترفوا شيئا.

وهو نفس قول الامام ابو اسحاق ان هذه المسألة مسألة مشكلة كما نقله عنه الامام بن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة –قال (3 / 7)
(((فأما ما يتعلق بالآخرة فقال: أبو إسحاق الإسفرايينىإذا أضمر كما أظهر كان من الفائزين بالجنة ويعبر عن هذا بصحة إسلامه باطنا لا ظاهرا.
قال في "النهاية": وفي هذا إشكال لأن من حكم له بالفوز لإسلامه كيف لا نحكم بإسلامه وأجيب عنه بأنه قد نحكم له بالفوز في الآخرة وإن لم تجر عليه أحكام الإسلام في الدنيا كمن لم تبلغه الدعوة.))انتهى

ومن بين اهل العلم من ظن ان اطفال المشركين كان حكمهم انهم مؤمنون قبل ان تنزل الاحكام كما نقله بن تيمية عن محمد بن الحسن حين قال

((واما قول محمد فانه رأى الشريعة قد استقرت على أن ولد اليهودي والنصراني يتبع ابويه في الدين في احكام الدنيا فيحكم له بحكم الكفر في انه لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه المسلمون ويجوز استرقاقهم ونحو ذلك فلم يجز أحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الاطفال في الدنيا حكم المؤمنين حتى تعرب عنهم ألسنتهم وهذا حق لكن ظن أن الحديث اقتضى أن يحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال هذا منسوخ كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء والأطفال والمؤمن لا يسترق ولكن كون الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمر ما زال مشروعا ومازال الأطفال تبعا لأبويهم في الأمور الدنيوية))انتهى


ورغم الذي ذكره بن تيميه من انه معلوم بالاضطرار من دين الاسلام ان حكم الأطفال تبع لآبائهم الا ان اهل العلم اختلفوا في تفاصيل هذه التبعية بشكل لا يكاد يضبط رغم الذي ذكره و قاله بن تيمية من ان احكام التبعية مما يعلم بالاضطرار من شرع الرسول صلي الله عليه وسلم ,فهل غفل اهل العلم عن هذه الاحكام ؟؟
وكذلك ما نقله بن تيمية ردا على بن عبد البر في معرض حديثه عن محمد بن الحسن حين قال بن عبد البر (واما قوله أن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد فلا ادرى ما هذا)
فرد بن تيمية كلام بن عبد البر قائلاً
(واما قول محمد فانه رأى الشريعة قد استقرت على أن ولد اليهودي والنصراني يتبع ابويه في الدين في احكام الدنيا فيحكم له بحكم الكفر في انه لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه المسلمون ويجوز استرقاقهم ونحو ذلك فلم يجز أحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الاطفال في الدنيا حكم المؤمنين حتى تعرب عنهم ألسنتهم وهذا حق لكن ظن أن الحديث اقتضى أن يحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال هذا منسوخ كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء والأطفال والمؤمن لا يسترق ولكن كون الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمر ما زال مشروعا ومازال الأطفال تبعا لأبويهم في الأمور الدنيوية)انتهى
فانظر الى قوله انه ظن ان هذا الحديث قبل الجهاد وان اطفال المشركين قبل فرض الجهاد كان حكمهم حكم المؤمنين لهذا قال ان هذا الحكم منسوخ بعد الامر بالجهاد اي في السنة الثانية من الهجرة, ومع هذا لم يقل احدا من اهل العلم ان هذا القول كفر وكيف يظن مسلما ان اطفال المشركين حكمهم حكم المسلمين وان هذا امر معروف من الدين بالضرورة وجاهله كافر او من شك فيه كفر .

وهذا القول من محمد بن الحسن يظهر لنا ان هذا الامر ليس من اصل الدين حسب منهج محمد سلامي الذي ذكرناه سابقاً ومنهج حلمي هاشم لان ما كان من اصل الدين لا يقبل النسخ كما قال حلمي هاشم نفسه حين قال
ومن زعم القدرة علي الخلق كخلق الله أو ظن ذلك ، كفر بالله لمناقضته أصل الدين
وهكذا القول )إن الحكم إلا لله ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد
وأن الله تعالي هو)القاهر فوق عباده ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد


وأن الله تعالي )عدو للكافرين ( فذلك من أصل الدين وهو التوحيد
وأنه تعالي) برئ من المشركين) فلا يخرج عن ذلك مشرك ورد النص بكفره (حقيقة( وهو الثابت كفره بالدليل
الخاص
16
أو ( حكما ) وعلي الظاهر وهو الثابت كفره بالدليل العام والله أعلم بالسرائر
فذلك من أصل الدين وهو
التوحيد

ومن ثم فالمتأمل لذلك يعلم أن هذا الذى يعد أصل الدين هو المحكم الذى : 
لا يقبل التأويل - أى صرفه عن ظاهره
ولا يقبل ادعاء النسخ لشئ منه
ولا يقبل التخصيص – فلا يخرج عن حكمه شئ ولا يخرج عن خلقه شئ
ولا يقبل التقييد – بزمان دون زمان أو مكان دون مكان ، فلا يقيد خلقه وحكمه بعدد أو كم أو كيف)انتهى كلام حلمي هاشم

وهو يقر بلسانه ان المشرك هو من ورد النص بكفره سواء حقيقة وهو الثابت كفره بالدليل الخاص كما قال
او حكما وهو الثابت كفره عنده بالدليل العام وهي احكام التبعية
وقال ان كل هذا من اصل الدين ولا يقبل ادعاء النسخ لشيء منه ؟؟
وأما محمد سلامي فقد قال في كلام أهل العلم انه لا يمكن أن يستدل به على كفر من خالف منهم في الحكم على أطفال المشركين في الدينا بالطريقة التي ذكرنا بل قال أن هذا من استنباطاتنا وليس لها واقع أو دليل من كلام أهل العلم فقال
محمد سلامي
((لا يمكن استنباط القول بكفر من يعتقد بإسلام أولاد المشركين من أقوال العلماء، لأن كلامهم ليس دليلا بحد ذاته، ولأنهم لم يذكروا هذا أصلا وإنما انطلقوا منه كبديهية لم يختلفوا فيها، والواقع أننا نرى المخالفين هم الذين أخرجوا خلافات العلماء السابقة وانطلقوا منها مخطئين في فهم الإطار الذي تدور فيه خلافاتهم، فهذا هو عمدة أدلتهم .)) انتهى كلام محمد سلامي

إذا نحن هنا أمام أمرين : اما ان يكون حلمي هاشم ومحمد سلامي قد اخطئا في هذا الادعاء بان حكم التبعية من أصل الدين وبالتالي فأن مخالفه أو جاهلة أو متأوله كافر .
وإما أن يكون محمد بن الحسن قد ادعي نسخ شيء من اصل الدين وهو ان المشرك الذي ثبت كفره حكما بالدليل العام وهو التبعية كان في بادئ الامر حكمه انه من المؤمنين كما هو حال اطفال المشركين حسب ظن محمد بن الحسن قبل الجهاد
وبهذا يكون محمد بن الحسن قد كفر لأنه ضيع اصل دينه او اخطاء فيه .
ونقل عنه بن عبد البر هذا الكلام وكذلك فعل بن تيمية هذا ولم يذكران انه اخطاء في اصل الدين وادعي ان المشرك الذي ثبت كفره حكما وهو بالدليل العام وهو التبعية قد كان قبل ان يشرع الجهاد حكمه انه مؤمن ثم نسخ اصل الدين وتبدل .
وهذا القول لا اعتقد ان محمد سلامي أو حلمي هاشم يقول به او يتمسك به واعتقد فيهما أنهما سيرجعان بأذن الله عن هذا القول وهذه البدعة لان ما يترتب عليها هو امر خطير يمس اعتقاد كثير من اهل العلم والله المستعان .
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص340-341«
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ، بَلْ وَلَوْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَكَانَ مُسْلِمًا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ،
بَلْ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ سُبِيَ مَعَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ،
فَإِذَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ اتِّفَاقًا، وَفِي بَعْضِهِمَا بِالدَّلِيلِ الصَّحِيحِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ _مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِمْكَانِ عَوْدِهِ إِلَى تَبَعِيَّتِهِمَا_ فَلَأَنْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ، وَاسْتِحَالَةُ تَبَعِيَّتِهِمَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
وكذلك توقف الامام احمد بن حنبل عن الحكم على اطفال المشركين الذين هم مع ابويهم في حالات معينة كما جاء في كتاب أحكام أهل الذمة
–لابن القيم حين قال (3 / 31)
((فإن قيل: فما تقولون في المملوك الكافر يكون تحته جارية كافرة وهما ملك مسلم إذا ولد بينهما ولد هل يكون تبعا لأبويه أو لسيد الأبوين؟
قيل: سئل أحمد عن هذه المسألة وترجم عليها الخلال فقال: في الجامع باب الرجل والمرأة يسبيان فيكونان عند المسلم فيولد لهما أو يزوجهما المسلم فيولد لهما في ملك سيدهما أو لا ما الحكم فيه؟
أخبرنا أبو بكر المروذي أن أبا عبد الله قال: إذا ولد لهما وهما في دار الإسلام في ملك مولاهما لا أقول في ولدهما شيئا. قلت: هذه هي المسألة المتقدمة وهي تبع الولد لمالكه وقد تقدم نص أحمد على أنه يتبع مالكه في الإسلام وإنما توقف في هذه المسألة وإن كان مالكه مسلما لأن أبوي الطفل معه وهما كافران لكن لما لم يكن لهما عليه ولاية وكانت الولاية لسيده ومالكه تبعه في الإسلام وهذا أوجه وأطرد على أصوله.))انتهى

فهل يقول عاقل ان الامام احمد توقف فيما لا يتم اصل الدين الا به وعليه فان من لم يكفره كافر ؟؟؟ سبحانك هذا بهتانا عظيم
أطفال الكفّار الأحياء لهم حكم آبائهم فِي الدنيا
وبعد هذا الذي ذكرنا فنقول ان ما بينه اهل العلم وهو قول الجمهور والذي عليه الاتفاق وهو بانه لا نزاع بين المسلمين فِي أنّ أطفال الكفّار الأحياء لهم حكم آبائهم فِي الدنيا.
كما قال الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُ الله_:(درء تعارض العقل والنقل لابن تَيمِيَّة)، ج8، ص433.«لا نِزَاع بين المسلمين أنّ أولاد الكُفّار الأحياء مع آبائهم ا.هـ.


الا ان هذا الاتفاق لا يتعلق الا بحكم واحد وهو وجود الطفل مع ابويه الاثنين احياء وفي الحالات التي ذكرنا فقط واما غيرها من الحالات فقد اختلف اهل العلم فيها على عدة اقول وسنذكر كل حالة وما جاء فيها من اقوال .
ونريد ان نسأل اصحاب هذه البدعة عن هذه الحالات والاقوال المختلف فيها فيما يعدونه متمم لأصل الدين عندهم هل يعرفون هذه الاحكام وتفاصيلها واقوال اهل العلم فيها ؟؟
ذكر بعض المعاصرين انها سبعة وعشرين حكم, ام انهم لا يعرفون ما قالوا ان اصل دينهم لا يتم الا به؟؟.
وسننقل هذه النقول من رسالة بعض الشباب فنقول نقلا عن غيرنا....

-1موت الأبوين الكافِرَين، أو أحدهما فِي دار الكفر
....(((اختلف أهل العلم فِي حكم الطفل إذا مات أبويه الكافِرَين، أو أحدهما فِي دار الكفر، على قولين:
القول الأول: أنه لا يصير بذلك مسلمًا، وهذا قول الجمهور، فهو مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام احمد فِي رواية عنه، اختارها الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُم الله جميعًا_.
قالوا: لأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَزَالُوا يَمُوتُونَ، وَيُخَلِّفُونَ أَوْلَادًا صِغَارًا، وَلَا نَعْرِفُ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَلَا أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَكَمُوا بِإِسْلَامِ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ بِمَوْتِ آبَائِهِمْ، وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ امْتِنَاعِ إِهْمَالِ هَذَا الْأَمْرِ، وَإِضَاعَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالنُّقْصَانِ مِنَ الْكُفْرِ.
القول الثاني: أنه يُحكم بإسلامه، وهذا قول فِي مذهب الإمام أحمد اختاره بعض أصحابه انظر (أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص340،
وقال تعقيبًا:«وَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِيَقِينٍ، لِمَا سَنَذْكُرُهُ»ا.هـ.

2- موت الأبوين الكافِرَين، أو أحدهما فِي دار الإسلام:
اختلف أهل العلم فِي حكم الطفل إذا مات أبويه الكافِرَين، أو أحدهما فِي دار الإسلام، على قولين:
القول الأول: أنه لا يصير بذلك مسلمًا، وهذا قول الجمهور، فهو مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام احمد فِي رواية عنه، اختارها الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُم الله جميعًا_.
القول الثاني: أنّه يحكم بإسلامه. وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد _رَحِمَهُ الله_، وهو اختيار عامة أصحابه.
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص340-341«
وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالُوا: فَجُعِلَ كُفْرُهُ بِفِعْلِ أَبَوَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْقَطَعَتِ التَّبَعِيَّةُ، فَوَجَبَ إِبْقَاؤُهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَاتَ أَبَوَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَضِيَّةُ الدَّارِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْكُفْرُ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَهُ أَبَوَانِ، تَغْلِيبًا لِتَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ، فَإِذَا عُدِمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا وَجَبَ إِبْقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ، لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْكَافِرِ.
قَالُوا: وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الطِّفْلَ يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ، فَكَذَلِكَ إِنَّمَا صَارَ كَافِرًا تَبَعًا لِكُفْرِ أَبِيهِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ زَالَ مَنْ يَتْبَعُهُ فِي كُفْرِهِ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى بِهِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا عِبَادَهُ، وَإِنَّمَا عَارَضَهَا فِعْلُ الْأَبَوَيْنِ، وَقَدْ زَالَ الْعَارِضُ، فَعَمِلَ الْمُقْتَضَى عَمَلَهُ.
الثَّانِي: أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ، وَلَوِ اخْتَلَطَ فِيهَا وَلَدُ الْكَافِرِ بِوَلَدِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزَانِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِمَا تَغْلِيبًا لِلدَّارِ، وَلَوْ وُجِدَ فِيهَا لَقِيطٌ فِي مَحَلَّةِ الْكُفَّارِ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ، وَإِنَّمَا عَارَضَ الدَّارَ قُوَّةُ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ، فَعَمِلَ مُقْتَضَى الدَّارِ عَمَلَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ، بَلْ وَلَوْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَكَانَ مُسْلِمًا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، بَلْ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ سُبِيَ مَعَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِذَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ اتِّفَاقًا، وَفِي بَعْضِهِمَا بِالدَّلِيلِ الصَّحِيحِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ _مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِمْكَانِ عَوْدِهِ إِلَى تَبَعِيَّتِهِمَا_ فَلَأَنْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ، وَاسْتِحَالَةُ تَبَعِيَّتِهِمَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ تَبِعٌ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ، وَالْكُفْرِ، فَإِذَا عُدِمَا زَالَتْ تَبَعِيَّتُهُ، وَكَانَتِ الْفِطْرَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِهِ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَقَارِبُهُ جَمِيعًا، وَرَبَّاهُ الْأَجَانِبُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ كَافِرًا، إِذْ فِيهِ إِخْرَاجٌ عَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا خَلْقَهُ بِلَا مُوجِبٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ إِذْ يَتَضَمَّنُ إِدْخَالَ مَنْ فُطِرَ عَلَى التَّوْحِيدِ فِي الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّةٍ لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، فَإِذَا عُدِمَ الْأَبَوَانِ لَمْ تَكُنِ الْوِلَايَةُ عَلَى الطِّفْلِ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ، كَمَا لَا تَثْبُتُ عَلَى أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ تَكُونُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ كَالْمَسْبِيِّ بِدُونِ أَبَوَيْهِ، وَأَوْلَى»ا.هـ.

وقال الإمام ابن قدامة _رَحِمَهُ الله_: الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج9، ص19«
وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدَّارِ، فَأَمَّا دَارُ الْحَرْبِ، فَلَا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ وَلَدِ الْكَافِرَيْنِ فِيهَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَا مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَاا.هـ.


4: الطفل الذي انقطع نَسَبَه عن أبيْه:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي انقطع نَسَبَه عن أبيْه؛ مثل ولد الزنا، أو المنفي باللعان، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه، وهو قول الجمهور، واختيار الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُ الله_.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه، وهذا فِي رواية عن الإمام أحمد، وبعض أئمة الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول الإمام ابن حزم _رَحِمَهُم الله_.
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(إعلام الموقعين لابن القيّم)، ج2، ص38-39.«فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبَوَانِ أَنْ تَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ، وَقَدْ زَالَ مُعَارِضُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَهْوِيدُ الْأَبَوَيْنِ وَتَنْصِيرِهِمَا.
قِيلَ: قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ»،فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا فِيمَا لَوْ انْقَطَعَ نَسَبُهُ عَنْ الْأَبِ مِثْلَ كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِإِسْلَامِهِ بِالْفِطْرَةِ، وَعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ وُجُودُ الْأَبَوَيْنِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي الدَّلِيلِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ اخْتَارَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ»ا.هـ.

وقال الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_:(المحلّى لابن حزم)، ج5، ص384.«مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْكَافِرَةِ الذِّمِّيَّةِ, أَوْ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ زِنًا, أَوْ إكْرَاهٍ ,مُسْلِمٌ وَلاَ بُدَّ; لأََنَّهُ وُلِدَ عَلَى مِلَّةِ الإِسْلاَمِ كَمَا ذَكَرنَا، وَلاَ أَبَوَيْنِ لَهُ يُخْرِجَانِهِ مِنْ الإِسْلاَمِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقِ»ا.هـ.

وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشافعي _رَحِمَهُ الله_:(مغني المحتاج للخطيب)، ج3، ص605-607.

«وَوَلَدُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الزِّنَا بِمُسْلِمٍ:
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: مُسْلِمٌ.
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
..._إلى قوله_
وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى بِكَافِرَةٍ يَكُونُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا.
يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ»ا.هـ.

وقال الإمام ابن عابدين الحنفي _رَحِمَهُ الله_:(حاشية ابن عابدين)، ج3، ص196-197.
«وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ قَالَ: وَاقِعَةُ الْفُتُونِ فِي زَمَانِنَا: مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَذُكِرَ أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَا وَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا.
وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا، وَتَوَقَّفْت عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لَا يَرِثَهُ فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَه مِنْ الزِّنَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنْ الزِّنَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. انتهى.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ».
فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًّا وَالْآخَرُ كِتَابِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ كَمَا يَأْتِي، وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ، وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ إلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ، وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ احْتِيَاطًا فَلْيُنْظَرْ إلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ، وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا إنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فَلَمْ يُثْبِتْ النَّفَقَةَ وَالْإِرْثَ لِذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ»ا.هـ.
الْمَبْحَث الخامس: الطفل يَخْرُج من دار الكفر إلى أبويه الكافِرَين فِي دار الإسلام:
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص358.«قَالَ الْخَلَّالُ فِي “الْجَامِعِ”:“بَابُ الصَّبِيِّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ”:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الصَّبِيُّ يَخْرُجُ إِلَى أَبَوَيْهِ، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ؟ قَالَ: هُوَ مُسْلِمٌ، قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مِنْ غَيْرِ سِبَاءٍ، وَلَا رِقٍّ حَادِثٍ عَلَيْه.
وَوَجْهُ هَذَا _وَاللَّهُ أَعْلَمُ_: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الدَّارِ الَّتِي حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا عَلَيْهِ دُونَ أَبَوَيْهِ، كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ بِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا، فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِمَا، وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ إِلَيْهَا، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ، فَالدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حِسًّا.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَبَوَاهُ فِي دَارٍ أُخْرَى مِنْ دُورِ الْحَرْبِ غَيْرِهَا، قِيلَ: مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَنَحْنُ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَدَارُ الْحَرْبِ دَارٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ بِلَادُهَا، فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَإِذَا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ حُكْمُ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمٌ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِيهَا حُكْمَ مَنِ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَوِلَايَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَبَوَيْهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ حُكِمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا»ا.هـ.
الْمَبْحَث السادس: أطفال الكفار إذا اختلطوا بأطفال المسلمين، أو العكس، بحيث لا يتميّزون:
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص358-359.«الْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:...
الثَّانِيَةُ: اخْتِلَاطُ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِ الْكُفَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُونَ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَنَصْرَانِيٍّ فِي دَارٍ، وَلَهُمَا أَوْلَادٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ وَلَدُ النَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَدِ الْمُسْلِمِ؟.
قَالَ: يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ»ا.هـ.
وقال _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص340«أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ، وَلَوِ اخْتَلَطَ فِيهَا وَلَدُ الْكَافِرِ بِوَلَدِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزَانِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِمَا تَغْلِيبًا لِلدَّارِ»ا.هـ.
الْمَبْحَث السابع: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _أصلي_، والتي لا مسلمون فيها:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _أصلي_، والتي لا مسلمون فيها، على هذا النحو:
القول الأول:يُحكم بكفره لظاهر الدّار، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه آخر فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
الْمَبْحَث الثامن: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _أصلي_، والتي فيها بعض المسلمين:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _أصلي_، والتي فيها بعض المسلمين كالتجار، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بكفره لظاهر الدّار، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، ووجه فِي مذهب الإمام الشافعي، ووجه فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تغليبًا للإسلام، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام الشافعي، ووجه ثان فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الرابع: يُحكم بإسلامه تبعًا لمكان المسلمين كالمسجد ونحوه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الخامس: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه رابع فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
الْمَبْحَث التاسع: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _طارئ_، ولا مسلمون فيها:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _طارئ_، والتي لا مسلمون فيها، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بكفره لظاهر الدّار، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
القول الرابع: يُحكم بإسلامه لاحتمال أنّه وَلَد مَن يَكْتُم إسلامه منهم، وهذا قول الإمام أبي إسحاق مِن الشافعية.
الْمَبْحَث العاشر: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _طارئ_، فيها بعض المسلمين:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار كفر _طارئ_، والتي فيها بعض المسلمين، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بكفره لظاهر الدّار، وهو وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، ووجه فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تغليبًا للإسلام، وهذا قول الإمام الشافعي، ووجه ثان فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الرابع: يُحكم بإسلامه تبعًا لمكان المسلمين كالمسجد ونحوه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الخامس: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه رابع فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
الْمَبْحَث الحادي عشر: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار إسلام _أهل ذمة_، ولا مسلمون فيها:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار إسلام _أهل ذمة_، والتي لا مسلمون فيها، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بكفره لأن تغليب حُكم الإسلام يكون مع الاحتمال، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
القول الرابع: يُحكم بإسلامه لاحتمال أنّه وَلَد مَن يَكتم إسلامه منهم، وهذا قول الإمام أبي إسحاق مِن الشافعية.
الْمَبْحَث الثاني عشر: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار _أهل ذمة_، فيها بعض المسلمين:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار إسلام _أهل ذمة_، والتي فيها بعض المسلمين، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بكفره لأن تغليب حُكم الإسلام يكون مع الاحتمال، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، ووجه فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده فِي مكان أهل الكفر كالبِيعَة والكنيسة، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تغليبًا للإسلام، وهذا قول الإمام الشافعي، ووجه ثان فِي مذهب الإمام أحمد.
القول الرابع: يُحكم بإسلامه تبعًا لمكان المسلمين كالمسجد ونحوه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الخامس: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده أو التقطه، وهذا وجه رابع فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”، وهو قول الإمام أشهب من المالكية.
الْمَبْحَث الثالث عشر: الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار إسلام، ولا كفّار فيها:
قد تعددت أقوال أهل العلم فِي حُكْم الطفل اللَقِيْط الموجود فِي دار إسلام، والتي لا كفّار فيها، على هذا النحو:
القول الأول: يُحكم بإسلامه تغليبًا للإسلام، ولظاهر الدّار، ولأن الإسلام يَعلو ولا يُعلى، وهذا وجه فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو قول الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم إن وجده فِي مكان المسلمين كالمسجد ونحوه، وهذا وجه ثان فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.
القول الثالث: يُحكم بكفره تبعًا للكافر إن وجده أو التقطه، وهذا وجه ثالث فِي مذهب الإمام أبي حنيفة، ذكره صاحب “الْمَبْسُوط”.

14: إذا سبى مسلمٌ طفلًا منفردًا عن أبويه الكافِرَين:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي سباه مسلم منفردا عن أبويه الكافِرَين، على أقوال:
القول الأول: يُحكم بكفره تبعًا لأبويه، وهو ظاهر مذهب الشافعي، قاله الإمام أبو إسحاق الشيرازي (ت:476هـ)، صاحب “الْمُهَذَّب”.
فقال _رَحِمَهُ الله_(المهذب للشيرازي)، ج3، ص287.«“فصل”:
وإن سَبَى المسلم صبيًّا فإن كان معه أحد أبويه كان كافرًا لما ذكرناه من حديث أبى هريرة _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_.
وإن سُبِى وحده ففيه وجهان:
أحدهما: إنه باق على حُكْم كفره، ولا يتبع السابي فِي الإسلام، وهو ظاهر المذهب، لأن يد السابي يد ملك فلا توجب إسلامه كيد المشتري.
والثاني: أنه يتبعه لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، ولا معه من يتبعه فِي كُفْره، فَجُعِل تابعًا للسابي لأنه كالأب فِي حضانته وكفالته فتبعه فِي الإسلام»ا.هـ.


(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص352.
وقال الإمام النوويّ صاحب “روضة الطالبين”:«وَشَذَّ بِهَذَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّوَابُ _الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ_ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ»ا.هـ.
القول الثاني: يُحكم بكفره تبعًا لأبويه ما دام فِي دار الكفر، ويحكم بإسلامه تبعًا لدار الإسلام بشرط دخولها، وهذا مذهب الحنفية.
قالوا: (أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص353.«إِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ أُدْخِلَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ:
فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الْأَبَوَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ»ا.هـ.
القول الثالث: يُحكم بإسلامه تبعًا لسابيه، وهذا قول الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام سفيان الثوري، والإمام الأوزاعي، والإمام الْمُزَنِي، والإمام ابن حزم، ورجّحه الإمام ابن تَيمِيَّة، وابن القيّم.
15: إذا سُبِيَ الطفل مع أبويه الكافِرَين:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي سباه مسلممع أبويه الكافِرَين، على قولين:
القول الأول: يُحكم بكفره تبعًا لأبويه، وهذا قول الجمهور، فهو قول الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد فِي رواية.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لسابيه، وهذا قول الإمام أحمد فِي رواية، والإمام سفيان الثوري، والإمام الأوزاعي، والإمام الْمُزَنِي، والإمام ابن حزم، ورجّحه الإمام ابن تَيمِيَّة، وابن القيّم.
16: إذا سُبِيَ الطفل مع أبيه، دون أمه:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي سباه مسلم مع أبيه دون أمه، على قولين:
القول الأول: يُحكم بكفره تبعًا لأبيه، وهذا قول الجمهور، فهو قول الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد فِي رواية.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لسابيه، وهذا قول الإمام أحمد فِي رواية، والإمام سفيان الثوري، والإمام الأوزاعي، والإمام الْمُزَنِي، والإمام ابن حزم، ورجّحه الإمام ابن تَيمِيَّة، وابن القيّم.
17: إذا سُبِيَ الطفل مع أمه، دون أبيه:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي سباه مسلم مع أمه دون أبيه، على قولين:
القول الأول: يُحكم بكفره تبعًا لأمه، وهذا قول الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد فِي رواية.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لسابيه، وهذا قول الإمام مالك، والإمام أحمد فِي رواية، والإمام سفيان الثوري، والإمام الأوزاعي، والإمام الْمُزَنِي، والإمام ابن حزم، ورجّحه الإمام ابن تَيمِيَّة، وابن القيّم.




بعض أقوال أهل العلم فِي الْمَسبِي:
1- قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص352-353.
«الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: تَبَعِيَّةُ السَّابِي:
فَإِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ صَارَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَانْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْأَبَوَيْنِ عَنْهُ، هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ “الْمُهَذَّبِ”: فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ وَجْهَانِ:
قَالَ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ “الرَّوْضَةِ”: وَشَذَّ بِهَذَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّوَابُ _الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ_ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ، فَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ نَحْكُمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ:
هَذَا أَحَدُهُمَا.
وَالثَّانِي: نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ.
قَالُوا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا فِي أَوْلَادِهِ.
قَالُوا: وَعَلَى هَذَا، لَوْ بَاعَهُ الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ.
فَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ _أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا_ فَلِأَصْحَابِ أَحْمَدَ فِيهِ طُرُقٌ:
إِحْدَاهَا: أَنَّهُ إِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا تَبِعَ سَابِيهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِنْ سُبِيَ مُنْفَرِدًا تَبِعَ سَابِيهِ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَتْبَعُ سَابِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَتْبَعُ مَنْ سُبِيَ مَعَهُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا.
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي إِذَا سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى.
وَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ: مَتَى سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ تَبِعَهُ، وَإِنْ سُبِيَ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أُمِّهِ تَبِعَ سَابِيهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى دِينِ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ أُدْخِلَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الْأَبَوَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالصَّبِيُّ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِهِ، كَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ سُبِيَ الصَّبِيُّ بَعْدَهُ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ.
وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِسَابِيهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُمَا بِالسِّبَاءِ عَمِلَ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ عَمَلَهُ إِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مُعَارِضٌ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَقَدْ زَالَ حُكْمُ الْأَبَوِيَّةِ عَنْهُ؟، وَهُوَ لَمْ يَصِفِ الْكُفْرَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَافِرًا تَبَعًا لَهُمَا، وَالْمَتْبُوعُ قَدْ زَالَ حُكْمُ اسْتِتْبَاعِهِ إِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا وِلَايَةٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ: إِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ الْأَبَوَيْنِ، إِذْ عَدَمُهُمَا أَقْوَى فِي زَوَالِ التَّبَعِيَّةِ مِنْ سَابِيهِ، مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا، أَوْ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا»ا.هـ.
2- وقال _رَحِمَهُ الله_:(إعلام الموقعين لابن القيّم)، ج2، ص37-39.
«فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلُوهُ تَابِعًا لِسَابِيهِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ قَدْ انْقَطَعَتْ وَصَارَ السَّابِي هُوَ أَحَقَّ بِهِ.
قِيلَ: نَعَمْ، وَهَكَذَا نَقُولُ سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ أَهْلِ الشَّامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَام ابْنُ تَيمِيَّة.
وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِسَابِيهِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ، قَالُوا: لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَصَارَ تَابِعًا لِسَابِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَالثَّانِي: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ أَبَوَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إنْ سُبِيَ مَعَ الْأَبِ تَبِعَهُ فِي دِينِهِ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ الْأُمِّ وَحْدَهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الثَّغْرِ أَصَحُّ وَأَسْلَمُ مِنْ التَّنَاقُضِ؛ فَإِنَّ السَّابِيَ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ كَوْنِهِمَا أَسِيرَيْنِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، بَلْ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا فِي حَالِ أَسْرِهِمَا وَقَهْرِهِمَا وَإِذْلَالِهِمَا وَاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِمَا أَوْلَى مِنْ انْقِطَاعِهَا حَالَ قُوَّةِ شَوْكَتِهِمَا وَخَوْفِ مَعَرَّتِهِمَا، فَمَا الَّذِي يُسَوِّغُ لَهُ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ وَالشِّرْكَ بِهِ وَأَبَوَاهُ أَسِيرَانِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَوَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ مَحْضٌ؟.
وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُمْ: إذَا سُبِيَ الْأَبَوَانِ ثُمَّ قُتِلَا فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الطِّفْلُ عَلَى كُفْرِهِ عِنْدَكُمْ أَوْ تَحْكُمُونَ بِإِسْلَامِهِ؟
فَمِنْ قَوْلِكُمْ: إنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ مَاتَا.
فَيُقَالُ: وَأَيُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ مَعْنًى مُعْتَبَرٍ أَوْ فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ بَيْنَ أَنْ يُقْتَلَا فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ وَالسَّبْيِ؟.
وَهَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَجْلِهِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ زَائِلًا بِسَبَائِهِمَا ثُمَّ قَتْلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟.
وَهَلْ هَذَا إلَّا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ؟.
وَأَيْضًا: فَهَلْ تَعْتَبِرُونَ وُجُودَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي مِلْكِ سَابٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَكُونُ مَعَهُمَا فِي جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ؟.
فَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الْأَوَّلَ: طُولِبْتُمْ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الثَّانِيَ: فَمِنْ الْمَعْلُومِ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا عَلَيْهِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِسَابِيهِ، وَوُجُودِهِمَا بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنَانِ مِنْهُ وَمِنْ تَرْبِيَتِهِ وَحَضَانَتِهِ، وَاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَهُوَ كَوُجُودِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الطِّفْلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ جَعْلِهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَقَدْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِمَالِكِهِ وَسَابِيهِ وَمَنْ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ بِوَجْهٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ وِلَايَةَ الْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الْمِيرَاثُ وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، فَمَا بَالُ وِلَايَةِ الدَّيْنِ الْبَاطِلِ بَاقِيَةٌ وَحْدَهَا؟.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا رَقِيقًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الْأَمْصَارِ، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ فِي تَمْلِيكِهِ لِلْكَافِرِ وَنَقْلِهِ عَنْ يَدِ الْمُسْلِمِ قَطْعًا لِمَا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَعَالِمِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِهِ الْقُرْآنَ، فَرُبَّمَا دَعَاهُ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِهِ، فَلَوْ كَانَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا لَمْ يُمْنَعَا مِنْ شَرَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ»ا.هـ.

3- وقال الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_: المحلى لابن حزم)، ج5، ص384-385.
«مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْ صِغَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَسَوَاءٌ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا, أَوْ دُونَهُمَا، هُوَ مُسْلِمٌ, وَلاَ بُدَّ; لأََنَّ حُكْمَ أَبَوَيْهِ قَدْ زَالَ عَنِ النَّظَرِ لَهُ, وَصَارَ سَيِّدُهُ أَمْلَكَ بِهِ, فَبَطَلَ إخْرَاجُهُمَا لَهُ، عَنِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لاَ يَدْعُ يَهُودِيًّا, وَلاَ نَصْرَانِيًّا يُهَوِّدُ وَلَدَهُ, وَلاَ يُنَصِّرُهُ فِي مِلْكِ الْعَرَبِ.
وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا, وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ _رَضِيَ الله عَنْهُم_ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَالْمُزَنِيِّ، بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ»ا.هـ.


