مقدمه بين يدي البحث
السلام عليكم ورحمة الله
رأيت ان اضيف هذه المقدمة لأبين بعض الامور التي تحتاج الى توضيح بسبب ما توارد الينا من اسئلة كثيره من الشباب نتيجة الفهم الخاطئ لبعض ما ورد في هذه الرسالة , وهذا قد يكون مرده الى سوء الفهم وقد يكون الى مرده الى سوء الظن ابتداء ,
فالمخالفين لنا اصناف
منهم من لا يريد ان ينصف مخالفه ولو جاء بكلمة حق
ومنهم من لايري الا قوله وكلامه هو الصواب
ومنهم من يريد فقط ان تستمع اليه واذا اردت ان تجاوبه اعرض عنك وقطع الحديث , فاذا اعرضت عنه وامتنعت عن اجابته بسبب اسلوبه ,اتهمك بانك متكبر وانك لا تصبر على المخالف وانك لا تتحمل الأذى وغيره والله المستعان على امره
فأقول وبالله التوفيق
ان اول الاهداف التي يجب التركيز عليها عند قراءة هذا البحث
هو سبب الخلاف بيننا وبين مخالفينا في مسألة من مسائل الدين , وهي موضوع تكفير المسلم الذي توقف في معين او في شخص بعينه
ولا علاقة لكلامنا هذا بالتوقف في عموم الناس او المجتمعات الكافرة
فنحن نقول ان الموحد اذا ما توقف في معين بقرينة لا يكفر وهذا القول لا يخالفنا فيه المخالفون ويقرون به
ولكننا نزيد عليهم فنقول
ان الموحد اذا توقف في معين ولو بغير قرينة فهو لا يكفر عندنا والسبب هو ما سننقله في هذه الرسالة موضوع البحث
فقد بينا برهاننا الذي بنينا عليه هذا الاعتقاد ولله الحمد
كما قال الله تعالي
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)
وفي هذه الجزئية تحديدا يخالفنا من يخالفنا من الشباب ويرموننا بالكفر لأننا فقط لا نقرهم على ان التوقف في معين من غير قرينة كفر وهم يقولون انه لا يجوز التوقف الا بقرينة
فالموضوع بيننا وبينهم انحصر في هذه النقطة وهو ان المسلم اذا توقف في معين بقرينة لا يكفر عندنا وعندهم
واما اذا توقف المسلم بدون قرينة فهو يكفر عند المخالفين ولا يكفر عندنا للأسباب التي سنذكرها في هذه الرسالة
النقطة الثانية والمتعلقة بما جاء في هذا البحث
اعتقاد بعض الناس اننا لا نريد ان ننشره في منتديات التوحيد الخالص لأننا لا نريد ان يطلع عليه الشيخ حلمي ومحمد سلامي ويردوا عليه فيظهر تناقضنا كما يزعمون والله المستعان.
ولا يعرف المخالفون للأسف ان اغلب هذه الادلة التي اوردناها في البحث ولربما كلها ,هي ادلة ونقولات قد سبق للشيخ ولمحمد سلامي ان ردا عليها في مقالاتهم او كتبهم او تعليقاتهم , بمعني انها ليست ادلة جديده حقيقة عليهم حتى نحاول ان نخفيها فمن يقرأ للشيخ ويتابع ما يكتب يعرف ان هذه الادلة التي سنوردها قد رد عليها الشيخ في كثير من كتاباته وكلها قد تابعناها وقرأناها لهذا لا نخاف من هذا التناقض الذي ذكر ولله الحمد لأننا نعتقد ان الطريقة التي طرحت بها هذه الادلة على الشيخ لم تكن طريقه صحيحه بمعني لم تكن في سياقها ولهذا كان رد الشيخ حلمي عليها متماشياً مع السياق الذي طرحت فيه هذه الادلة
سواء في كتابه الدار والديار
او في كتاب التوقف بين الشك واليقين
او في تعليقات الشيخ على رسالة تَيسِير العَزِيز الغَفَّار فِي بَيان عَلامات الإِسْلام الْحُكْمِي الْمُستقلَّة والقرائِن وتَبعيَّة الدَّار
او تعليقاته وردوده على ضياء الدين القدسي او تعليقاته المنتشرة على صفحات المنتديات على هذه الادلة وردوده عليها.
واما ما رد به الشيخ على موضوع تكفير المعين فلا نوافقه عليه وهو سبب هذه الرسالة
وللأسف لو كان المخالفين يتابعون هذه الكتابات لما قالوا ما قالوا ولربما كان ردهم علينا واتهامهم لنا اكثر موضوعيه وعلمية لو انهم عرفوا هذه الحقيقة
لكن لا نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل.
ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى
( عسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)
فلربما كانت هذه الاتهامات مفيدة في طرح الموضوع بصورة افضل وتوضيح بعض اوجه الاشتباه , حتى نجد مخالف منصف ينصفنا وان خالفنا, مخالف يبتغي الحق ولا يريد ان ينتصر لنفسه او لفكر او مذهب او جماعة .
مخالف همه الوحيد ان تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين من دونه السفلى.
ففي كثيرا من الاحيان كانت اجابات الشيخ على بعض الادلة التي ذكرنا متعلقة بحكم عموم الناس وكيف انه لا يمكن تكفيرهم نتيجة لان القرائن قد اختلف فيها بين اهل العلم , او لان احكام التبعية مختلف في بعض تفاصيلها, وبالتالي فان تكفير عموم الناس هو امر فيه غلو ولا يجوز بحسب قول المخالفين لنا في منهج التوحيد , وهذا استدلال مقلوب
كما لا يخفي على صاحب كل ذي لب
فنحن لا نستدل بأحكام التبعية على كفر الناس اليوم لان احكام التبعية هي احكام مترتبة على كفر الناس فكيف يجوز ان نقلب المعادلة ونجعل من النتيجة سبب, وهذا الذي لحق بكثير من المشركين و المدافعين عن اهل الشرك حين اعتقدوا اننا نبني تكفيرنا للمشركين على احكام الديار وعلى احكام التبعية فاعتقدوا انهم بإثبات الخلاف في هذه المسائل فانهم يطعنون في حقيقة التوحيد ولم يتفطنوا ان هذه الاحكام مترتبة على كفر الناس ابتداء وعلى غلبة احكام الكفر على الديار التي يسكنها هؤلاء الاقوام .
وان وجودها لاحق لهذا الكفر ولانتشاره وليس سابق له او مبني عليه بحيث انك اذا ذكرت الخلاف فيه فانك تكون قد توصلت الى ان الخلاف هو في حقيقة الكفر الثابت المتواتر عن عموم الناس.
وهذا الفرق بيننا وبينهم في فهم حقيقة هذه الاحكام وفي طريقة طرحها والتي ندعي انها ربما لم تطرح بصورة صحيحة , ونعتقد اننا وسط بين المغالي فيها الذي جعل احكامها كأحكام اصل الدين , وبين المفرط والمضيع لها الذي اعتقد انها دليل على اختلاف اهل العلم واهل السنة والجماعة في الكفر والشرك الظاهر الواضح والعياذ بالله, فجعلها حجة يدفع بها في وجه الموحدين
كما فعل صاحب رسالة تيسير العزيز الغفار.
ولكن ليس المقام هنا للرد على هذا الامر فهو معروف للموحدين مفروغ منه ولله الحمد.
اذا لماذا اعدنا طرح هذه الادلة اذا كان الشيخ حلمي وغيره قد سبق وان رد عليها وبين ما فيها؟؟
نقول وبالله التوفيق
ان هذه الادلة التي رد عليها وتكلم فيها اكثر المخالفين انما كان ردهم عليها في سياق انها دليل على عدم امكانية تكفير اهل الشرك اليوم بحجة الاختلاف في هذه الاحكام بين اهل العلم والسلف الصالح , وردودهم كانت موفقه لأنها كانت على حكم الناس اليوم وبالعموم.
او فيما يتعلق بمن يعتقدون في التوقف في عموم الناس فلا يكفرونهم ما لم يروا منهم اسلاما او كفرا , وهذا كفر والعياذ بالله.
واما ردود الشيخ حلمي ومحمد سلامي فيما يتعلق بموضوع تكفير المعين فلم تكن موفقه وحججهم في هذا الامر لم تكن قويه واما حجج من حاورنا فسنذكرها وسنذكر تناقضها ونطلب من المنصفين من المخالفين ان يحكموا على هذه الحجج وعلى قوتها
لكن الطرح الذي نعتقد انه ربما لم يبين بما فيه الكفاية , وان هذه الادلة متعلقة به هو توقف المسلم في معين او في شخص بعينه ولا يكون لهذا المسلم اي اعتقاد بان عموم الناس يجب التوقف فيهم او غيره من الاعتقادات التي نعرفها ولا نختلف فيها ولله الحمد.
ولنقرب الصورة اكثر على نقطة الخلاف نقول
ان توقف الموحد في معين عند وجود قرينة ليس بكفر وهذا لا يخالفنا فيه المخالفون وان كنا لا نعتقد ان هذا يصح اصلا لأنه المفترض ان نحكم عند ظهور القرينة لا ان نتوقف
لكننا نتكلم هنا عن حكم التكفير ولا نريد ان نتطرق لغيره من المواضيع
ونعني هنا ان المخالفين لا يرون بكفر هذا المتوقف بقرينة, وهو عندهم مسلم
لكنهم يكفرون المسلم اذا توقف في معين (بدون قرينة) ويكفرون من لا يكفره وهذا هو وجه الخلاف بيننا.
ولهذا نرى ان هذه الادلة وان كان الكثير من الناس قد رد عليها ربما مرارا وتكرارا , لكننا لا نعتقد ان احدهم قد طرحها بهذه الكيفية والله اعلم.
ولهذا نورد جملة من الاعتراضات والاسئلة لعلنا نجد من يجاوبنا بعلم وحلم
فمن هذه الاعتراضات
ان هذا الخلاف في القرائن بين اهل العلم ينعكس بوضوح على تكفير المتوقف في معين واحد عند من يخالف في هذه المسألة وهي اشتراطهم ان يتوقف المسلم اذا راي قرينه والا فانه يكفر, فكان طرحنا هو ماهي القرينة التي يمكننا ان نتفق عليها حتى نعرف ان من خالفها ولم يعمل بها فهو كافر ومن اخذ بها فهو مسلم اذا توقف عند رؤيتها؟؟؟.
ومع انهم يقرون بانهم مختلفون حتى فيما بينهم في اي القرائن يمكن الاخذ بها في هذا الواقع , الا انهم يطالبون المتوقف ان لا يتوقف الا بقرائن , فاذا سالت ماهي القرائن فانهم يختلفون فيما بينهم عليها وهذا بشهادتهم ان بعضهم يأخذ بقرائن معينه والبعض الاخر لا يعتبرها قرينة على الاسلام.
فما هي القرينة التي اذا توقف بها المسلم فانه لا يكون كافرا ؟؟
وكم عدد الاشخاص الذين يحق للسلم ان يتوقف فيهم بقرينه ؟؟
هذا الاعتراض الاول على هذا الشرط الذي وضعوه وهو شرط غير شرعي كما هو واضح, لأنه لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من اقوال اهل العلم .
والاعتراض الثاني هو انه اذا كان اهل العلم قد اختلفوا في القرائن في عصرهم كما سنذكره فكيف يمكن ان يجعل من هذه القرائن شرط في تكفير او عدم تكفير من توقف في معين بل وتكفير من لم يكفره.
فهذا هو السياق الذي طرحنا فيه هذه الادلة وهو سياق مختلف كما ترون عن السياق الذي ذكره غيرنا من قبل , ونعتقد والله اعلم انه امر يحتاج الى منصف مخالف ينظر بعين الشرع لا بعين التعصب ويرد علينا بعلم وحلم حتى نتمكن من الوصول الى الحق نحن ومن كانت ضالته الحق بأذن الله .
ويأتي الاعتراض الثالث في نفس هذا السياق وفيما يتعلق بتكفير المتوقف في معين او في شخص بعينه
وتعليق هذا التكفير بأحكام التبعية بحجة ان المخالف في تكفير معين قد خالف العمل بأحكام التبعية وان مخالفتها كفر على حسب قول المخالفين .
ورغم تناقضهم فى تصنيف هذه الاحكام هل هي من اصل الدين ام انها ليست من اصل الدين.
الا ان القوم لا يهتمون حقيقة ويجعلون التكفير حكم واحد في الحالتين سواء من قال منهم انه من اصل الدين ام من لم يقل انه من اصل الدين منهم .
فهذا كلام لا يستقيم مع ما ذكره اهل العلم من الخلاف الواضح في كيفية الحكم على الدار بانها دار اسلام او دار كفر وبالتالي الحاق اهلها والقاطنين بها بأحكامها,
فيكونون كفار اذا كانت دار كفر
ويكونون مسلمين اذا كانت دار اسلام,
لكن هذه الدار قد تكون عند بعض اهل العلم دار اسلام لأنها لم تتوفر فيها شروط دار الكفر
, وقد تكون نفس هذه الدار عند البعض الاخر دار كفر لأنها توفرت فيها شروط دار الكفر فهذا خلاف لا يمكن ان تخطئه عين المنصف المخالف, كما لا يمكن ان تخطئ ما يترتب عليه من احكام
وهنا نذكر ان هذه الاحكام مترتبة على غيرها من الاحكام ولا يعني الخلاف فيها الخلاف في اصلها الذي قامت بسببه وهو انتشار الكفر بين اغلب سكان الدار وغلبة احكام الكفر عليها, فأهل العلم لا يختلفون مثلا في قوم انتشر بينهم الكفر, لكنهم يختلفون فيما يترتب على انتشار الكفر بين قوم معينين من احكام .
فهل تصبح دارهم دار كفر ؟؟
ام انها لا تصبح دار كفر اذا كانت غلبة الاحكام فيها للمسلمين
كديار اهل الذمة التي هي تحت حكم المسلمين ؟؟
و اذا كانت هذه الدار وسط ديار المسلمين ويسكنها اهل الذمة مثلا لكن ظهر اهلها على المسلمين في هذه الدار وغلبوا احكام الكفر عليها.
فهل تبقى دار اسلام ام انها اصبحت دار كفر ؟؟
فهذا هو وجه الخلاف كما نعتقد ليس في الاصل انما فيما يترتب على هذا الاصل من احكام , لهذا نعتقد ان تكفير الموحد الذي توقف في معين بالاعتماد على هذه الاحكام وهي احكام التبعية هو امر لا دليل عليه وهذا ما حاولنا ان نوضحه قدر جهدنا في هذه الرسالة.
الاعتراض الرابع وهو الاهم ربما على الاطلاق
وهو تناقضهم وتخبطهم في اصل هذا الحكم ودليله
فمره يقولون ان التبعية ليست من اصل الدين ولكنها مما لا يتم اصل الدين الا به وهذا ما بينا بطلانه في هذه الرسالة ولله الحمد.
فاذا قلت لهم ان المتوقف الذي نتكلم عنه و لا نكفره هو الذي يتوقف في معين ولا يتوقف في عموم الناس .
فيقولون انه اذا توقف بقرينه فهذا مقبول واما اذا توقف بدون قرينه فانه يلزمه ان يتوقف في كل من لايري منه كفر ولا شرك , ولا يوافقون على عدم التكفير بلازم القول مالم يلتزمه صاحبه .