18: طفل المملُوكَين الكافِرَين لِمُسْلِم:
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص360-362.«فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الْمَمْلُوكِ الْكَافِرِ يَكُونُ تَحْتَهُ جَارِيَةٌ كَافِرَةٌ، وَهُمَا مِلْكُ مُسْلِمٍ، إِذَا وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ هَلْ يَكُونُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، أَوْ لِسَيِّدِ الْأَبَوَيْنِ؟
قِيلَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا الْخَلَّالُ، فَقَالَ فِي “الْجَامِعِ”:“بَابُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يُسْبَيَانِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَيُوَلَدُ لَهُمَا، أَوْ يُزَوِّجُهُمَا الْمُسْلِمُ فَيُولَدُ لَهُمَا فِي مِلْكِ سَيِّدِهِمَا، أَوْ لَا، مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟”.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا وُلِدَ لَهُمَا، وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُمَا، لَا أَقُولُ فِي وَلَدِهِمَا شَيْئًا.
قُلْتُ: هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ: وَهِيَ تَبَعُ الْوَلَدِ لِمَالِكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُ مَالِكَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا تُوُقِّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ _وَإِنْكَانَ مَالِكُهُ مُسْلِمًا_ لِأَنَّ أَبَوَيِ الطِّفْلِ مَعَهُ، وَهُمَا كَافِرَانِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَكَانَتِ الْوِلَايَةُ لِسَيِّدِهِ، وَمَالِكِهِ تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَأَطْرَدُ عَلَى أُصُولِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ لَوْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ كَانَ مَمْلُوكًا لِسَابِيهِ، وَكَانَ عَلَى دِينِهِمَا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟.
قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَبَوَيْهِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِمَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا لَوْ وُلِدَ بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ قَبْلَ السِّبَاءِ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ تَبَعِيَّةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُسْلِمًا، إِذَا مَاتَتْ أُمُّهُ وَكَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ.
فَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَارِيَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ، لَهَا زَوْجٌ نَصْرَانِيٌّ، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَاتَتْ عِنْدَ الْمُسْلِمِ، وَبَقِيَ وَلَدُهَا عِنْدَهُ مَا يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الصَّبِيِّ؟
فَقَالَ: إِذَا كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِمَوْتِ أُمِّهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِكَفَالَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِوُجُودِ أُمِّهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَأْخَذِ، وَهُوَ كَفَالَةُ الْمُسْلِمِينَ، فِي رِوَايَةٍ لِيَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ: فَإِنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَارِيَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ لِقَوْمٍ، فَوُلِدَتْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ مَاتَتْ مَا يَكُونُ الْوَلَدُ؟.
قَالَ: إِذَا كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفُلُهُ إِلَّا هُمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ.
قِيلَ لَهُ: فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْأُمِّ بِقَلِيلٍ؟.
قَالَ: يَدْفِنُهُ الْمُسْلِمُونَ.
وَهَذَا تَقْيِيدٌ مُطْلَقٌ أَجْوِبَتُهُ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ كَفَلَهُ أَهْلُ دِينِهِ.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ، وَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ، وَبِهِ يَجْتَمِعُ شَمْلُ الْأَدِلَّةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ قَالُوا: لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ عُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: يَصِيرُ أَطْفَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُسْلِمِينَ بِمَوْتِ آبَائِهِمْ، مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْأَيْتَامُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى وَقْتِنَا، وَهُمْ يَرَوْنَ أَيْتَامَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُشَاهِدُونَهُمْ عَيْنًا، وَيَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ لَمَا سَاغَ لَهُمْ إِقْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَلَّا يَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ.
قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُكْمَ أَوْلَادِهِمْ لَكَانَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ، وَكَانَ ذِكْرُهُ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ آكَدَ وَأَوْلَى مِنْ تَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ، وَهَيْئَةِ رُكُوبِهِمْ، وَخَفْضِ أَصْوَاتِهِمْ بِكَنَائِسِهِمْ، وَبِالنَّاقُوسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ بَقَاءِ أَطْفَالِهِمْ كُفَّارًا، وَقَدْ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْآبَاءِ؟
قَالُوا: وَهَذَا يَقْرُبُ مِنَ الْقَطْعِ.
وَالَّذِينَ حَكَمُوا بِإِسْلَامِهِمْ قَالُوا: مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَافِرًا بَعْدَ مَوْتِ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَابِعًا لَهُمَا شَرْعًا، وَقَدَرًا، فَإِذَا زَالَ الْأَبَوَانِ كَانَ مِنَ الْمُمْتَنِعِ نَقْلُ الْوَلَدِ عَنْ حُكْمِ الْفِطْرَةِ بِلَا مُوجِبٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القيّم وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾(الروم:30)، فَمَا الْمُوجِبُ لِتَبْدِيلِ الْفِطْرَةِ، وَقَدْ زَالَ مَنْ كَانَ يُبَدِّلُهَا مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَبِكَفَالَتِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ، وَحَضَانَتِهِ؟.
فَإِذَا كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَامُوا بِتَرْبِيَتِهِ، وَحَضَانَتِهِ، وَمَعَهُ الْفِطْرَةُ الْأَصْلِيَّةُ، وَالْمُغَيِّرُ لَهَا قَدْ زَالَ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ؟. وَهَذَا أَيْضًا قَرِيبٌ مِنَ الْقَطْعِيِّ.
وَنَحْنُ نَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَنَقُولُ بِمُوجِبِ الدَّلِيلَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ»ا.هـ.
 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

المنتصر بالله
2012-07- 12







19: الطفل الكافر إذا اشتراه المسلم:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الكافر إذا اشتراه المسلم، على قولين:
القول الأول: يُحكم بكفره تبعًا لأبويه، وهذا مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا للمسلم الذي اشتراه، وهذا قول الإمام ابن تَيمِيَّة، وابن القيّم.
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: إعلام الموقعين لابن القيّم)، ج2، ص39.«فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا الْأَصْلَ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ، فَتَقُولُونَ: إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ طِفْلًا كَافِرًا يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ، أَوْ تَتَنَاقَضُونَ فَتُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّابِي؟.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: فِيمَا إذَا زَوَّجَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ مِنْ أَمَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، أَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ مِنْهُمْ بِأَمَةٍ فَأَوْلَدَهَا، ثُمَّ بَاعَ السَّيِّدُ هَذَا الْوَلَدَ لِمُسْلِمٍ.
قِيلَ: نَعَمْ نَطْرُدُهُ، وَنَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ،قَالَهُ شَيْخُنَا _قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ_.
وَلَكِنَّ جَادَّةَ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَأَوْلَى.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ شَيْخِنَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ، وَانْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ وَالْمِيرَاثُ وَالْحَضَانَةُ بَيْنَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ، وَصَارَ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ، وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ؛ فَلَا يُفْرَدُ عَنْهُ بِحُكْمٍ، فَكَيْفَ يُفْرَدُ عَنْهُ فِي دِينِهِ؟.
وَهَذَا طَرْدُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَاءِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ»ا.هـ.

20: طفل الذميّ الذي يجعله أبوه مُسلمًا:
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص360«
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الذِّمِّيِّ يَجْعَلُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمًا، فَهَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟.
قِيلَ: قَدْ قَالَ الْخَلَّالُ فِي “الْجَامِعِ”:“بَابٌ فِي الذِّمِّيِّينَ يَجْعَلُونَ أَوْلَادَهُمْ مُسْلِمِينَ”:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَاقُولِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ يُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ فَيَقُولَانِ: هَذَا مُسْلِمٌ، فَيَمْكُثُ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى، قَالَ: ذَاكَ يَدْفِنُهُ الْمُسْلِمُونَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الصَّبِيِّ الْمَجُوسِيِّ يَجْعَلُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمًا، ثُمَّ يَمُوتُ، أَيْنَ يُدْفَنُ؟
قَالَ:«يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ»، إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
هَذَا لَفْظُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِنَّمَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، فَإِذَا جَعَلَاهُ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا»ا.هـ.
: إسلام أَبَوَي الطفل:
لا خِلاف بين العلماء فِي أنّ أطفال المسلمين لهم حُكْم آبائهم،كما تبيّن لك مما نقلنا.
22: إسلام الأب دون الأم:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي أسلم أبوه دون أمه، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه، بل تختص التبعية بالأم، لأنه تبع لها فِي الحرية والرقّ، لا للأب، وهذا أحد أقوال الإمام عطاء، وبعض فُقهاء المدينة، قاله الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_وسيأتي.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لأبيه المسلم، وهذا قول الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعيّ، والإمام أحمد، والإمام عثمان الْبَتِّي، والإمام الأوزاعي، والإمام الليث بن سعد، والإمام الحسن بن حيّ.
23: إسلام الأم دون الأب:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي أسلمت أمه دون أبيه، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه، بل تختص التبعية بالأب، وهذا قول الإمام مالك، والإمام أبي سليمان.
فقال الإمام مالك _رَحِمَهُ الله_ كما فِي “الْمُغْنِي”: (الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج9، ص18.
«إنْ أَسْلَمَ الْأَبُ، تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْأُمُّ لَمْ يَتْبَعُوهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَرْبِيَّيْنِ يَتْبَعُ أَبَاهُ دُونَ أُمِّهِ، بِدَلِيلِ الْمَوْلَيَيْنِ إذَا كَانَ لَهُمَا وَلَدٌ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أَبِيهِ دُونَ مَوْلَى أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا أَوْ الْأُمُّ مَوْلَاةً، فَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، لَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ، وَيَنْتَسِبُ إلَى قَبِيلَتِهِ دُونَ قَبِيلَةِ أُمِّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ أَبَاهُ فِي دِينِهِ أَيَّ دِينٍ كَانَ»ا.هـ.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لأمه المسلمة،وهذا قول الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام ابن وهب، والإمام عثمان الْبَتِّي، والإمام الأوزاعي، والإمام الليث بن سعد، والإمام الحسن بن حيّ.
قالوا: (الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج9، ص18-19.«أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا، وَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا، كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَيَتَرَجَّحُ الْإِسْلَامُ بِأَشْيَاءَ:
مِنْهَا: أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي رَضِيَهُ لِعِبَادِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ دُعَاةً لِخَلْقِهِ إلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وفِي الْآخِرَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَمَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْقَتْلِ، كَوَلَدِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا رَجَعَ عَنْ إسْلَامِهِ، وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَلَنَا عَلَى مَالِكٍ: أَنَّ الْأُمَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الْإِسْلَامِ، كَالْأَبِ، بَلْ الْأُمُّ أَوْلَى بِهِ، لِأَنَّهَا أَخَصُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْهَا حَقِيقَةً، وَتَخْتَصُّ بِحَمْلِهِ وَرَضَاعِهِ، وَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ»ا.هـ.
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_:(أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص351.
«وَالدَّلِيلُ عَلَى تَبَعِيَّتِهِ لِأُمِّهِ قَوْلُ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ»، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْ وُجِدَ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَإِذَا تَبِعَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ فِي كُفْرِهِ فَلَأَنْ يَتْبَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْوِلَايَةَ، وَالتَّعْصِيبَ لِلْأَبِ، فَتَكُونُ التَّبَعِيَّةُ لَهُ دُونَ الْأُمِّ، فَيُقَالُ: وِلَايَةُ التَّرْبِيَةِ، وَالْحَضَانَةِ وَالْكَفَالَةِ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ، وَإِنَّمَا قُوَّةُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى الطِّفْلِ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَوِلَايَةُ الْأُمِّ فِي التَّرْبِيَةِ، وَالْحَضَانَةِ أَقْوَى: فَتَبَعِيَّةُ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ فِي الْإِسْلَامِ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ الْأَبِ فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لَهُ.
وَأَيْضًا: فَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا تَبِعَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ اتِّفَاقًا دُونَ الْأَبِ، فَإِذَا أَسْلَمَتْ تَبِعَهَا سَائِرُ أَجْزَائِهَا، وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، يُوَضِّحُهُ أَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ تَبَعًا لِإِسْلَامِهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَيَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ عَلَى كُفْرِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ»ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_:(إعلام الموقعين لابن القيّم)، ج2، ص37.«فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الْوَلَدَ فِي الدَّيْنِ تَابِعًا لِمَنْ لَهُ النَّسَبُ، بَلْ أَلْحَقْتُمُوهُ بِأَبِيهِ تَارَةً، وَبِأُمِّهِ تَارَةً.
قِيلَ: الطِّفْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا تَابِعًا لِغَيْرِهِ؛ فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ تَابِعًا لِخَيْرِ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ تَغْلِيبًا لِخَيْرِ الدِّينَيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّبَعِيَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتْبَعَ مَنْ هُوَ عَلَى دِينِ الشَّيْطَانِ، وَتَنْقَطِعُ تَبَعِيَّتُهُ عَمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِ الرَّحْمَنِ؛ فَهَذَا مُحَالٌ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ»ا.هـ.

24: إسلام الأخ أو الأخت:
اختلف أهل العلم فِي حُكْم الطفل الذي أسلم أخوه أو أخته، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه لاختصاص التبعية بالأبوين، وهذا قول الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه فيرثه أخوه أو أخته، وهذا قول الإمام سليمان بن موسي_رَحِمَهُ الله_.
قال الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_: المحلّى لابن حزم)، ج5، ص382-384.
«مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّ الأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلاَدِهِمَا مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا؛ الأُُمُّ أَسْلَمَتْ أَوْ الأَبُ.
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِهِمْ كُلِّهِمْ.
وقال مالك, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إِلاَّ بِإِسْلاَمِ الأَبِ, لاَ بِإِسْلاَمِ الأُُمِّ.
وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: لاَ يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إِلاَّ بِإِسْلاَمِ الأُُمِّ, وَأَمَّا بِإِسْلاَمِ الأَبِ فَلاَ; لأََنَّهُمْ تَبَعٌ لِلأُُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ, وَالرِّقِّ لاَ لِلأَبِ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ جَعَلَهُمْ بِإِسْلاَمِ الأَبِ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ حُجَّةً أَصْلاً.
وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي ابْنِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ زِنَا اسْتِكْرَاهٍ؟.
فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِهَا.
وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِمْ, وَوَافَقُونَا أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ الأَبَوَانِ, أَوْ أَحَدُهُمَا, وَلَهُمَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ قَدْ بَلَغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَبِهِ نَقُولُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾(الأنعام:164)، وَالْبَالِغُ مُخَاطَبٌ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ أَوْ الذِّمَّةِ, وَلَيْسَ غَيْرُ الْبَالِغِ مُخَاطَبًا كَمَا قَدَّمْنَا.
قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ, وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَزَوَّرًا قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ فَهُوَ عَلَى دِينِهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ بَالِغًا, وَمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغُ لاَ مَنْ بَلَغَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ قَاسَ الدِّينَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القيّم وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الروم:30). فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَبْدِيلُ دِينِ الإِسْلاَمِ لأََحَدٍ، وَلاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ يُبَدِّلُهُ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِهِ عَلَى تَبْدِيلِهِ فَقَطْ, وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾(آل عمران:85), فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الدُّنْيَا، وَلاَ فِي الآخِرَةِ دِينٌ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَ دِينِ الإِسْلاَمِ، إِلاَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَيُقَرَّ عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ»، فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ إِلاَّ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ; فَمَنْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إقْرَارِهِ عَلَى مُفَارَقَةِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاهُ, وَمَنْ لاَ لَمْ نُقِرَّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ».
قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ الإِسْلاَمِ إِلاَّ مَنْ اتَّفَقَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ, أَوْ تَنْصِيرِهِ, أَوْ تَمْجِيسِهِ فَقَطْ, فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُمَجِّسْهُ أَبَوَاهُ, وَلاَ نَصَّرَاهُ, وَلاَ هَوَّدَاهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ الإِسْلاَمِ، وَلاَ بُدَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَدْ وَهَلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَهَذِهِ الأَخْبَارِ وَهِيَ بَيِّنَةٌ وَهِيَ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْفُسِ حِينَ خَلَقَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾(الأعراف:172).
وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ عَطَاءٍ فِي هَذَا:
فَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِنَا: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أَيِّ أَبَوَيْهِ أَسْلَمَ.
وَمَرَّةً قَالَ: هُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِمْ لاَ بِإِسْلاَمِ أَبِيهِمْ.
وَمَرَّةً قَالَ: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ وَرِثَا جَمِيعًا مَنْ مَاتَ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِمَا، وَوَرِثَهُمَا صِغَارُ وَلَدِهِمَا.
رُوِّينَا هَذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْهُ.
رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا فِي الصَّغِيرِ يَكُونُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا فَيَمُوتُ: إنَّهُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرٍو وَالْمُغِيرَةِ قَالَ عَمْرٌو: عَنِ الْحَسَنِ, وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالاَ جَمِيعًا فِي نَصْرَانِيَّيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا: إنَّ أَوْلاَهُمَا بِهِمْ الْمُسْلِمُ يَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إنْ أَسْلَمَ جَدُّ الصَّغِيرِ, أَوْ عَمُّهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: الأَمْرُ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِينَا الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ، وَلاَ يُشَكُّ فِيهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ الآنَ أَنَّ النَّصْرَانِيِّينَ بَيْنَهَا وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَسْلَمَتْ الأُُمُّ وَرِثَتْهُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَقِيَ فَلِلْمُسْلِمِينَ, فَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّيْنِ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ مُسْلِمٍ, أَوْ أُخْتٌ مُسْلِمَةٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ, أَوْ أُخْتُهُ كِتَابَ اللَّهِ, ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ.
رُوِّينَا هَذَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ هَذَا لِعَطَاءٍ, وَسُلَيْمَانُ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ أَدْرَكَ التَّابِعِينَ الأَكَابِرَ.
وَلَسْنَا نَرَاهُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ جَدٍّ, وَلاَ عَمٍّ, وَلاَ أَخٍ, وَلاَ أُخْتٍ, إذَا اجْتَمَعَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ, أَوْ تَنْصِيرِهِ, أَوْ تَمْجِيسِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_»ا.هـ.


25: إسلام العمّ:
اختلف أهل العلم فِي حُكم الطفل الذي أسلم عمّه، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه لاختصاص التبعية بالأبوين، وهذا قول الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه تبعًا لعمه المسلم، وهذا قول الإمام الأوزاعي _رَحِمَهُ الله_.
فقال _رَحِمَهُ الله_: المحلّى لابن حزم)، ج5، ص384.«إنْ أَسْلَمَ جَدُّ الصَّغِيرِ, أَوْ عَمُّهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ»ا.هـ.


26: إسلام الْجَدّ أو الْجَدّة:
اختلف أهل العلم فِي حُكم الطفل الذي أسلم جدّه أو جدّته، على قولين:
القول الأول: لا يُحكم بإسلامه، وهذا مذهب الجمهور، وهو قول الإمام ابن حزم _رَحِمَهُ الله_.
القول الثاني: يُحكم بإسلامه، وهذا قول الإمام الشافعي، وقول الإمام الأوزاعي فِي الجد إذا أسلم.
قال تقي الدين الحصني الشافعي _رَحِمَهُ الله_: كفاية الأخيار للحصني)، ص502.«وهل يَعْصِم إسلام الجدّ وَلَدَ ابْنِه الْصَّغِير؟.
فيه أوجه: الصحيح: نَعَم»ا.هـ.
وقال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: أحكام أهل الذمة لابن القيّم)، ج2، ص351-352.«
وَأَمَّا تَبَعِيَّتُهُ لِجَدِّهِ، وَجَدَّتِهِ:
فَالْجُمْهُورُ مَنَعُوا مِنْهُ.
وَالشَّافِعِيُّ قَالَ بِهِ طَرْدًا لِأَصْلِهِ فِي إِقَامَةِ الْجَدِّ مَقَامَ الْأَبِ.
وَلَكِنْ قَدْ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، فَلَمْ يَطْرُدْهُ فِي إِسْقَاطِهِ لِلْإِخْوَةِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ الْأُمِّ مَعَهُ ثُلُثَ الْبَاقِي إِذَا كَانَ مَعَهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ.
وَقَدْ أَلْزَمَ الشَّافِعِيُّ إِسْلَامَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ تَبَعًا لِآدَمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ بِذَلِكَ عَلَى الْجَدِّ الْأَدْنَى، وَلَا يُغْنِي الِاعْتِذَارُ بِحَيَاةِ الْأَبِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَطْفَالِ يَمُوتُ آبَاؤُهُمْ مَعَ إِسْلَامِ أَجْدَادِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ وُجُودَ الْأَبِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ تَبَعِيَّةِ الطِّفْلِ لِجَدِّهِ فِي الْإِسْلَامِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
لَكِنْ لَا يُلْزِمُ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْإِلْزَامَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِتَبَعِيَّةِ الطِّفْلِ جَدَّهُ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا أَسْلَمَ الْجَدُّ، وَالطِّفْلُ مَوْجُودٌ، فَأَمَّا إِذَا وُلِدَ الطِّفْلُ كَافِرًا بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ فَلَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بِإِسْلَامِهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا»ا.هـ.
وقال الإمام ابن عابدين الحنفي _رَحِمَهُ الله_: حاشية ابن عابدين)، ج3، ص197.«تَتِمَّةٌ”:
ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سَيْرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ: أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَلَوْ أَبُوهُ مَيِّتًا، وَأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْجَدُّ كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَابِعًا لَهُ لَكَانَ تَابِعًا لِجَدِّ الْجَدِّ وَهَكَذَا، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ _عَلَيْهِ السَّلَامُ_.
وَفِيهِ أَيْضًا: الصَّغِيرُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الدِّينِ، فَإِنْ انْعَدَمَا فَلِذِي الْيَدِ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَلِلدَّارِ، وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ. انتهى.» ا.هـ.
.


وقال الإمام الكاساني الحنفي _رَحِمَهُ الله_: بدائع الصنائع للكاساني)، ج7، ص134 «وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ(أي: في الرِدَّة.) اُخْتُلِفَ فِيهِ؟.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_: لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتَصِحُّ رِدَّةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ _رَحِمَهُ اللَّهُ_: شَرْطٌ حَتَّى لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ.
“وَجْهُ قَوْلِهِ”: أَنَّ عَقْلَ الصَّبِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ وَإِعْتَاقُهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ، وَالرِّدَّةُ مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَيَقَعُ مَحْضًا؛ لِذَلِكَ صَحَّ إيمَانُهُ وَلَمْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ.
“وَجْهُ قَوْلِهِمَا”: أَنَّهُ صَحَّ إيمَانُهُ فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِيمَانِ وَالرِّدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ وَالرِّدَّةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهُمَا أَفْعَالٌ خَارِجَةُ الْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ، وَالْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ دَلِيلُ وُجُودِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا إلَّا أَنَّهُمَا مَعَ وُجُودِهِمَا مِنْهُ حَقِيقَةً لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ»ا.هـ.

27- الحكم لمن لم يعرف حاله من الاطفال بحكم الدار غير صحيح حسب راي الامام الشوكاني
قال الامام الشوكاني في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - (1 / 981)
قوله: " (والصبي مسلم بإسلام أحد أبويه وبكونه في دارنا دونهما ويحكم للملتبس بالدار)

وأما قوله: "وللملتبس بالدار" فلا وجه له بل ينبغي الحكم للملتبس بالإسلام لأنه مولود على الفطرة كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم)انتهي.

انتهى الكلام عن تبعية الاطفال ولله الحمد .
ويليه حكم البالغ وتبعية الدار



تبعية الدار
وسننظر الى هذا الباب محاولين ان نطبق قاعدة مالا يتم الواجب الا به فهو واجب كما فعلنا مع سابقه من الابواب حتى نري هل يمكن تطبيقها واجراء احكامها علي هذا الباب وهو باب احكام الديار , لنتمكن من معرفة قوة او ضعف هذه القاعدة عند انزالها على هذا الباب
فنقول وبالله التوفيق
ان اهل العلم اختلفوا في مناط دار الكفر ودار الاسلام فجمهورهم على ان كل دار اجريت عليها احكام الاسلام فهي دار اسلام وكل دار اجريت عليها احكام الكفر فهي دار كفر هذا قول جمهور اهل العلم .
وقد بين الإمام ابن حزم هذا المناط فقال في المحلى)، ج12، ص126._رَحِمَهُ الله_: «وَدَارُهُمْ دَارُ إسْلامٍ، لا دَارُ شِرْكٍ، لأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ لِلْغَالِبِ عَلَيْهَا، وَالْحَاكِمُ فِيهَا، وَالْمَالِكُ لَهَا»ا.هـ.
ثم خالفهم في هذا القول بعض اهل العلم وعلى اقوال مختلفة سنذكرها هنا جميعها او جلها وبالله التوفيق

ذكر اهل العلم اسباب مختلفة للحكم على الدار وهي في مجملها ثلاثة اسباب
السبب الاول – الحكم على الدار بحسب نوعية الاحكام التي تجري فيها سواء احكام اسلام او احكام كفر
السبب الثاني – الحكم على الدار بحسب نوعية الاحكام التي تجري في الدار , وموقعها هل هي وسط ديار الاسلام ام ملاصقة لها ام بعيدة عنها , وكذلك امان من فيها من المسلمين واهل الذمة على دينهم ونفسهم ومالهم .
السبب الثالث – الحكم على الدار بحسب امكانية اظهار الدين في هذه الدار ويكون هذا لوحده سبب للحكم علي هذه الدار بكونها دار اسلام او دار كفر .
وهذه الاسباب هي وسائل في حقيقة الامر حسب رأي اصحاب هذه البدعة , فعلى قولهم واعتقادهم هل يمكنهم ان يذكروا لنا باي وسيلة من هذه الوسائل يجب علينا ان نأخذ لنصل الى المقصد الاهم وهو تحقيق مبدا المفاصلة , ثم اذا اخذنا بأحدها واخذ غيرنا بوسيلة مختلفة ادت به الى حكم مختلف على الناس الموجودين في نفس الدار فما هو حكم المخالف في هذه الحالة ؟؟؟؟؟؟؟ .

وسنذكر الاقوال هنا مجملة ثم نتبعها بالتفصيل
السبب الاول الحكم على الدار بحسب نوعية الاحكام التي تجري فيها
وهو على قسمين
القسم الاول ) دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها.
وهذا قول الجمهور كما قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_، ومنهم الأحناف إذ لم يختلفوا فِي ذلك، كما قال الإمام الكاساني الحنفي _رَحِمَهُ الله_:«لَا خِلَافَ بين أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ دَارَ الْكُفْرِ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فيها»ا.هـ.

القسم الثاني) دار الإسلام تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها.
وهو قول الشافعية والحنابلة، كما قال الإمام ابن قدامة الحنبلي _رَحِمَهُ الله_، واختلف فِي ذلك الأحناف كما قال الإمام الكاساني _رَحِمَهُ الله_: «وَاخْتَلَفُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أنها بِمَاذَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ؟.»ا.هـ،
وقد تابع الإمام أبو يوسف والإمام محمد بن الحسن الشيباني _رحمهما الله تعالى_ الحنابلة في هذا القول

خلافًا لما قاله الإمام أبو حنيفة _رَحِمَهُ الله_
وهو السبب الثاني
الحكم على الدار بحسب نوعية الاحكام التي تجري في الدار وموقعها، وأمان أهلها من المسلمين واهل الذمة فيها


السبب الثالث وهو الحكم على الدار بحسب امكانية اظهار الدين في هذه الدار
وهو قول الإمام الْمَاوَرْدِيّ _رَحِمَهُ الله_.
قال الإمام نيل الأوطار للشوكاني)، ج8، ص32. _رَحِمَهُ الله_: «وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:“إذَا قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ فِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ فَقَدْ صَارَتْ الْبَلَدُ بِهِ دَارَ إسْلَامٍ، فَالْإِقَامَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الرِّحْلَةِ عَنْهَا لِمَا يُتَرَجَّى مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ فِي الْإِسْلَامِ”، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الرَّأْيِ مِنْ الْمُصَادَمَةِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَاضِيَةِ بِتَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ»ا.هـ.

ونحن نضيف هنا ايضا ان هذا الراي مصادم لاعتقادات اصحاب هذه البدعة فما عساهم يفعلون مع الامام الماوردي يا ترى؟؟
فعلى هذا الراي فان ديارهم التي يقيمون فيها اصبحت ديار اسلام وهذا مخالف لاعتقاد اصحاب هذه البدعة , فهل هذا الخلاف بينهم وبين الامام الماوردي هو خلاف في اصل الدين
وهو خلاف في الكفر على راي محمد سلامي والخلاف في الكفر هو خلاف في اصل الدين حسب القاعدة التي وضعها محمد سلامي
فإما ان يكون الامام الماوري هو المخطئ والعياذ بالله في اصل الدين
واما ان يعترف اصحاب هذه البدعة بخطأ هم وكفى الله المؤمنين شر القتال .



وسننظر بشيء من التفصيل الى هذه الاسباب الثلاثة للحكم على الدار , والتي يعرف الناظر المنصف اليها انها تؤدي الى نتائج واحكام مختلفة على الديار , مما ينتج عنه احكام مختلفة على ساكنيها وبالتالي الى الاختلاف فى الحكم على الناس فيها بالإسلام او بالكفر , فهل وصل الخلاف بأهل العلم الى درجة انهم يختلفون فيما لا يتم اصل الدين الا به , كما يزعم اصحاب هذا القول , وكذلك الاختلاف في الوسائل التي قالوا لنا ان لها حكم المقاصد ؟؟
سؤال يحتاج الى منصف للإجابة عنه بصدق وحياد وتجرد وخوف من الله .

قال الإمام ابن القيّم أحكام أهل الذمة)، ج1، ص257. _رَحِمَهُ الله_: «قَالَ الْجُمْهُورُ: دَارُ الْإِسْلَامِ هِيَ الَّتِي نَزَلَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَجَرَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَمَا لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ دَارَ إِسْلَامٍ، وَإِنْ لَاصَقَهَا، فَهَذِهِ الطَّائِفُ قَرِيبَةٌ إِلَى مَكَّةَ جِدًّا وَلَمْ تَصِرْ دَارَ إِسْلَامٍ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ السَّاحِلُ»ا.هـ.

وقال الإمام ابن مُفْلِح _ الدرر السنية)، ج9، ص248.رَحِمَهُ الله_:

«وكل دار غلب عليها أحكام المسلمين، فدار إسلام، وإن غلب عليها أحكام الكفر، فدار كفر، ولا دار غيرهما»ا.هـ.


وقال الإمام منصور الْبُهُوتِيّ كشاف القناع)، ج3، ص43 _رَحِمَهُ الله

_: «(وَتَجِبُ) الْهِجْرَةُ (عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهِيَ مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ)» ا.هـ.


وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج9، ص17-18. _رَحِمَهُ الله

_: «فَصْلٌ: وَمَتَى ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ، وَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُهُمْ، صَارُوا دَارَ حَرْبٍ فِي اغْتِنَامِ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ الْحَادِثِينَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَحَقُّهُمْ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ رُبَّمَا أَغْرَى أَمْثَالَهُمْ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ وَالِارْتِدَادِ مَعَهُمْ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ بِهِمْ.
وَإِذَا قَاتَلَهُمْ، قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَتْبَعُ مُدْبِرَهُمْ، وَيُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَتُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ حَتَّى تُجْمَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ؛ أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْحَرْبِ، لَا شَيْءَ بَيْنَهُمَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ آمِنٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَجْرِيَ فِيهَا أَحْكَامُهُمْ.
وَلَنَا(
يقصد الحنابله هنا)، أَنَّهَا دَارُ كُفَّارٍ، فِيهَا أَحْكَامُهُمْ، فَكَانَتْ دَارَ حَرْبٍ _كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ فِيهَا هَذِهِ الْخِصَالُ_، أَوْ دَارَ الْكَفَرَةِ الْأَصْلِيِّينَ»ا.هـ.

فانظر بالله عليك الى قول الامام ابو حنيفة انها لا تصير دار حرب أي ان احكام دار الحرب لا تسري عليها وبالتالي فان الحكم على من يجهل حاله فيها هو انه مسلم اذا اخذنا بأقوال اهل العلم ان الدار اما دار اسلام او دار حرب ولا ثالث غيرهما , فكيف ضيع الامام ابو حنيفة هذا الحكم وخالف غيره من المسلمين واخذ بأسباب تجعل الحكم عنده مختلف على الدار , اذ ان اغلب جمهور اهل العلم يكتفون بالشرط الاول فقط الذي ذكره ابو حنيفة , فهل هذا الذي تركة الامام ابو حنيفة هو مما لا يتم الواجب الا به ؟؟ ام انه من الوسائل التي لها حكم المقاصد ؟؟
وفي النقل القادم يبين الامام الكاساني قوة ووضوح هذا الاختلاف ويذكر كيف يؤثر هذا الاختلاف على واقع الحكم على الناس الذي قيل لنا انه لا يتم اصل ديننا الا بمعرفته والحكم به.


قال الإمام الكاساني الحنفي بدائع الصنائع)
، ج7، ص130-131.
_رَحِمَهُ الله_:
«لَا خِلَافَ بين أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ دَارَ الْكُفْرِ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فيها.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أنها بِمَاذَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ؟.
قال أبو حَنِيفَةَ: إنَّهَا لَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ إلَّا بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: ظُهُورُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فيها.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْكُفْرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَبْقَى فيها مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ، وهو أَمَانُ الْمُسْلِمِينَ.
وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ _رَحِمَهُمَا اللَّهُ_: إنَّهَا تَصِيرُ دَارَ الْكُفْرِ بِظُهُورِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فيها.
... _و يبداء الامام هنا بشرح تأثير هذا الاختلاف فيقول _
وَقِيَاسُ هذا الِاخْتِلَافِ فِي أَرْضٍ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ عليها الْمُشْرِكُونَ، وَأَظْهَرُوا فيها أَحْكَامَ الْكُفْرِ، أو كان أَهْلُهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ فَنَقَضُوا الذِّمَّةَ، وَأَظْهَرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ، هل تَصِيرُ دَارَ حَرْبِ؟ فَهُوَ على ما ذَكَرْنَا من الِاخْتِلَافِ»ا.هـ.