فاذا قلت لهم هذا الكلام ضربوا لك مثالهم الشهير وهو قولهم انك اذا وقفت مع هذا المتوقف في معين امام السوق وسالته عن كل من يخرج من هذا السوق وهو شخص بعينه لم تري منه كفر ولا اسلام فيقولون ماحكم هذا المعين ؟
فنقول لهم ان المسلم اذا توقف في معين لا يكفر
فيقولون حسنا اذا توقف في كل من يخرج لأنه معين فما حكمه ؟؟
فنقول لهم حكمه انه يكفر في هذه الحالة لأنه التزم بهذا القول فعلا وحقيقة وان لم يلتزمه قولا فهو كافر بهذا لان حقيقة فعله انه يتوقف في كل من لايري منه كفر.
فيقولون لنا وبما تكفرون انتم هؤلاء القوم الذين لم تروا منهم كفر ولا شرك نقول لهم نكفرهم بغلبة الظن وهي حكم اجتهادي.
فيقولون لنا ان تكفيرنا هذا غير مقبول لأنه تكفير اجتهادي وليس تكفير اعتقادي وليس من اصل الدين فيرجعون بك الى النقطة الاولي التي قالوا انهم لا يعتقدونها وهي ان احكام التبعية ليست من اصل الدين
فاذا كانت احكام التبعية ليست من اصل الدين فلماذا تعتبرون تكفيرنا هذا اجتهادي ؟؟
فهلا اخبرتمونا عن اعتقادكم حقيقة في احكام التبعية حتى نعرف كيف نحاوركم !!!!!!!
فاذا كنتم لا تعتقدون ان احكام التبعية ليست من اصل الدين فلماذا تعتبرون تكفيرنا اجتهادي؟؟
واذا كنتم ترون انها من اصل الدين فكيف تستثنون من هذا التكفير من توقف بقرينه ؟؟
ولعل الكثير من الاخوة يذكر قول بعض دعاتهم حين قال لنا عندما صرحنا له باننا نكفر من لا نعرف حاله بغلبة الظن انه من عموم الكفار ,
فقال لنا حينها (( لا يهم باي حكم تكفرونه المهم انكم تكفرونه)).
فاستوقفناه عند كلامه هذا الذي لا يتوافق مع قوله ان هذا الحكم من اصل الدين ويمكن ان يسأل الاخوة الذين حضروا هذه النقاشات في منتديات الغرباء عن هذه الحادثة
وهكذا ندور معهم في دائرة مغلقه فلا نحصل منهم على جواب الا التناقض والرد على سؤالنا بسؤال اخر ومن المفترض كما هو معلوم ان يردوا علينا بالحجة والدليل وليس بالأسئلة والشبهات والطعون
وسترون هذا في ردود بعضهم على هذه الرسالة ان اراد الله ذلك
وكأن الميزان انقلب واصبح من يدعون انهم اهل الحق لا يملكون الدليل على هذا الحق .
واصبح من يتهمونهم بانهم كفار هم من يردون ويحضرون الادلة والبراهين على صحة معتقدهم ولا يقابلهم الطرف الاخر الا بالأسئلة والشبهات والعناد والتناقض والازدراء, وكأننا نطلب منهم المستحيل.
وكيف هذا ونحن نريد منهم ان يبينوا لنا اصل دينهم حتى نتبعه ان كان حقاً بدون كبر ولا عناد ومماطله ولا شحناء
وسنترك للمتابعين من اهل الانصاف ان يحكموا.
فإنني اسال الله ان يرزقنا بمن يجاوبنا منهم ويبين لنا ادلتهم لنناقشها بعلم وحلم
لا من يشبعنا اسئلة فوق اسئلتنا والله المستعان فلا نصل معهم الى حل.
وختاماً نقول لمن اراد ان يعلق او يحاور انه اذا كان يريد الحق فنرجوا ان لا يستعمل اسلوب التشويش والشبهات لأننا لن نرد على هذه الاساليب التي لم ينل منها المسلمين الا الشقاق والفرقة , والتي اثبتت التجارب والسنين التي مضت من عمر هذه الشبهة ان مفاسدها اكبر من مصالحها لهذا فان عدم الرد عليها هو افضل رد .
لذلك لن نرد الا على من اراد النقاش والحوار بجدية وبعلم لا لمجرد التهكم لأنه يعتقد انه الوحيد الذي على حق وكل من خالفه جاهل معاند .
واما القول بتقليد احد من الناس فهذا اسم شرعي لمن اتبع غيره بدون حجه ودليل وليس هذا سب ولا شتم كما يعتقد بعض الناس بدليل انك لو قلت لهم انكم تتبعون غيركم بدون حجه لما اعتبروه هذا سب ولا شتم واما اذا قلت لهم انكم مقلدون اعتبروا هذا سبا
واذا تأخر الرد فارجوا ان يتلمس المحاور العذر لأننا لاندخل كثيرا
والحمد لله رب العالمين
ولا عدوان الا على الظالمين
برهان الموحدين
على أن طرق الحكم على الناس ليست من أصل الدين
رد علي بدعة تكفير من خالف احكام التبعية
بحجة انها مما لا يتم أصل الدين الا بها
وشرح لقاعدة الفرق بين الحكم الحقيقي والحكم التقديري
مقـدمـة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارِها لا يزيغ عنها إلا هالك، النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته، بعثه الله للناس كافة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عَن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعْدُ
يقول الله تعالي
(قل يا أهل الكتاب تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران:64)
قال بن كثير في تفسيره لهذه الآية
هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ومن جرى مجراهم .
ثم قال .
( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) أي : فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم)انتهي
وقال : العرباض بن سارية السلمي: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة فوعظنا موعظة ، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الأعين ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، قد وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا ، قال : " عليكم بتقوى الله - أظنه قال : والسمع والطاعة - ، وسترى من بعدي اختلافا شديدا - أو كثيرا - فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والمحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة ".
فها نحن اليوم نواجه هذا الاختلاف الشديد الذي حذر منه رسول الله صلي الله عليه وسلم صحابته الكرام, وأوصاهم باتباع سنته وسنة الخلفاء المهديين من بعده , وطلب منهم ان يعضوا عليها بالنواجذ , وحذرهم من المحدثات, لان كل بدعة ضلاله والعياذ بالله .
وها نحن اليوم نحاول القيام بنفس هذا الواجب , الذي قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في حياته, وأوصي صحابته بالقيام به بعد مماته , وهو تحذير المسلمين من هذه البدع والفتن والاختلافات , التي مزقت جسد الامة المسلمة الصغير , في الوقت الذي يجتمع فيه اعدائها في كل يوم وتشتد شوكتهم, وتنتشر دعوتهم بين الناس , وبعض من ينتسب الى المسلمين لايزالون في خلافهم على ما يدخل في اصل الدين وما لا يدخل فيه , فتجد اقواما منهم يخرجون عليك كل يوم بشيء يتبين لهم دون غيرهم انه من اصل الدين , وان مخالفه كافر لم يحقق اصل دينه ,ويستمرون في غيهم وطعنهم واضعافهم للجماعة المسلمة التي تواجههم وتواجه غيرهم من المشركين , فيكون الطعن والتنكيل ممن انتسبوا لهذه الجماعة انكى , وأشد واقوى من طعن المشركين , فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
فهم بخلافهم هذا يهدمون كل ما بناه المسلمون وعملوا على اظهاره طيلت سنين, بل يسفهون دين المسلمين من حيث لا يعلمون , بابتداعهم اقوال واحكام واصل دين جديد ما أنزل الله به من سلطان.
بل وفوق هذا كله يقلبون قواعد الدين التي قالوا ان مخالفيهم قد هدموها ,فيجعلون الفروع اصول , ويطالبون غيرهم بالأدلة رغم انهم هم المطالبون بها , ويكفرون كل من خالفهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ,ويدافعون عن عقيدة التوحيد بابتداع مالم يأذن به الله .
فما ابعد فعلهم هذا عن الدفاع عن هذه العقيدة التي حفظها الله سبحانه وتعالي من عبث العابثين , ومكر الحاقدين.
وهذه البدعة التي سنناقشها اليوم هي بدعة تكفير من خالف في طرق الحكم على الناس ومنها احكام التبعية , والتي ظهرت بسبب موضوع تكفير المتوقفين في الناس اليوم فلا يحكمون لهم بإسلام ولا بكفر, بحجة انهم لم يروا منهم ما يكفرونهم به من قول او عمل او اعتقاد, وشمل هذا ايضا تكفير المتوقف الذي يتوقف في معين أي في شخص واحد بدون قرينة, فكفروا هذا المتوقف في معين بحجة ان توقفه بدون قرينة ولو في شخص واحد, يستلزم توقفه في الناس كلهم , ثم كفروا من لم يكفره ايضا, وهكذا تتابعت بهم الامور حتى وصلوا الى قولهم المنكر من ان احكام التبعية وان لم تكن من أصل الدين الا انها مما لا يتم اصل الدين الا بها وبما ان اصل الدين واجب ولا يتم الا بأحكام التبعية حسب زعمهم اذا فأحكام التبعية واجبة ايضا وبهذا فان مخالفها كافر لأنه ترك مالا يتم اصل الدين الا به .
ولعل القارئ قد عرف من عبارتي مدي تداخل هذه الشبهة ومدي هشاشتها .
ومدي ضعفها, وافتقارها الى ابسط مقومات القواعد الشرعية , الا وهو الدليل الشرعي الذي بنيت عليه هذه البدعة , فنحن نعرف انه لا دليل على هذا الكلام لأنها ببساطه بدعة والبدعة هي ابتداع ما لا أصل له في دين الله, ومحاولة جعله شرعاً واجب الاتباع
يقول بن تيميه فى الاستقامة - (1 /13
لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره تمييز السنة من البدعة
إذ السنة ما أمر به الشارع والبدعة ما لم يشرعه من الدين فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو السنة وطريق مخالفه هو البدعة ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم المبتدع فيقوم من ذلك من الشر ما لا يحصيه إلا الله
وأول من ضل في ذلك هم الخوارج المارقون حيث حكموا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته وأن عليا ومعاوية والعسكرين هم أهل المعصية والبدعة فاستحلوا ما استحلوه من المسلمين)انتهي
وقال ايضا في الرد على البكري - (1 / 165)
و أما الشرع فيقال العبادات كلها مبناها على الإتباع لا على الابتداع فليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله)انتهى
قال الإمام ابن القيّم _رَحِمَهُ الله_: الروح)، ص257. «
والفَرْقُ بين الاقتصاد والتقصير: أنّ الاقتصادَ هو التوسُّطُ بين طَرَفَي الإفراطِ والتفريط، وله طرفان هما ضدان له: تقصيرٌ ومجاوزةٌ، فالمقتصدُ قد أخذ بالوسَطِ وعَدَل عَن الطَّرَفَين قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ (الفرقان:67)، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ (الإسراء:29)، وقال تعالى: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ (الأعراف:31).
والدين كله بين هذين الطَّرفين، بل الإسلامُ قَصدٌ بين الْمِلل والسُّنَّةُ قَصدٌ بين البدع، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
وكذلك الاجتهاد هو بذل الْجُهد فِي موافقة الأمر، والغُلُو مُجاوزته وتَعَدِّيه.
وما أمر الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: فإمَّا إلى غُلوٍ ومُجاوزةٍ، وإما إلى تَفريطٍ وتَقصيرٍ، وهما آفتان لا يَخلُص منهما فِي الاعتقاد والقَصْد والعمل إلا مَن مَشَى خَلْف رسول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَتَرَك أقوال الناسِ وآراءهم لِمَا جاء به، لا مَن تَرَكَ ما جاء به لأقوالهم وآرائهم، وهذان الْمَرَضَان الْخَطِران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذَّر السَّلف منهما أشدّ التحذير، وخوَّفوا مَن بُلِيَ بأحدِهما بالهلاك، وقد يَجْتَمِعَان فِي الشخصِ الواحد كما هو حالُ أكثرِ الخلقِ يكونُ مُقَصِّرًا مُفَرِّطًا فِي بعض دِيْنه، غَاليًا مُتجاوِزًا فِي بعضه، والْمَهْدِيُّ مَن هَدَاهُ الله»ا.هـ.
فانظر هداك الله الى هذه الدرر الربانية من علماء هذه الامه حين قالوا
ان الإسلامُ قَصدٌ بين الْمِلل
والسُّنَّةُ قَصدٌ بين البدع.
ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
وكذلك الاجتهاد هو بذل الْجُهد فِي موافقة الأمر.
والغُلُو مُجاوزته وتَعَدِّيه.
وما أمر الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان:
فإمَّا إلى غُلوٍ ومُجاوزةٍ.
وإما إلى تَفريطٍ وتَقصيرٍ.
وهما آفتان لا يَخلُص منهما فِي الاعتقاد والقَصْد والعمل .
إلا مَن مَشَى خَلْف رسول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَتَرَك أقوال الناسِ وآراءهم لِمَا جاء به.
لا مَن تَرَكَ ما جاء به لأقوالهم وآرائهم.
وهذان الْمَرَضَان الْخَطِران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذَّر السَّلف منهما أشدّ التحذير، وخوَّفوا مَن بُلِيَ بأحدِهما بالهلاك، وقد يَجْتَمِعَان فِي الشخصِ الواحد كما هو حالُ أكثرِ الخلقِ يكونُ مُقَصِّرًا مُفَرِّطًا فِي بعض دِيْنه، غَاليًا مُتجاوِزًا فِي بعضه، والْمَهْدِيُّ مَن هَدَاهُ الله.
فهذا الوصف يكاد ينطبق على كثير من اهل البدع هذه الايام والله المستعان بل ولا يكاد يخلوا حتى ممن يتصدون لهم احيانا فتجدهم يدافعون من جهه عن السنة ,ويقعون فى المقابل فى بدعه مشابهة .
فهلا توقف الجميع عند هذا القول وراجعوا أنفسهم أو على الأقل من يريد الحق منهم ويدعي انه يبحث عنه .
يقول شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل ـ معنون - (1 / 114)
الوجه الخامس عشر
وحينئذ فالدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل غير شرعي ويكون مقدما عليه بل هذا بمنزلة من يقول : إن البدعة التي لم يشرعها الله تعالي تكون مقدمة علي الشرعة التي أمر الله بها أو يقول : الكذب مقدم علي الصدق أو يقول خبر غير النبي صلي الله عليه وسلم يكون مقدما علي خبر النبي أو يقول : ما نهي الله عنه يكون خيرا مما أمر الله به ونحو ذلك وهذا كله ممتنع
وأما الدليل الذي يكون عقليا أو سمعيا من غير أن يكون شرعيا فقد يكون راجحا تارة ومرجوحا أخري كما أنه قد يكون دليلا صحيحا تارة ويكون شبهة فاسدة أخري فما جاءت به الرسل عن الله تعالي إخبارا أو أمرا لا يجوز أن يعارض بشيء من الأشياء .
وأما ما يقوله الناس فقد يعارض بنظيره إذ قد يكون حقا تارة وباطلا أخري وهذا مما لا ريب فيه لكن من الناس من يدخل في الأدلة الشريعة ما ليس منها كما أن منهم من يخرج منها ما هو داخل فيها والكلام هنا علي جنس الأدلة لا علي أعيانها)انتهي
وداء الابتداع داء له اسباب لم يغفل عنها سلف هذه الامة بل ذكروه وصنفوا فيه الكتب فقال الشاطبي مثلا في كتاب الاعتصام , ذاكرا بعض أسباب الابتداع , والدافع اليها فقال
- (1 / 148
)واما ان لم يصح بمسبار العلم انه من المجتهدين فهو الحرى باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم
اذ قد اجتمع له مع الجهل بقواعد الشرع
الهوى الباعث عليه في الاصل
وهو التبعية اذ قد تحصل له مرتبة الامامة والاقتداء والنفس فيها من اللذة مالا يزيد عليه ولذلك يعسر خروج حب الرئاسة من القلب اذا انفرد حتى قال الصوفية حب الرئاسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين
فكيف اذا انضاف اليه الهوى من اصل
وانضاف إلى هذين الأمرين دليل في ظنه شرعي على صحة ما ذهب اليه
فيمكن الهوى من قلبه تمكنا لا يمكن في العادة الانفكاك عنه وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه كما جاء في حديث الفرق
فهذا النوع ظاهر انه آثم في ابتداعه اثم من سن سنة سيئه)انتهى
وقال بعد هذا الكلام ايضا كلاما ينظبق على هذه البدعه وعلى من تمسك بها بصورة تكاد تكون مطابقه والله المستعان......