يقول الشارح - فهذه الأرض التي هي دار إسلام، وظهر عليها المشركون، وأظهروا فيها أحكام الكفر، لو كانت غير ملاصقة لدار الكفر فتبقى دار إسلام عند أبي حنيفة _رَحِمَهُ الله_، إذ لم يتحقق الشرط الثاني عنده، وكذلك تبقى دار إسلام إذا أمن المسلم والذمي فيها، إذ لم يتحقق الشرط الثالث عنده، ومعلوم أنه «إذا انتفى الشرط انتفى الْحُكم او إِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ، انْتَفَى الْمَشْرُوطُ، أما علماء الشافعية والحنابلة وغيرهم على أنها تصير دار كفر).. وهذا خلاف واضح لكل منصف يجعل قضية الحكم على الناس في هذه الديار التي ذكرنا ,مختلف فيها بدون ادنى شك على الاقل بين الاحناف وغيرهم من اهل العلم .

قال الإمام السَّرَخْسِي الحنفي _ المبسوط
)، ج10، ص114رَحِمَهُ الله_:

«وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ _رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى_ إنَّمَا تَصِيرُ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً أَرْضَ التُّرْكِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِ الْحَرْبِ دَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ آمِنٌ بِإِيمَانِهِ، وَلَا ذِمِّيٌّ آمِنٌ بِأَمَانِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُظْهِرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ فِيهَا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ _رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى_ إذَا أَظْهَرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ فِيهَا فَقَدْ صَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ ظَهَرَ فِيهِ حُكْمُ الشِّرْكِ فَالْقُوَّةُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلْمُشْرِكِينَ فَكَانَتْ دَارَ حَرْبٍ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الظَّاهِرُ فِيهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَالْقُوَّةُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ»ا.هـ.

وقال السَرَخْسِي)، شرح السِّيَر الكبير ج5، ص2197. _رَحِمَهُ الله_: «وَالدَّارُ تَصِيرُ دَارَ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ»ا.هـ.

واما القول الثالث الذي خالف القولين السابقين جملة وتفصيلا فهو قول بعض اهل العلم ان الدار تصبح دار اسلام اذا قدر المرء على اظهار دينه فيها ولم يفصلوا في حكم من فيها بالنسبة لهذا المسلم .

وقال الإمام الْمَاوَرْدِيّ _رَحِمَهُ الله_:
فتح الباري لابن حجر)، ج7، ص229،
ونيل الأوطار للشوكاني)، ج8، ص32
«إِذَا قَدَرَ عَلَى إِظْهَار الدِّين فِي بَلَد مِنْ بِلَاد الْكُفْر، فَقَدْ صَارَتْ الْبَلَد بِهِ دَار إِسْلَام، فَالْإِقَامَة فِيهَا أَفْضَل مِنْ الرِّحْلَة مِنْهَا، لِمَا يُتَرَجَّى مِنْ دُخُول غَيْره فِي الْإِسْلَام»ا.هـ.

وقال الإمام النووي _رَحِمَهُ الله_:
روضة الطالبين)، ج10، ص282
«قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي”: فَإِنْ كَانَ يَرْجُو ظُهُورَ الْإِسْلَامِ هُنَاكَ بِمُقَامِهِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ.
قَالَ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالِاعْتِزَالِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ بِهَا، لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إِسْلَامٍ، فَلَوْ هَاجَرَ، لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ، فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ»ا.هـ.

فهذا الخلاف الذي ذكرنا وبينا واضح لا يحتاج الى كثير كلام وتفسير وشرح وتوضيح وهو يدل على ان هذه الاحكام اختلف اهل العلم فيها ولم يكفر بعضهم بعضاً , ونحن نتبع قول الجمهور ولله الحمد , لكننا نذكر الخلاف لنعرف ان مسألة احكام الديار هي من المسائل التي اختلف فيها اهل العلم ولم يكفر بعضهم بعضا , فهلا وسعنا ما وسعهم مع ورعهم وخوفهم وعلمهم واحتياطهم وخوفهم على دينهم, فاين هذا الكلام وهذا المنهج من منهج من يقول كلام مبتدع لا سلف له فيه ويريدنا ان نترك سلف الامة ونتبع هذا القول ونتبع غير سبيل المؤمنين ونترك سبيل سلف هذه الامه وعلماءها الكرام اتباعا لمنهج التكفير فقط لا غير , وكأننا نكفر من اجل التكفير وليس من اجل اننا نعتقد ان التكفير هو حكم شرعي شرعه الله وانزله وحكم به انبيائه ارضاء لله واتباعا لحكمه وشرعه فمتي تحققت شروطه وثبتت على من وقع فيه وتلبس به اجرينا احكامه تصديقا لله ورسوله فيما حكم به وتحقيقا لركن التوحيد وهو الكفر بالطاغوت وتكفير عابديه , وليس الهدف هو الانتصار لمذهب او دين يسمي تكفير الناس فقط , فاني ابراء لله تعالي من هذا المنهج وهذا الطرح ونسأل الله ان يهدي من اراد الحق الي صراط مستقيم .

ولمزيد من التوضيح لهذا الموضوع وهو موضوع التبعية فإننا سنبين بعض الاحكام التي ذكرها اهل العلم والتي تبين مدى ضعف هذه الاحكام الى درجة ان اهل العلم قدموا عليها امورا ظنية كالحكم بالقرائن المشتركة مثلا بدل الحكم بدليل المكان او بتبعية الدار وهذا يبين للقارئ ان الحكم بتبعية الدار هو من اضعف الادلة الظنية التي يلجأ اليها اهل العلم عند عدم توفر غيرها من الادلة الظنية الأقوى دلالة وظهورا كدليل السيما او القرينة, لذلك كثر ذكرها واستعمالها في حال وجود ميت لا يعرف دينه, بل ان الامام الكاساني ذكر ان هناك روايتان في العمل بدليل المكان وحده أي في العمل بتبعية الدار بينما ذكر الاجماع على صحة العمل بالسيما , فكيف يقال ان هذه الاحكام مما لا يتم اصل الدين الا بها سبحانك هذا بهتان عظيم
قال الإمام الكاساني _رَحِمَهُ الله_: بدائع الصنائع)، ج1، ص303-304.«وَلَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أو قَتِيلٌ:

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ بين السِّيمَا وَدَلِيلِ الْمَكَانِ، بَلْ يُعْمَلُ بِالسِّيمَا وَحْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَهَلْ يُعْمَلُ بِدَلِيلِ الْمَكَانِ وَحْدَهُ؟.
فيه رِوَايَتَانِ:
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَهُ»(ا.هـ

لكن ماهي السيما التي تقدمت على تبعية الدار في هذه الحالة وما قصد الامام بغلبة الظن هنا .
ولا يقال ان الكلام عن الميت لان الحكم هنا متعلق بالتبعية ومتعلق بالضرورة بمعني من دعت الضرورة الى انزال حكم معين عليه بغلبة الظن لعدم التمكن من التحقق من اصل دينه كالميت مثلا وكمن لا يعرف حاله ولا يمكن التحقق من دينه وسؤاله كما هو حال اغلب الناس اليوم لا يمكننا الوقوف عليهم فردا فردا وسؤالهم عن اصل دينهم لما في ذلك من المفسدة العظيمة
ولنذكر السيما التي قال اهل العلم انها عارضت الاصل عندهم .
ويترك الاصل بسببها وتقدم السيما عليه بالإجماع بين اهل العلم بدون خلاف .
بمعني ان هذه السيما تقدم على حكم الدار

قال الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي أحكام القرآن للجصاص)، ج2، ص181. _رَحِمَهُ الله_
وَقَدْ اعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَمْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سِيمَاهُ:...
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ:
فَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ.
فَجَعَلُوا اعْتِبَارَ سِيمَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَوْضِعِهِ الْمَوْجُودِ فِيهِ،فَإِذَا عَدِمْنَا السِّيمَا حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْمَوْضِعِ»ا.هـ.


وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي الْمُغْنِي لابن قدامة)، ج2، ص400. _رَحِمَهُ الله_:«فَصْلٌ: وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتٌ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ:
نُظِرَ إلَى الْعَلَامَاتِ، مِنْ الْخِتَانِ، وَالثِّيَابِ، وَالْخِضَابِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ:
وَكَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ»ا.هـ.



لكن هل الختان والثياب والخضاب دليل يقوي على مخالفة هذا الاصل ؟؟؟؟
وكيف يستعاض عن حكم التبعية بمثل هذه القرائن المشتركة كالختان فقد كان اليهود و العرب في جاهليتهم يختتنون اقتداء بسنة إبراهيم عليه السلام، يدل على ذلك حديث هرقل مع أبي سفيان كما رواه البخاري وغيره.
والثياب ايضا لم يكن هناك تمييز في الثياب قبل عهد عمر بن الخطاب الا في بعض الحالات , فهل هذه الوسيلة وهي حكم تبعية الدار هي مما لا يقوم اصل دين المرء الا به ؟؟؟؟
واما غلبة الظن هذه التي كثر الحديث عنها ممن لا يفقه معناها ولا متي تطبق فيشرحها سلطان العلماء العز بن عبد السلام شرحا مبسطا فيقول
قواعد الأحكام في مصالح الأنام - (2 / 51)
فإن قيل: قد كثر في كلام العلماء أن يقولوا ما وجب بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين، فالجواب عنه من وجهين أحدهما: أن اليقين مستعار للظن المعتبر شرعا.
الوجه الثاني: نقول إن الله - تعالى - أوجب علينا في الأقوال والأفعال ما نظن أنه الواجب فإذا كان المتيقن هو المظنون فالمكلف يتيقن أن الذي يأتي به مظنون له وأن الله - تعالى - لم يكلفه إلا ما يظنه، وإن قطعه بالحكم عند ظنه ليس قطعه بمتعلق ظنه بل هو قطع بوجود ظنه، وفرق بين الظن وبين القطع بوجود المظنون. فعلى هذا من ظن الكعبة في جهة فإنه يقطع بوجوب استقبال تلك الجهة، ولا يقطع بكون الكعبة فيها))انتهى

فاذا جمعنا بين هذا الكلام وكلام الامام الكاساني حين قال
((وَهَلْ يُعْمَلُ بِدَلِيلِ الْمَكَانِ وَحْدَهُ؟.
فيه رِوَايَتَانِ:
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَهُ»(ا.هـ

فانه تبين لنا حقيقه واضحه بسيطة سهله لمن سهلها الله له وشرح صدره للهدى

يقول العز بن عبد السلام ان هناك فرق بين الظن وبين القطع بوجود المظنون
ويقول الامام الكاساني انه يعمل بتبعية الدار لحصول غلبة الظن عند المجتهد او من يريد ان يحكم على الميت او على مجهول الحال بحكم المكان او حكم الدار
والحكم على الميت او مجهول الحال بانه كافر بغالب الظن لأنه موجود في دار كفر لا يعني القطع بانه ارتكب كفر لكنه يعني وجوب الحكم على هذا الشخص بحكم الكفر لهذا قال الامام العز بن عبد السلام ان هناك فرق بين الظن وهو حصول غلبة الظن بان حكم هذا الشخص انه كافر وبين القطع بوجود المظنون وهو القطع بوجود الكفر من هذا الشخص وارتكابه اياه او اعتقاده للكفر او قوله .
فالأول هو ظننا ويلزم منه وجوب تكفيرنا لهذا الشخص
والثاني وهو عدم القطع بكون ظننا موجود في الحقيقة وهو عدم القطع بوجود الكفر من هذا الشخص حقيقة او عدم القطع بإتيان هذا الشخص عمل او قول او اعتقاد مكفر .
وهذا يوضحه مثال استقبال القبلة
فعلى هذا من ظن الكعبة في جهة فإنه يقطع بوجوب استقبال تلك الجهة
ولا يقطع بكون الكعبة موجوده في هذه الجهة التي استقبلها .
لأنه انما استقبله لغلبة ظنه ان الكعبة فيها .
لهذا متى خالفه شخص في غلبة الظن هذه فانه لا يقطع بكون صلاة هذا الشخص باطله او انه لم يستقبل الكعبة في صلاته لأنه ليس متأكدا من وجود الكعبة في هذه الجهة اصلا , انما هو متأكد فقط من وجوب استقباله لهذه الجهة لان غلبة ظنه الزمته بهذا .
فاذا جمعنا بين هذا الكلام وهذا الفهم وبين كلام الامام الكاساني حين قال
((وَهَلْ يُعْمَلُ بِدَلِيلِ الْمَكَانِ وَحْدَهُ؟.
فيه رِوَايَتَانِ:
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَهُ»
عرفنا لماذا قال بعض اهل العلم ان تبعية الدار ضعيفة.

قال الإمام أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعيّ _رَحِمَهُ الله_ فِي “فَتْحِ الْوَهَّابِ بِشَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ،
ج1، ص319
”:«تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»)ا.هـ.

وقال _رَحِمَهُ الله_ فِي “أَسْنَى الْمَطَالِب شَرْح رَوْض الطَّالِب”
، ج2، ص500:«إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»)ا.هـ.
وقال _رَحِمَهُ الله أسنى المطالب لزكريا الأنصاري)،
ج2، ص501_
«فإذا أَعْرَبَ عن نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَ خِلَافُ ما ظَنَنَّاهُ... وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»)ا.هـ
وقال _رَحِمَهُ الله_ فِي “الْغُرُر الْبَهِيَّة فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْوَرْدِيَّةِ”
ج3، ص412:
«فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ حَكَمَ بِكُفْرِهِ وَارْتَفَعَ مَا كُنَّا ظَنَنَّاهُ إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى»)ا.هـ
وقال الإمام سليمان الجمل _رَحِمَهُ الله_ فِي “فُتُوحَاتِ الْوَهَّابِ بِتَوْضِيحِ شَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ”
ج3، ص618:
«فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَّا خِلَافَ مَا ظَنَنَّاهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»ا.هـ

وقال الإمام محمد الشربيني الخطيب _رَحِمَهُ الله_ فِي “الْإِقْنَاع فِي حل أَلْفَاظ أبي شُجَاع” ج2، ص376
:«تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»ا.هـ
وقال _رَحِمَهُ الله_ فِي “مُغْنِيَ الْمُحْتَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمِنْهَاجِ”
ج3، ص606:
«(وَ) تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَحِينَئِذٍ (مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ)؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ النَّسَبُ (وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ) وَارْتَفَعَ مَا ظَنَنَّاهُ مِنْ إسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حُكْمٌ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ»)ا.هـ

وقال _رَحِمَهُ الله_: مغني المحتاج للخطيب الشربيني)،
ج3، ص607.
«وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ فَبَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْكُفْرِ فَأَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ فَيُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ وَيُنْقَضُ مَا أَمْضَيْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِمَّا جَرَى فِي الصِّغَرِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةُ الْجِهَةِ»)ا.هـ
.
وقال الإمام سليمان البجيرمي _رَحِمَهُ الله_ فِي “تُحْفَة الْحَبِيبِ عَلَى شَرْحِ الْخَطِيبِ” ج3، ص290
: «تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»)ا.هـ
وقال _رَحِمَهُ الله_ فِي “التَّجْرِيد لِنَفْعِ الْعَبِيدِ”
ج3، ص236:
«فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَّا خِلَافَ مَا ظَنَنَّاهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ»)ا.هـ


والحمد لله رب العالمين
وكفى بربك هادياً ونصيراً
كتبها المنتصر بالله الشرقاوي
27 من رجب لسنة 1433هجرية
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

أحمد إبراهيم
2013-03-17





السلام عليكم
هذه مشاركات من أحد الإخوة:

باسم الله الرحمن الرحيم
مسألتنا تدور حول حكم المعين الذي لم يظهر عليه إسلام أو كفر اليوم.
ـ البعض يعتقد بإسلامه إلا إذا أظهر الكفر.
ـ والبعض يتوقف فيه إلا إذا أظهر الإسلام أو الكفر.
ـ والبعض يكفّره لكنه يعتبر المتوقف فيه مسلما مخطئا.
ـ والبعض يكفّره ويكفّر المتوقف فيه.
وفيما يتعلق بأطفال المشركين فهناك:
ـ من يعتقد بإسلامهم.
ـ ومن يعتقد بكفرهم ولا يكفّر من اعتقد بإسلامهم.
ـ ومن يعتقد بكفرهم ويكفّر من اعتقد بإسلامهم.
أما المسألة الأولى فهي متعلقة بتكفير المعين لا عموم الناس، وإن لم يوجد فرق بينهما، إذ أن المخالف يفرّق بينهما بلا دليل، قال: (
حكم المعين الذي لم يعرف عنه اسلام ولا كفر او ما يسمي بمجهول الحال ونبدأ بالقول هنا ان الكلام عن المعين حتي لا يعتقد دعاة التوقف العام ان هذا الكلام في صفهم او لنصرتهم).
وقال: (فيما يتعلق بمن يعتقدون في التوقف في عموم الناس فلا يكفرونهم ما لم يروا منهم اسلاما او كفرا , وهذا كفر والعياذ بالله).
هذا إن وجد حقا من يتوقف في عموم الناس مثل التوقف في حكم الأمة الصينية مثلا، وحتى ولو افترضنا وجود هذا الصنف فكلاهما لم يكفّر الكافرين.
إن التفريق بين تكفير عموم الناس وتكفير المعين منهم إذا لم يظهر دينه لم يوجد في عقيدة أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، وهو معتقد المتوقف ومن يرى أن المتوقف مسلم مخطىء، فيعتقدان بكفر الناس اليوم عموما أو الشعب الفلاني عموما، ويعتبرانه حكما من أصل الدين يكفر مخالفه، بخلاف تكفير الفرد منهم إذا لم يظهر دينه.
ولم يقدم الدليل على أن تكفير عامة القوم من أصل الدين دون الفرد المعيّن منهم، رغم أنه منهم يكوّن المجموع الذين حكم بكفرهم دون أن يحصيهم شخصا شخصا، يكفّرهم عموما تكفيرا من أصل الدين، بينما تكفير الواحد منهم فليس من أصل الدين حتى يعرف كفره شخصيا، ففي التفصيل يفرّق بين تكفير هذا وذاك، هذا ثبت كفره شخصيا فتكفيره من أصل الدين، وبالتالي يكفر من توقف فيه، وهذا لم يثبت عليه الكفر فتكفيره ليس من أصل الدين، وقد يسميه البعض تكفيرا عمليا أو اجتهاديا أو فرعيا أو للضرورة العملية.
بينما يعلم كل مسلم أن التفريق بين حكم العموم وحكم المعين إذا ثبتت مخالفة المعين للعموم وظهر إسلامه.
ثم يرى المخالف أن من توقف في شخص معين فهو مسلم، أما من ينظر الى أعيان الناس كلهم في الشوارع فيتوقف فيهم فهو كافر، ولم يبين الفرق بينهما، مع أن الجميع ينطبق عليهم نفس العلة ونفس المناط الذي يدافع به عن متوقفه، وهو عدم علمنا بإسلام المعيّنين أو كفرهم، ولكنه يضعه حيث يحلو له دون ضابط.
قال: (
يقولون مثلا ان التوقف في كل الناس مثل التوقف في واحد منهم).
وقال: (
ولا يوافقون على عدم التكفير بلازم القول مالم يلتزمه صاحبه .
فاذا قلت لهم هذا الكلام ضربوا لك مثالهم الشهير وهو قولهم انك اذا وقفت مع هذا المتوقف في معين امام السوق وسالته عن كل من يخرج من هذا السوق وهو شخص بعينه لم تري منه كفر ولا اسلام فيقولون ماحكم هذا المعين ؟
فنقول لهم ان المسلم اذا توقف في معين لا يكفر
فيقولون حسنا اذا توقف في كل من يخرج لأنه معين فما حكمه ؟؟
فنقول لهم حكمه انه يكفر في هذه الحالة لأنه التزم بهذا القول فعلا وحقيقة وان لم يلتزمه قولا فهو كافر بهذا لان حقيقة فعله انه يتوقف في كل من لايري منه كفر).
ولا يتحدث هنا عن العموم الذي يفصله عن الخصوص، وإنما هنا مسألة أخرى، وهي التفريق بين تكفير معين واحد وباقي المعينين ممن هم على شاكلته.
أي أن التوقف في الواحد ليس كالتوقف في الأكثر، فإذا كرر التوقف في أعيان يصبح كفرا، أما في الفرد الواحد فلا، ولا ندري من هذا الذي يتوقف في شخص فقط، ولماذا يفرق بينه وبين غيره؟
يقول أنه يتكلم عن قضية عينية، وعندما يقدم أدلته ومبرراته ومناطاته تجدها هي نفسها تنطبق على المتوقف في كل من لم يظهر دينه بين الكفار، وهو أنه لم ير منه ما يكفره به.
فهل يعقل أن يقول إنسان أن من توقف فيمن لم ير منه كفرا فهو مسلم مبتدع، ومن توقف في كل من لم ير منه كفرا فهو كافر؟ ولا يحاول تقديم الدليل على أن هذا هو الفارق بين أصل الدين وما دونه، وإنما هي قاعدة عليك أن تؤمن بها وانتهى الأمر!
ولما جعل التوقف بالعموم هو الكفر فقط قال أن التوقف في المعين يستلزم التوقف في الكل، لكن لازم المذهب ليس بمذهب، ولا يجوز التكفير بلازم القول وما يؤول إليه إذا لم يلتزمه صاحبه.
والواقع أن المذهب ولازمه هنا كلاهما كفر، فمَن وجب تكفيرهم لا يختلف الجزء منهم عن الكل، ولا العينة عن المجموع، وهذا هو الأصل إذا كنتم تعتقدون أنهم كفار، ولا دليل على شيء من هذه التعقيدات التي صنعها التخوف من غول التكفير.
وإذا صدقنا بأن المسألة مسألة تكفير باللازم، فإن الذي يتوقف في شخص واحد مثل الذي يتوقف في كل من على شاكلته، وإن كان قوله يستلزم التوقف في أكثر من واحد وفي الكل فإن الكفر لا يبنى هنا على التلازم، وإنما على ذات التوقف الذي تجلى في فرد واحد، فلا يلعب بنا أحد ويقول أن التوقف في القليل يستلزم التوقف في الكل لكن لازم المذهب ليس بمذهب، فالكفر في المذهب ولازمه، ولا يوجد قليل غير مكفّر ثم إذا تكاثر وعمّ صار كفرا، ومن قال بذلك فعليه بالدليل، ولكن ما كان كثيره أو كله كفرا فقليله كفر أيضا.
فالتوقف في المعين الواحد كفر بحد ذاته بغض النظر عن اللوازم والمآلات، ومثله الإعتقاد بإسلام معين واحد منهم إذا أظهر الصلاة اليوم هو كفر بحد ذاته، وإن كرره في غيره من الأفراد كما هو مذهبه أو لازم مذهبه فهو كفر أيضا.
فلا دليل على أن ما ليس مكفّرا يصبح كفرا إذا تكرر، لأنه يلزم منه تحديد العدد الضابط، وهذا أبعد ما يكون عن الدليل، فالقضية ليست قضية عموم وخصوص ولا نوع وعين ولا إطلاق وتعيين، ففي كل هذه الفروق لا يكون العدد هو الضابط.
وإذا تنزّلنا وصدّقنا أن التوقف في العموم هو وحده الكفر، فكيف صار التوقف في الشخصين والثلاثة يستلزم التوقف في العموم بينما التوقف في شخص واحد لا يستلزمه؟ وإن كان من الكفر التوقف في كل من لم ير منه كفرا فما حكم من توقف في الكل باستثناء بعضهم أو واحد منهم؟ وإن قلتم أن هذا افتراض لا يقع فكيف تفترضون أن يكون هناك من يتوقف في شخص واحد دون غيره بلا سبب يختص به دون الآخرين؟
وإن قيل أن التوقف في الشخصين والثلاثة ليس كفرا لأنهم لا يمثلون العموم، فكذلك أهل السوق لا يمثلون عموم الأمة.
وهذا الذي توقف في معين واحد عذرتموه بكونه خالفكم فيمن كفّرتموه بغالب الظن لا بالقطع، فغيره ممن يتوقف في كل واحد منهم أيضا قد خالفكم فيمن كفرُه ظني غير قطعي، أم أن مناطاتكم مجرد شهوات على شاكلة الذين يحلونه عاما ويحرمونه عاما؟
لنخرج في نهاية المطاف بلعبة قذرة وُضع عليها شعار عقيدة السلف الصالح، وإلا فمتى سمع المسلمون بهذه التفاصيل المعقدة التي يجعلونها اليوم مناطا للتفريق بين البدعة والكفر، ومناطا للتفريق بين ما هو من أصل الدين وما دونه؟
*****
دليل المخالف على أن تكفير من لم يثبت عليه الكفر شخصيا بين الكفار كحالنا اليوم ليس من أصل الدين هو أن كفره غير مؤكد، وإنما يغلب على ظننا أنه على دين قومه، قال: (وحتى من تكلم عن حكم الدار من اهل العلم بين انه تحصل به غلبة الظن وهذا هو الحكم الوحيد الذي يمكن الاستناد عليه في هذه المسألة).
وهذا الذي يعتبره دليلا هو في الواقع يحتاج إلى دليل، وإنما أشرِب القوم هذه الشبهة وراحوا يرددونها.
لو كان عدم ثبوت الكفر دليلا لكان دليلا على التوقف، ولا يصح التكفير أصلا سواء جعلوه من أصل الدين الذي يكفر مخالفه أو دونه.
وإذا كان تكفير من لم يظهر دينه بين الكفار ليس من أصل الدين فإنه يمكن الإختلاف فيه، هذا يقول: مسلم، وذاك يقول: كافر، لا أن يكون تكفيرا من أصل الدين يكفر مخالفه إن قال: مسلم، وإن توقف فليس التكفير من أصل الدين.
وعندما تقول لأحدهم: ما الفرق بين من توقف في معين ومن حكم بإسلامه؟ يقول لك: ذاك حكم بالمرجوح، رغم أنه لا دليل لديه على أن العمل بالمرجوح كفر، كما نقل عن الرازي قوله في (المحصول): (
أما الذي لا يكون جازما فالتردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو الشك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم وهل يستطيع أن ينسب إلى هؤلاء العلماء أن العمل بالمرجوح كفر؟
وعندما جعل المسألة نسبية قال أن من ظن وغلب عليه الظن لا يجوز أن يُلزم غيرَه بما ظنه هو، وهذا لربطه بين معرفة حقيقة الشخص والتكفير الذي هو من أصل الدين، فنقل قول العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام): (
فالمكلف يتيقن أن الذي يأتي به مظنون له وأن الله - تعالى - لم يكلفه إلا ما يظنه، وإن قطعه بالحكم عند ظنه ليس قطعه بمتعلق ظنه بل هو قطع بوجود ظنه، وفرق بين الظن وبين القطع بوجود المظنون. فعلى هذا من ظن الكعبة في جهة فإنه يقطع بوجوب استقبال تلك الجهة، ولا يقطع بكون الكعبة فيها).
وعلق على ذلك بالقول: (
والحكم على الميت او مجهول الحال بانه كافر بغالب الظن لأنه موجود في دار كفر لا يعني القطع بانه ارتكب كفر لكنه يعني وجوب الحكم على هذا الشخص بحكم الكفر ...
لهذا متى خالفه شخص في غلبة الظن هذه فانه لا يقطع بكون صلاة هذا الشخص باطله او انه لم يستقبل الكعبة في صلاته لأنه ليس متأكدا من وجود الكعبة في هذه الجهة اصلا , انما هو متأكد فقط من وجوب استقباله لهذه الجهة لان غلبة ظنه الزمته بهذا).
والجواب عن هذا هو أنه لا أحد يقطع بالحقيقة وإلا فهو كاذب، فنحن نتفق في هذا، وكلنا نفرق بين الظن والقطع بوجود المظنون، لكنه يريد إقناع الناس بالبديهيات المسلّمات التي لا يخالفه فيها أحد دون أن يقدم الدليل على النتيجة التي وصل إليها، وهي أن المعين من الناس اليوم إذا لم نعلم حقيقته قطعا فتكفيره ليس من أصل الدين، فيلزم الدليل على النتيجة لا على المقدمة.
ليس هناك أصل نرجع إليه في استقبال الكعبة إذا لم نعرف القبلة، فقد يظن أحدهم أنها من هذه الجهة ويخالفه الآخر، ولا يعتقد ببطلان صلاة صاحبه.
أما مسألة تكفير من لم يظهر دينه بين الكفار كحالنا اليوم فهي ترجع إلى أصل وهو ما نعرفه جميعا عن عامة قومه، لا إلى ترجيح الظن كما يتصورون، حتى وإن كان يغلب على الظن أنه كافر، فالمسألة لا تتعلق بظننا فقط، فلا نقول أنه ما دام لم يظهر مخالفتهم فغالب الظن أنه منهم، وإلا فقد يغلب على ظننا أن الكافر بين الكفار مسلم لبعض التصرفات ومع ذلك لا يجوز الإعتقاد بإسلامه ولا التوقف فيه، وقد يغلب على ظننا أن المسلم بين المسلمين كافر لبعض التصرفات ولا يجوز تكفيره ولا التوقف فيه، فانظروا إلى أين يوصلكم البناء على غالب الظن الذي فُتنتم به.
ولذلك يجب إرجاع المسألة إلى الأصل في الكفار لا إلى ترجيح الظن لصالح الإسلام والكفر، وهذه هي مشكلة من تساهل ووقع في التوقف أو الإعتقاد بإسلام المتوقف.
فمن لم يستطع الجزم بحقيقة حاله يجعل تكفيره دون أصل الدين، وهذا وهمٌ لا دليل عليه، بل يُلزمه بعدم تكفير كل من لم يقطع بكفره شخصيا بين أمم الكفر، مثل من يخرج من الكنيسة دون أن نعلم أنه قد كفر داخلها، ومن يقبّل ضريح الحسين المعبود إذ يحتمل أنه يعبده أو أنه يحبه ويحزن عليه، ومن يفعل الكفر ولا ندري إن كان منشرح الصدر أو مكرها، ومن أظهر الكفر سابقا، فحال الرئيس الأمريكي السابق لا نعرفها الآن حتى لا أقول الرئيس الحالي، ولا نجزم بكونه كافرا في هذه اللحظة، فلعله قد تاب من الكفر، وقد يكون كافرا أو مسلما يكتم إيمانه أو يظهره ونحن لا نعلم، فيلزم وفق هذه العلة تكفيره تكفيرا دون أصل الدين، والحكم عليه هو من طرق الحكم التي يقول أنها ليست من أصل الدين، ولا معنى للقول أنه قد ثبت كفره من قبل، لأن المطلوب الحكم عليه الآن لا على ما مضى، فقد كان قطعيا في لحظة إتيانه الكفر أما الآن فهو ظني.
فالمتوقف في أي حالة من هذه الحالات يتذرع بنفس الذريعة وهي الإحتمال، وفي كل منها يخشى تكفير مسلم بغالب الظن لا القطع، فوفق قاعدتكم الفاسدة هذه، كلما شككنا في كافر صار تكفيره دون أصل الدين.
أما تكفير من أظهر الكفر سابقا تكفيرا من أصل الدين بقاعدة (اليقين لا يزول بالشك) فهذا حق، لكنكم ابتدعتم قاعدة (ما دخله الإحتمال فحكمه ليس من أصل الدين)، فاصطدمتا مباشرة، فالقاعدة الأولى تلغي البناء على الشك، وقاعدتكم تبني على الشك، فمن جهة تقولون: التكفير يثبت بالقطع، ولا يتغير إن دخله الظن، بل يبقى من أصل الدين، ومن جهة أخرى: ما كان ظنيا فليس من أصل الدين.
وتقرون بأن الإحتمال موجود، لكن لا تبنون عليه تغير نوع الحكم، رغم أن كل هذه العقيدة بنيتموها على الإحتمال، فعندما تقول أن اليقين لا يزول بالشك، فهذا يعني أنك أقررت بوجود الشك، لكن لا يترتب عنه حكم، وإنما يبقى حكم اليقين حتى يزول بيقين آخر، ومادمت تقر بأن الشك الآن موجود، فكيف صار الحكم من أصل الدين مع دخول الشك والإحتمال والظن فيه؟ أليس هذا تناقضا رهيبا؟!
لكنهم يبررون ذلك بالقول أن توبة من أظهر الكفر سابقا محتملة لكن الإحتمال الذي في الذهن هو والعدم سواء، وهذا يطبقونه حيث يشاؤون، فلا ندري الفرق بين احتمال في الذهن واحتمال في غيره، فبعدما كانوا يفرقون بين ما هو من أصل الدين وما هو دونه حسب القطع والظن، صاروا يفرقون بينهما حسب نوعين من الظن لا نعلمها.
وهذا كقولهم أن من قطع بأن فلانا كافر الآن مع وجود الإحتمال في ما ثبت من قبل فليس كاذبا، كما لم يكن كاذبا عندما حكم بالقطع من قبل، وهذه قمة الدجل.
نسألهم: هل حاله الآن مجهول أم معلوم؟ فإن قالوا: حاله الآن مجهول، فهذا يلزمهم جعل تكفيره دون أصل الدين مثل الذي لم يظهر دينه أصلا، وإن قالوا: حاله الآن معلوم، فهذا كمن يدعي الغيب.
ثم تطبقون قاعدتكم بطريقة ازدواجية وكيل بمكيالين، ففي أول الأمر أدخلتم المسألة في إطار القطع والظن، ثم حاولتم التنصل منها عندما أوصلتكم إلى كفر آخر بيّن، بينما خدعتم بها أناسا وصدّقوكم فيها، لكنهم طبقوها بنية صادقة لا كالتواء الثعابين.
إذ قال بعضهم: التكفير الذي هو من أصل الدين هو في حق الشخص الذي تستطيع القول عنه: إن لم يكن هذا كافرا فأنا كافر، ولذلك جعلوا تكفير كل من دخل الإحتمال في حاله دون أصل الدين، كمن شككنا في قصده أو كونه مكرها أو أظهر الكفر سابقا، فمن يبني على القطع فقط لا بد أن يبني عليه دوما، فإذا تغير القطع وتحول إلى ظن يتغير الحكم، فعقيدته هي: ما ثبت بيقين يزول بالظن، وهذا هو جوهر معتقدكم الذي تتهربون منه.
فأوقعتموهم في الكفر الذي تقرون أنه كفر، وهكذا ينقلب السحر على الساحر، لنرى ما يفعله الضلال بأهله حيث ينقلهم من درك إلى درك، فأنتم سبب إيغالهم في الكفر، وبقواعدكم الباطلة كفروا ثم تكفرونهم.
فالظن موجود حتى فيمن أظهر الكفر، وإن قيل أننا غير مكلفين بمعرفة الباطن لتكفير صاحبه تكفيرا من أصل الدين، فمن كلفكم بمعرفة حال المعين من عامة الكفار لتكفيره تكفيرا من أصل الدين؟ ولكن نحكم بتبعيته للأمة التي هو فرد منها، وتكفيرهما سواء.
ولا دليل على أنه يتغير حكم مَن أظهر الكفر من عامة الناس اليوم، ولا درجة حكمه، وإنما هذا في حق المعين من عامة المسلمين إذا أظهر الكفر، أما بين الكفار فيُنظر لإظهاره الإسلام، وإلا فحكمه حكم غيره سواء أظهر الكفر أو لم يظهره ما دام لم يظهر الإسلام.
ولا دليل على أنه يترتب اعتقاد عن الإختلاف بين القطع والظن بأحوال الناس اليوم، وبالتالي لا دليل على جعل حكم من لم نقطع بحاله دون أصل الدين.
*****
قال أن العلماء اختلفوا في الدليل الخاص وهو النص والدلالة، ولم يكفروا بعضهم استنادا لقاعدة (
ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) وقاعدة (الوسائل لها حكم المقاصد).
وجواب هذا أن الخلاف في الوسائل والمقاصد لا يستلزم التكفير، إلا إذا كانت هذه التي سميت بالوسائل من أصل الدين.
هل تركُ حكم التكفير بالتبعية ترك للوسائل؟ إذن فالنص والدلالة أيضا من الوسائل، والحكم على ظاهر الكافر دون تنقيب عن الباطن من الوسائل، فوفق كلامك لا حرج في تركه، بحجة أن الوسائل يُغتفر فيها.
والعلماء الذين قالوا أن الوسائل يغتفر فيها لا يلزمهم قول من أطلق بعدهم على ما هو من أصل الدين مصطلح (الوسائل)، وكذلك هذا الذي جعل قاعدة (الوسائل والمقاصد) تشمل ما هو من أصل الدين وما هو دونه لا يلزمه قول العلماء نأن أنأن الوسائل يغتفر فيها.

ولا نحتاج لقاعدة الوسائل والمقاصد لمعرفة أصل الدين، وإن كان من الجائز استعمالها في تحديد أصل الدين فلا يصح أن تفتت أصل الدين وتجعل بعضه مغتفرا في تركه، فمن أساليب التحريف أن ندخل المعنى المقصود ضمن مصطلح لا يحتويه أو يحتويه ويحتوي غيره، ثم نرتب على ذلك المعنى ما يترتب على غيره.
لذلك لا مجال للإستدلال على مسائلنا بقول العلماء: (
يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد) وقولهم: (يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها).
لأن الإصطلاحات الأصولية تشمل ما هو من أصل الدين وما هو دونه من أحكام شرعية، وحتى أثناء الإستعمال الخاطىء لها فيما هو من أصل الدين، كأن يخطىء في توظيفها فهو وحده يتحمل المسؤولية، فيُرد عليه بقدر خطئه، لا يهدم أصل الدين بسبب خطئه، كأن العلماء إذا طبقوا قاعدة أصولية على مسائل الفقه وجاء اليوم من وضعها على أصل الدين بطريقة صحيحة أو خاطئة يصبح أصل الدين مسألة فقهية، وهذا منطق سقيم للغاية.
قال: (لو اخذنا بالقاعدة وبما ذكره اهل العلم فانه اذا توصلنا الى المقصود بأي وسيلة فأنها تكون هي الواجبة وغيرها من الوسائل ليست واجبة لأنها لم يتوصل الى المقصود بها.
كمن اراد السفر الى مكة فهو مخير بين السفر براً او جواً او بحراً فاذا سافرا براً سقط عنه وجوب السفر بحراً او جوا, لان الواجب قد تم بالسفر براً.
فما هو حكم من حكم لاحد الناس بحكم التبعية , ثم رأي منه نص او دلالة ؟؟
هل يبقى حكم التبعية واجباً على هذا الشخص ؟؟
ام يسقط عنه ذلك الواجب وينتقل الواجب الى النص او الدلالة بحيث انه ان لم يعمل بأحدهما فانه يكفر رغم عمله بالوسيلة الاولي وهي التبعية ؟؟).
وكأنه اعترضتك مشكلة عظيمة واصطدمت بتناقض صارخ لم تجد له حلا، أن نرى أمريكيا يزرع حقله فنعتقد بكفره بالتبعية لقومه، ثم يصرح لنا بالنص أنه نصراني، ثم نراه في الكنيسة أمام صليبه.
بينما المشكلة في أن نفرق بين تكفيره في الحالة الأولى والحالتان الأخريان، فلا دليل على تغير التكفير بين حالة التبعية وحالتي النص أو الدلالة، ولا شيء يتغير عندما يُظهر الواحد منهم الكفر، فأيا كانت الوسيلة أو طريقة الحكم كما يسميها هذا أو ذاك فهي واحدة وحكمها واحد، والتكفير الذي سمي بالمقصد واحد.
لا يقول أحد بوجوب السعي لمقصد التكفير إن صح اعتباره مقصدا واتخاذ شتى الوسائل والطرق إليه، كما نسعى للحج بالمشي والركوب، ولا يجب السعي للحكم على أشكال وصور الكفر بالكفر، وإنما متى اعترضتنا أصناف الكفر بوسيلة المشاهدة بالعين أو السماع بالأذن ، وجب الإعتقاد بأنها كفر، ولا إسلام مع مخالفة هذا الحكم، وهل يقول عاقل أن مشاهدة الكفر وسماعه واجب كالحكم عليه؟
وليس هذا هو محل ما نقلته عن العلماء من أن (الوسائل أخفض رتبة من المقاصد) وهذا في حكمها، كالمشي للحج، فهذه التبعية والنص والدلالة لا معنى للقول أنها أخفض من التكفير، لأنها ليست مطلوبة ومقصودة ومأمورا بها وإنما هي تحصيل حاصل، ولا يسعى المسلم للإعتقاد بكفر أحد.
والمسألة هي مسألة حكم التكفير بهذه الوسائل، لا حكم هذه الوسائل، هل هي واجبة أم لا؟
والغريب أنه يتحدث عن ذات الوسيلة لينفي الحكم المترتب عليها، فما دامت الوسيلة ليست من أصل الدين فالتكفير المترتب عنها كذلك، والحقيقة أنها ليست من أصل الدين ولا من فروعه، م المترتب عليها، ووالنتيجة وفق هذه الإستدلالات هي بطلان التكفير كله لا بطلان كونه من أصل الدين فقط.
نقل قول الشاطبي في (الموافقات): (
وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هي تبع للمقاصد؛ بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو تُوُصل إلى المقاصد دونها لم يُتوسل بها، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملة؛ لم يكن للوسائل اعتبار، بل كانت تكون كالعبث)انتهى
فهل هذه الوسائل عبث في نظركم ان توصل الى المقاصد بدونها ؟؟
وهل تكفرون الناس بالعبث ؟؟).
وإذا عرفنا بالظاهر أنه كافر ثم عرفنا من بعد أنه مسلم مكره فحكمنا بإسلامه هل يصبح حكم الظاهر عبثا؟
وإذا عرفنا كفره سابقا وحكمنا بكفره ولم نعلم أنه أسلم من بعد هل كان حكمنا السابق في أوانه عبثا؟
نا بإسلامه هل يصبح الظاهر عبثا؟ وإذا عرفنا كفره سابقا وحكمنا بكفره ولم وهل إذا عرفنا كفره بالنص يصبح الحكم بالدلالة عبثا؟
وإذا عرفنا كفره بالدلالة هل يصبح الحكم بالنص عبثا؟
وهل يشترط تصريح الكافر بالنص أنه كافر إن كنا علمنا بكفره بالدلالة؟ وهل يشترط معرفة كفره بالدلالة إذا صرح بالنص أنه على دين الكفر؟ كذلك الأمر مع حكم التبعية، لا يشترط معرفة كفره بالنص إذا عرفنا أنه من قوم كفار عموما، إلا من أراد أن يتنطع وينقّب عن أحوال الناس ليتنصل من تكفير الكافرين.
*****
أراد المخالف أن يثبت وجود مجهول الحال في الواقع وكمصطلح عند العلماء، فقال: (
شخص لا يعرف عنه اسلام ولا كفر فهو مجهول الحال ... وقد ذكر اهل العلم هذه الحال بهذا اللفظ تماما ً وهو قولهم "مجهول الحال ").
ونقل كلام ابن الأثير (النهاية): (
إِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهل حالَه فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ).
ونحن نرى مجهول الحال في الواقع، فلا داعي لإثبات وجوده، ولكن نختلف في حكمه، هل نتوقف في حكمه أم نكفّره كغيره ممن أظهروا الكفر؟ أم نكفره تكفيرا ليس من أصل الدين يعذر مخالفه؟
فمجهول الحال الذي نختلف فيه هو المعيّن الذي نحكم عليه بالتبعية لقومه الكفار عموما ولا نعلم حقيقته شخصيا كفرد، وهو حال الكثير من الناس الذين لا يظهر عليهم الإسلام ولا الكفر.
وكأن إثبات وجوده دليل على أن تكفيره ليس من أصل الدين، وهذا بسبب انطلاقه من التوقف كقاعدة، فلا يكفّر أحدا منهم حتى يثبت كفره بيقين.
وعندما أوهموا الناس بأن تكفير المعين من الناس بين الكفار لا يكون إلا بعد ثبوت كفره بنص أو دلالة قطعيين، وأخرجوا من كان حاله ظنيا، وأن مجهول الحال مجهول الحكم، عندها راح البعض يثبتون كرد فعل أن من لا يظهر كفره اليوم فهو معلوم الحال وكفره قطعي، لظنهم بأنهم لو قالوا بكونه مجهول الحال وأن كفره ظني فهذا شك في الإعتقاد، وهي مجرد خدعة انطلت عليهم، إذ كان عليهم التفريق بين القطع بالحال والقطع بالإعتقاد، فلا أحد يستطيع الجزم بحال كل شخص يراه أو يسمع به، إذا لم يظهر عليه الكفر ولم يسمع عنه شيئا، لكن يجب أن يكفّره كأي اعتقاد جازم.
واستدل بقول ابن تيمية في (الجواب الصحيح): (
فَأَمَرَهُمْ بِالتَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْجِهَادِ،وَأَنْ لَا يَقُولُوالِلْمَجْهُولِ حَالُهُ: لَسْتَ مُؤْمِنًا،يَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،فَيَكُونُ إِخْبَارُهُمْ عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مُؤْمِنًا خَبَرًا بِلَا دَلِيلٍ،بَلْ لِهَوَى أَنْفُسِهِمْ لِيَأْخُذُوا مَالَهُ،وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا أَلْقَى السَّلَمَ،وفِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى السَّلَامَ،فَقَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مِنْ قَبْلُ مُؤْمِنِينَ تَكْتُمُونَ إِيمَانَكُمْ،فَإِذَا أَلْقَى الْمُسْلِمُ السَّلَامَ فَذَكَرَ أَنَّهُ مُسَالِمٌ لَكُمْ لَا مُحَارِبٌ،فَتَثَبَّتُوا وَتَبَيَّنُوا، لَا تَقْتُلُوهُ وَلَا تَأْخُذُوا مَالَهُ،حَتَّى تَكْشِفُوا أَمْرَهُ،هَلْ هُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ؟»(ا.هـ.
يقول الامام بن تيميه هنا ان هذا الشخص المجهول الحال ويقصد هنا هل هو مسلم او كافر ,لأنه لو كان كافرا لما قيل انه مجهول الحال ,ولقال الامام لا تقولوا للكافر اذا القي اليكم السلام لست مؤمنا حتى تتبينوا من صدقه او صحة قوله واعتقاده ,ولأنه اخبر بشيء قد لا يكون يعتقده وهو القول بأنه مسلم او مؤمنا لإتيانه بتحية الاسلام او بالشهادتين , وذكر ان ذلك من باب الاخبار الذي يحتمل الصدق والكذب وهذا ما يحتمل الخلاف وهو من باب ثبوت الشيء والتحقق منه فقد يعتقد البعض صدق هذا الرجل في دعواه وقد لا يصدقه البعض الاخر فيها ويحكم بكفره.
ولا يكفر بعضهم بعضاً, لأنه مما يحتمل الخلاف لكونه من باب الاخبار بالشيء).
ومجهول الحال في كلام ابن تيمية لا يعني الجهل بكونه مسلما أو كافرا حقيقة، كحاله قبل أن يظهر شيئا، وإنما الجهل بباطنه، فحكمه أنه مسلم ظاهرا مشكوك في باطنه، ولذلك سماه مسلما ولكن وقع التصديق والتكذيب بما أظهره، والشك في الباطن لا يغير حكم الظاهر، وقد ورد أن الصحابة كانوا يشكون في نفاق من لا يصلي الفجر وهذا ليس تكفيرا له، وقد نشك في حقيقة شخص من الأمم الكافرة على أنه يخفي إسلامه، وقد ترتفع نسبة شكنا وقد نسأل عن حقيقته ونتبين، ومع ذلك فحكمه يبقى على أصله حتى يثبت إسلامه يقينا.
وإن كان بعد أن أظهر قرينة مشكوكا فيها مجهول الحال فمن باب أولى أنه مجهول الحال قبل إظهارها، فقبل إظهارها كان حكمه الكفر، ولو لم يظهرها لما وقع أي إشكال في قتله، فهم كانوا يعتبرونه كافرا ولم يختلفوا فيه قبل أن يظهر ما أظهر، لكن بعد إظهار قرينة الإسلام المميزة صار حكمه الإسلام رغم شكنا في باطنه، وقد كان السلام علامة خاصة بالمسلمين، فهذا حكمه الإسلام ونُهينا عن تكفيره، فلا يصح الخلط بينهما.
وأن نحكم بإسلامه بعد إظهاره قرينة مميزة مع شكنا في باطنه هذا لا علاقة له بحكمه قبل إظهارها، كما أن من قال (لا إله إلا الله) في المعركة لا علاقة له بمن لم يقلها.
ولا معنى للقول أن البعض صدّقه والبعض كذبه ولم يكفّر بعضهم بعضا، فكل واحد يحكم وفق المعطيات التي يراها، ولو أن من قتله كفّر الصحابة الآخرين لازداد ضلالا، لأن الخطأ لا يبنى عليه خطأ آخر، فضلا عن أن تستدلوا بالخطأ.
لكن السؤال: هل اختلفوا فيه قبل أن يظهر الإسلام؟ هذا هو موضوعنا، فلا علاقة لهم بما نحن فيه، ولا علاقة لمسألتنا بما حدث لهم.
ولننظر إلى الآية والواقعة التي نزلت فيها وكذا الأحاديث الواردة في هذا الشأن:
عن ابن عباس قال: (مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له، فسلم عليهم، قالوا: ما سلم عليكم الا ليتعوذ منكم، فقاموا وقتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 94) (رواه الترمذي وأحمد وابن حبان)
وعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟). قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. (رواه البخاري ومسلم)
وعن المقداد بن عمرو الكندي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله). فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال). (رواه البخاري)
ولو كان الأمر في حالة السلم العادية لما كنا في حاجة للتبين إلا في حالات خاصة، كما نقل عن الخطابي في (معالم السنن) في قوله: (
وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه ، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك).
فالأحاديث السابقة تنهى عن قتل من أظهر الإسلام، بحجة أنه ادعى الإسلام نفاقا خشية القتل، فقد كانوا يسيرون في بلاد قوم كفار فحكم ذلك الشخص حكم قومه الكفار لكنه أظهر قرينة وعلامة تدل على إسلامه وهي السلام، وقد كان السلام تحية خاصة بالمسلمين، وهذا يفرض عليهم أن يعتقدوا بإسلامه بحكم الظاهر والله يتولى السرائر، لكن ماداموا في حرب فإنه من المفروض أن يتبينوا منه أو من غيره لمعرفة حقيقة إسلامه إن كان صادقا أو كاذبا يخدعهم، فلا يعقل أن نأمن عدونا في حالة الحرب.
وذكر كلام الجصاص الذي افتتن به البعض، وظنوا أنه يدعو للتوقف وأن اعتقادنا يُلزمنا بتكفير الجصاص، والحق أن كل ما قاله الجصاص وابن تيمية وغيرهما هو عين ما نقول به، ويقول به كل مسلم وإن لم يقرأ قولهم.
فالجصاص يتحدث عن فرضية، لو افترضنا كذا لكان كذا وكذا، فلو كان الأخذ بظاهر اللفظ مجردا من التبعية لوجب التوقف، ثم يلغي ذلك الفهم ويقول إلا أنه يجب علينا الإعتقاد بكذا عكس الفرضية، فأخذ القوم بفرضيته على أنها عقيدة تُنقل عنه وتنسب إليه.
نقل عن الجصاص في (أحكام القرآن) قوله: (
فَقَوْلُهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ (النساء:94)،لَوْ خَلَّيْنَا وَظَاهِرُهُلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ لَا تَنْفُوا عَنْهُالْإِسْلَامَ وَلَا تُثْبِتُوهُ،وَلَكِنْ تَثَبَّتُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمُوا مِنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ بِذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ (النساء:94)،فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ وَالنَّهْيُ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ،وَلَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمُ بِهِ،أَلَا تَرَى أَنَّا مَتَى شَكَكْنَا فِي إيمَانِ رِجْلٍ لَا نَعْرِفُ،لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِإِيمَانِهِ،وَلَا بِكُفْرِهِ،وَلَكِنْ نَتَثَبَّتْ حَتَّى نَعْلَمَ؟وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ بِخَبَرٍ لَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ،لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ،وَلَا يَكُونُ تَرَكْنَا لِتَكْذِيبِهِ تَصْدِيقًا مِنَّا لَهُ; كَذَلِكَ مَا وُصِفَ مِنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ لَيْسَ فِيهِ إثْبَاتِ إيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرِ بِالتَّثَبُّتِ،حَتَّى نَتَبَيَّنَ.
إلَّا أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي قَدْ ذَكَرنَا قَد أَوْجَبَتْ لَهُ الْحُكْمَ بِالْإِيمَانِ،لِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«أَقَتَلْت مُسْلِمًا؟»،«وقَتَلْته بَعْدَ مَا أَسْلَمَ؟»،وَقَوْلُهُأُمِرْتأَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُفَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّابِحَقِّهَا»،فَأَثْبَتَ لَهُمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِالتَّوْحِيدِ; وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍاللَّيْثِيِّإنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَى عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ مُؤْمِنًا»،فَجَعَلَهُ مُؤْمِنًا بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ; وَرُوِيَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ،فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ،وَقَدْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَعْصِمُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ،مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِقَادِهِمْ الْكُفْرِ،وَعِلْمِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِنِفَاقِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ،فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾)النساء: (94،قَدْ اقْتَضَى الْحُكْمَ لِقَائِلِهِ بِالْإِسْلَامِ).
لم نختلف في كون من سلّم عليهم يحتمل أن يكون مؤمنا أو كافرا باطنا، فهو مجهول الباطن، ولم نختلف في كون حال من لم يظهر شيئا محتملا أيضا.
فالحكم بإسلام مَن نعرف عنه الإسلام لا يعني الحسم والقطع بصدقه فيما أظهره، فمن صدّقه حكم بإسلامه ومن كذّبه كفّره، وهذا الذي اختلفوا فيه.
ونهانا الله عز وجل عن أن نقول له: لست مؤمنا، أي أن نكفّره، وهو تكفير لمسلم ظهر إسلامه ولا شأن لنا بباطنه، والنهي عن التكفير لا يعني النهي عن الحكم بإسلامه؟ فالمسلم نُهينا عن تكفيره أي أمِرنا في نفس الوقت بالإعتقاد بإسلامه، فالآية والأحاديث المذكورة في هذا الباب تبين وجوب الإعتقاد بإسلامه بمجرد إظهاره قرينة الإسلام المميِّزة ونكِل سريرته إلى الله.
والحكم الإبتدائي على مجهول الحال بين الكفار هو التكفير ولذلك سلّم عليهم، لأن الحكم عليه في هذا الموضع دون إظهار علامة إسلام مميزة معلوم عند المسلم والكافر.
والصحابة لم يتوقفوا، وإنما كفروه قبل السلام بالتبعية، ولو لم يسلّم عليهم لما وقعوا في أي مخالفة، ولمّا سلم عليهم أبقى بعضهم على الحكم الأول لاحتمالهم نفاقه، وهذا هو الخطأ، ومسألتنا تتعلق بمن لم يظهر شيئا، لا بمن أظهر علامة الإسلام.
يقول المخالف أن أهل العلم اختلفوا (
في الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمناً.
أولاً: اختلافهم في حكم حال من تفوه بنص يدل على اسلامه).
وطرق الحكم هي النص والدلالة والتبعية، مع أن العنوان يخص التبعية، (
برهان الموحدين على أن طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين
رد علي بدعة تكفير من خالف احكام التبعية بحجة انها مما لا يتم أصل الدين الا بها
وشرح لقاعدة الفرق بين الحكم الحقيقي والحكم التقديري).
فقد جعل التبعية كلها والدلالة كلها والنص كله دون أصل الدين، وتراجع بنا إلى الوراء، وصار يردد مع الأسف شبهات سائر المشركين اليوم، فيدافع عن معتقده في مسألة واحدة بإشاعة الخلاف وتوسيع دائرته، وأدخل الحكم بالنص والدلالة في متاهات لا حصر لها، وصنع منها شبهات وشبهات، وقد ظننا أننا متفقون في كل ذلك، وأن المشكلة تنحصر في التبعية فقط، فإذا بنا نرى ما رأينا.
ويستدل على عدم تكفير المتوقف فيمن لم يظهر كفره بين الكفار بكون العلماء اختلفوا في صور وأشكال النص والدلالة الدالة على دخوله في الإسلام، مما يعني أنهم حكموا بكفره بالتبعية أو بالنص والدلالة، وعندما يظهر الإسلام بعلامة ما يجتهدون إن كانت كافية للحكم بإسلامه، وهذا استدلال بعيد كما هو ظاهر للعيان.
ولم ينقل عن العلماء أي كلمة في أنهم اختلفوا في مجهول الحال بين الكفار، فخلافنا فيمن لم يظهر شيئا لا فيمن أظهر من الكفار شيئا من الإسلام نجتهد في فهم قصده.
وهذا في حق من عُلم عنه خلاف واقعه، أما أنه من عموم الكفار ولا يُعلم عن شخصه شيئ فخلاف أهل العلم ليس في هذا، وهذا الذي اختلفنا في تكفيره، وعليك أن تحصر الإستدلال فيه، وقد تبيّن وجه الخلاف بين المسألتين.
قد يقال: ماداموا اختلفوا في النص والدلالة فما بالك بالتبعية؟ فنقول أن من قال منهم بأنه مسلم لم يقل ذلك حتى ظن أن الكافر يعني الإسلام بما أظهره، ولم يظهر الخلاف حتى أظهر شيئا ما، ولو لم يظهره لما اختلفوا، بمعنى أنهم متفقون على حكمه بالتبعية لقومه إن لم يُظهر شيئا.
*****
لقد اجتهد العلماء في أقوال وأفعال إن كانت تعني عند بعض الكفار الدخول في الإسلام أم لا؟ وهي في الأصل دلالة على الإسلام، لكن في حالات وظروف معينة لا تدل على ذلك، فإن علمنا من الكافر قصدا آخر فأمره بيّن، ولكن هذا استثناء يؤكد الأصل، ولا يعني أننا في الحالات العادية لا نقيم لذلك النص أو الدلالة وزنا، وإلا لم نحكم لأي إنسان دخل في الإسلام بالإسلام ما دام هناك من يقصد أشياء أخرى لا علاقة لها بالدخول في الإسلام.
نقل قول ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل): (
وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين وعلماء المسلمين فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين سواء كان معطلا أو مشركا أو كتابيا وبذلك يصير الكافر مسلما ولا يصير مسلما بدون ذلك
كما قال أبو بكر بن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذ قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به محمد حق وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح يعقل - أنه مسلم فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد).
فزيادة: (
وأن كل ما جاء به محمد حق وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام) تتضمنها الشهادتان، فإن قيل: لا بد منها، فالخلاف صوري غير حقيقي، ومن اشترطها لا يحق له أن يكفّر من لم يشترطها.
ونقل من (شرح السير الكبير) للسرخسي قوله: (
لَوْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ: دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ،فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.
لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَبْرَأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَدَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ.
فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَدَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ).
وهذه الإحتمالات لا يصح توهمها إلا إذا كانت المعطيات تشير إليها، والناس تختلف فيها، ولا يمكن ضبطها حتى يكفر مخالفها.
ونقل عنه قوله: (
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا قَالَ: دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ،يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِوَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الإسلَامِ،وَذَلِكَ غَيْرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ،فَتَضَمُّنُ هَذَا اللَّفْظُ التَّبَرِّي مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ).
وهذا لاحتمالهم أنهم يعنون بالإسلام دينهم من يهودية أو نصرانية، وحتى ولو قال: برئت من كل دين غير الإسلام، فيحتمل أن يعني ما هو عليه من دين ويعتبره إسلاما، لكن مَن يستبعد هذه الإحتمالات ويعتقد بإسلامه لا يكفر.
وإن كنا نتفق على أن المسألة متعلقة بعدم إعلان البراءة من الكفر وليس عدم البراءة بذاتها، كما قال: (
الخلاف فِي النطق بالشهادتين أو أحدهما دون التلفظ بالبراءة من غير دين الاسلام
والمقصود هنا مجرد عدم التلفظ وليس عدم البراءة من الاعتقادات الاخري إنما فقط عدم التلفظ بهذا التبرؤ).
ونقل قول النووي في (المنهاج): (
أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِفَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُولَ: وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ،إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَاخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِلَى الْعَرَبِ،فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِأَنْ يَتَبَرَّأَ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مُطْلَقًا،وَلَيْسَ بِشَيْءٍ).
ونقل قول زكريا الأنصاري في (أسنى المطالب): (
فَلَوْ أَذَّنَ كَافِرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا،بِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ،وَالْعِيسَوِيَّةُ: فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ تُنْسَبُ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ،كَانَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ،يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً).
وقيدوا الأمر بالأذان في الوقت لتفادي احتمال استهزائه، كما نقل عن ابن عابدين في (الحاشية): (
أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا؛لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا).
فمن هذه الشروط ما هو مبالغ فيه، سدا لذريعة التلاعب وفق معطيات ما، ولذلك لا يجوز تكفير المخالف الذي لم يشترطها.
هل العيسوي يؤذن؟ الجواب: لا، لأن الأذان يعني الإقرار بكل الدين، وأنه ترك يهوديته وعيسويته، فالخلاف هنا في فهم مقصوده.
وهل يمكن أن يترك يهوديته ويدخل في الإسلام دون الإعتقاد في عالمية الرسالة، فقوله بأن محمدا رسول للعرب فقط كان مرتبطا بدينه الأول، فهو جزء منه، كما له تفاصيل كفرية أخرى، وكيف يعتقد أن محمدا رسول للعرب فقط ثم يدخل في دينه وهو أعجمي؟ فلا معنى لأن نفرض عليه هذا الشرط، ولذلك فبإتيانه بالشهادتين أو الأذان كدليل على الصلاة يترك كل معتقداته الأولى.
وإنما تشترط الشهادة بأن محمدا رسول الله للعالمين لو كان قبلها يقول أنه مسلم وكان كفره مقتصرا على ذلك القول، مثل المرتد تأولا في مسألة ما وأتى ببدعة مكفرة وبقي على اعتقاده بأنه مسلم، ومثله المؤذّن من هذه الأمة التي يعتقد أهلها أنهم مسلمون على دين محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يصرح بالبراءة من ذات الكفر الذي يأتيه، فهذان يختلفان عن العيسوي اليهودي.
وإن كنا نرى اليهود والنصارى وغيرهم يحملون عقيدة علمانية تحصر الدين في ما يتعلق بالمعتقدات الغيبية والشرائع الفردية دون الجماعية فهؤلاء لا يسلمون حتى يتبرأوا من ذلك الكفر ويدخلوا في التوحيد كله، ولم يكن اليهود يومها علمانيين، وإنما إذا دان الواحد بدينٍ يَدينُ به كله أو يتركه كله.
ولا يمكن أن نجد مسلما يخالف في وجوب الرجوع عما كان عليه من كفر لتصح التوبة، مثلما نقل عن ابن قدامة في (المغني): (
وَإِنْ ارْتَدَّ بِجُحُودِ فَرْضٍ،لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ،وَيُعِيدَ الشَّهَادَتَيْنِ؛لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِمَا اعْتَقَدَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَ نَبِيًّا،أَوْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِهِ،أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ،أَوْ اسْتَبَاحَ مُحَرَّمًا،فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ).
فما كان يعتقده يحتاج إلى الرجوع عنه وإظهاره، فالمشرك الوثني والملحد يرجع عن كفره بالشهادة الأولى، ومنكر النبوة يرجع عن كفره بالثانية، وإن أنكر شيئا من الشرع يرجع عن كفره بالإقرار بما أنكره.
نقل قول النووي في (روضة الطالبين): (فِيالْمِنْهَاجِلِلْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ ... وَكَذَا لَوْ قَالَ: بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، فَلَيْسَ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَلَيْسَ بِمِلَّةٍ.
فَإِنْ قَالَ: مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ مِنْ دِينٍ وَرَأْيٍ وَهَوًى، كَانَ مُؤْمِنًا). وهذا يرجع لاختلافهم اللغوي في معنى الملة، وإن كانوا يعتبرون التعطيل وهو الإلحاد وإنكار الخالق كفرا ولا يعتبرونه ملة من الملل المعروفة، وهذا ليس اختلافا حقيقيا.
ونقل عن الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج) قوله: (
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِيمُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ”: وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ.
وَقَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَهُمَا لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَشْهَدُ لَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَالًا اخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي الْإِفْتَاءِ فِي عَصْرِنَا فِيهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَمَا قَالَهُ الزَّنْكَلُونِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ قَالَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» : _أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ«رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ).
ونقل عن النووي في (المجموع): (
لَا يُحْكَمُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاسْتِدْعَاءِ غَيْرِهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا.
وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ: فِيمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْآذَانِ، أَوْ غَيْرِهِ، لَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ، وَلَا حَاكِيًا.
وَالصَّحِيحُ: الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ).
فأن لا يحكم بإسلامه حتى يأتي بالشهادتين بطلب من غيره أو بأن يقول: أريد الإسلام ثم يأتي بهما، فالمحذور عندهم هنا لعله كان يقرأهما قراءة ولا يقصد الدخول في الإسلام.
وخلافهم في قوله (أشهد) أو عدمه لا معنى له، فلو لم يتلفظ به لما فهم منه غير الشهادة، ولو علمنا من بعد أنه مجرد خبر أو كلمة ينقلها عندها نبني حكمنا على المعطيات الجديدة، ولا حرج في ذلك، وهذا نزاع لفظي غير حقيقي لا ينظر إليه فضلا عن أن يستدل به، فهي اجتهادات في فهم القصد، ويُنظر لقرائن الحال.
ومن الناحية النظرية ليس كل من قرأ القرآن يعبد الله بقراءته، فقد يقرأه لدراسته أو لمحاربته، ولعله يصلي بمعنى يتعلم الصلاة لا قصدا للدخول في الإسلام، ولعله لا يتناول الطعام في رمضان احتراما للمسلمين الذين يعيش بينهم أو طلبا للصحة، وهذا يقع اليوم دون أي إشكال، فإذا رأينا النصارى يصومون اتباعا للمسلمين دون إسلام فلا نحكم بإسلامهم لعلمنا بأنهم لا يقصدون الإسلام، وذلك قولهم كما نقل عن ابن قدامة في (المغني): (
وَالصِّيَامُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ مَنْ لَيْسَ بِصَائِمٍ).
لكن هذه الإحتمالات مرتبطة بالملابسات والحيثيات التي تحف بالواقعة، وليست أصلا يوجب التحري والتنقيب، فمن رأى أن قصده الإسلام حكم بإسلامه، ومن رأى أن قصده أمرا آخر يعتقد بكفره، ولا يكفِّر من خالفه، حتى يقنعه بفهمه للواقع، كحال شخصين اختلفا في مشروب معين إن كان مسكرا أم لا؟ فلا يجوز لمن حرمه أن ينسب للآخر استحلال الخمر حتى يُثبت له أنه مسكر.
والمناط هو مدى دلالة القول والفعل المعين على الإسلام كاملا، فأي كلمة تعني تخليه عن كفره ودخوله في الاسلام تكون كافية تغني عن غيرها، واختلفوا في كونها تعني عنده المعنى الكامل، ولذلك قالوا كما نقل عن النووي في (روضة الطالبين):
(فِيالْمِنْهَاجِلِلْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْ لَا إِلَهَ سِوَى اللَّهِ، أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ، أَوْ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا الرَّحْمَنُ، أَوْ لَا رَحْمَنَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا الْبَارِئُ، أَوْ لَا بَارِئَ إِلَّا اللَّهُ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَحْمَدُ أَوْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَافِرٌ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْلَ ذَلِكَ، صَارَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا حَتَّى يَقُولَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْتُ بِمَا كُنْتُ أُشْرِكُ بِهِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَوْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ، كَقَوْلِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِكَافِرٍ: أَسْلِمْ لِلَّهِ، أَوْ آمِنْ بِاللَّهِ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ أَوْ آمَنْتُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ مُؤْمِنًا...الخ).
لذلك نلاحظ الفرق بين قول ملكة سبأ: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: 44)
وما رواه ابن إسحاق عن وفد نجران: (فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما! قالا: قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلما! قالا: بَلى قد أسلمنا قَبلك! قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله عز وجل ولدًا، وعبادتُكما الصليبَ، وأكلكما الخنزير) (رواه الطبري)
وعن أنس بن مالك قال: وكتب قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مسلم، وبعث إليه بدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ الكتاب: (كذب عدو الله ليس بمسلم وهو على النصرانية)، وقسم الدنانير. (رواه ابن حبان)
فهؤلاء لم يعتبر قولهم لأن الفعل خالف القول، لكن من نعلم أنه يقصد الإسلام فهو مسلم وإن لم يحسن الإتيان باللفظ الصحيح، فعن الزهير عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد). مرتين. (رواه البخاري)
وأحيانا يجري الخلاف في وجوب التلفظ والتصريح بما يفهمه هو وما نفهمه نحن، أي كيفية إعلان الإسلام أو إشهار الإسلام، هل يكفي كذا أم لا يكفي حتى يقول كذا بالطريقة كذا، فهم يبحثون عن التصرف والقول الذي نعرف به إن كان غيّر دينه ودخل في ديننا حقيقة.
نقل قول النووي في (روضة الطالبين): (
فِيالْمِنْهَاجِلِلْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ ... وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: الْإِسْلَامُ حَقٌّ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْحَقِّ وَلَا يَنْقَادُ لَهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْنَا عَنِ الْبَغَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: دِينُكُمْ حَقٌّ).
وهذا معلوم بقرائن الحال وليس على إطلاقه، فهناك من يفهم منه مجرد الإقرار وهناك من يدل إقراره على الإنقياد.
كما ورد عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال صاحبه: لا تقل (نبي) فإنه لو قد سمعك كان له أربع أعين، قال: فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال: (لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا للفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة يهود: لا تعدوا في السبت، قال: فقبّلوا يديه ورجليه وقالوا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود دعا (لا يزال في ذريته نبي) وإنا نخاف أن تقتلنا يهود). (رواه أحمد وابن أبي شيبة)
فاليهوديان علم من حالهما أنهما لا يريدان الدخول في الإسلام بشهادتهما بنبوته، ومثلهما أبو طالب قد صدقه ولم يدخل في الإسلام.
نقل عن النووي في (المجموع) قوله: (
إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ:
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسَانِهِ، وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ:
الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ: صِحَّتُهُ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَآخَرُونَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا.
وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: يَصِيرُ.
... وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ).
ونقل قوله في (روضة الطالبين): (
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ. فَلَوْ لُقِّنَ الْعَجَمِيُّ الشَّهَادَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَلَفَّظَ بِهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، وَإِذَا تَلَفَّظَ الْعَبْدُ بِالْإِسْلَامِ بِلُغَتِهِ، وَسَيِّدُهُ لَا يَعْرِفُ لُغَتَهُ، فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يُعَرِّفُهُ بِلُغَتِهِ لِيَعْتِقَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ).
وقوله أيضا: (يَصِحُّ إِسْلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ.
وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا إِذَا صَلَّى بَعْدَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِيالْأُمِّ”.
وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ: الْأَوَّلُ، وَحَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْإِشَارَةُ مُفْهَمَةً).
وحقيقة الخلاف هنا: هل فهمنا ما يقصده الأخرس أم لا؟ فربما يقصد شيئا آخر، والصلاة منه تؤكد إسلامه إن لم نتأكد من مراده، فلو أشار الأخرس بالإسلام أو أعلن الأعجمي بلغته الإسلام وقال البعض: فهمت أنه أسلم، وقال الآخر: لا لم يسلم بعد، فهذا متعلق بما فهمه كل واحد منهما لإشارة الأخرس أو لكلام الأعجمي، وهل اقتنع كل منا بأن هذا الأعجمي أو الأخرس قد فهم الإسلام.
وهذا أشبه بمن سمع عن أحد الكفار أنه أسلم ولم يسمع عنه الآخر ذلك، فكل منهما يحكم على المعطيات التي بين يديه، وليس هذا هو مجال تطبيق قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، وليس دليلا على بطلانها لمن يشتهي إبطالها، وهذا يشبه من اختلفا في عصير معين إن كان مسكرا أم لا؟ فلا يصح أن يقال أن أحدهما استحل الخمر، وأن الآخر لم يكفّره.
وفي هذا المعنى كانت قصة الجارية الخرساء الأعجمية التي لم يتيقن أهلها من فهمها وتمييزها.
عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال: يا رسول الله إن عليّ عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها السبابة، فقال لها: من أنا؟ فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، فقال: اعتقها. (رواه أحمد وغيره)
ولننظر اليوم كيف يعلن الغربيون الإسلام عند القاضي أو في المسجد، وإن لم يصح فهمهم للإسلام، أو يعلن الواحد منا توبته عن كفر وقع فيه، وبعضهم يقول: إذا كان الكفر علنيا فلا بد أن يكون إعلان التوبة علنا لإعلام الناس أو حتى لا يتراجع صاحبها، فهذه أمور يشترطونها طبقا لواقع معين، لكن لا تؤدي إلى تكفير من لم يشترطها.
وفي المقابل عُلم من قرائن الحال أن الجارية التي سألها من ربك أنها تقصد الإسلام، ولا يعمم حالها على غيرها كأبي طالب واليهوديين السابق ذكرهما، ولذلك لم يكن يحكم بإسلام أحد من العرب بمجرد اعتقاده بأن الله في السماء.
فهذه المسائل التي تكلم فيها العلماء لا ترقى لأن تكون دليلا في مسألتنا، على أنه يمكن للمسلمين أن يختلفوا في الفرد الذي لم يظهر دينه شخصيا من عامة الناس اليوم، فأن ندعو أحدهم للإسلام سواء كان أخرسا أو أعجميا ونختلف في تمكنه من فهم الإسلام واقتناعه به بسبب الإختلاف في القدرة على التواصل والتفاهم معه هذا ليس دليلا على الإختلاف في حكمه قبل دعوته وهو فرد من قومه، هذا يقول: الأصل فيه الإسلام حتى يثبت كفره، وهذا يقول: أتوقف وأحاول معرفة حاله، وهذا يقول: أكفره تكفيرا ليس من أصل الدين.
ولذلك فلا يقال أن من قال كذا أو فعل كذا فحكمه الكفر أو الإسلام أو أنه لم يسلم بعد، كقاعدة ثابتة تعمم على كل الأحوال، كما نقل من (الدر المختار) للحصكفي: (
وفي الفتح من هزل بلفظ كفر ارتد وإن لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد والكفر لغة الستر وشرعا تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به من الدين ضرورة وألفاظه تعرف في الفتاوى بل أفردت بالتآليف مع أنه لا يفتى بالكفر بشيء منها إلا فيما اتفق المشايخ عليه كما سيجيء).
فلا يصح وضع قائمة محددة بالكلمات التي يكفر بها المسلم فيرجع إليها في كل الأحوال، فالفقيه كما قال بعض العلماء يقول: ماذا قصدت؟ لا ماذا قلت؟
كقولهم أن من قال: مسيجد أو مصيحف، فهذا مثلا ليس كفرا بإطلاق لمجرد اللفظ، بل يكفر بالقصد، فإن كان قصده استنكار بناء مسجد صغير أو كتابة مصحف صغير كذلك الذي كتب أصغر مصحف بلا فائدة إلا الشهرة، فما القائل بأولى بالكفر من كاتب المصحف وباني المسجد لو أغفلنا القصد، وهذا ليس كالإستهزاء بالمصحف كمصحف أو بالمسجد كمسجد.
فقرينةٌ ظاهرها الكفر من مسلم لم نتفق على قصده منها، مثل قرينة ظاهرها الإسلام من كافر ولم نتفق على قصده منها، كلاهما ليسا سببا لتكفير المخالف أو تبديعه إلا إذا اتفقنا على القصد.
نقل من (المحرر في الفقه) لأبي البركات قوله: (
وأما الصبي المميز فيصح إسلامه وردته إذا كان له عشر سنين وعنه سبع وعنه لا يصحان منه حتى يبلغ وعنه يصح إسلامه دون ردته ويحال بينه وبين أهل الكفر على الروايات كلها وإذا صححنا ردة الصبي والسكران لم يقتلا حتى يستتابا بعد البلوغ والصحو ثلاثة أيام وجعل الخرقي أول الثلاثة في السكران من وقت ردته ولا تقبل توبة الزنديق وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ولا من تكررت ردته ولا الساحر المكفر بسحره ولا من سب الله أو ورسوله بل يقتلون بكل حال وعنه تقبل توبتهم كغيرهم).
ونقل قول الكاساني في (بدائع الصنائع): (
وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ(أي: في الرِدَّة.) اُخْتُلِفَ فِيهِ؟.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_: لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتَصِحُّ رِدَّةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ _رَحِمَهُ اللَّهُ_: شَرْطٌ حَتَّى لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ”: أَنَّ عَقْلَ الصَّبِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ وَإِعْتَاقُهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ، وَالرِّدَّةُ مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَيَقَعُ مَحْضًا؛ لِذَلِكَ صَحَّ إيمَانُهُ وَلَمْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا”: أَنَّهُ صَحَّ إيمَانُهُ فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِيمَانِ وَالرِّدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ وَالرِّدَّةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهُمَا أَفْعَالٌ خَارِجَةُ الْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ، وَالْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ دَلِيلُ وُجُودِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا إلَّا أَنَّهُمَا مَعَ وُجُودِهِمَا مِنْهُ حَقِيقَةً لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ).
فالصبي إذا أعلن الإسلام وأبوه كافر، يمكن أن يقع الخلاف في فهمه لما يصدر منه، وهذا لا يوجب تكفير المخالف، ولذلك تكلموا عن الصبي العاقل والمميز، وتحديد البلوغ لتفادي تحميله المسؤولية عن تصرفاته الضارة خشية أن يكون غير مميز، فالإختلاف في السن حقيقته الإختلاف في تمييزه، ولذلك لم يختلفوا في الذكورة كشرط أم لا لأنه لا مبرر للإختلاف فيها.
ومثل ذلك الإختلاف في من تكررت ردته، هل تصح توبته أم لا؟ فمن لا يصححها يوجب قتله بحجة أنه زنديق يتلاعب بالدين ولم يتب، ولا يمكن أن يكفّر من صححها، وهذا لاختلافهما في صدقه من كذبه، فهذا يحكم على الظاهر أمامه والآخر يرى أن الظاهر كاذب، وهذا أشبه بواقعة نزول آية التبين.
والمخالف يقر بأن القضية قضية معرفة حاله، فيقول: (
وما يهمنا هنا هو معرفة كيفية تعامل اهل العلم مع من كانت هذه حاله وكيفية معرفة حال المرتد للحكم عليه بالردة وتنزيل احكامها عليه).
ونقل من (الدر المختار شرح تنوير الأبصار): (قال في البحر وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها ( وشرائط صحتها العقل ) والصحو ( والطوع ) فلا تصح ردة مجنون ومعتوه وموسوس وصبي لا يعقل وسكران ومكره عليها وأما البلوغ والذكورة فليسا بشرط
بدائع
وفي الأشباه لا تصح ردة السكران إلا الردة بسب النبي صلى الله عليه وسلم).
فالإختلاف هنا في كون الصبي والمجنون والسكران يعقلون ويعنون ما يصدر منهم، فلا بد من إرادة واختيار وفهم لما أقدم عليه من إسلام أو كفر، ولا يجري الخلاف بين العلماء إذا اتفقوا أنه يعني شيئا آخر غير ما صدر منه، ولذلك فهذا الإختلاف لا يستلزم تكفير بعضهم البعض، ولا يُتخذ دليلا في مسألتنا التي هي حكم من لم يظهر دينه بين الكفار وحكم أبنائهم ومجانينهم.
كما أن بعض كلامهم عن صحة ردة السكران بسب النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها، المقصود منه الإقتصاص لحق النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قالوا أنه بعد وفاته لا يحق لأحد منا أن يعفو بدلا منه، لكن لا معنى لاستثناء سب النبي صلى الله عليه وسلم من سائر ما قد يظهره السكران من كفر.
ونقل من (المحرر في الفقه) لأبي البركات قوله: (
وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا من كان كفره بجحد فرض أو تحريم أو تحليل أو نبي أو كتاب أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به
-ولا يغنى قوله أشهد أن محمدا رسول الله عن كلمة التوحيد
-وعنه يغني
-وعنه إن كان ممن يقر بالتوحيد أغنى وإلا فلا).
 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