(وانما وضعوا ذلك بحسب ما ظهر لهم بادي الرأي من غير دليل عقلي ولا نقلي بل بشبهة زعموا انها عقلية وشبه من النقل باطلة اما في اصلها واما في تحقيق مناطها وتحقيق ما يدعون وما يرد عليهم به مذكور في كتب الائمة وهو يرجع في الحقيقه إلى دعاو واذا طولبوا بالدليل عليها سقط في أيديهم إذ لا برهان لهم من جهة من الجهات)انتهى
فأقول لهم اولا مثلما قال بن تيميه في رده على من اوجب مثلهم امرا لم يوجبه الله ورسوله للدخول في الاسلام أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدع أحدا من الخلق إلى الى معرفة طرق الحكم على الناس ولا احكام التبعية ابتداء ولا قال ان احكام التبعية مما لا يتم واجب تكفير المشركين الا بها و ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان وبذلك أمر أصحابه
كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : [ إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ]
وكذلك سائر الأحاديث عن النبي صلى* الله عليه و سلم موافقه لهذا كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عمر : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ]
وفي حديث ابن عمر : [ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ]
وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين وعلماء المسلمين فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين سواء كان معطلا أو مشركا أو كتابيا وبذلك يصير الكافر مسلما ولا يصير مسلما بدون ذلك
كما قال أبو بكر بن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذ قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به محمد حق وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح يعقل - أنه مسلم فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد.أ.هـ
واما الحجه التي يستعملها اكثرهم وهي قولهم ان هذه الاحكام داخله فى معني لا اله الا الله وطلب تحقيق لا اله الا الله متضمنا لهذه الاحكام فسنبين لهم ان هذا كلام غير صحيح ولا علاقة لهذه الاحكام بتحقيق لا اله الا الله
واما اصحاب هذا القول الذين يزعمون انه من اصل الدين وان اصل الدين لا يتم الا بمعرفة احكام التبعية بل وتكفير من خالفهم فيها ايضا فنقول لهم قبل ان نشرع في بيان فساد قولهم وبدعتهم
قال شيخ الاسلام بن تيميه في مجموع الفتاوى في بيان كل ما ينبغي اعتقاده اذا كان من اصل الدين - (5 / 7 .
قال
((فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه . ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق . وكلاهما ممتنع .
أما الأول : فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه ؛ أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته . وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر . وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضا عن الله وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى ؛ فكيف يقع في أولئك ؟ وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه : فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم . ثم الكلام في هذا الباب عنهم : أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف ؛ بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها) انتهى
ونبدأ ردنا على هذه البدعة من اخر ما نقلناه عن شيخ الاسلام في رده على من اعتقد ان خلف هذه الامة اعلم من سلفها فيما يتعلق بما يجب اعتقاده .
نقول وبالله التوفيق
يقول شيخ الاسلام مقررا قاعدته التي يميز بها بين السنة والبدعة في كثير من ردوده على اهل البدع , ونحن نستعيرها منه هنا للرد على هذه البدعة وهي تكفير الموحد الذي توقف في معين فنقول لهم
كيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب وهو ارتباط طرق الحكم على الناس واحكام التبعية باصل الدين وبشهادة ان لا اله الله قد وقع من الرسول على غاية التمام
ثم إذا كان قد وقع ذلك منه :
فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه .
ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم الذين يلونهم
ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين
لهذا قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى - (5 / 12)
وإنما قدمت " هذه المقدمة " لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم وإعراضهم عما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين)انتهى
وهذا من ابسط وأول الادلة التي نطالبهم بها وهو قول واحد من الله ورسوله او من صحابته او من القرون الفاضلة التي تليهم , يدل على ان مخالف أحكام التبعية كافر, لأنها مما لا يقوم الواجب وهو اصل الدين الا بها ,وما لا يقوم الواجب الا به فهو واجب وتركه او مخالفته كفر , ولا نتكلم هنا عن جحدها او انكارها لان جحد او انكار أي حكم شرعي هو كفر سواء كان متعلق بأصل الدين او لم يكن,هذا اولا.
وثانيا: سنحاول توضيح منزلة موضوع تكفير المشركين في عقيدة التوحيد و أصل الدين ؟
أين يقع داخل هذه العقيدة ؟
وكيف يمكن للمسلم ان يحقق هذا الاصل العظيم ؟
وما يدخل في تحقيق هذا الاصل ومالا يدخل فيه.
وهل طرق الحكم على الناس داخلة فى تحقيق معني لا اله الا الله ؟؟
وهنا سنناقش مبحثين فى هذا الباب لمحاولة للالمام باكبر قدر من الامور المتعلقه بهذه الشبهة حسب طلب كثير من الاخوه الذين راجعوا الرساله وابدوا ملاحظاتهم عليها .
وسنناقش اولا تعلق هذه الاحكام باصل الدين وهذا يرد على من كفر المتوقف فى معين بحجة ان طرق الحكم على الناس ومنها احكام التبعية هي من اصل الدين .
والامر الاخر هو مايتعلق بقاعدة من لم يكفر الكافر والتي يستند اليها اصحاب هذه الشبهة فى تكفير من لم يكفر المتوقف وهو الشخص الثاني وهو الذي لايتوقف لكن لايكفر المتوقف
ولو ان الرد على الاصل الاول يكفي فى وجهة نظرنا لانه اذا ثبت ان المتوقف لايكفر , فمن باب اولي ان لايكفر من لايكفره.
و لان هذا هو المدخل الصحيح لما بعده وهو المبحث الثالث وهو الفرق بين حكم الحال او تحقيق المناط والحكم الشرعي.
ثالثاً: سنبين صحة فهم أهل السنة والجماعة والقول الفصل بأذن الله في هذه الشبهة , وهو موضوح الفرق بين حكم الحال او تحقيق المناط وبين الحكم الشرعي في مسألة تكفير الكافر.
رابعاً: سنثبت لأصحاب هذه البدعة انهم هم المطالبون بالدليل على كفر الموحد الذي توقف في معين , لانهم دائما وفي كل حواراتهم تقريبا يقلبون القواعد الشرعية المتفق عليها ويطالبوننا بالدليل على اسلام من ثبت اسلامه ابتداء ويعتقدون اننا لا نستطيع الرد وانهم اصحاب الحق في طلب الدليل على اسلام المسلم .
.
خامساً: سنرد على ما أرسله لنا بعض الشباب من كلام بعض الشيوخ عن احكام التبعية وقوله انها مما لا يتم الواجب الا بها .
وسنبين اختلاف أهل العلم في هذه القاعدة وفي كيفية العمل والأخذ بها في الأمور الشرعية .
وسنوضح وبما لا يدع مجالاً للشك ان احكام التبعية من الاحكام التي اختلف فيها اهل العلم سواء اختلافهم في تحقيق مناط دار الكفر ودار الاسلام والتي يحكم على مجهول الحال بتبعيته لها .
او سواء في اختلافهم في احكام التبعية نفسها اذا اتفقوا على تحقق مناط دار الاسلام او دار الكفر, وهذا الذي سيبين لك فساد ملزومهم كما قال بن تيميه فان فساد اللازم يقتضي فساد الملزوم .