أحمد إبراهيم
2013-03-18




فتجد هذه الأقوال كلها لم تنقص من التوحيد شيئا، فالخلاف هو: هل الشهادة الثانية تتضمن الأولى أم لا؟ فمن قال أنها تتضمنها لم يشترط الأولى، ومن نفى ذلك اشترطها.
ونقل قول ابن تيمية في (درء التعارض): (
لكن تنازعوا فيما إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله: هل يتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد أو لا يتضمن؟ أو يفرق بين من يكون مُقراً بالتوحيد ومَن لا يكون مُقراً؟).
فهذا ليس خلافا حقيقيا، ولا يلزم من تكفيره أن يكفّر من اعتقد بإسلامه، والسبب هو اختلافهم في المانع من نطقه بالشطر الأول من الشهادتين، ومثله ذلك الذي نطق بالشهادة الأولى دون الثانية، هل يحكم بإسلامه أم لا؟ والذين اعتبروه كافرا فهذا لأنهم يرون أنه لم يقرّ حقيقة بالرسالة، أما من اعتبروه مسلما فهم لا يخالفونهم في كونه كافرا إن لم يقر بالرسالة، ويحكمون بإسلامه باعتبار أنه يقصد بالشهادة الأولى أنها تشمل الأخرى، فيستغنى بهذه عن تلك لا استغناء عن معناها، ولكن يستغنى بهذه عن النطق بالأخرى، لكون معناها متضمنا ومقصودا من الأولى.
وبعدها إن أبى النطق بالشهادة الأخرى، وهذا يختلف طبعا عمن منعه مانع ما من النطق بها، فمن قال أنه مسلم بالشهادة الأولى، كما نقل عن النووي في (المنهاج): (
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا)، أما الآخر فيعتبره كافرا أصليا لا يحكم عليه بحكم الردة.
وإلا فإن هناك من يتلاعب بالدين، إذ يتلفظ أو يعمل بأي شريعة من شرائع المسلمين، لمصلحة ما كالميراث أو حالة الحرب، أو استهزاء ثم يقول من بعد أنه لم يقصد الدخول في الإسلام، لأن دخوله في الإسلام تترتب عنه أحكام ومعاملات.
فكيف يتعامل معه القاضي؟
ونقل من (المغني) لابن قدامة قوله: (
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً).
ومن (المجموع) للنووي قوله:
(وَقَالَ صَاحِبُالتَّتِمَّةِ”: إذَا صَلَّى حَرْبِيٌّ، أَوْ مُرْتَدٌّ، فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَالَ الشَّافِعِيِّ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ مُسْلِمًا يَقْصِدُ الِاسْتِهْزَاءَ، وَمُغَايَظَتَهُ بِالصَّلَاةِ).
ومن (المغني) لابن قدامة قوله: (
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِتَارَ بِالصَّلَاةِ، وَإِخْفَاءَ دِينِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ).
لكن صلاة النصراني دلالة على الدخول في الإسلام، إلا إذا ظهر في ظرف معين من لا يقصد بها الدخول في الإسلام فيُنظر في حاله، فهي مسألة عين لا ترتقي لأن تصبح قاعدة في كل الأحوال.
أما القول أنه يمكن أن يكون قد صلى رياء وتقية ولذلك لا يحكم بإسلامه فهذا يطرد في كل ما يظهره، وبالتالي لا يقبل إسلام من أحد أبدا، فوفق قولهم هذا حتى ولو تشهد أو قال: برئت من كفري، وأتى بكل الشروط التي اشترطوها لما حكموا بإسلامه، فمن يخادع في غير الشهادتين يمكن أن يخادع في الشهادتين ولا يمكن أن نتبين صدقه من أي ظاهر، إن كان الأمر وفق تلك الأوهام من النفاق والإستهزاء، وفي النهاية لا يحكم بإسلام أحد.
نقل قول المرداوي في (الإنصاف): (
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيالْإِفْصَاحِ”: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بِهَا دَمُهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا).
ونقل قول ابن حجر في (فتح الباري): (
وَفِيهِ مَنْعُ قَتْلِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَلْ يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مُسْلِمًا؟.
الرَّاجِحُ لَا، بَلْ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ قَتْلِهِ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ، وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ).
فهذا لأنه رجح نفاقه، فكانوا يخشون النفاق ممن يتقي المسلمين، لا سيما وهم في دولة الإسلام الممكّنة في الأرض، وكانوا يحتاطون من ذلك، لكن العمل بالأحوط ليس حدا ثابتا يكفر مخالفه.
فمثل هذا خطأ ولو كان صحيحا لما جاز لمن كفّر هذا القائل في حالة الخوف أن يكفّر من اعتقد بإسلامه، كما لم يجز ذلك لأسامة ومحلم بن جثامة، والخطأ لا تترتب عنه قاعدة.
فقولهم أن المصلي ربما يقصد الإستهزاء مرتبط بالحالة والظرف والواقعة، لا احتمالا وهميا يُتخذ قاعدة معممة على كل من يظهر الدخول في الإسلام، فالصلاة من النصراني في الحالة العادية تعني إسلامه، ومن علم استهزاءه فهذا استثناء له حكمه، فالبناء هنا على القصد، وهذا يُعرف من حيثيات الواقع.
وهذه الأقوال يُرد عليها بما ورد في سبب نزول آية (فتبينوا) وحديث أسامة والمقداد وخالد رضي الله عنهم، فظاهر أقوال هؤلاء العلماء مخالف صراحة للنصوص السابقة، ولا مانع من أن يخطئ هؤلاء العلماء سواء المتقدمون منهم أو المتأخرون في زمن الجمود والتقليد، فقد أخطأ من هو خير منهم وهم هؤلاء الصحابة الكرام.
ونقل قول الكاساني في (بدائع الصنائع): (
الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الَّتِي نُصَلِّيهَا الْيَوْمَ، لَمْ تَكُنْ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا، فَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فَكَانَتْ دَلَالَةً عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِشَرِيعَتِنَا).
والواقع أنه حتى الصلاة منفردا ليست كصلاة من قبلنا، فلماذا لم يحكموا عليها؟ لعلهم لم يتحدثوا عمن رأوه يصلي وإنما عمن قال: صليت، أي أن الإشكال في مقصوده من كلمة الصلاة، هل هي صلاة المسلمين أم صلاة النصارى؟
ونقل من (المغني) لابن قدامة قوله: (
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَالْإِتْيَانُ بِهَا إسْلَامٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالصِّيَامُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ مَنْ لَيْسَ بِصَائِمٍ).
ونقل قول الشيرازي في (المهذب):
(وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة، فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا، كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ، أَوْ زَكَّى الْمَالَ).
وهذا الكافر الذي صلى قد يكون كفره بتأويل ويعتقد أنه مسلم، أو أنه كافر من اليهود والنصارى وغيرهم غرضه الإستهزاء أو التلاعب أو التخفي، فمن علم عنه ذلك حكم بكفره ومن لم يعلم حكم بإسلامه، والإختلاف في الواقع والحال والمناط الذي يبنى عليه الحكم لا يستلزم تكفير المخالفع والحال س زعجزك وضعفكا استطعت وإنما غذا ن وقانون التدافع الذي يسري على كل الإسلام والكفر والمسلم والكافر.
ونقل من (طرح التثريب) للعراقي قوله: (
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ إذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا، أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، هَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا؟).
وهذا كمن رأيناه منهم يصلي ثم مات مثلا، هل يدفن في مقابر المسلمين أم لا؟ أما من هو بين أيدينا فينظر في حاله، إن كان حاله مقتصرا على تلك الصلاة فليس بمسلم ولا يختلف فيه اثنان، وأما إن كان مسلما فلا بد أن يؤمن بكل ما يؤمن به المسلمون، وهذا يُعلم من ملابسات واقعه.
وقد لا يوجد في الواقع ممن يعلنون إسلامهم من يؤذن في غير الوقت أو يقتصر على شطر من الشهادة دون الآخر، فلا معنى لأن لا يضيف الشطر الآخر، لكن ربما يقصد العلماء أنه اتفق أن رأينا منه ذلك، ثم غاب عنا، لا أنه اقتصر عليه وحده وهو حاضر بيننا ونحن نختلف فيه، فهذا غير معقول.
وأحيانا يكون غرض العلماء سد الذريعة على تلاعب الكفار بالدين، حتى لا يقول: لم أقصد الدخول في الإسلام، وبالتالي لا يصح أن تحكموا عليّ بالردة، وهي مسألة قضائية معروفة، وقد تحدُث في مسائل الإرث، إن رأى أن إسلامه يحرمه من نصيبه، لذلك قالوا: نجبره على الإسلام إن قال كذا كأي مسلم لا نقره على الكفر، بخلاف أهل الذمة.
ونقل عن الكاساني في (بدائع الصنائع) قوله: (
إلى قوله_، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ يُصَلِّي سَنَةً، وَمَا قَالَا: رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ يَقُولُ: صَلَّيْتُ صَلَوَاتِيلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ أَيْضًا، فَلَا تَكُونُ الصَّلَاةُ الْمُطْلَقَةُ دَلَالَةَ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
وَشَهِدَ الْآخَرُ وَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ كَذَا، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ، وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الصَّلَاةِ مِنْهُ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ، وَذَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ لَا نَفْسَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ، فَقَدْ اجْتَمَعَ شَاهِدَانِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً، لَكِنْ تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْجَبْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ، لَا فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا حَقِيقَةً، فَهُوَ مُخْتَلِفٌ صُورَةً لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْفِعْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقَتْلِ).
فالمسألة في كثير من الأحيان قضائية، وهذه الفتاوى كانت آراء يعمل بها القضاة الذين هم أنفسهم العلماء.
فالخلاف هنا كغيره من المواضع في فهم كل طرف لقصده من ذلك التصرف.
وأمام القاضي يجري التحري من بعض الأمور لا سيما إن كان المعني بالأمر غائبا أو ميتا، فيسأل الشهود عن بعض الأمور الدقيقة، وقد يكون حاضرا فينظر متى أسلم يوم مات مورثه لينظر هل يستحق الميراث أم لا؟
مثل ذلك ما نقل عن النووي في (المجموع): (
وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ زَكَاةٍ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِلَا شَهَادَةٍ، وَضَابِطُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أن كل ما يَصير المسلم كافرًا بجحده يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: لَا يَصِيرُ).
فهؤلاء اجتهدوا في مسائل قضائية، في أمر صدر من كافر، وهو إقراره بوجوب الصلاة، هل نفرض عليه به الإسلام كأي مسلم لا تقبل منه الردة، إذ إقراره بشيء من الدين يستلزم الإقرار بالكل، أم نبقيه على حاله كافرا أصليا؟ فاجتهدوا في كون ما أظهره دليلا على الإلتزام بالإسلام كله أم لا؟
وهذا لأن الإعتراف بشيء يختص بشريعتنا لا يعني إلا الخروج من شريعتهم.
ونقل عن ابن قدامة في (المغني) قوله: (
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَافِرِينَ).
ونقل من (بدائع الصنائع) للكاساني قوله: (وَلَوْ حَجَّ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؟.
قَالُوا: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ، وَلَبَّى، وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْحَجِّ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ، لَمْ تَكُنْ فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِشَرِيعَتِنَا، فَكَانَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ.
وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ، أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ، وَلَمْ يُلَبِّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ عِبَادَةً فِي شَرِيعَتِنَا إلَّا بِالْأَدَاءِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَالْأَدَاءُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِسْلَامِ).
وهذا كله للتأكد من قصده، فينظر هل واقعه يدل على إقراره بكل الدين أم بتلك الشعيرة فقط.
لكن هل يستلزم اعتقادنا اليوم بكفر من لم يكفر المصلين والحجاج والمردّدين للشهادة أن يكفّر بعض هؤلاء العلماء بعضا؟ أقول: هذا لا علاقة له بمسألتنا، لأننا نتفق اليوم على أن الصلاة ليست قرينة مميزة بل مشتركة، ولا حرج على من لا يعلم، كمن جاء من بلاد لم ير فيها المشركين الذين يتسمون بالمسلمين، وقد يحدث اليوم ما حدث لهؤلاء العلماء قديما، كأن نسمع درسا أو نقرأ كتابا يتحدث صاحبه عن أمور في التوحيد يخالف بها قومه في كفرهم الواقع، فنظنه قد أسلم لكنه يتحدث كلاما نظريا لا يلتزم به اعتقادا وعملا، فلا حرج فيمن أخطأ فيه، وهذا يختلف عمن يؤدي شعيرة مشتركة تعودنا أنها تصدر من المشركين.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو كفار العرب، وكان يتسمع الأذان تورعا من قتل المسلمين خطأ لعدم يقينه من كفرهم في تلك اللحظة.
عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما، لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر: فإن سمع أذانا كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم. قال: فخرجنا إلى خيبر، فانتهينا إليهم ليلا، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب. (رواه البخاري في باب: ما يحقن بالأذان من الدماء)
فأهل خيبر كفار عموما وإن لم نتيقن من كل فرد منهم، لكن لو أذنوا واختلف الصحابة في صحة إسلامهم، هذا يقول: الأذان ليس دلالة على الإسلام كله ولا يكفي حتى نرى إن كانوا يقرون بالكل، والآخر يقول: هم منافقون يتربصون بنا، وذاك يقول: هم مسلمون، هل يقاس على هذا الخلاف لو اختلفوا في حكمهم قبل الأذان؟ وهل يجوز أن يقال: ماداموا اختلفوا فيهم بعد الأذان ولم يكفروا فيمكن أن يختلفوا فيهم قبل الأذان ولا يكفرون، وأنه خلاف ليس من أصل الدين؟
فالقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم توقف في تكفير المعين من أهل خيبر أو سائر العرب قبل الأذان كفر، فالمتوقفون يفهمون الحديث بمعنى أنه توقف فإن سمع أذانا اعتقد بإسلامهم وإن لم يسمع أذانا كفّرهم، مع أن الحديث عن التوقف في القتال لا التكفير.
أما من يحكم على الشعائر المشتركة فلو سمع أهل خيبر يذكرون أنبياءهم السابقين أو يصومون عاشوراء يكف عنهم ويعتقد بإسلامهم، وهذا كفر مثل التوقف.
والأمثلة التي سردها المخالف ومنهجه في الإستدلال يفرض عليه الإعتقاد بإسلام من حكموا بالشعائر المشتركة، قال: (
فكلامنا هنا عن كيفية تحقيق هذا الشرط على ارض الواقع بعد الايمان بوجوب العمل به ,وبأنه من أصل الدين , فالاعتقاد اذا موجود لدي الشخص وهو كون ان من عبد مع الله اله اخر فهو كافر او من ارتكب ما قال الله ورسوله انه كفر فهو كافر ويجب تكفيره).
وكل هذا قد حققه مَن حكم بإسلام المصلين اليوم، فهو مثل المتوقف يعتقد أن من عبد مع الله إلها آخر فهو كافر وأن من ارتكب ما قال الله ورسوله أنه كفر فهو كافر ويجب تكفيره، فهل يكفيه هذا؟
والنتيجة عنده هي أن من توقف ومن حكم بالقرائن المشتركة اليوم كلاهما مسلم، ومثلهما الذي يعتقد بإسلام المعين اليوم ابتداء لخطئه في مفهوم دار الإسلام.
فكل هؤلاء قد حققوا ما حدده من أصل الدين، وخالفوا كما خالف العلماء وفق رؤيته، وقد استدلوا هم بمثل كلام العلماء الذي أورده، وكل كلامه هذا كان في غير محله، وإن كان دليلا فهو دليل عليه أيضا، فوفق استدلالاته يجوز اليوم القول بإسلامهم بالشهادتين والصلاة، ما دام يطلق الكلام على عواهنه ويقول أن طرق الحكم على الناس بالكفر من نص ودلالة وتبعية لا علاقة لها بأصل الدين.
وكل هذا جناية على دين الله كبيرة، وتبرير للكفر بالإيغال والتمادي فيه وتوسيع دائرته أكثر فأكثر، حتى نعود إلى نقطة الصفر، ونهدم العقيدة حجرا حجرا، ولا يبقى إلا الشعار.
قال: (فنحن نقول ان الموحد اذا ما توقف في معين بقرينة لا يكفر وهذا القول لا يخالفنا فيه المخالفون ويقرون به ولكننا نزيد عليهم فنقول ان الموحد اذا توقف في معين ولو بغير قرينة فهو لا يكفر عندنا).
والقضية ليست قضية توقف بقرينة أو دونها كما صورها، ولا يصح إطلاق القول بأن المتوقف بقرينة لا يكفر.
فإن كان المقصود بالقرينة هو ما نقله عن العلماء فقد تبين محلها وسببها ونوعية الخلاف فيها ومعنى القرينة، وليس من نوع إظهار الشعائر المشتركة.
وتختلف تلك القرائن المميزة بين أمة تنتسب إلى الإسلام كالعرب اليوم وكفار آخرين كالبوذيين والأوربيين، فلو جاء اليوم أحد العلماء القدامى الذين اشترطوا الصلاة جماعة ووجد الناس يصلون جماعة لاعتقد أنهم مسلمون، ولربما اعتقد بكفر من لم يصل معهم، وهو المسلم في واقعنا، ولا حرج عليه في ذلك حتى يعرف واقعهم.
ولو عاد أوربي لزمن النبوة لربما حكم على لحية شخص، بينما اللحية لم تكن مميزة للمسلم عن الكافر، وكل واحد يحكم ابتداء وفق معطيات بيئته وزمانه، وعليه أن يغير حكمه بعد علمه بالمعطيات الأخرى، ولذلك فالمسلم العالم أو الجاهل اليوم يفهم أن الصلاة لا تميز المسلم عن الكافر، ولا يقيم لها اعتبارا وهذا دون تلقين لأنه واقع عاشه.
والفرق بين أقوال العلماء المذكورة وقول البعض أن من صلى اليوم ولم يظهر الكفر فحكمه الإسلام هو أنهم اليوم يعلمون مسبقا أن المشركين يصلون، أما هؤلاء العلماء فقد اجتهدوا في كونه يعني التوبة من كفره أم لا؟ فاجتهدوا في كونه قرينة مميزة أم لا؟ واجتهدوا في دلالة ذلك القول أو الفعل، لا أن الحكم بالنص أو الدلالة أو التبعية اجتهادي دون أصل الدين.
فالحكم بالنص والدلالة غير مختلف فيه كأصل، وإلا لما بقي حكم على أحد بإسلام أو كفر، لكن ما يصدر من الناس من نص أو دلالة قد نختلف في معناها، وإذا كان الخلاف في القصد هذا لا يستنبط منه أن الحكم بالظاهر نصا أو دلالة ليس من أصل الدين.
أما من علموا أنها لا تعني في عُرفه التوبة كعادة قومه، مثل لحية العربي زمن النبوة، والإقرار بوجود الله عند اليهود والنصارى، فهم متفقون في كفره، ونحن نعلم جميعا أنها قرينة غير مميزة في واقعنا اليوم، ولذلك يكفر من بنى عليها، فمادمنا نعلم بكفرهم مع صلاتهم فإن الإختلاف في حكمهم عند الصلاة يعتبر كفرا منا، ولو اختلف العلماء في هذا لكانوا كفارا ولا كرامة، وهذا ليس مذهب فلان وأصحابه ولا مذهب الجمهور بل مذهب كل مسلم.
مثال: من ترك الصلاة لا يشهد أحد ويقول أنه تاب من ترك الصلاة لأنني رأيته يتصدق، بل يقبل منه ما يكون دليلا على تراجعه عما كان يمتنع منه من قبل، لكن قد يُختلف فيه عندما يقال: رأيته يتوضأ، فمنهم من يقول: الوضوء دلالة على الصلاة، ومنهم من يقول: حتى يصلي، ومنهم من يقول: حتى يصلي فردا فصلاة الجماعة قد تكون رياء ونفاقا، فيختلفون في القرينة المميزة والعلامة المعتبرة التي تؤكد توبته لأسباب يراها بعضهم وجيهة ويراها الآخر تكلفا، أما التصدق فمن المتفق عليه أنه علامة غير معتبرة لأنها مشتركة وغير مميِّزة للمصلي عن تارك الصلاة، والخلاف فيه غير ممكن، كذلك القوم الذين نعلم أن كفرهم ليس من باب ترك تلك الشعائر والعقائد المشتركة فمن فعلها لا تكون دلالة على تركه لكفر قومه.
فالخلاف في كونها قرينة مميزة خلاف في فهم الواقع لا في الحكم بعد الإتفاق على الواقع، وأن يكون في هذه المسألة أو تلك قولان، هذا لا يستلزم تكفير المخالف الذي يقول بإسلام من ظنه مسلما بما أظهره.
هذا بخلاف ما يجري الآن، حيث نرى أناسا يعلمون أن الصلاة لا تعني البراءة من الكفر في واقع الناس، ومع ذلك يعتقدون بإسلامهم إذا صلوا، وحال هؤلاء يختلف عن حال العلماء المذكورين.
فإن قال من يبني على القرائن المشتركة: أنا أعلم من واقع الناس عموما أنهم يصلون مثلا ويشركون بالله لكن هذا لا ينطبق بالضرورة على المعيّن من المصلين، نقول: نعم، هذا حق، لكن لماذا تحكم بكفره إن لم يظهر شيئا؟ فلا بد أن يقول: لأنني أعلم من واقعهم الكفر عموما، نقول: وهذا ما علمته من واقع المصلين عموما، فلماذا لا تبني عليه؟ وهل ينطبق واقع العموم بالضرورة على هذا المعيّن الذي لم يظهر شيئا؟ فإما أن تترك تكفير من لم يظهر شيئا لأن واقع العموم لا ينطبق عليه بالضرورة، وإما أن تكفر المصلي تبعا.
إن من يحكم على الشعائر المشتركة ويعتبرها نصا ودلالة على الإسلام لا يلبث أن يلغيها وينفي دلالتها على الإسلام، فإذا رأى المصلي مثلا يكفر من بعد لا بد أن يحكم بردته، لكنه يحكم بكفره الأصلي فيضطر لإلغائها، وإن رآه من بعد يصلي مثلا لا بد أن يحكم بتوبته من الكفر لكنه يبقى على حكمه بكفره، ولو كانت الصلاة معتبرة فعلا لوجب الحكم بإسلامه وتوبته، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى الصلاة في المساجد البعيدة التي لا يعاينون أهلها في حال الكفر ولا يرونهم إلا في حال الصلاة يحتالون على أنفسهم.
ولا يمكن تحديد قائمة ثابتة ودائمة للشعائر المشتركة، فكلها قد فعلها من ليسوا مسلمين في واقع معين دون آخر، وإنما ما كان مميزا في الظاهر والواقع، فالفاصل هو إظهار مخالفة المشركين في ذات عقائدهم، ولا يقال عن النصراني إذا حج أن مشركي قريش حجوا، كما نقل من (المغني) لابن قدامة قوله: (
وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ)، وهذا ليس على إطلاقه، فأن يكون الحج مشتركا بين المسلمين ومشركي العرب هذا لا ينطبق على النصراني، والذين أسلموا من أهل الكتاب زمن النبوة لم يشترط عليهم إلا كما اشترط على قريش، لكن العادة اليوم أن النصراني إن صلى وتشهد يدخل في دين هذه الأمة المسماة بالمسلمة ولا يترك الكفر الآخر الذي يشترك فيه مع هذا الأمة.
هذا هو توجيه اجتهدات العلماء قديما مما حرص المخالف على سرده والإكثار من تفاصيله حتى يظهر أن المسائل كلها خلاف في خلاف، فما نشاهده هو إشاعة للخلاف في كل شيء دون تحديد حد أدنى.
وهي مجرد محاولات لفهم كلامهم وإلا فقد تكون هناك ملابسات تحيط بفتاويهم لا نستطيع تصورها الآن، وربما لا نفهم أسباب بعض الآراء حسب معطيات عصرنا الراهن، والخلل يأتي من استدعاء فتاوى متعلقة بعصرها دون فقه لواقع أهلها، ففي كل الأحوال يجب أن نفقه ملابسات الفتوى التي تحيط بها ودواعيها لا ننقلها كأصل ينزّل على كل واقع، وإلا فقد استدل بها من لا يكفّر المشركين اليوم إذا صلوا أو تلفظوا بالشهادة، واعتبرها خلافية بين العلماء.
وقد اقتصرتُ في الإستدلال على خطأ فهم المخالف لكلامهم من ذات النقول التي نقلها هو، دون حاجة لمزيد من البحث في الموسوعات الفقهية، لأبين أن القضية قضية فهم وليست قضية كثرة نقول، ولو فهمنا ما احتجنا لكل هذه النقول.
*****
وضع المخالف المسألة ضمن أحكام الديار التي يعتبرها أحكاما فقهية فرعية، بخلاف الذين اعتبروا أحكام الديار من أصل الدين الذي يكفر مخالفه، والحق هو التفصيل في المسألة، فأحكام الديار وأحكام التبعية مثل أحكام أهل الذمة مثلا هي أحكام متفرقة، فالجزية مسألة شرعية فرعية ليست من أصل الدين، وتكفير أهل الذمة من أصل الدين.
وجمع مسائل كثيرة بعضها من أصل الدين وبعضها أحكام شرعية تفصيلية منصوص عليها وبعضها اجتهادات، ووضع كل ذلك تحت عنوان (أحكام الديار) وأخرجها كلها من أصل الدين.
والمسألة بسيطة وواضحة لولا أن التكلف فعل فِعله فينا، فالعامي قبل العالم يحكم على الأمريكي مثلا بالكفر حتى يثبت إسلامه، دون حاجة لمعرفة أحكام الديار التي يتحدثون عنها اليوم.
قال أن أحكام الديار اختلف فيها العلماء ولم يكفّر بعضهم بعضا، وساق قول أبي حنيفة في اشتراطه ثلاثة شروط لتحول دار الإسلام إلى دار كفر، وهي غلبة أحكام الكفار عليها، وعدم الأمان للمسلم والذمي، وملاصقتها لدار الحرب.
لكن كل هذا لا يؤدي إلى نتائج وأحكام مختلفة على ساكنيها بالإسلام أو الكفر كما يظن، فهؤلاء العلماء لم يختلفوا في حكم الناس، بل انطلقوا منه كمسلّمة لا جدال فيها.
أبو حنيفة يتكلم عن دار ارتد أهلها أو تمرد أهل الذمة فيها، فهو متفق مع كل العلماء بأنهم كفار، ولا علاقة لتكفيرهم بكلامه عن الدار، أو دار تغلب الكفار على المسلمين فيها فيبقى حكم أهلها ثابتا، فلو كان أهل العراق اليوم مسلمين لما تغير حكمهم عند احتلال أمريكا لبلادهم، فهذا المعنى يعلمه العامي والعالم والكبير والصغير حتى مشركو هذا الزمان، ومن شاء أن يمتحنهم فليفعل، لكن من يكتبون في العقيدة أشكل عليهم هذا الأمر.
لذلك لا نحن أخطأنا ولا هؤلاء العلماء أخطأوا في تصور أصل الدين ولا يستلزم قولنا تكفيرهم كما يظن، لأنهم لم يختلفوا في أصل الدين.
هو يظن أن الحكم على مجهول الحال بين الكفار من أحكام دار الحرب التي اجتهد فيها العلماء، فأجاز لأبي حنيفة الحكم بإسلام مجهول الحال وفق فهمه لكلامه، فقال: (
فانظر بالله عليك الى قول الامام ابو حنيفة انها لا تصير دار حرب أي ان احكام دار الحرب لا تسري عليها وبالتالي فان الحكم على من يجهل حاله فيها هو انه مسلم).
أي أنه لم يكتف بالإعتقاد بإسلام المتوقف بل يرى إسلام من اعتقد بإسلام مجهول الحال بين الكفار، فلماذا الكلام عن التوقف والمشكلة أخطر؟!
ثم يأتي في موضع آخر ويقول أنه يكفّر من اعتقد بإسلام مجهول الحال في دار الكفر، وإلى متى تتواصل فوضى الإعتقادات هذه؟! هل كل ما يهمكم هو الكم الأكبر من النقول بلا فقه، حتى ولو أدت للكفر وتمييع أصل الدين وتحويله إلى مسائل خلافية؟!
قال: (
وهذا خلاف واضح لكل منصف يجعل قضية الحكم على الناس في هذه الديار التي ذكرنا ,مختلف فيها بدون ادنى شك على الاقل بين الاحناف وغيرهم من اهل العلم).
فعندما لم يجد اختلافا للعلماء في أعيان الناس في بلاد الروم مثلا قال أنهم اختلفوا فيهم بحجة أنهم اختلفوا في تحديد دار الكفر من دار الإسلام وهذا ينجر عنه في نظره الخلاف في تبعية من لم يظهر دينه فيهما هل هو مسلم أو كافر؟ فهذا الفلاح الأمريكي الذي لم يظهر دينه يمكن أن يعتقد الواحد منا بإسلامه ولا يكفر لأن أبا حنيفة فعل ذلك ولم يكفّره العلماء!
وينسى أن الحكم بكفر مجهول الحال قد يكون حتى في دار الإسلام التي لم يسلم أهلها كخيبر مثلا، فلا علاقة للمسألة بأحكام الديار الفقهية.
نقل قول الكاساني في (بدائع الصنائع): (
وَقِيَاسُ هذا الِاخْتِلَافِ فِي أَرْضٍ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ عليها الْمُشْرِكُونَ، وَأَظْهَرُوا فيها أَحْكَامَ الْكُفْرِ، أو كان أَهْلُهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ فَنَقَضُوا الذِّمَّةَ، وَأَظْهَرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ، هل تَصِيرُ دَارَ حَرْبِ؟ فَهُوَ على ما ذَكَرْنَا من الِاخْتِلَافِ).
فالإختلاف في كونها دار حرب كدور الحرب الأصلية لا يعني الإختلاف في حكم مجهول الحال بينهم، سواء قبل نقض عقد الذمة أو بعده، فسواء كانوا ذميين أو حربيين أو مرتدين كلهم كفار، ومجهول الحال بينهم كافر حتى يثبت إسلامه سواء كانت دارهم تابعة لدار الإسلام أو لدار الكفر.
أبو حنيفة جمع الشروط الثلاثة، فضم هذين الشرطين للشرط المتفق عليه، ومن المعلوم أن هذه الشروط الثلاثة تتماشى مع بعضها البعض عادة، فمتى تغلبوا على دار تغلبت أحكامهم، ولم يأمن المسلم عندهم، ويتغلبون عادة على دار محاذية لدار الحرب الأخرى، فهما ليسا شرطين مستقلين، لأنه إذا غلبت أحكام المسلمين كان الأمان للمسلم والذمي بأمان المسلمين، ولا توجد دار كفر الأمان فيها بأمان المسلمين، ولا دار إسلام الأمان فيها بأمان الكفار، لأن الذي يعطي الأمان هو المتغلب.
هل تكون دار إسلام حيث تتعامل الدولة المسلمة مع أهلها كما تتعامل مع أي فرد أو طائفة كافرة متمردة داخل دار الإسلام؟ حيث يبقى الأمان لأهل الذمة فيها أمان المسلمين، والمسلمون آمنون بقوة الدولة المسلمة غير مستخفين بدينهم، أم يلزمهم الهجرة منها وغير ذلك كما يكون الحال في دار الحرب؟ أي متى تخرج من إطار سيادة الدولة المسلمة وتصير أجنبية عنها؟
وبالنسبة للمتاخمة فأبو حنيفة لا ينظر للأمر بكونه مسألة جغرافية بحتة ولكن للغلبة، فمن ناحية جغرافية ستكون لهم المنعة بمن وراءهم من أهل الحرب، ويفتقد الأمان للمسلم، ولكن إذا ارتد أهلها وهي وسط بلاد المسلمين فستكون أقرب إلى حال خيبر لليهود وهي دار إسلام، مع الفارق بين المرتد والذمي، فلا يمكن للكفار أن يتغلبوا عليها نهائيا.
إن العلماء لم يختلفوا في حكم المسلمين ولا الكافرين، فهم يعلمون أن أهل خيبر يهود في دار الإسلام، وكون خيبر من دار الإسلام لم يؤد إلى الإختلاف في حكم المعين من أهلها إن لم يظهر دينه شخصيا.
والذين تحدثوا اليوم عن أحكام الديار وعن التبعية للدار ذكروا الدار الفرعية أيضا مثل خيبر، والأصل في الدور هو ما نشاهده اليوم، فدار الكفر يسكنها الكفار عموما كحالنا اليوم، وبالتالي يكون حكم أهلها هو حكم الدار، ولا يخالفوننا في الواقع إذا قلنا أن التبعية للقوم، فهو خلاف لفظي.
وأما ما نقله عن الماوردي كما في (نيل الأوطار) للشوكاني في قوله: (
إِذَا قَدَرَ عَلَى إِظْهَار الدِّين فِي بَلَد مِنْ بِلَاد الْكُفْر، فَقَدْ صَارَتْ الْبَلَد بِهِ دَار إِسْلَام، فَالْإِقَامَة فِيهَا أَفْضَل مِنْ الرِّحْلَة مِنْهَا، لِمَا يُتَرَجَّى مِنْ دُخُول غَيْره فِي الْإِسْلَام).
وما نقله عن النووي في (روضة الطالبين): (
قال "صاحب الحاوي" فإن كَانَ يَرْجُو ظُهُورَ الْإِسْلَامِ هُنَاكَ بِمُقَامِهِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ.
قَالَ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالِاعْتِزَالِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ بِهَا، لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إِسْلَامٍ، فَلَوْ هَاجَرَ، لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ، فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا).
يعني عدم وجوب الهجرة على القادر على إظهار دينه فقط، وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه هناك، لا أن الدار والدولة يرمتها هي للإسلام، ولا أن أحكام دار الإسلام الأخرى تنطبق عليها فيما يخص المسلمين العاجزين أو في دار الإسلام، فالخلاف فقهي فرعي، وليس خلافا في أصل الدين.
قال: (
واما القول الثالث الذي خالف القولين السابقين جملة وتفصيلا فهو قول بعض اهل العلم ان الدار تصبح دار اسلام اذا قدر المرء على اظهار دينه فيها ولم يفصلوا في حكم من فيها بالنسبة لهذا المسلم).
فأي مخالفة في قول الماوردي لأقول العلماء في تقسيم الدور؟ إن كان هناك من خلاف فهو ما نقله من (نيل الأوطار) للشوكاني في قوله: (
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الرَّأْيِ مِنْ الْمُصَادَمَةِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَاضِيَةِ بِتَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ)، فكل ما هنالك خلاف في وجوب الهجرة على من كان قادرا على إظهار دينه، وهذا لا علاقة له بأصل الدين.
ثم يضيف أن الماوردي وغيره لم يفصّلوا في حكم أهلها بالنسبة لهذا المسلم الذي لم يهاجر، وكأنه يتصور أنه بإمكان هذا المسلم أن يحكم عليهم بحكم آخر مما يتوهمه هو غير التكفير.
لكنه فهم من قول الماوردي أننا اليوم في دار إسلام وأنه يمكن للمسلم بالتالي أن يحكم بإسلام مجهول الحال فيها ولا يكفر، فقال: (
ان هذا الراي مصادم لاعتقادات اصحاب هذه البدعة فما عساهم يفعلون مع الامام الماوردي يا ترى؟؟
فعلى هذا الراي فان ديارهم التي يقيمون فيها اصبحت ديار اسلام وهذا مخالف لاعتقاد اصحاب هذه البدعة , فهل هذا الخلاف بينهم وبين الامام الماوردي هو خلاف في اصل الدين).
فنسب الكفر للماوردي ثم جعله غير مخالف لأصل الدين، والواقع أن الماوردي بريء وكلامه مثل كلام أبي حنيفة لا علاقة له بمسألة الحكم على مجهول الحال في دار الكفر، ولم يقل أحد أن عليه الإعتقاد بإسلامه، ولا يُتصور هذا من مسلم، لأن حكم أهلها لا يتغير بتغير وصف الدار، فنحن نعلم أنهم كفار.
ولفهم كلام العلماء في القرون الأولى حول الديار يجب أن نفهم واقعهم، فواقع الدعوة الصحيحة للإسلام الحق هو الذي فرض التقسيم السليم الواضح، فيمكن تعريف دار الإسلام بالقول: هي كل دار يحكمها المسلمون، إذ لا بد للمسلمين من حكم إسلامي، ولا يتصور غير ذلك، عكس ما يفهمون اليوم من أن الحكام والمحكومين مسلمون وحكمهم غير إسلامي!
فخلاف العلماء قديما في الدور ليس كخلاف علماء اليوم، الذين ينطلقون من عقيدتهم العلمانية التي تجعل الدولة مسلمة وإن كفرت، فهذا نابع من كفرهم، لأنهم يفهمون الإسلام في إطار العلمانية على أنه عقيدة شخصية تحكم الفرد لا المجتمع، ومثل هذا الخطأ كفر لأنه خطأ في الإسلام ذاته، فالذين يحكمون على الدار بظهور الشعائر الفردية اليوم من صلاة وصيام فلأنهم يعتبرون إظهارها إسلاما ويعتقدون بإسلام الكفار، وهذا ليس من إظهار الدين الذي ذكره الماوردي وغيره في شيء.
فمن يقول أن مكان من يقدر على إظهار دينه في دار الكفر هو دار إسلام فهو يقصد نفس الشخص وحياته لا الدار ككل، ولذلك فهي بالنسبة لهذا الشخص دار إسلام، أما من كان عاجزا عن إظهار دينه فهي دار حرب، وهي دار حرب بالنسبة لأهل دار الإسلام، ولم يعتبروا دولة الكفار إسلامية لوجود ذلك الشخص، أو يعاملون أهلها معاملة المسلم لأخيه المسلم، فهذا لا يقوله عاقل.
إن معنى الدار هو معنى الدولة الإسلامية أو الشيوعية لا يختلف الناس في حدودها ومتى يزول عنها ذلك الوصف، وعندما نقول أن هذه البلدة تابعة لهذه الدولة فهذا يعني أنها خاضعة لقوانينها وتحت سيادتها، وإن لم تكن خاضعة لقوانينها وسيادتها فليست منها، وقد يتمرد أهلها ويقومون بما يسمى بالعصيان المدني لكن لا تعتبر مستقلة عنها تماما.
ولا يحكم على البلاد اليوم بحكم النظام الحاكم فقط، بل لأن أهلها كفار أصليون حكاما ومحكومين، مثلها مثل أوربا وغيرها، ومن كان أهلها كذلك فلا بد أن الغلبة لأحكام الكفر عندهم، أما العلماء فكانوا يتحدثون عن دار إسلام تمرد الكفار فيها ولم يتحدثوا عن دار الكفر الأصلية.
ولم يكن الأنبياء عليهم السلام يذكرون أي قاعدة خاصة بالحكام بخلاف ما تنطلق منه الحركات المعارضة للحكام، فحكم الفرد لا يرتبط بالنظام الحاكم، كمن يقول: حكم من يعيش في أمريكا التي لا تحكم بما أنزل الله! بينما التبعية للمجتمع والأمة التي هو فرد منها لا للنظام الحاكم الذي هو جزء من الأمة.
ويربط البعض كفر الناس بكفر الدار ويربطون كفر الدار بكفر النظام الحاكم فقط دون الكفر المتأصل في أهلها، فيأتي الآخرون كرد فعل ويفنّدون أن يكفر الناس بكفر الحاكم وكفر الدار وأن دور الكفر اجتهادية لا دليل عليها، ويخرجون بنتيجة مفادها أن حكم الناس من حيث الإسلام والكفر من أحكام الديار الفقهية!
فنحن نتحدث عن الأعيان فيذهب البعض إلى الدار ثم يعودون بالتالي إلى حكم الأعيان ويتلاعبون به.
ولذلك يظهر بطلان ما ركبه المخالف من أنهم اختلفوا في تحديد دار الكفر ودار الإسلام، وبالتالي فلابد أنهم اختلفوا في تكفير أعيان الناس في دار الكفر.
فقد تبين معنى اختلافهم وليس كخطأ علماء هذا الزمان في دار الكفر الأصلية التي يسكنها الكفار عموما كما كانت الأرض قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الواقع حتى اختلافهم اليوم مع علمانيتهم لم يؤد للإختلاف في حكم أهلها فحتى من يقول أن أوربا دار إسلام لوجود المساجد لا يقول أن أهلها أهلها، فمن يقول أن أوربا دار إسلام لوجود الحرية في التعبد لا يقول أن الأصل في أهلها الإسلام أو يجوز الإختلاف فيهم أو التوقف فيهم، فحتى علماء المشركين اليوم لم يصلوا إلى هذا الجهل، ما بالك بعلماء السلف؟!
أما استدلاله بقول العلماء أن تبعية الدار ضعيفة، وأن أهل العلم قدموا عليها أمورا ظنية كالحكم بالقرائن والسيما بدلا منها.
فنقول أن ضعفها في دلالتها على الحقيقة، لذلك فالقرائن والسيما أقرب في الدلالة على دين الشخص من الدار، لكننا نتفق على هذا، ولا نحتاج لمعرفة الحقيقة، وإلا لما وجد حكم التبعية أصلا، ولاقتصرنا على النص والدلالة وإلا فنتوقف.
وأين الدليل على أن ضعفها يعني أن الحكم وفقها ليس من أصل الدين؟ وهذا مثل حكاية القطع والظن ومجهول الحال، فنحن لا نقول أن تلك التبعية قوية تقدم على النص والدلالة، ولا أن مجهول الحال معلوم حاله حقيقة، ولا أن حاله قطعي، ولكن المخالف يظن أن إثبات كل ذلك يعني بالضرورة أنه حكم ليس من أصل الدين.
وهو نفسه ينقل تفسير العلماء لمعنى ضعف تبعية الدار، فنقل مثلا عن زكريا الأنصاري في (أسنى المطالب) قوله: (
فإذا أَعْرَبَ عن نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَ خِلَافُ ما ظَنَنَّاهُ... وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ).
وقوله في (الغرر البهية):
(فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ حَكَمَ بِكُفْرِهِ وَارْتَفَعَ مَا كُنَّا ظَنَنَّاهُ إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى).
ونقل عن ابن قدامة في (المغني) قوله: (
فَصْلٌ: وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتٌ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ:
نُظِرَ إلَى الْعَلَامَاتِ، مِنْ الْخِتَانِ، وَالثِّيَابِ، وَالْخِضَابِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ:
وَكَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ).
ثم يسأل: (
لكن هل الختان والثياب والخضاب دليل يقوي على مخالفة هذا الاصل ؟؟؟؟
وكيف يستعاض عن حكم التبعية بمثل هذه القرائن المشتركة كالختان فقد كان اليهود و العرب في جاهليتهم يختتنون اقتداء بسنة إبراهيم عليه السلام، يدل على ذلك حديث هرقل مع أبي سفيان كما رواه البخاري وغيره.
والثياب ايضا لم يكن هناك تمييز في الثياب قبل عهد عمر بن الخطاب الا في بعض الحالات , فهل هذه الوسيلة وهي حكم تبعية الدار هي مما لا يقوم اصل دين المرء الا به ؟؟؟؟)، فلماذا لا تنقض الدلالة التبعية؟ فالسيما أدلّ على حقيقة الشخص من المكان الموجود فيه.
فضعف تبعية الدار لضعف اليقين ونحن لسنا بحاجة إلى اليقين، ولا دليل على ذلك، إنما هو حاجة المتنطعين.
فكون الشخص في دار الإسلام لا يعني أنه مسلم بالضرورة، وكونه في دار الكفر لا يعني أنه كافر بالضرورة، فضعف التبعية من ناحية انطباقها على حقيقة الفرد، فإذا أعرب عن نفسه بخلاف حكم الدار والقوم تبين لنا خلاف ما حكمنا به عليه.
هذا إذا كانت قرينة مميزة غير مشتركة، فالعلماء كانوا يتحدثون عن هذه العلامات عندما كانت علامات مميزة وإلا فلا داعي للحديث عنها فليست في زماننا مميزة للمسلمين عن كفار العرب كما لم يكن الختان والثياب مميزا بين العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالسيما دلالة ولذلك تقدم على التبعية، كما لا يصح الحكم على الأمريكي مثلا بالكفر بعد ظهور دلالة الإسلام.
وعندما نتثبت من الميت لا يعني أن التبعية ملغاة، فهذا مثل التثبت من الحي في بعض المعاملات التي تتطلب ذلك، فالسيما عند الميت كالنص والدلالة عند الحي.
ومثل ذلك اللقيط في دار الإسلام يحكم بإسلامه وإن عرفنا نسبه رجع لحكم أهله الكفار، فالعلماء يحرصون على أن يصلوا لحقيقة نسبه وبأي طريقة ليضعوه في المكان الذي هو حقيق به، ولذلك قالوا أن تبعية الدار ضعيفة لأنها دليل عام لا يعبّر دوما عن حقيقة الشخص، فتقدم عليها تبعية الأبوين والسابي والواجد والعلامات وغيرها، وتوجد وسائل اليوم أكثر من أي وقت مضى للتحقق من نسب الطفل.
فمعنى كلام العلماء أن الخصوص أدل من العموم على الحقيقة، فدار الإسلام ودار الكفر واسعتان، وإن ظهر خلافها نحكم على البلدة والقوم، وإن ظهر خلاف ذلك نحكم على الشخص، كما جاء في قول الله تعالى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى
قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلاّ آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ) (الحجر: 60).
وحتى الحكم بالكفر على الظاهر بالنص والدلالة يقدَّم عليه الحكم بالباطن متى علمناه وأصبح ظاهرا لنا، كمن رأيناه اليوم يسجد للصنم، فتكفيره من أصل الدين، لكن إذا علمنا بحقيقة أمره وهو أنه مسلم مكره قدمنا الحكم بإسلامه على الحكم الأول، وهذا ليس دليلا على أن الحكم الأول على الظاهر ليس من أصل الدين بما أنه ضعيف.
فضعف التبعية وتأثرها بأي عارض أمر نتفق عليه، لكنها ضعيفة في الدلالة على الحقيقة، لا أن ضعفها يعني أن الحكم بتبعية الكافرين ليس من أصل الدين، إلا في عقل من ينطلق من التوقف كأصل، ويحكم على القطع فقط بلا دليل كما يفعل المتوقف.
*****
يرى المخالف أن الحكم على الكافر بالكفر يحتاج إلى
(معرفة حال الشخص ومعرفة ما عليه من كفر)، وهذا في الواقع متعلق بمن كان مسلما أصلا سواء حكمنا بإسلامه بنص أو دلالة أو تبعية لمن هو منهم ونعرف عنهم الإسلام، ولم يرِد دليل على أن الشخص من الفرس والروم لا يُحكم بكفره حتى يُعرف ما عليه من كفر شخصيا، وإنما حكمه حكم قومه الذين نعلم بكفرهم عموما، كما نعلم بكفر الناس اليوم عموما في شتى أقطار الأرض. والإتيان بهذا الكلام هنا يعني أن صاحبه يتوقف أو يحكم بإسلام أي شخص اليوم قبل معرفة حاله، ولذلك لم يقدم الفرق بين شخص بين المسلمين وشخص بين الكفار، ويستدل بحال العبيديين وابن عربي والحلاج الذين يتحدث عنهم ابن تيمية باعتبارهم مسلمين أصلا ثم دخلوا من بعد في عقائد الكفر، فمن جهل حالهم واعتقد بإسلامهم ليس عليه أي حرج، وهل يصح تطبيق هذا على قومنا اليوم؟
قال نقلا عن ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): (
" ومن كان محسناً للظن بهم - أي في طائفة ابن عربي - وادّعى أنه لم يعرف حالهم عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم".أ.هـ
واما الحلاج فقد كفره ابن تيمية في الفتاوى ص483ثم ذكر فيمن توقف في كفر الحلاج فقال في : " لكن بعض الناس يقف فيه لأنه لم يعرف أمره ".أهـ.
واما المعين الذي قد يخفي حاله على بعض المسلمين فهو اولي ان يلتبس حاله على بعض المسلمين فيجهل حكم حاله ,فيتوقف في الحكم عليه بالإسلام او بالكفر ولا يكون هذا التوقف كافياً في حد ذاته لتكفير هذا الموحد واخراجه من الملة بسبب انه توقف في حكم الحال او خالفنا في حكم حال شخص معين سواء بالإسلام او بالكفر او بالتوقف).
فهو يعتبر من لم يظهر دينه بين المسلمين كمن لم يظهر دينه بين الكفار، فهذا الأخير لا يحكم بكفره حتى يثبت كفره يقينا، مثله مثل المسلم، ويتخذ نفس الشروط والموانع لتكفير مجهول الحال بين الكفار كما هو الحال في تكفير مجهول الحال بين المسلمين، ويقيس الإختلاف في حكم أفراد الناس اليوم على الإختلاف في حكم المسلم لمن عرف ارتداده ومن لم يعرف، وهذا من أبعد الإستدلالات.
لكنه علق على قول الكاساني في (بدائع الصنائع): (
الطُّرُقُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا بِكَوْنِ الشَّخْصِ مُؤْمِنًا، ثَلَاثَةٌ: نَصٌّ، وَدَلَالَةٌ، وَتَبَعِيَّةٌ»(ا.هـ.
فهو يتكلم هنا عن حكم الحال الذي اذا عُرف او ظهر ,حُكم للشخص بحكم الاسلام أو بأنه مؤمنٌ كما ذكر الإمام , وأجريت عليه احكامه, وهذا الفهم هو مفتاح حل هذه الشبهة, كما انه مفتاح الفهم لكل كلام أهل العلم في هذا الموضوع بدون استثناء, فبالنص أو بالدلالة أو بالتبعية يتوصل إلى معرفة حال الشخص أمسلم هو أم كافر ؟؟).
فهو يعترف هنا أن مفتاح حل هذه الشبهة هو عدم إغفال التبعية، وأن بالتبعية يتوصل إلى معرفة حال الشخص ويبنى عليها حكمه مثلها مثل النص والدلالة، لولا أن هذا الكلام ينقضه كل مرة.
وعوض الرد على حكمنا راح يثبت أن جهل الحال ليس كفرا، فقال: (
نتفق على ان المسلم يمكنه ان يحقق توحيده بدون معرفة واقعه بالكامل وانه يمكنه ان يجهل هذا الواقع ولا يكون بجهله بالواقع جاهلا بأصل الدين.
وبهذا يكون هذا الشخص مسلما عندنا وعند المخالفين).
وقال: (
الرجل الذي يسكن ببداية بعيده ولا يوجد في مكانه احد ليحكم عليه لا بإسلام ولا بكفر ثم بعد ان تعلم التوحيد انتقل الى بلاد اخري فوجد ان اغلب اهلها يُصلون ويظهرون شعائر الاسلام ولم يعرف انهم بدلوا دينهم ولم يعرفوا من الاسلام الا رسمه فحكم بإسلامهم ثم تبين له بعد فتره انهم لا يعرفون التوحيد وان كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون فحكم بكفرهم فهل هذا الشخص كافر حين حكم بإسلامهم اول مرة لجهله بواقعهم ؟؟).
فهو يعلم أن لا أحد يخالفه في هذا، لكنه يحوّل مجرى الحديث عن مسألتنا ليخرج بالنتيجة التي يريدها، وهي: (
اذا نتفق انه مسلم ثبت اسلامه بيقين, فمن اراد اخراجه من الاسلام باي دعوة يدعيها فعليه الدليل ,فهو المطالب بالبحث عن كفر هذا الموحد ولسنا مطالبين بالبحث عن اسلامه اذا ان اسلامه تحقق بمجرد قيامه بالتوحيد وتركه للشرك).
وكأن المشكلة في جهل الواقع، بينما مسألتنا كلها تدور حول شخص يعلم أن الناس في عمومهم كفار لكنه لا يأبه بذلك عندما يتعلق الأمر بالحكم على أعيانهم، وهذا يختلف عن شخص لم يعلم عن قوم أنهم كفار وظنهم مسلمين بما أظهروه من شرائع الإسلام ولم يعلم أنهم يشركون بالله مع تلك الشرائع، فهو أشبه بصحابي خرج بيننا اليوم ووجد أمامه جماعة يؤدون الصلاة، والمتوقف الذي نتحدث عنه يختلف عن هذا الصحابي أو ذاك الذي عاش في بادية منعزلة، فافهموا.
ويتصور معتقدا باطلا ويشنّع علينا به، فقال مثلا أننا نبحث عن الكافر لتكفيره: (
ان تحقيق اصل الدين يعني البحث عن الكافر وتكفيره والبراءة منه ومعاداته ,والبحث عن المسلم والحكم بإسلامه وموالاته , وهي ما يدعيها اصحاب هذه البدعة).
ولا أحد قال أن تحقيق أصل الدين يعني البحث عن الكافر لتكفيره والبحث عن المسلم والحكم بإسلامه كما تنسب إلينا، ولا يُفهم هذا من عقيدتنا، وهي ليست مسألتنا، ولا أحد أثار ضجيجا حولها، لكن يجب على المسلم ابتداء أن يعرف الفرق بين الكفار والمسلمين وإن لم يرهم في الواقع ويحصيهم، كما يعرف الفرق بين الكفر والإسلام وإن لم ير أشكال الكفر في الواقع، وكما يحرم الخمر وإن لم يعرف كل أصناف الخمور في الدنيا.
وقد كان في مكة يوم الفتح مؤمنون بين الكفار لا يعرفهم المسلمون فكفّ الله أيدي المؤمنين عن قتال الكفار، (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الفتح: 25)، ومع ذلك فتكفيرهم على العموم والتعيين كله من أصل الدين، ولم يسمع المسلمون باختلاف تكفير من أظهر كفره عمن لم يظهره ولا فرقوا بين تكفير عموم قريش وتكفير الخصوص.

ومن يحكم بتبعية الفرد لقومه حتى يظهر خلافه لهم ما حاجته للبحث عن كافر؟ فلا دليل يشترط معرفة حال الشخص للحكم عليه مادمنا نعرف حال عامة الناس، ولم يقل أهل العلم أن الحكم على المعين بين الكفار بالكفر يحتاج إلى معرفة حال الشخص ومعرفة ما عليه من كفر، لأن التيقن من الكفر خاص بالمسلم أصلا، فلا يحكم بكفره حتى يثبت عليه الكفر بيقين.
ولكن يبقى حكم تبعية الفرد لقومه المعلوم كفرهم عموما كحكم من أصل الدين وإن لم يُعرف حال الشخص، وحكمه قبل معرفة دينه شخصيا كحكمه بعد معرفة دينه، كما لا يتغير نوع تكفيره أو درجته، ولا يتغير الحكم إلا بثبوت إسلامه.
يتبين أن المخالف ينطلق من معتقد المتوقف كما يفعل الكثيرون، إذ يقول بوجوب معرفة حال الشخص من هذه الأمم الكافرة التي نعيش بينها اليوم كما عاش الكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بين الكفار، ويستدل بأدلة العلماء المذكورة عن أمة مسلمة، كما يستدل علينا اليوم سائر علماء المشركين بنصوص عن علماء السلف فيمن كان مسلما أصلا، فالرجل مع الأسف لم يتحرر بصفة نهائية من تلك العقيدة.