واني ارجوا من الله ان اتمكن من الاحاطه باكبر قدر من الجوانب التي تتعلق بهذا الموضوع ,اذ ان بعض الاخوة وضع تعليقات بعدم شمول هذه الرساله لكل الاوجه المتعلقه بهذه الرساله , وهذا ربما من الصعب تحقيقه ولربما تمكن غيرنا من سد النقص الذي يجده فى هذه الرساله.
والامر الاخر انه لايفترض فى اي بحث او رد علي شبهة معينه ان يتم الرد على كل ماقيل من شبهات وكلام متعلق بهذه البدعه و انما يكفي حسب ظننا أن نرد بالحق ونبينه ونبين ادلته وهذا كفيل بالرد على كل الشبهات وعلى كل المتحدثين بها بدون تخصيص, لان اظهار الحق بادلته هو الذي نطالب به امام الله, ولا نطالب بالرد على كل شبهه وكل كلمة ياتي بها اصحاب الشبهات والبدع كما قال غير واحد من اهل العلم .
وكذلك خوفا من ان تطول الرساله وتصبح لدي كثير من الاخوه ممله صعبه الفهم و يتشتت عقل وتفكير من يحاول الربط بين ابوابها ليصل الى الخلاصة المرجوه من هذه الرساله , وهذا كما لايخفي من اعظم الافات التي قد تحدث لاي رساله او رد خصوصا اذا كان فى موضوع مهم بل فى غاية الاهمية والله المستعان.
موضوع تكفير المشركين في عقيدة التوحيد التي هي أصل الدين ؟
أين يقع داخل هذه العقيدة ؟
لن ندخل في كل ما يتعلق بأصل الدين واركان عقيدة التوحيد , وان كان هذا ماطلبه بعض الاخوة عند تعليقهم على الرساله ومراجعتها وذلك لسبب مهم وبسيط وهو انه لا خلاف بيننا وبين اصحاب هذه البدعه على مقدمات هذه العقيدة بل وعلى كل مايتعلق بها الا فى هذا الموضوع كما نعلم , لهذا سنحاول فقط التركيز على مايتعلق بهذا الجانب.
وهو جانب طرق الحكم على الناس والتي منها احكام التبعيه و سنتكلم وباختصار عن موضوع تكفير الكافر وموضعه في هذه العقيدة حتى نتسلسل بهذا الفهم الى ان نصل الى الفهم الصحيح لهذه القواعد وننزلها منزلتها ونعرف مراد الله ورسوله منها فلا ندخل فيها ما ليس منها كما لا نخرج منها ما هو من صميمها
جاء في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد أثناء شرحه لكلمة التوحيد لا اله الا الله قال الشيخ - (1 / 34
وأما معنى الآية فأخبر تعالى أنه بعث في كل أمة أي في كل طائفة وقرن من الناس رسولا بهذه الكلمة أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه فلهذا خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال تعالى قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به اليه أدعو وإليه مآب وهذه الآية هي معنى لا إله إلا الله فإنها تضمنت النفي والاثبات كما تضمنته لا لله إله إلا الله ففي قوله اعبدوا الله الاثبات وفي قوله اجتنبوا الطاغوت النفي فدلت الآية على أنه لا بد في الاسلام من النفي والاثبات فيثبت العبادة لله وحده وينفي عبادة ما سواه وهو التوحيد الذي تضمنته سورة قل يا أيها الكافرون وهو معنى قوله فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)انتهى
قال ابن القيم وطريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات فينفي عبادة ما سوى الله وثبت عبادته وهذا هو حقيقة التوحيد والنفي المحض ليس بتوحيد وكذلك الاثبات بدون النفي فلا يكون التوحيد إلا متضمنا للنفي والاثبات وهذا حقيقة لا إله إلا الله انتهى
ويدخل في الكفر بالطاغوت بغضه وكراهته وعدم الرضى بعبادته بوجه من الوجوه
ودلت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه وان أصل دين الانبياء واحد وهو الإخلاص في العبادة لله وان اختلفت شرائعهم))انتهى.
فهذا الركن المهم العظيم وهو الكفر بالطاغوت هو احد ركني هذه العقيدة وتارك هذا الركن لم يحقق اصل الدين وهو الكفر بالطاغوت .
لكن ماهي صفة الكفر بالطاغوت؟
او كيف يحقق الانسان هذا الركن ,ليكون بعدها كافر بالطاغوت؟
ليتسنى له بعدها ان يأتي بالركن الثاني وهو الاثبات وهو الايمان بالله بعد الكفر بكل ما يعبد من دونه.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كيفية تحقيق هذا الركن في رسالته الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة - (1 / 8
اعلم رحمك الله تعالى أنّ أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، والدليل قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أنِ اعبدوا اللهَ واجتنبوا الطاغوت } .
فأمّا صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مجموعة التوحيد ص 260: " صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها، وتكفِّر أهلها وتعاديهم "انتهى
قال ابن القيم رحمه الله -شفاء العليل ص 346:
" لا يكفي أن يعبد الله ويحبه ويتوكل عليه, وينيب إليه ويخافه ويرجوه ، حتى يترك عبادة غيره والتوكل عليه والإنابة إليه وخوفه ورجاءه ، ويبغض ذلك "انتهى
اذا يتحقق ركن الكفر بالطاغوت بهذه الشروط
اعتقاد بطلان عبادته وتركها وبغضها.
تكفيره اذا كان عاقل راضي بالعبادة .
(تكفير من يعبده)والكلام هنا عن من يعبد الطاغوت .
البراءة من عابديه ( أي عابدي الطاغوت بعد تكفيرهم طبعا).
وبغضهم ومعاداتهم.
اذا هذه هي صفة الكفر بالطاغوت والتي يجب على كل مسلم ان يحققها ليكون كافراً بالطاغوت .
والشرط الذي يتعلق به موضوع هذه الشبهة هو الشرط الثالث او الصفة الثالثة
وهو تكفير عبدة الطاغوت ,او تكفير المشركين , او تكفير الكافر .
واما الشرطين الرابع والخامس فهما متعلقين بالشرط الثالث وهو التكفير اولاً
وهذه احدي شبهاتهم التي يلبسون بها على العامة فيقولون لك عند محاورتهم
((إذا لم احكم على كل الناس كيف يمكنني ان اتبراء من المشركين ؟
والبراءة من المشركين من أصل الدين, فاذا توقف شخص في معين فهذا لم يحقق البراءة ,وبهذا هو لم يحقق أصل الدين , وبهذا يكفر )).
فنقول لهم هذه احدي الوسائل التي يستعملها اهل الشبهات وهي قلب الحقائق والقواعد الشرعية , فهم يقدمون البراءة على تكفير الكافر ,فيجعلون البراءة سابقة للتكفير وهذا من اعظم الجهل.
فالبراء او الولاء يتعلقان بالحكم بإسلام الشخص او بكفره وليس العكس بمعني انه يجب ان نحكم على الشخص اولا ثم ننزل عليه ما يتعلق بهذا الحكم من لوازم تتناسب وحكمه الشرعي
فاذا حكمنا بإسلام شخص لزمنا ان نواليه ونعصم دمه وماله
واذا حكمنا بكفر شخص لزمنا ان نتبرأ منه ونبغضه ونعاديه
جاء في مجموع الفتاوى لابن تَيمِيَّة)، ج12، ص 468رَحِمَهُ الله_
:«فَاعْلَمْ أَنَّ “مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ” هِيَ مِنْ مَسَائِلِ “الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ” الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ»(ا.هـ..
لهذا قال شيخ الاسلام بن تيمية ان هذه الاحكام تتعلق بها المولاة والمعاداة و القتل والعصمة وليس العكس ,فنرجوا ان لا يستعمل موضوع البراءة كحجة على كفر المتوقف في معين بعد هذا التوضيح ,لان هذا من اعظم الجهل بقواعد الدين كما بينا.