فقد استدل بأدلة المتوقف وقال بقوله تماما، فقال: (
فخطاب التكليف في مسألتنا هذه هو انه يجب عليك تكفير الكافر إذا توفرت أسباب أو تحققت شروط أو انتفت موانع
وخطاب الوضع هو متي رأيت من شخص فعل أو قول أو اعتقاد وهذا كله خارج عن قدرتك وعن تكليفك لأنه من فعل الغير وليس من فعلك عندها فقط يكون السبب قد وقع والشرط قد تحقق ويجب عليك بعدها أن تكفر الذي ارتكب السبب الذي رتب عليه الشارع حكم الكفر).
فمرة يتوقف في من لم يظهر دينه بين الكفار قبل التوصل إلى سبب للتكفير، ومرة يكفّره، ومرة يخطّىء من توقف فيه، ومرة يكفّر المتوقف فيه، ومرة يعتقد بإسلام من قال بإسلامه بحجة التأويل في حكم الدار.
فلابد أن نتكلم بكلام يفهم عنا، ومن منهج أهل السنة أن يوضحوا معتقدهم بكلام واضح لا يحتمل أكثر من وجه، ولا يكون غامضا، فهذه وسيلة للتحريف.
ولأن التوقف صار معرة وضحك عليه حتى المشركون أنفسهم فهم يخجلون منه، ولا تكاد تجد واحدا يتبناه كمصطلح، وإن كانت هي جوهر عقيدته في حكم الناس اليوم.
هناك تذبذب صنعته عقيدة التوقف المخنثة جعلتهم يصنعون عقائد عدة وعلّمتهم التلاعب، فتجد الرجل يقدم في نفس الوقت أكثر من عقيدة، لاختلاط الأمور عليه أو لسوء نية عند بعضهم، حتى إذا ردّ عليه أحدٌ واجهه بتهم الإفتراء، ليضعضع الهجمات التي تستهدفه ويشوّش على مخالفيه، ويفرّ إلى هذه الجهة متى واجهته الإستدلالات والإعتراضات في الجهة الأخرى.
فلا بد أن يحدد كل طرف موقعه ويوضح عقيدته للناس ومحلها من غيرها، لا أن يرد على غيره دون أن يقدم البديل الواضح، ويوضح موقفه من الأطراف الموجودة في الساحة، حتى يأخذ منه الناس موقفا واضحا، إما أن يتبعوه أو يخالفوه على علم بما اتبعوا وما خالفوا.
يرى أن المتوقف توقف في حالهم، فيحول مجرى الحديث نحو معرفة الحال، ثم يخرج بنتيجة أن تكفيرهم ليس من أصل الدين، وبعد أن يثبت أنه يجهل حالهم يقول أن المسألة مسألة جهل حال وليس جهل حكم، وكأن مجهول الحال بين الكفار لا حكم له، فهو يتحقق من كفره أو إسلامه كما يتحقق من كذبه وسرقته، ولو كان أمر الكفر كالكذب والسرقة لوجب تبرئة المعين بين الكفار من الكفر حتى يثبت كفره، كبراءته الأصلية من الكذب والسرقة وغيرها.
فقال: (
فحكم الكذب مثلا يجب ان يسبقه معرفة وتصور لمعني الكذب والذي هو قول مخالف للحقيقة او مغاير للحقيقة مع تعمد تغيير الحقيقة , فكل من ابلغ عن شيء بعكس حقيقته متعمداً فهذا غير حقيقة هذا الشيء وهو متعمد فهذا كذب.
وكل من توفرت فيه هذا الشروط فهو متصف بالكذب ويسمي كذاب ,هذا حاله).
ولذلك فالقاعدة التي يرددها (
قاعدة في معرفة حال الشخص قبل الحكم عليه بإسلام أو بكفر)، معناها هو التوقف.
وهي لا تنطبق على المعين بين أمة مسلمة، لأن الأصل فيه الإسلام حتى نعرف من حاله أنه كافر، ولا نبحث عن حاله لنحكم بإسلامه.
ولا تنطبق على المعين بين أمة كافرة كحالنا اليوم، لأن الأصل فيه الكفر حتى نعرف من حاله أنه مسلم، ولا نبحث عن حاله لنحكم بكفره.
فهذا عياش بن أبي ربيعة قتل الحارث بن يزيد العامري الذي كان يعذبه على الإسلام، لكنه أسلم وهاجر وعياش لا يشعر، فلما رآه يوم الفتح ظن أنه على شركه فقتله.
أما أن يعلم عن قوم خلاف ما هم عليه فلا حرج عليه إن حكم عليهم وفق ما سمعه عنهم، كما قد تصله معلومات خاطئة عن شخص بدخوله في الإسلام أو خروجه منه، وكل هذا لا حرج فيه، فقد سمع مهاجرو الحبشة أن قريشا أسلموا فرجعوا.
لو علم بعضنا عن شخص الإسلام واعتقد فيه وفق ما يعلمه عنه، وعلم الآخر بكفره واعتقد فيه وفق ما يعلمه عنه، ما كان على كليهما حرج، أما أن يعلما بكفر قومه عموما، دون أن يعلما بحاله هو شخصيا بنص أو دلالة فلا بد أن يحكم كلاهما بكفره تبعا لقومه.
قال ابن رجب في فتح الباري: (روى الهرماس بن حبيب العنبري عن أبيه عن جده قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن حين أسلم الناس ودجا الإسلام على الناس، فهجم على بني عدي بن جندب فوق النباح بذات الشقوق، فلم يسمعوا أذانا عند الصبح، فأغاروا عليهم، فأخذوا أموالهم حتى أحضروها المدينة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت وفود بني العنبر: أخذنا يا رسول الله مسلمين غير مشركين . فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراريهم وعقار بيوتهم، وعمل الجيش أنصاف الأموال.
خرجه إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث" وأبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة").
فهؤلاء قد حكموا بكفرهم تبعا، لأن الأصل فيهم الكفر حتى يثبت إسلامهم، ولولا ذلك ما غزوهم، لكن خشية منهم أن يكونوا قد أسلموا دون علم منهم توقفوا عن قتالهم حتى يتثبتوا، وكانت الوسيلة الأقرب هي الأذان، يوم كان الأذان أذانا، وجهلُهم بحالهم لا يجعل حكمهم دون أصل الدين ومخالفه مسلم مخطىء.
ورغم عدم سماعهم الأذان لسبب ما فقد كان القوم مسلمين، فحكم التبعية إذا ظهر خلافه بالنص أو الدلالة يسقط حكم التبعية مثلما يسقط حكم النص إذا ظهر ما يخالفه بنص آخر، كمن أظهر الكفر من قبل يسقط حكمه إذا أظهر التوبة من بعد.
ولا يصح قياسه مسألتنا على ما ذكره ابن القيم بشأن الركنين اللذين تبنى عليهما الفتوى، وهما فهم الواقع وفهم حكم الله فيه، لأن المفتي إن لم يفهم الحال والواقع يجب أن يتوقف في إصدار الفتوى، وليس له أصل يرجع إليه في فهم الحال إلا التحقق والتحري، وكلامه هذا يعني أنه ينطلق من التوقف ويؤمن به حتى يعرف حال الشخص، وإلا فهذه الإستدلالات لا معنى لها.
قال: (إلا إذا عرف كفر الشخص عن طريق الوحي ككفر فرعون او هامان او كفر ابو لهب او غيره .
وكذلك تكفير الاقوام في هذه الأزمنة بالعموم, لما انتشر عنهم من كفريات).
وتكفيره من لم يكفّر فرعون وأبا لهب بعد علمه عن طريق الوحي بكفرهم، لماذا لم يستلزم هذا البحث عنهم لتكفيرهم كما يتوهم؟ ولماذا لم يكن جهله بحالهما من قبل دليلا على أن تكفيرهما من بعد ليس من أصل الدين؟
وهذا يتعلق ببلوغ النص، أما كفر الأقوام في هذه الأزمنة بالعموم فيُعلم من الواقع، وهذا أيضا يتفاوت فيه الناس، وإذا كان الواقع مختلفا فيه فهذا ليس تركا للتكفير، ولا علاقة له بكونه من أصل الدين أو دونه، وينطبق هذا على تكفير الأمة بالعموم أو تكفير معين منها، وعلى الذين جعلوا عدم القطع بحال الناس دليلا على أن تكفيرهم ليس من أصل الدين أن يعلموا أن هذه القاعدة تنطبق على المعين وعلى العموم سواء، فقد يدخل في الإسلام فلاح من الصين ويظن أن العرب اليوم مسلمون عموما، ولا يدري بحالهم حتى يعلم من بعد أنه مجرد انتساب لا حقيقة له، فلماذا لا يقال أن تكفير الناس اليوم بالعموم ليس من أصل الدين؟ أم أن كل واحد يفصّل عقيدة وفق ما يريد ويستدل عليها بما يحلو لهة وفق ما يريد؟حد يفمن بعد وهذا لا يوهذه الأزمنة بالعموم يعلم من الواقع، وواقع الناس مختلف فقد يسشلم فلاح في الصين؟
واستدل بما نقله عن ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): (
من باشر القوم علم حالهم).
فقال: (
فاذا سالتهم هل باشرتم هذا المعين فعرفتم حاله ؟؟
فسيقولون لك لا لم نباشره ولم نتعرف عليه ولا نعرف حاله لكننا الحقناه بالدار
فاذا كان هذا هو ما يعتمدون عليه في تكفيرهم لهذا المعين فلماذا يرددون هذه القاعدة وهي قولهم من باشر القوم علم حالهم ؟؟ فهذه تتعلق بعموم القوم ولم يخالفهم احد في كفر عموم القوم لكن هذه القاعدة لا تتنزل على المعين اذا انهم يقرون انهم لم يباشروه ولم يعلموا حاله انما الحقوه بقومه او بداره من غير معرفة حاله على التعيين).
والواقع أن التتار الذين يتحدث عنهم ابن تيمية كان فيهم الخلط بين الإسلام والكفر كحال الناس اليوم، ومن ظنهم مسلمين بما سمع عنهم من الدخول في الإسلام وعدم البقاء على كفرهم فلا حرج عليه.
وحالهم ورد في السؤال المطروح على ابن تيمية: (هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة، وتكلموا بالشهادتين، وانتسبوا إلى الإسلام، ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر، فهل يجب قتالهم أم لا ؟ ... وما يقال فيمن زعم أنهم مسلمون، والمقاتلون لهم مسلمون، وكلاهما ظالم، فلا يقاتل مع أحدهما، وفى قول من زعم أنهم يقاتلون كما تقاتل البغاة المتأولون ؟ ... فإن أمرهم قد أشكل على كثير من المسلمين، بل على أكثرهم . تارة لعدم العلم بأحوالهم . وتارة لعدم العلم بحكم الله).
فأجاب: (نعم يجب قتال هؤلاء بكتاب الله، وسنة رسوله، واتفاق أئمة المسلمين . وهذا مبنى على أصلين: أحدهما : المعرفة بحالهم . والثانى : معرفة حكم الله فى مثلهم .
فأما الأول : فكل من باشر القوم يعلم حالهم، ومن لم يباشرهم يعلم ذلك بما بلغه من الأخبار المتواترة وأخبار الصادقين).
فهؤلاء كان فيهم كفر غير الذي كانوا عليه، وهذا الذي أشكل على السائلين، وقد لا تصل المسلم الأخبار الصادقة أو تصله الأخبار الكاذبة، فيحكم بمقتضاها، لكن ابن تيمية لم يقل أنه يجب مباشرةُ حالِ القوم فردا فردا، وأنه لا يجوز الحكم على المعين منهم حتى نباشر حاله، ولم يقل أنهم كفار عموما وننظر في حال كل فرد على حدة، وأن ما ثبت عن العموم لا يتنزل على المعين، أو أن حكم العموم من أصل الدين وحكم المعين دون ذلك، فهذا لم يشكل على ابن تيمية ولا على السائلين.
مع العلم أن اشتراط معرفة حكم الله تتعلق بغير الكفر الأكبر، وإلا فمن يجهل أن الكفر الأكبر مخرج من الملة لا يكون مسلما أصلا، وهذا خارج عن موضوعنا الذي هو معرفة الحال.
وبعيدا عن هذا التشويش، فإن الإنسان منا يعيش بين قومه الذين يدين بدينهم، ويعلم أنهم غير مسلمين، ومتى دخل في الإسلام وفارق قومه بقي على نفس نظرته الأولى لواقعهم، لأن واقعهم لم يتغير بإسلامه هو، وما دام يعلم أن الإسلام الذي دخل فيه غريب بين الناس فإنه يعتقد بكفرهم عموما وخصوصا حتى يثبت إسلامهم، وهذا يعلمه العامي قبل العالم، ولن تجد عجوزا ولا صبيا يجهل هذا.
*****
يرى المخالف أن من حكم بإسلام أبناء المشركين فهو مسلم مخطىء، وأن تكفيرهم ليس من أصل الدين، وظن أنه وجد ما يتعلق به أيضا من كلام العلماء، فنقل الكثير من اجتهاداتهم الفقهية حول إلحاق الطفل بأبويه أو بغيرهما، وهي مسائل بعيدة عن مسألة الإعتقاد بإسلام أطفال المشركين التي قال بها البعض اليوم.
فالصبي حكمه حكم كافله، فإذا كفله المسلم فهو مسلم، وإن كفله الكافر فهو كافر، ولا سبيل لأن نفتكّه منهم بلا وجه حق مادام الشرع يعطيهم الحق في ذلك.

 
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

Re: برهان الموحدين على ان طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين

مشاركة بواسطة الناسخ »

أحمد إبراهيم
2013-03-18


 



[b][b][b]ثم ما حُكم مَن حَكم للبالغين بين الكفار اليوم بأصل الفطرة استمرارا لِما وُلدوا عليه إلى أن يثبت كفر الواحد منهم؟ وإن قيل: هم مكلفون، نقول: في أي سنّ يصير الحكم بإسلامهم كفرا؟ وكيف يفهم تحديد هذا السن الذي لم تحددوه له من أصل الدين؟ هل يجب أن تعلموا كل من يدخل في الإسلام ذلك لكي لا يقع في الكفر؟
وماداموا يعتبرون الكلام العلمي هو ما كان فيه (قال رحمه الله)، وصارت أقوال العلماء وسيلة للإستدلال على الكفر، فلابد لي من أن أسرد كما يسردون، وأتتبع كلام العلماء المنقول تبرئة للعلماء مما ينسب إليهم وقطعا للشبهة.
إن كلام العلماء عن تبعية الطفل لمن أسلم من أهله كالأم أو الأب أو الأخ أو العم أو الجد أو الجدة هذا لا يُتصور مع بقاء التهويد أو التنصير من طرف الأبوين أو غيرهما، لمجرد أن أحدهم أسلم في مكان آخر مثلا ولم تعد له علاقة به ويبقى عند الكافر منهم ليربيه على كفره.
نقل المخالف من (المغني) لابن قدامة قوله: (
أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، [b]فَإِنْ اخْتَلَفَا، [b]وَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا، [b]كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ، [b]وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، [b]وَيَتَرَجَّحُ الْإِسْلَامُ بِأَشْيَاءَ[b]:
[b]مِنْهَا: [b]أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي رَضِيَهُ لِعِبَادِهِ، [b]وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ دُعَاةً لِخَلْقِهِ إلَيْهِ[b].
[b]وَمِنْهَا: [b]أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، [b]وَيَتَخَلَّصُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ،
وفِي الْآخِرَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ.
وَمِنْهَا: [b]أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، [b]وَمَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فِيهَا، [b]وَإِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، [b]أُجْبِرَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْقَتْلِ، كَوَلَدِ الْمُسْلِمَيْنِ، [b]وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا رَجَعَ عَنْ إسْلَامِهِ، [b]وَجَبَ قَتْلُهُ؛ [b]لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ[b]:[b]»[b]مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ[b]«[b]).
ونسأل: لو كانوا يعتقدون بإسلامه فقط وهو عند أهله يربونه من بعد على الكفر، هل يستدلون على ذلك بالقول: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه؟ وهل تحصل له السعادة في الدنيا والآخرة بمجرد اعتقادنا بإسلامه وتركه لأهله كما فعل من تدافعون عنهم؟ وما معنى أنهم كانوا يجبرون أطفال المشركين على الإسلام إن رفضوه عندما يكبرون؟
ونقل من (المحلّى) لابن حزم قوله: (
فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَبْدِيلُ دِينِ الإِسْلاَمِ لأََحَدٍ، [b]وَلاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ يُبَدِّلُهُ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِهِ عَلَى تَبْدِيلِهِ فَقَطْ ...
[b]عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [b]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[b] _[b]صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[b]:_ [b]»[b]مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ[b]«[b]، [b]فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ إِلاَّ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى [b]يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ; فَمَنْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى [b]فِي إقْرَارِهِ[b]عَلَى مُفَارَقَةِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاهُ[b], [b]وَمَنْ لاَ لَمْ نُقِرَّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ
...
[b]عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [b]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[b] _[b]صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[b]_ [b]»:[b]مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، [b]أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، [b]وَيُنَصِّرَانِهِ، [b]وَيُمَجِّسَانِهِ، [b]كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، [b]هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ[b]«.
[b]قال أبو محمد: [b]فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ الإِسْلاَمِ [b]إِلاَّ [b]مَنْ اتَّفَقَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ
, أَوْ تَنْصِيرِهِ, أَوْ[b]تَمْجِيسِهِ فَقَطْ, فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا [b]فَلَمْ يُمَجِّسْهُ أَبَوَاهُ, وَلاَ نَصَّرَاهُ, وَلاَ هَوَّدَاهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا [b]وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ[b]الإِسْلاَمِ، [b]وَلاَ بُدَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ).
[b]فالقضية قضية تبديل الآباء لفطرة الطفل، فلا نتركهم يهوّدونه، ومادام قد أسلم أحدهما فهو الذي يربيه على الإسلام ويبقى على ما ولد عليه ويتبعه في الأحكام الشرعية.

ونقل من (درء تعارض العقل والنقل) لابن تيمية قوله: (
قال أبو بكر الخلال في الجامع في كتاب أحكام أهل الملل أنبأ أبو بكر المروزي أن أبا عبد الله قال في سبي أهل الحرب إنهم مسلمون إذا كانوا صغارا وإن كانوا مع أحد الأبوين وكان يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبواه يهودانه وينصرانه
[b]قال وأما أهل الثغر فيقولون إذا كان مع أبويه إنهم يجبرونه على الإسلام
[b]قال ونحن لا نذهب إلى هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فأبواه يهودانه
[b]قال الخلال أنبأ عبد الملك الميموني قال سألت أبا عبد الله قبل الحبس أي قبل أن يحبس أحمد في محنة الجهمية عن الصغير يخرج من أرض الروم وليس معه أبواه قال إذا مات صلى عليه المسلمون قلت يكره على الإسلام
[b]قال إذا كانوا صغارا يصلون عليه أكره من يليه إلا هم وحكمه حكمهم
[b]قلت فإن كان معه أبواه قال إذا كان معه أبواه أو أحدهما لم يكره ودينه على دين أبويه
[b]قلت إلى أي شيء يذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه قال نعم
[b]قال وعمر بن عبد العزيز نادى به قال فرده إلى بلاد الروم إلا وحكمه حكمهم[b]).

فلنتأمل فيما كانوا يختلفون، لنرى الفرق الكبير بين اختلافهم واختلافنا اليوم مع من قال أن أبناء الكفار مسلمون مطلقا، فالعلماء كانوا يتحدثون عن طفل يملكون أمره، في أي حالة يجوز أن ننشّئه على الإسلام؟ أو نقرّ أهله على أن ينشّئوه على دينهم.
ونقل عنه أيضا قوله: (
فعن أحمد [b]رواية: [b]أنّه يُحكم بإسلامه لقوله[b]: [b]»[b]فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه[b] «[b]، [b]فإذا مات أبواه بقي على الفطرة[b].
[b]والرواية الأخرى: [b]كقول الجمهور؛ [b]أنه لا يُحكم بإسلامه، [b]وهذا القول هو الصواب، [b]بل هو إِجْمَاعٌ قَدِيمٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، [b]بل هُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا[b].
[b]فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ[b] _[b]صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[b]_ [b]بِالْمَدِينَةِ، [b]وَوَادِي الْقُرَى، [b]وَخَيْبَرَ،[b]وَنَجْرَانَ، [b]وَأَرْضِ الْيَمَنِ، [b]وَغَيْرِ ذَلِكَ، [b]وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَمُوتُ، [b]وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، [b]وَلَمْ يَحْكُمِ النَّبِيُّ[b] _[b]صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[b]_ [b]بِإِسْلَامِ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، [b]وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي زَمَانِهِمْ طِبْقَ الْأَرْضِ بِالشَّامِ، [b]وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، [b]وَخُرَاسَانَ، [b]وَفِيهِمْ مِنْ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، [b]وَلَمْ يَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، [b]فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ اقْتَضَى أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، [b]فَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ حَضَانَةَ يَتَامَاهُمْ كَمَا كَانَ الْأَبَوَانِ يَتَوَلَّيَانِ حَضَانَةَ أَوْلَادِهِمَا).
[b]فأهل الذمة تحت حكم المسلمين، والخلاف في جواز أخذ يتيمهم لتربيته على الإسلام إذا مات الوالدان اللذان يهوّدانه وينصرانه أم يترك لأهله الآخرين؟

فهدفهم هو الزيادة في عدد المسلمين بضم أصناف من الناس إلى أمة الإسلام، وليس مجرد اعتقاد في شخص وهو يُنَشّأ على الكفر، وإلا لماذا يتكلمون عنها هكذا ويختلفون؟
ونقل عن ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) قوله:
(إِنَّ الْقَائِلِينَ [b]بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ قَالُوا: [b]لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ عُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: [b]يَصِيرُ أَطْفَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُسْلِمِينَ بِمَوْتِ آبَائِهِمْ، [b]مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْأَيْتَامُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، [b]مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى وَقْتِنَا، [b]وَهُمْ يَرَوْنَ أَيْتَامَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُشَاهِدُونَهُمْ عَيْنًا، [b]وَيَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِمْ، [b]فَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ لَمَا سَاغَ لَهُمْ إِقْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، [b]وَأَلَّا يَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ [b]الْكُفَّارِ[b].
[b]قَالُوا: [b]وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُكْمَ أَوْلَادِهِمْ لَكَانَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ، [b]وَكَانَ ذِكْرُهُ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ آكَدَ وَأَوْلَى مِنْ تَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ، [b]وَهَيْئَةِ رُكُوبِهِمْ،
وَخَفْضِ أَصْوَاتِهِمْ بِكَنَائِسِهِمْ، وَبِالنَّاقُوسِ، [b]وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ،[b]فَأَيْنَ هَذَا مِنْ[b]بَقَاءِ أَطْفَالِهِمْ [b]كُفَّارًا، [b]وَقَدْ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْآبَاءِ؟
[b]قَالُوا: [b]وَهَذَا يَقْرُبُ مِنَ الْقَطْعِ[b].
[b]وَالَّذِينَ حَكَمُوا بِإِسْلَامِهِمْ قَالُوا: [b]مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَى [b]الْإِسْلَامِ كَافِرًا بَعْدَ مَوْتِ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ جَعَلَهُ [b]اللَّهُ تَابِعًا [b]لَهُمَا شَرْعًا، [b]وَقَدَرًا، [b]فَإِذَا زَالَ الْأَبَوَانِ كَانَ مِنَ الْمُمْتَنِعِ نَقْلُ الْوَلَدِ عَنْ حُكْمِ الْفِطْرَةِ بِلَا مُوجِبٍ،[b]وَقَدْ قَالَ تَعَالَى[b]:[b]﴿فَأَقِمْ [b]وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ [b]عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القيّم وَلَكِنَّ [b]أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: [b](30[b]، [b]فَمَا الْمُوجِبُ لِتَبْدِيلِ الْفِطْرَةِ، [b]وَقَدْ زَالَ مَنْ كَانَ يُبَدِّلُهَا مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَبِكَفَالَتِهِ، [b]وَتَرْبِيَتِهِ،
وَحَضَانَتِهِ؟.
فَإِذَا [b]كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَامُوا بِتَرْبِيَتِهِ، وَحَضَانَتِهِ، [b]وَمَعَهُ الْفِطْرَةُ الْأَصْلِيَّةُ، [b]وَالْمُغَيِّرُ لَهَا قَدْ زَالَ، [b]فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ؟).
[b]وقولهم: يصيرون مسلمين أو يبقون على الكفر لا يعني أنهم يصيرون حقيقة لأنهم لا يعقلون، وإنما الأمر متعلق بالحكم الذي كانوا عليه أو تحولهم نحوه واقعا وليس مجرد حكم نطلقه بصرف النظر عن الواقع، ولذلك تحدثوا عن الحضانة، وتحدثوا عن النقل والتبديل والتغيير الذي زال بزوال المغيّر وهو الوالدان، وقال من خالف هذا الطرف: لو صح قولكم بأخذ يتاماهم لذُكر في شروط عقد الذمة فهو أولى من غيره من الشروط، ومن المعلوم أنهم لو كانوا يختلفون في الإعتقاد بإسلام أبناء أهل الذمة ما استدلوا بعدم ذكره في شروط عقد الذمة.

ونقل قول ابن القيم أيضا: (
لَوْ مَاتَ [b]أَقَارِبُهُ جَمِيعًا، [b]وَرَبَّاهُ الْأَجَانِبُ مِنَ الْكُفَّارِ، [b]فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ كَافِرًا، [b]إِذْ فِيهِإِخْرَاجٌ عَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا خَلْقَهُ بِلَا مُوجِبٍ، [b]وَهَذَا مُمْتَنِعٌ إِذْ يَتَضَمَّنُ إِدْخَالَ مَنْ فُطِرَ عَلَى [b]التَّوْحِيدِ فِي الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّةٍ لِأَحَدٍ مِنْ [b]أَقَارِبِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ [b]الْفَسَادِ، [b]فَإِذَا عُدِمَ الْأَبَوَانِ لَمْ تَكُنِ الْوِلَايَةُ عَلَى الطِّفْلِ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ، [b]كَمَا لَا تَثْبُتُ عَلَى أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، [b]بَلْ تَكُونُ [b]الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ كَالْمَسْبِيِّ بِدُونِ [b]أَبَوَيْهِ، [b]وَأَوْلَى[b]).
فالحكم بإسلامه متعلق بتولي المسلمين أمره، وعدم تركهم الكفار من أقاربه أو الأجانب عنه يغيّرون فطرته بالتنشئة.
ولذلك فلا معنى لقول المخالف: (
فلو كان الامر من اصل الدين عند السلف فهل يعقل ان يكون فيه روايتين عن احمد او غيره من اهل العلم ؟؟؟[b])، لأنه خارج عن موضوعنا، ولا نحن نقول أن كلام السلف متعلق بأصل الدين، حتى تخرجوا هذا الكم الهائل من مسائلهم كدليل على أن مسألتنا فقهية فرعية يختلف فيها المسلمون ولا يكفرون، ولماذا لا يكون له قولان في مسألة جعلِ طفل مسلما أو تركه للكفار كسائر المسائل الفقهية التي نُقل عنه فيها قولان حسب ما يترجح عنده؟
ونقل من( المحلى) لابن حزم قوله: (
وَمَنْ سُبِيَ مِنْ صِغَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ، [b]فَسَوَاءٌ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ، [b]أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا, أَوْ دُونَهُمَا، [b]هُوَ مُسْلِمٌ, وَلاَ بُدَّ; لأََنَّ حُكْمَ أَبَوَيْهِ قَدْ زَالَ عَنِ [b]النَّظَرِ لَهُ, وَصَارَ سَيِّدُهُ أَمْلَكَ بِهِ, فَبَطَلَ إخْرَاجُهُمَا[b]لَهُ، [b]عَنِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ[b].
[b]رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، [b]عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ قَالَ: [b]أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ [b]لاَ يَدعُ يَهُودِيًّا, وَلاَ نَصْرَانِيًّا يُهَوِّدُ وَلَدَهُ, وَلاَ [b]يُنَصِّرُهُ
فِي مِلْكِ الْعَرَبِ).
[b]لماذا يتبع سابيه؟ لأن سابيه مسلم ينشئه على الإسلام، فالخلاف هو هل نترك لوالديه تنشئته على الكفر أم نمنعهم من تربيته على الكفر ونجعله مسلما؟ فهو
يُجعل تابعا لهذا أو لذاك، يُجعل جعلا ويُلحق إلحاقا، ولا يُعتقد فيه كما توهم البعض اليوم، فالصغير نحن نملك أمره، فهل يجوز توجيهه نحو الإسلام أم هو حق للكفار كحق أصلي؟
وإن كان هناك من محذور شرعي فهو إكراه ابن الكافر على الإسلام، وقد أقر الشرع الكفار على تهويد أبنائهم وتنصيرهم، والمحذور الآخر هو ترك من لنا الحق في تربيته على الإسلام ينصَّر ويهوَّد، وليس المحذور ما نشاهده من الإعتقاد في إسلام ابن الكافر مجرد اعتقاد، فالإعتقاد بإسلامه يجب أن يكون بعد توجيهه وإلحاقه بالمسلمين لا أنه مع الكفار ويعتقدون بإسلامه.
ولو كان مجرد اعتقاد كما فهمتم لما احتاجوا لهذه التفاصيل، ولكان هذا في دار الكفر كما في دار الإسلام مع كفالته من طرف الكفار كسائر أيتام أوربا مثلا، وما الذي يدعو العلماء لملء الكتب بمسائل لا تنفع عمن مات أبوه أو أمه أو جده في بلاد الروم؟ وكان بإمكانهم أن يقولوا أن أبناءهم مسلمون مطلقا للفطرة وانتهى الأمر.
أما الذين اعتقدوا بإسلام أبناء المشركين اليوم فلم يُكرهوهم على الإسلام، ولم يتكفلوا بتربيتهم على الإسلام ولا يهتمون بذلك ولا يستطيعونه، وهذا يبين أن المسألة بعيدة كل البعد عن واقعنا، فلو قالوا اليوم: نجبرهم على الإسلام، لقلنا: هذا لا يجوز، فلا إكراه في الدين للكبار ولا للصغار، كما جاء عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تُهَوِّدَهُ، فلما أُجليَت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (لا إكراه في الدِّين قد تبيّن الرشد من الغيِّ) (رواه أبو داود)
ولكنهم اليوم قد قالوا: هم مسلمون، فابن الرئيس الأمريكي في بيته مسلم، ولو اختطفوا اليوم طفلا من أبناء الكفار وجعلوه مسلما لأنكرنا عليهم ولما كفّرناهم، لأنهم غيّروا تبعيته حقيقة من الكافر إلى المسلم، وهذا هو المعنى الذي كان يتحدث عنه العلماء قديما.
فلم تكن زوجة المسلم النصرانية إن طلقت تأخذ الولد لتربّيه على الكفر، لأن التبعية للأب المسلم بخلاف ما يجري الآن في دارٍ الغلبة فيها للكفار.
وما كان مجملا من كلام العلماء الذي يظهر منه أنه حكم مجرد بإسلامه يفسره الكلام المفصل الذي يعني التنشئة والإجبار والحقيقة، هذا إن صح وصفه بالمجمل، لأنهم كانوا في واقعهم يعلمون فيما يتحدثون وأبعاد كلامهم وحاجاتهم الراهنة، فمن قال: يصير مسلما، ومن قال: حكمه الإسلام، ومن قال: يجبر على الإسلام، كلها بمعنى واحد، ولولا ذلك ما ذكروها في موضع واحد كخلاف، هذا حتى لا يقولن قائل: إن هذا لم يذكر التنشئة، فهذه الإجتهادات كلها تصب في هذا المعنى.
ولما ظهرت مشكلة أخرى اليوم سرد المخالفون اجتهادات العلماء تلك، وقالوا لنا: أيها من أصل الدين؟ بينما هي كلها في موضوع آخر،أنه مسلمأن وراحوا يجمعون اجتهاداتهم في تلك المسائل البعيدة عنا وظنوا أنهم وقعوا على الحجة، ولقلة فقههم بواقع السابقين راحوا يحمّلون ذلك التراث مسؤولية حلّ مشاكلنا.
والغريب أن المخالف ينقل نصوصا تبين أنهم كانوا يقصدون التنشئة من الإجبار وغيره، ومع ذلك يستدل بها وينفي مطلقا كونها تتحدث عن التنشئة، ويصرّ على أن يستنبط منها أن الأب الكافر أو الأم الكافرة يتوليان أمر أبنائهما، ومع ذلك يعتقد علماء المسلمين بإسلامه، وهذا فهم شنيع لم يفكر فيه مسلم.
وتكلم العلماء عمن قال أبواه الذميان: هو مسلم، فهو مسلم لحديث (يهوّدانه)، أي بمفهوم المخالفة إن لم يهوّداه بقي مسلما كابن المسلم، فقد تخلّيا عن تبعيته لهما وعن تهويده، وبالتالي يربيه المسلمون على الإسلام ويتولون أمره ويكون حكمه الإسلام.
ونقل عن ابن القيم قوله في (أحكام أهل الذمة): (
قَالَ الْخَلَّالُ فِي[b] “[b]الْجَامِعِ[b]”:“[b]بَابٌ فِي الذِّمِّيِّينَ يَجْعَلُونَ أَوْلَادَهُمْ مُسْلِمِينَ[b]”:
[b]أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَاقُولِيُّ قَالَ: [b]سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ يُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ فَيَقُولَانِ:[b]هَذَا مُسْلِمٌ، [b]فَيَمْكُثُ خَمْسَ سِنِينَ، [b]ثُمَّ يُتَوَفَّى، [b]قَالَ: [b]ذَاكَ يَدْفِنُهُ الْمُسْلِمُونَ[b].
[b]وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ: [b]سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، [b]عَنِ الصَّبِيِّ الْمَجُوسِيِّ يَجْعَلُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمًا، [b]ثُمَّ يَمُوتُ، [b]أَيْنَ يُدْفَنُ؟

قَالَ[b]:«[b]يُهَوِّدَانِهِ، [b]وَيُنَصِّرَانِهِ[b]»[b]، [b]إِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ[b].
هَذَا لَفْظُهُ، [b]وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِنَّمَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ يُهَوِّدَانِهِ، [b]وَيُنَصِّرَانِهِ، [b]فَإِذَا جَعَلَاهُ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا).
[b]ونقل عن ابن تيمية في (درء التعارض) قوله: (
وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن قوم يزوجون بناتهم من [b]قوم على أنه ما كان من ذكر فهو للرجل مسلم وما كان من أنثى فهي مشركة يهودية أو نصرانية أو مجوسية فقاليجبر هؤلاء من أبى منهم على الإسلام لأن آباءهم مسلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم
[b]فأبواه يهودانه وينصرانه يردون كلهم إلى الإسلام).
[b]فهذا هو معنى ما يتحدث عنه العلماء، وهو ما يقابل التهويد والتنصير، فالتهويد والتنصير ليسا مجرد اعتقاد منهما في أنه يهودي أو نصراني ولكن يجعلانه يهوديا ونصرانيا، كذلك المسلمون يجعلونه مسلما.

فدوما يقيسون على حديث تغيير الوالدين الفطرة، فإذا امتنع التهويد في الواقع كان جعله مسلما أولى، فهذا يُجعل يهوديا وهذا يجعل مسلما، ولا يحكمون بالإسلام إلا بزوال معارض الفطرة وهو التهويد والتنصير، فتنتقلالتبعية حقيقة وليس حكما فقط، مثلما ذكروا عن اللقيط مجهول الوالدين يلتقطه المسلم فيجعله على دينه، وعن ولد الزنا أو المنفي باللعان، إذ ليس هناك من يغيّر فطرته.
ونقل عن ابن عابدين في حاشيته قوله: (
وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ قَالَ: [b]وَاقِعَةُ الْفُتُونِ فِي زَمَانِنَا: [b]مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ [b]أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِهِ، [b]وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلَامِهِ).
[b]والسؤال: هل يكون؟ المقصود منه هو هل لنا الحق في أن نربيه نحن على الإسلام أم يترك للنصرانية تنصره؟

يظن أن هذا الأمر الذين نعتقد بأنه من أصل الدين اتخذ من أحمد شهرا كاملا، ويتساءل قائلا: (
انظر الى الامام احمد كيف اخذت منه المسألة شهر قبل ان يجد الجواب فهل يقول عاقل ان هذه الاحكام مما لا يتم اصل الدين الا بها).
[b]نقل عن ابن تيمية قوله في (
درء التعارض): (وقال الخلال ثنا أبو بكر المروزي قال قلت لأبي عبد الله إني كنت بواسط فسألوني عن الذي يموت هو وامرأته ويدعا طفلين ولهما عم ما تقول فيهما فإنهم قد كتبوا إلى البصرة فيها وقالوا [b]إنهم قد كتبوا إليك فقال أكره أن أقول فيها برأي دع حتى أنظر لعل فيها عمن تقدم فلما كان بعد شهر عاودته فقال قد نظرت فيها فإذا قول النبي صلى الله عليه وسلم
[b]فأبواه يهودانه وينصرانه وهذا ليس له أبوان قلت يجبر على الإسلام قال نعم هؤلاء مسلمون).
[b]فكما يظهر لكل من أنعم الله عليه بقليل من الذكاء أنهم في واد ونحن في واد آخر، فأولئك القوم قد عرفوا أصل الدين، ولم يكن لهم فيه أدنى إشكال، ولم يكن محل نقاش أصلا بينهم، بل اتفق عليه المصيب والمخطىء والعالم والجاهل والسني والمبتدع جميعا، إلى أن وصل الأمر إلى من يتفقهون على طريقة قومنا.

فالعلماء يتحدثون في مسائل فقهية قضائية مثل إجباره على الإسلام أو عدمه، والتوقف هنا توقف في الإفتاء إلى أن يجد الجواب، وليس من باب التوقف في الإعتقاد في طفل معلوم تبعيته كما هو الحال اليوم عند من ضلوا عن دين الله، ولكن توقف في إلحاقه، أي في توجيهه نحو التبعية للمسلمين أو للكفار، فالتبعية بأيديهم هم الذين يقررونها ويصنعونها، ومثله توقفه في ابن المملوكين الكافرين لمسلم: هل يتبع سيده المسلم أم يتبع والديه؟
وقد يجيب آخر بأن أحمد أخطأ، إذ الحديث لا يمكن أن يستنبط منه أن من فقدَ والديه من أهل الذمة يؤخذ من أقاربه الآخرين فهم أحق به.
وإن كانت هذه المسائل لا تهمنا اليوم، فسواء وافقنا فتوى هذا أو ذاك لا يترتب عن خطئنا إلا ما يترتب عن أي خطأ فقهي من تفاصيل الشريعة.
فأياًّ كان الخطأ في هذه المسائل فهو متأرجح بين أن نُكره مَن تبعيته للكفار على الإسلام وهذا لا يجوز، أو نترك من تبعيته للمسلمين يُهوَّد وينصّر دون سبب، وكانوا يغلّبون الإسلام إذا اشتبه عليهم الأمر، لأن الخطأ الأول أخفّ، فحتى ولو أكرِه على الإسلام فهو في مصلحته، ولذلك لم يختلفوا فيه إن كان والداه حيّين حُرَّين، لأنه لا توجد أي شبهة لتحويله نحو الإسلام، ولما وُجدت في ابن المملوكين عند المسلم جعله بعضهم مسلما بسببها، وقال أحمد في رواية: (لَا أَقُولُ فِي وَلَدِهِمَا شَيْئًا).
لكن المخالف لم يفهم الموضوع وعلّق على ذلك بالقول: (
فهل يقول عاقل ان الامام احمد توقف فيما لا يتم اصل الدين الا به وعليه فان من لم يكفره كافر ؟؟؟).
[/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b]


ونقل عن ابن القيّم في (أحكام أهل الذمة) قوله: (سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا الْخَلَّالُ،فَقَالَ فِيالْجَامِعِ”:“بَابُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يُسْبَيَانِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَيُوَلَدُ لَهُمَا،أَوْ يُزَوِّجُهُمَا الْمُسْلِمُ فَيُولَدُ لَهُمَا فِي مِلْكِ سَيِّدِهِمَا،أَوْ لَا،مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟”.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا وُلِدَ لَهُمَا،وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُمَا،لَا أَقُولُ فِي وَلَدِهِمَا شَيْئًا).
ونقل عنه: (
فَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَارِيَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ،لَهَا زَوْجٌ نَصْرَانِيٌّ،فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَاتَتْ عِنْدَ الْمُسْلِمِ،وَبَقِيَ وَلَدُهَا عِنْدَهُ مَا يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الصَّبِيِّ؟
فَقَالَ: إِذَا كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ مُسْلِمٌ).
ونقل عنه أيضا: (
قَالَ الْخَلَّالُ فِيالْجَامِعِ”:“بَابُ الصَّبِيِّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى أَبَوَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ،وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ”:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الصَّبِيُّ يَخْرُجُ إِلَى أَبَوَيْهِ،وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ؟ قَالَ: هُوَ مُسْلِمٌ،قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مِنْ غَيْرِ سِبَاءٍ،وَلَا رِقٍّ حَادِثٍ عَلَيْه.
وَوَجْهُ هَذَا _وَاللَّهُ أَعْلَمُ_: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الدَّارِ الَّتِي حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا عَلَيْهِ دُونَ أَبَوَيْهِ،كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ بِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا،فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِمَا،وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ إِلَيْهَا،وَهُوَ مُسْلِمٌ،فَلَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ،فَالدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حِسًّا.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ،وَأَبَوَاهُ فِي دَارٍ أُخْرَى مِنْ دُورِ الْحَرْبِ غَيْرِهَا،قِيلَ: مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَنَحْنُ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ،وَدَارُ الْحَرْبِ دَارٌ وَاحِدَةٌ،وَإِنْ تَعَدَّدَتْ بِلَادُهَا،فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ،فَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِ حُكْمٌ،فَإِذَا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ حُكْمُ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمٌ،وَكَانَ حُكْمُهُ فِيهَا حُكْمَ مَنِ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ،فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ،وَوِلَايَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَدُونَ أَبَوَيْهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ حُكِمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا).
فهذه حالة الإفتراق بينه وبين والديه الكافرين في دار الإسلام وهو في دار الكفر، ففرقت بينهما الدار، وإذا دخل دار الإسلام تكون تبعيته لوالديه قد انقطعت من قبل ويصير مسلما بحكم الدار، فهل يُسمح لهما بتهويده وتنصيره أم يحكم له بحكم الإسلام ويحال بينهم وبين تهويده وتنصيره؟ وانظر كيف أن كلا الفريقين لا يقبلان الحكم بإسلامه وهو عند الكفار في دار الكفر حيث لا ولاية للمسلمين عليه، ولما دخل دار الإسلام ولم تكن لوالديه ولاية عليه جعلوها للمسلمين.
ومثله ما نقله عن إنكار الشوكاني الحكم على من لا يعرف حاله من الأطفال بحكم الدار، قال: (
الحكم لمن لم يعرف حاله من الاطفال بحكم الدار غير صحيح حسب راي الامام الشوكاني
قال الامام الشوكاني في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - (1 / 981)
قوله: " (والصبي مسلم بإسلام أحد أبويه وبكونه في دارنا دونهما ويحكم للملتبس بالدار)
وأما قوله: "وللملتبس بالدار" فلا وجه له بل ينبغي الحكم للملتبس بالإسلام لأنه مولود على الفطرة كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم).
فهو لم يترك الحكم بالكفر على من لا يُعرف أبواه مع بقائه مع أهله الكفار في دار الكفر كما يتوهم، وإنما كان الحديث على من لا يعرف أبواه إن كان سبيا أو لقيطا كفلناه، فحكمه الإسلام لانعدام من يهوده أو ينصره، ويبقى على فطرته الأولى كأولاد المسلمين.
وقول الشوكاني كقولهم في السبي منفردا عن والديه يحكم بإسلامه لأنه من أهل الدار، وقيل: ليس هذا لكونه من أهل الدار، وإنما لأن سابيه مسلم، وقد ذكروا أنه لو سباه كفار لم يصر مسلما، وهذا لأنهم ينشئونه على الكفر، والسابي هو المتحكم في دينه في غياب والديه، فتبعيته لوالديه تصبح ضعيفة، أما تبعيته للدار فهي أضعف، فتبعيته لمن هو في يده.
لكن المخالف يتصور أنه إذا أسلم كافر في دار الكفر وانتقل إلى دار الإسلام وبقي أبناؤه أو أبناء أخيه أو حفدته في دار الكفر يمكن للمسلم أن يعتقد بإسلامهم.
ونقل عن ابن حزم في (المحلّى) قوله: (
إنْ أَسْلَمَالأَبَوَانِ, أَوْ أَحَدُهُمَا, وَلَهُمَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ قَدْ بَلَغُوامَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ لاَ يُجْبَرُونَعَلَى الإِسْلاَمِ،وَبِهِ نَقُولُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾(الأنعام: 164)،وَالْبَالِغُ مُخَاطَبٌ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ أَوْ الذِّمَّةِ, وَلَيْسَ غَيْرُ الْبَالِغِ مُخَاطَبًا كَمَا قَدَّمْنَا.
قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ, وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَزَوَّرًا قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ فَهُوَ عَلَى دِينِهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ بَالِغًا, وَمَا لَمْ يَكُنْبَالِغًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغُ لاَ مَنْ بَلَغَ).
ونقل عن الأسروشني في (سير أحكام الصغار) قوله: (
الصَّغِيرُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ،أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الدِّينِ،فَإِنْ انْعَدَمَا فَلِذِي الْيَدِ،فَإِنْ عُدِمَتْ فَلِلدَّارِ،وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ؛لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ).
والخلاف هنا في من قارب البلوغ ولم يبلغ، هل يُجعل مسلما إن وُجد سبب لذلك أم هو كالبالغين المستقلين الذين هم كفار حقيقة لا تبعا للوالدين ولا مبرر لإجبارهم على الإسلام حتى يدخلوا فيه اختيارا؟
ونقل عن ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) قوله:
(أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ،وَلَوِ اخْتَلَطَ فِيهَا وَلَدُ الْكَافِرِ بِوَلَدِ الْمُسْلِمِ عَلَىوَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزَانِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِمَا تَغْلِيبًالِلدَّارِ).
ونقل عنه قوله:
(اخْتِلَاطُ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِ الْكُفَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُونَ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ،وَنَصْرَانِيٍّ فِي دَارٍ،وَلَهُمَا أَوْلَادٌ،فَلَمْ يُعْرَفْ وَلَدُ النَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَدِ الْمُسْلِمِ؟.
قَالَ: يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ).
فإن حكموا بإسلامه في أي حالة من هذه الحالات يربونه على الإسلام، وهو معنى إجباره، أي أنه كأي طفل مسلم لا يتركون له حرية الإختيار إذا رفضه من بعد، هذا هو المقصود بالتبعية، فحتى حديثهم عن الأبناء الكبار فالمقصود إجبارهم على الإسلام، لا أنهم يحكمون بإسلامهم وهم لا يريدون الإسلام.
كما يتحدثون عن إجبار الكبير إن كان أظهر الإسلام ثم تراجع وادعى أنه لم يقصد الدخول في الإسلام، فالقول أنه مسلم يعني يجبر على الإسلام، كإجبار أي مرتد، لا أنه مسلم مع تراجعه.
وقد اجتهد العلماء في حكم طفل التقطوه، وفرقوا بين من وُجد في دار كفر لا مسلمون فيها ودار كفر فيها بعض المسلمين، ودار إسلام في محلة لأهل الذمة لا مسلمون فيها أو فيها مسلمون، ودار إسلام لا كفار فيها أو فيها كفار.
ومنه قولهم: إن كان اللقيط في دار الكفر ولا مسلم فيها فهو كافر، فلا يصح أن يكرهوا أبناء الكفار على الإسلام، وإن كان فيها مسلمون فيحتمل أن يكون ابن أحدهم ولذلك يُجعل مسلما ولا يُترك لهم ليربّوه على كفرهم، وإن كان يمر بها تجار مسلمون أو محبوسون يحتمل إلحاقه بهم، وهذا تغليب للإسلام بالشبهة مادام لا أحد ينسب إليه من الكفار ولا المسلمين، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وفي هذا المجال كان العلماء يجتهدون.
ونقل عنه قوله: (
فَكُلُّ لَقِيطٍ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهَا فَهُوَ كَافِرٌ.
وَإِنْكَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ فَهَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَوْ يَكُونُ كَافِرًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: كُلُّ لَقِيطٍ وُجِدَ فِي قُرَى الْإِسْلَامِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ،وَإِنْ كَانَ فِي قُرَى الشِّرْكِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ،وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُشْرِكٌ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: إِنِ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ،وَلَوْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الِابْنَانِ،وَالثَّلَاثَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَلَا يُعْرَضُ لَهُإِلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ مُسْلِمٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَى دِينِهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: حُكْمُهُ فِي هَذِهِ أَيْضًا الْإِسْلَامُ الْتَقَطَهُ ذِمِّيٌّ،أَوْ مُسْلِمٌ،لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: كَمَا أَجْعَلُهُ حُرًّا،وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَعْلَمْ حُرٌّ هُوَ أَمْ عَبْدٌ،لِاحْتِمَالِ الْحُرِّيَّةِ).
ومن أمثلة الوقائع التي اعترضت العلماء واجتهدوا فيها مَن وُجد في الكنيسة أو في المسجد، فكل منهما موضع لتلك الطائفة أو الأخرى عادة، ولذلك يُنسب إليها إن لم يُعرف أبواه، والمخالف اليوم يظن أن اللقيط ملقى في كنيسة وقد يحكم العلماء بإسلامه اجتهادا مع تركه لأهل الكنيسة !
ومن (المبسوط) للسرخسي) قوله: (
وَلَوْ كَانَ وُجِدَ فِي بِيعَةٍ،أَوْ كَنِيسَةٍ،أَوْ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُشْرِكٌ،لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ كَافِرًا،وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ،لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ،وَهُمْ كُفَّارٌ كُلُّهُمْ).
وكل هذا لوضعه في مكانه المناسب من حيث الإسلام أو الكفر، ولمعرفة من أحق بتربيته، حتى لا يظلموا الكفار في أبنائهم من جهة، ومن جهة أخرى لا يُحرم الطفل من نعمة الإسلام إن كان له نسب في المسلمين ووُجد الإحتمال في ذلك مادام لم يُعرف نسبه للكفار.
فكانت المهمة أشبه بعمل المحققين من الشرطة وغير ذلك، ويستعملون أهل القيافة الذين لهم خبرة في معرفة النسب بالأوصاف الجسدية، والمقصود البحث عن حقيقة تبعيته، وإن لم يعرف شيء من ذلك ينظر للمكان إن كان كنيسة أو مسجدا أو ما يماثلهما مما يرتاده هؤلاء أو هؤلاء، كما نقل عن ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) في قوله: (
لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُونَ فِي مَوَاضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ،وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ).
وإلا ينظر لواجده إن كان مسلما أو كافرا، فهو أحق بتربيته، إن لم يمكن ترجيح نسبه للمسلمين ولو بشبهة ضعيفة، كالشك في وجود مسلم يكتم إيمانه بين الكفار أو مرور تجار مسلمين، فيغلَّب الإسلام إذا لم يمكن الترجيح بأسباب أخرى، كما نقل من (مغني المحتاج) للشربيني في قوله: (
قَالَ الْإِمَامُ: الْخِلَافُ فِي أَسِيرٍ يَنْتَشِرُ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ،أَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمُجْتَازِ انتهى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ،إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْبُوسِينَ امْرَأَةٌ،وَحَاصِلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ بِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ.
أَمَّا لَوْطَرَقَهَا مُسْلِمٌ ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وُجِدَ بِهَا مَنْبُوذٌلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ.
وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ،وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا،أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَلَا
... وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ،وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ).
ونقل قول النووي في (روضة الطالبين):
(فَاللَّقِيطُ فِيهَا مُسْلِمٌإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ،وَإِلَّا،فَكَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ.وَقِيلَ: مُسْلِمٌ،لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدُ مَنْ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ مِنْهُمْ).
ولهم تفصيلات أخرى لا علاقة لها بمسألتنا اليوم، لولا أن البعض ظنوا أنهم وقعوا على كنز فأخرجوه بكل ما فيه.
ثم نتساءل: هل كل هذه الإجتهادات والتحقيقات من أجل أن نعتقد فيهم أم لشيء آخر؟ هلا قالوا بذلك في كل أطفالهم، لكنهم لم يختلفوا في الأطفال مطلقا، ولذلك تكلموا عن السبي والدار ويد الواجد فهو المربِّي خلفا لوالديه، وهو ما يظهر من كلامهم بكل وضوح، وهو وضع الطفل في المكان المناسب له، مثلما يتحدثون في كتب الفقه عن الملاعنة بين الزوجين والحضانة والإرث وغيرها.
فقد كانوا قادرين على تنشئتهم على الإسلام لا مجرد اعتقاد في إسلام أبناء النصارى في بلادنا اليوم أو في أوربا كما فعل إخوانكم.
وكانوا يَحُولون بينه وبين أهله الكفار فلا يهوّدونه ولا ينصّرونه، ولا يقرّونه على كفر، بل يجبر على الإسلام إن أبى الإسلام، كأي مسلم يرتد عند البلوغ أو قبله أو بعده.
ولمن لا يقبل إلا فهمه مهما كان متصادما مع كلام العلماء نقول له: المطلوب هو دليل على حكمهم بإسلام أبناء الكفار كاعتقاد فقط وهم عند آبائهم يتربون من بعد على الكفر.
لماذا لم يسأل المخالفون أنفسهم مع كل هذه الكتب والإجتهادات والخلافات لم يجدوا قولا واحدا صريحا يعضد معتقدهم؟ وليس المطلوب نقل الكم الأكبر من اجتهاداتهم واتفاقاتهم واختلافاتهم، فهذا يعلمه العام والخاص، ولكن موضوع الخلاف ما هو؟
إن كان علماء المسلمين اختلفوا فيما اختلفنا فيه فهاتوا لنا صورة مشابهة، ولا داعي للذهاب إلى خلافات أخرى ومسائل لا علاقة لها بمسألتنا، فليس الهدف هو سرد كل التفاصيل، حتى يظن من لا يعرف واقع هؤلاء العلماء أن مسألتنا فقهية واجتهادية وخلافية، وانه لا يُنكر على المخالف فيها، ولا إثم عليه فضلا عن الكفر.
فالإكثار من هذه التفاصيل التي ليست في محلها لا يغني عن البحث عن نصوص تقول صراحة: يُعتقد بإسلامه وهو تابع لكافر واقعا يهوّده وينصّره كما قيل اليوم، وكأن العلماء كانوا يتحدثون عن التكفير كعقيدة ويختلفون فيه وسط مسائل الفقه والأحكام.
ولو كان خلافهم في اعتقاد مجرد دون أن يكفروا لجاز لمن يقيس على خلافهم في الطفل، ويقول أن من لم يظهر دينه اليوم فهو مسلم تغليبا للإسلام لاحتمال أنه مسلم يكتم إسلامه، وقد فعلها قوم فيلزمكم القول بإسلامهم لا بإسلام المتوقف فقط.
قال المخالف: (
ويا ليته ذكر لنا عن أي حالة يتكلم من حالات تبعية الأطفال المشركين إلى أبائهم وهل كلها تدخل في أصل الدين أم إن هناك مالا يدخل في أصل الدين وما يدخل في أصل الدين حتى نتمكن من اجتنابه وتعلمه وتعليمه للناس !!!!!!).
وقال: (
وسنري تفاصيلها والاقوال المختلف فيها في كل مسألة على حدى ونترك للمخالفين ان يسألوا انفسهم هل يعرفون هذه التفاصيل ام يجهلونها ؟؟
فاذا كانوا يعرفونها فلماذا لم يذكروها عند دعوتهم الناس للتوحيد ؟؟
واما اذا كانوا يجهلونها فانهم يشهدون على انفسهم حينها بانهم لم يتموا اصل دينهم بعد).
والأمر في الواقع لا يقتصر على ما اختلفوا فيه، فكل ما في هذه المسائل اجتهادي، حتى تلك التي اتفقوا فيها، كمن كان أبواه كافرين حيّين حُرّين، لأنهم يبحثون عمن يلحقونه به، ولو ألحقوه خطأ ما وقعوا في كفر، ولا نحدد ما هو من أصل الدين بما اتفقوا عليه، فقد يتفقون على ما هو من الفروع، وإنما كل هذه النقول خارج الموضوع.
ولذلك فالقول بأن العلماء رجحوا تبعية السابي على تبعية الوالدين وهذا يعني أنها ليست من أصل الدين، نقول: هنا لا تبعية السابي ولا الوالدين ولا الدار من أصل الدين، لأنها ليست مجرد اعتقاد، فالطفل يُتبع من طرف المسلمين وبعدها يعتقدون فيه حسب ما وضعوه فيه، ولذلك يسأل الناس علماءهم كيف نصنع باللقيط أو المسبي؟ أي: لمن نُتبعه؟ لا يسألون: ما نعتقد فيه؟ فالمسلمون لم يسألوا مثل هذا السؤال.
فإن كان من حقهم إتباعه للمسلمين يُتبعونه ويعتقدون بإسلامه، وهكذا يعرفون الأحكام التي تترتب عن الحكم بإسلامه كمن مات بعدها صغيرا، هل يتعاملون معه كموتى المسلمين؟ من يدفنه؟ وإن مات أحد من أهله هل يرث المسلم منهم أم الكافر؟ وإن مات هو من يرثه من أهله المسلمون أم الكفار؟ وإن بلغ وكفر هل هو مرتد أم ذمي كسائر أهله؟
ولما غفل المخالف عن ذلك قال: (
بخلاف من قال الكفر او اراده او عمل به ,وبخلاف الكافر البالغ , فان احكام الكفر لا تنقطع عنه الا بتوبته منه ورجوعه عن الكفر)، ولم يعلم أن المسلمين يربونه على الإسلام كأبنائهم الذين ليسوا بحاجة إلى توبة لأنهم يستمرون على دين الفطرة.
*****
جمع المخالف كلام العلماء في غير موضوعنا، ومن بين ذلك استدلاله بكلام محمد بن الحسن الشيباني، وهو غير صريح الدلالة على ما يريد، وكل ما فيه أنه قد يَؤول معناه إلى ذلك المعنى الذي يريده، قال: (
ومن بين اهل العلم من ظن ان اطفال المشركين كان حكمهم انهم مؤمنون قبل ان تنزل الاحكام)، ويستنتج من هذا أنه لو كان تكفيرهم من أصل الدين ما اعتقد محمد بن الحسن الشيباني أن الحكم بإسلامهم كان مشروعا ثم نُسخ، ولم يكفّره العلماء أيضا.
يستنكر أن يُنسخ أصل الدين كأن الكفر في نسخ أصل الدين فقط، وغاب عنه أن كل ما هو خبر حتى ولو لم يكن من أصل الدين يستحيل نسخه لأنه يعني بالضرورة الكذب.
ولو حملناه على ذلك المحمل لوجدنا الشيباني كافرا من ذلك الجانب الذي نتفق على أنه كفر، لكنه يصر على حمله على ذلك المحمل الخبيث، ولا يهتمّ إلا بما يحلو له مما وجد فيه متعلقا وما يحتاجه لتبرير معتقده.
هو يخشى تكفير العلماء ويريد أن يوجد صداما بين عقيدتنا وعقيدة العلماء، وينسب الكفر للعلماء ويبرىء نفسه من تكفيرهم كأنه نجى ونجوا، وكأن المشكلة في التكفير لا في الكفر، ولو أحسن الفهم لَعلم أنه لا العلماء كفروا ولا نحن ابتدعنا.
فمن كان له أرب في تبرئة العلماء فعليه أن يبرئهم من اعتقاد الكفر، لا أن ينسبه إليهم ثم لا يكفرهم، ويجعل الكفر غير مكفّر.
نقل قول ابن تيمية في (درء التعارض): (
قال أبو عمر بن عبد البر اختلف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلافا كثيرا
وكذلك اختلفوا في الأطفال وحكمهم في الدنيا والآخرة فذكر ما ذكره أبو عبيد القاسم سلام في غربيه المشهور قال قال ابن المبارك يفسره آخر الحديث قوله صلى الله عليه الله اعلم بما كانوا عاملين
قال ابن عبد البر هكذا ذكر عن ابن المبارك لم يزد شيئا
وذكر عن محمد بن الحسن انه سأله عن تأويل هذا الحديث فقال كان هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد هذا ما ذكره أبو عبيد
قال ابن عبد البر... إما ما ذكره عن ابن المبارك فقد روى عن مالك نحوه وليس فيه مقنع من التأويل ولا شرح موعب في امر الاطفال ولكنها جملة تؤدي إلى الوقوف عن القطع فيهم بكفر أو ايمان أو جنة أو نار مالم يبلغوا العمل
قال واما ما ذكره عن محمد بن الحسن فأظن محمد بن الحسن حاد عن الجواب فيه إما لإشكاله عليه أو لجهله به أو لما شاء الله واما قوله أن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد فلا ادرى ما هذا فإن كان اراد أن ذلك منسوخ فغير جائز عند العلماء دخول النسخ في إخبار الله تعالى واخبار رسوله لان المخبر بشيء كان أو يكون إذا رجع عن ذلك لم يخل رجوعه عن تكذيبه لنفسه أو غلطه فيما اخبر به أو نسيانه وقد جل الله وعصم رسوله في الشريعة والرسالة منه وهذا لا يجهله ولا يخالف فيه أحد له ادنى فهم فقف عليه فأنه أمر جسيم من اصول الدين).
فقالوا أنه حاد عن الجواب وتسرّع في الجواب فوقع من حيث لا يدري فيما لم ينتبه له، وبينوا أن كلامه قد يفهم منه الكفر، لكنهم لم يثبتوا له قصد هذا المعنى المكفر، لأنه حكم بالمآل ولا يجوز التكفير بالمآل.
هذا ما فهمه هؤلاء العلماء من كلامه، وأنتم تنسبون إليه الإعتقاد بإسلام أطفال المشركين، وهما كفران نسبتموهما إليه، لكنكم لم تختاروا إلا ما يحلو لكم، ولو كان هناك إنصاف لالتزمتم بكل ما يلزمكم به فهمكم، والرجل مظلوم في النهاية.
فحديث الفطرة يبين أمرا لا يُعلم إلا بخبر من الوحي، وهو الإخبار بأن المولود يولد على الفطرة وجبله الله على الحنيفية، ونسخ الخبر يعني أنه خبر كاذب، ولو سألنا الشيباني: هل تنسخ الأخبار؟ لقال: معاذ الله. فكيف ينسبون إليه ذلك؟ ويبنون عليه عقيدة؟ ولو أنه اعتقد بذلك لكفر وما تردد العلماء في تكفيره، وإلا كيف يعتقدون بإسلام رجل يعتقد بكذب النبي صلى الله عليه وسلم؟
وكيف ينسب إليه الإعتقاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتقد بإسلام أبناء قريش ثم لما فرض الجهاد صار يعتقد بكفرهم؟
ولنفهم كلام محمد بن الحسن نسأل: ما الذي يتغير بفرض الجهاد؟ تتغير أحكام المعاملات من المسالمة إلى القتال والأسر والإسترقاق وغيرها، وهذه الأحكام تنسخ معاملات أخرى سابقة، لا تنسخ الإعتقاد بأن أبناء المشركين مسلمون، فلا يكون حكم الطفل أنه مسلم ثم بفرض القتال يصبح كافرا كما تفهمون أو تريدون أن تفهموا، فأي كفر هذا ينسب لعلماء السلف الذين لم تكن هذه الأمور تشكل على عوامهم ما بالك بعلمائهم؟ ومن عادتهم أن يستدلوا بالحديث على أحكام فقهية كما سبق، بمعنى أنه إن فُقد الوالدان يبقى على الفطرة وغير ذلك.
كان الأولى والواجب أن تفسروا كلامه على أنه يتحدث عن الأحكام الشرعية حتى تضعوا النسخ في موضعه، فهذا أقرب إلى الفهم من القول أنه ما دام ذكر النسخ فهذه عقيدة دون أصل الدين، وهذا كفر من وجهين: أحدهما جعل العقيدة منسوخة، والثاني جعلها دون أصل الدين.
ولننظر كيف فهم العلماء كلامه وكيف ردوا عليه بمن فيهم سائله:
قال النووي في (المنهاج):
(وأما الفطرة المذكورة في هذه الأحاديث فقال المازري: قيل هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقيل هي ما قضي عليه من سعادة أو شقاوة يصير إليها، وقيل هي ما هيء له، هذا كلام المازري. وقال أبو عبيد: سألت محمد بن الحسن عن هذا الحديث فقال: كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد. وقال أبو عبيد: كأنه يعني أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أبواه أو ينصرانه لم يرثهما ولم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران ولما جاز أن يسبى، فلما فرضت الفرائض وتقررت السنن على خلاف ذلك علم أنه يولد على دينهما).
قال ابن حجر في (فتح الباري): (وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد قال أبو عبيد كأنه عنى أنه
لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلا لم يرثاه والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم وقد تعقبه بن عبد البر وغيره وسبب الإشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعى فيه النسخ والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر ولم يرد به اثبات أحكام الدنيا).
فالشيباني حمل الحديث على أحكام الدنيا، لا على الفطرة ولا على حكم التكفير، فما كانوا يقصدونه بأحكام الدنيا هو الإسترقاق والغسل والدفن وما شابهها، لا التكفير الذي نتحدث عنه اليوم.
كما أخطأ بعض الصحابة رضي الله عنهم وظنوا أنهم كفار حقيقة وباطنا ويُقتلون قصدا، حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم على الفطرة، كذلك أخطأ الشيباني وظن أنه بفرض الجهاد ومعاملتهم معاملة الكفار تبين أنه يولدون على دين الوالدين حقيقة وباطنا كما هو حكمهم، فلم يستطع الجمع بين الولادة على الفطرة ومعاملتهم ككفار، فأخطأ عندما نفى الفطرة بنفي الأحكام المترتبة عنها.
والشاهد أيضا هو ما نقله المخالف بنفسه عن ابن تيمية في (درء التعارض): (
فَلَوْ كَانَ الطِّفْلُ يَصِيرُ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ حِينِ يُولَدُ، لِكَوْنِهِ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ،قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَحَدٌ الْكُفْرَ وَيُلَقِّنَهُ إِيَّاهُ لَمْيَكُنِ الشَّيَاطِينُ هُمُ الَّذِينَ غَيَّرُوهُمْ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ،وَأَمَرُوهُمْ بِالشِّرْكِ،بَلْ كَانُوا مُشْرِكِينَ مِنْ حِينِ وُلِدُوا،تَبَعًا لِآبَائِهِمْ.
وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اشْتِبَاهُ أَحْكَامِ الْكُفْرِفِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ الْكُفْرِ فِي الْآخِرَةِ: فَإِنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ لَمَّا كَانَتْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مِثْلُ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ لِآبَائِهِمْ، وَحَضَانَةِ آبَائِهِمْ لَهُمْ، وَتَمْكِينِ آبَائِهِمْ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ، وَتَأْدِيبِهِمْ، وَالْمُوَارَثِةِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ آبَائِهِمْ، وَاسْتِرْقَاقِهِمْ إِذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مُحَارِبِينَ،وَغَيْرِ ذَلِكَ، صَارَ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَالَّذِي تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ،وَأَرَادَهُ،وَعَمِلَ بِهِ.
ومن هنا قال من قال: أن هذا الحديث وهو قولهكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»،كان قبل أن تنزل الأحكام،كما ذكره أبو عبيد عن محمد بن الحسن.
فأمّا إِذَاعُرِفَ أَنَّ كَوْنَهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ لَا يُنَافِي أَنْيَكُونُوا تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا زَالَتِالشُّبْهَةُ.
وَقَدْ يَكُونُ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ فِي الْبَاطِنِ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ،مَن لا يَعلم الْمُسلمون حَاله إذا قاتلوا الكفار،فيقتلونه وَلا يُغسَّل وَلا يصلّى عليه ويُدفن مَع المشركين،وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ،وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ،فَحُكْمُ الدَّارِ الْآخِرَةِ غَيْرُ حُكْمِ دَارِ الدُّنْيَا).
ثم علق عليه قائلا: (
فانظر الى قول شيخ الاسلام ((ومنشأ الاشتباه في المسألة )) فهذا يدل على ان هذه المسألة حصل فيها اشتباه عند بعض اهل العلم فلم يفرقوا بين احكام الدنيا واحكام الاخرة واعتقدوا ان من حكموا بكفره في الدنيا فهذا يعني الحكم بكفره قطعا في الاخرة والحكم بدخوله النار حتى وان لم يقترف ما يستوجب ذلك).
وهذا ما كنتُ قررته وبينت أن خلافهم كان حول حقيقة الطفل الباطنية، ومع ذلك أنكر عليّ ذلك، ثم قلب المعنى على عقبيه، فمن اشتبهت عليه المسألة اعتقد أن أبناء الكفار كفار حقيقة معذبون بحجة تبعيتهم لآبائهم في الدنيا، والقوم اليوم قلبوا المسألة وقالوا: بما أنهم على الفطرة فهم مسلمون في حكم الدنيا ولا تبعية لآبائهم في الحكم، فاستدل هو على قولهم المعكوس بقول الأولين، وهذا كمن يستدل بدخول العصاة المسلمين النار على أن أهل النار الكفار مسلمون.
وما نقله عن ابن تيمية أيضا: (
واما قول محمد فانه رأى الشريعة قد استقرت على أن ولد اليهودي والنصراني يتبع ابويه في الدين في احكام الدنيا فيحكم له بحكم الكفر في انه لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه المسلمون ويجوز استرقاقهم ونحو ذلك فلم يجز أحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الاطفال في الدنيا حكم المؤمنين حتى تعرب عنهم ألسنتهم وهذا حق لكن ظن أن الحديث اقتضى أن يحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين فقال هذا منسوخ كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء والأطفال والمؤمن لا يسترق ولكن كون الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية أمر ما زال مشروعا ومازال الأطفال تبعا لأبويهم في الأمور الدنيوية والحديث لم يقصد بيان هذه الأحكام وإنما قصد ما ولد عليه من الفطرة).
وقولهم أنه رأى الشريعة استقرت هذا متعلق بأحكام الجهاد وأحكام الجنائز من سبي ودفن وإرث وغيرها، فلا تذهب فهومكم إلى أمر آخر، أن أطفال المشركين كان حكمهم الإسلام، ثم نزل الوحي بتغيير الحكم.
لقد فهم محمد بن الحسن الشيباني أن الحديث اقتضى الحكم لهم في الدنيا بأحكام المؤمنين من عدم الإسترقاق وغيره، وإن كان هذا يستلزم الحكم بإيمانهم وإسلامهم فهذا لم يتطرق إليه، فصرفه عن ذلك المعنى، وابن تيمية يتحدث عن أحكام المؤمنين من المعاملات، وحكم الدنيا من حيث الإسلام والكفر يختلف عن الأحكام المترتبة عن كل منهما.
فهؤلاء لم يكونوا ينظرون لحديث الفطرة كنظرتنا، وإنما ينظرون إليه من جانب الأحكام الشرعية التي يعامل بها الطفل، وهذا الذي كان يشغلهم.
*****
أضف رد جديد