ونعود الان الى موضوع الحكم بكفر الكافر .
وما يهمنا هنا هو كيف يتحقق هذا الشرط؟؟
لان الخلاف ليس في وجوب الحكم بتكفير الكافر ,او في ارتباطه بأصل الدين .
بل الخلاف في كيفية تحقيق هذا الشرط بعد الايمان به.
فنقول وبالله التوفيق
ان الحكم على أي شيء يجب ان يسبقه أمرين مهمين .
اولاً :تصور حقيقة هذا الشيء في الواقع ومعرفته ومعرفة الصفات او العلامات او الامارات أو الشواهد الدالة على وجوده او تحققه أو وقوعه ولهذا الامر اسباب او شروط او موانع احيانا, ذكرها الشارع ليعرف بها تحقق شيء او وقوعه على صورة معينه ربطها الشارع بحكم معين .
ثانياً: معرفة الحكم المترتب على وقوع هذا الشيء او وجوده او تحققه , وسواء كان هذا الحكم شرعياً او عقلياً.
فحكم الكذب مثلا يجب ان يسبقه معرفة وتصور لمعني الكذب والذي هو قول مخالف للحقيقة او مغاير للحقيقة مع تعمد تغيير الحقيقة , فكل من ابلغ عن شيء بعكس حقيقته متعمداً فهذا غير حقيقة هذا الشيء وهو متعمد فهذا كذب.
وكل من توفرت فيه هذا الشروط فهو متصف بالكذب ويسمي كذاب ,هذا حاله. .
اما حكمه قبل ورود الشرع , فهو مما اجمع العقلاء على انه من القبائح حتى قبل ورود الشرع بتحريمه ,فهذا هو الحكم العقلي للكذب ,انه فعل قبيح يتوصل به الانسان الى تغيير الحقيقة لأخذ شيء بغير وجه حق او لإيذاء الغير او لأي سبب اخر.
واما حكمه الشرعي فهو التحريم .
وهكذا الامر في الحكم على كل الاشياء.
يجب اولا معرفة حقيقة الشيء وتصور واقعه والتحقق من وجوده
ثم معرفة حكمه الشرعي اذا كان الامر شرعياً او حكمه العقلي اذا احتاج الانسان الى ذلك في بعض الامور احياناً.
قال بن تيمية في مجموع الفتاوى)، ج35، ص227. _رَحِمَهُ الله_: «
وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِأَسْمَاءِ الدِّينِ مِنْ إسْلَامٍ، وَإِيمَانٍ، وَكُفْرٍ، وَنِفَاقٍ، وَرِدَّةٍ، وَتَهَوُّدٍ، وَتَنَصُّرٍ، إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ ا.هـ.
وكلامنا هنا عن حكم تكفير الكافر كيف يمكن ان نحقق هذا الشرط
ونحن لا نتكلم عن الجانب الاعتقادي هنا حتى لا يذهب القارئ بعيداً ,فكلامنا هنا عن كيفية تحقيق هذا الشرط على ارض الواقع بعد الايمان بوجوب العمل به ,وبأنه من أصل الدين , فالاعتقاد اذا موجود لدي الشخص وهو كون ان من عبد مع الله اله اخر فهو كافر او من ارتكب ما قال الله ورسوله انه كفر فهو كافر ويجب تكفيره.
لكن الخلاف هو في تحقيق هذا الشرط عملياً على ارض الواقع , وهو الحكم بكفر شخص ما او اسلامه .
وقد وضع الشارع الحكيم شروط واسباب رتب عليها احكام , وقرر ان هذه الاحكام لا تجري الا اذا تحققت شروطها ووجدت أسبابها وانتفت موانعها ,وأجرى أحكاما أخري بدون تحقق شروطها ووجود اسبابها لحكمة يريدها ,فلا معقب لحكمه ولا مبدل لشرعه , وسنبين هذه الاحكام لاحقاً والتي اجراها الشارع بدون تحقق شروطها وتوفر اسبابها وهي التي تسمي بالتقادير الشرعيه او بالاحكام التقديريه.
وهذه الاحكام التي رتبها الشارع عند تحقق شروطها ووجود اسبابها , لا يمكن اجرائها والعمل بها الا بعد تحقق هذه الشروط ووجود هذه الاسباب وانتفاء الموانع .
اذا وجب على كل مسلم ان يعرف هذه الشروط والاسباب ليتمكن من اجراء الاحكام وانزالها على مناطاتها الصحيحة .
وهذا لا يتأتى الا بنوعين من الفهم كما قال بن القيم _رَحِمَهُ الله
في إعلام الموقعين)، ج1، ص69._
: «وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي، وَلَا الْحَاكِمُ، مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ، وَالْفِقْهِ فِيهِ، وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ، وَالْأَمَارَاتِ، وَالْعَلَامَاتِ، حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِه فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا؛ فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(ا.هـ.
اذا يجب اولا فهم الواقع او معرفة حال هذا الشخص او حكم حاله.
والثاني فهم الحكم الشرعي الواجب في حق هذا الشخص بعد ان عرف حاله.
وانظر إلى عبارة بن القيم عليه رحمة الله حين قال ((ولا يتمكن)) أي أن من أراد أن يحكم على شئ ما فانه لن يتمكن من إجراء هذا الحكم إلا بنوعين من الفهم ذكرهما وشرحهما في رسالته التي نقلنا جزء منها
وهذين أصلين مهمين كما ذكر بن تيميه رَحِمَهُ الله في جوابه عندما سأل عن حكم التتار
فقال في مجموع الفتاوى)، ج28، ص510.: «_
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ يَجِبُ قِتَالُ هَؤُلَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَعْرِفَةُ بِحَالِهِمْ.
وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِي مَثَلِهِمْ»(ا.هـ.
وقال ايضاً في مجموع الفتاوى)، ج35، ص227. _رَحِمَهُ الله_: «
وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِأَسْمَاءِ الدِّينِ مِنْ إسْلَامٍ، وَإِيمَانٍ، وَكُفْرٍ، وَنِفَاقٍ، وَرِدَّةٍ، وَتَهَوُّدٍ، وَتَنَصُّرٍ، إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ ا.هـ.
اذا كلامنا هنا يتعلق بأصل معروف وهو ما يسميه أهل العلم مسائل الاسماء والاحكام .
ومسألتنا تتعلق بالاحكام التي ربطت بأسماء الدين كما ذكر شيخ الاسلام بن تيميه من اسلام وكفر ونفاق وردة وتهود وتنصر.
فالأحكام المتعلقة بهذه الاسماء لا تثبت الا لمن اتصف بالصفات الموجبة لتعلق الحكم بها او لانزال الحكم المناسب على من اتصف بها.
فكلامنا اذا وخلافنا هو في اثبات اتصاف الشخص المعين بصفات معينه توجب انزال احكام الكفر او الاسلام او الردة او النفاق علي ذلك الشخص.
وهو ما يسمي بتحقيق المناط او معرفة حكم حال الشخص قبل انزال الحكم عليه بإسلام او بكفر.
ولهذا فأن الخلاف فيه واسع ولا يكفر جهل حال انسان معين لعدم معرفته به او عدم تحققه من اتصاف هذا الشخص بصفة معينة توجب انزال الحكم الشرعي عليه, فاختلف هو وغيره في حكم هذا الشخص او توقف في الحكم على هذا المعين, يبينه عدم كفر من لم يكفر المنافق الذي لا يظهر كفره ونفاقه , فهذا المسلم يعلم أن المنافق كافر في الباطن ولا يختلف مع المسلمين في حكمه , ولكنه قد يخالف في الحكم على شخص بعينه انه منافق لأنه لم يري منه ما يحقق الأصل الأول للحكم على الناس وهو معرفة حاله , فجهله بحاله لا يجعله كافرا إذ انه لا يخالف في حكم المنافق , لكنه يخالف في كون هذا الشخص بعينه منافق أو يتصف بصفات حكم الشرع على من اتصف بها انه منافق , لهذا وجدنا أن هناك من الصحابة من يعرف بعض المنافقين ويحكم عليهم بالنفاق والكفر ولا يكفر من لم يكفرهم من الصحابة الذين لم يروا من هؤلاء المنافقين ما يدعوا إلى وصفهم بالنفاق أو تكفيرهم .
لأنه كما قلنا خلاف في حكم الحال وليس خلاف في الحكم الشرعي.
ولا تكفي مخالفة احكام التبعية وحدها في تكفير الموحد الذي خالف في الحكم بكفر شخص معين لأنه لم يري منه ما يقتضي ذلك لان أحكام التبعية أحكام تقديريه كما سنبين لاحقا وهي أحكام قدر الشارع وجودها رغم عدم وجود أسبابها وتحقق شروطها, بمعني أن من أجراها, أجراها بدون سبب ومن غير تحقق شرطها فالتكفير بها هو إرغام للمخالف أن يجري أحكام بدون أن تتوفر أسبابها وتتحقق شروطها, فإذا كان المكفر يعلم انه يكفر بحكم تقديري ويطلب من مخالفه التكفير به وهو يعلم انه لا سبب لهذا الحكم , فهذا افتراء وجهل عظيم بهذه الأحكام , وأما إذا كان لا يعرف أصلا أن هذه أحكام تقديريه وان إجرائها هو من باب إعطاء حكم الموجود للمعدوم , فالمصيبة أعظم .
ومثاله إعطاء حكم الكفر لأطفال المشركين رغم عدم وجود سبب الكفر وهو ارتكابهم لفعل مكفر .
والدليل ما سنذكره مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وفهم اهل العلم لهما.
وفتاويهم التي لاتعد ولا تحصى الدالة على صحة كلامنا هذا ولله الحمد والمنة على حسن الفهم ونسأله حسن القصد والصدق والاخلاص .
وسيكون ردنا على هذه الشبهة مبنياً على نقل كلام اهل العلم وفتاويهم المبنية على فهمهم لحكم حال كل شخص .
وهذه الاحكام المتعلقة بالثبوت او بتحقيق المناط او بحكم حال الاشخاص تنقسم الى أربع حالات وهي كالاتي:-
1-شخص لا يعرف عنه اسلام ولا كفر فهو مجهول الحال عند من يريد الحكم عليه وقد ذكر اهل العلم هذه الحال بهذا اللفظ تماما ً وهو قولهم "مجهول الحال ".
2- شخص معروف حاله وهو انه كافر وحكمه الكفر ولكن الخلاف بين اهل العلم ينحصر في معرفة متي ينتقل هذا الشخص من حكم الكفر الى حكم الاسلام فيصبح مسلماً بعد ان كان كافراً, وهذه التي تسمي بالطرق التي يحكم بها بأيمان الشخص وهي النص او الدلالة او التبعية وسنبين كيف اختلف اهل العلم في هذه الطرق الثلاثة ودلالتها على خروج الكافر من الكفر الى الاسلام.
3- شخص معروف حاله وهو انه مسلم وحكمه الاسلام ولكنه ارتد ورجع الى الكفر , وقد ذكر اهل العلم كيف يعرف حال هذا الشخص ومتي يحكم بردته بعد ان كان مسلماً.
4-شخص معروف حاله وهو انه مسلم موحد ولا يعلم عنه رجوعه عن الاسلام الى الكفر او خروجه من الدين فهذا حكمه الاسلام ويعصم دمه وماله وعرضه حتى يثبت بالدليل القاطع خروجه عن الدين او ردته ولا خلاف على من كان هذا حاله او من اظهر الاسلام حتى ولو كان منافقاً في انه يحكم عليه بحكم الظاهر وهو الاسلام مالم يأتي بناقض من نواقض الاسلام .
ولنبدأ بأول الحالات وبكلام أهل العلم عنها لأنها الاهم ولربما اكتفي الكثير من المتابعين بهذه الحالة وبادلتها لانهم لا يريدون قراءة كلام اهل العلم عن ما يسمونها بالقرائن , ولا يريدون معرفة الخلاف الذي دار بين اهل العلم في هذه القرائن , ويقولون انهم لا يخالفون في موضوع الاختلاف الحاصل بين اهل العلم في موضوع القرائن وهذا كلام لا يعرفون لوازمه والا لما التزموا به , لان بعض كلام اهل العلم واختلافهم ربما ينقض اعتقادهم من الاساس والله المستعان.
حكم المعين الذي لم يعرف عنه اسلام ولا كفر او ما يسمي بمجهول الحال
ونبدأ بالقول هنا ان الكلام عن المعين حتي لا يعتقد دعاة التوقف العام ان هذا الكلام في صفهم او لنصرتهم والله المستعان .
يقول الله _تَبَارَكَ وتَعَالى_:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾(النساء:94).
جاء في سبب نزول هذه الآية في صحيح البخاري)، حديث رقم(4591)، و(صحيح مسلم)، حديث رقم(3025)._ عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: “لَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿السَّلَامَ﴾ (النساء:94)”(
وفِي رواية سنن الترمذي)، حديث رقم(3030)، و(صحيح مسلم)، حديث رقم(2986).قال: “مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)”(
وفي تفسير هذه الآية وفهمها قال اهل العلم كلام اوضح من شمس النهار يبين صحة معتقدنا وقوة حجتنا من ان الخلاف في حكم حال الشخص الذي لم يعرف حاله ولم يثبت عليه كفر منصوص عليه في الكتاب والسنة ,ليس كفراً ولا يمكن ان يكون مما لا يتم اصل الدين الا به وغيره من الحجج والشبهات التي سوف تتهافت تهافت الزجاج بأذن الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
ونذكر ان الخلاف في معين كما يصفه اهل العلم في عبارتهم بانه (رجل) او ( اذا دخل علينا من لانعرف حاله ) أي معين وليس الكلام عن عموم الافراد او القوم .
قال الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي _رَحِمَهُ الله في أحكام القرآن)، ج3، ص225-226.
_: «فَقَوْلُهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، لَوْ خَلَّيْنَا وَظَاهِرُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ لَا تَنْفُوا عَنْهُ الْإِسْلَامَ وَلَا تُثْبِتُوهُ، وَلَكِنْ تَثَبَّتُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمُوا مِنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ بِذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ وَالنَّهْيُ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ نَفْيِ سِمَةِ الْإِيمَانِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا مَتَى شَكَكْنَا فِي إيمَانِ رِجْلٍ لَا نَعْرِفُ، لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِإِيمَانِهِ، وَلَا بِكُفْرِهِ، وَلَكِنْ نَتَثَبَّتْ حَتَّى نَعْلَمَ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ بِخَبَرٍ لَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ، وَلَا يَكُونُ تَرَكْنَا لِتَكْذِيبِهِ تَصْدِيقًا مِنَّا لَهُ; كَذَلِكَ مَا وُصِفَ مِنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ لَيْسَ فِيهِ إثْبَاتِ إيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرِ بِالتَّثَبُّتِ، حَتَّى نَتَبَيَّنَ.
إلَّا أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي قَدْ ذَكَرنَا قَد أَوْجَبَتْ لَهُ الْحُكْمَ بِالْإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:«أَقَتَلْت مُسْلِمًا؟»،«وقَتَلْته بَعْدَ مَا أَسْلَمَ؟»، وَقَوْلُهُ:«أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا»، فَأَثْبَتَ لَهُمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ; وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ اللَّيْثِيِّ:«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَى عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ مُؤْمِنًا»، فَجَعَلَهُ مُؤْمِنًا بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ; وَرُوِيَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ إثْبَاتُ الْإِيمَانِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَعْصِمُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِقَادِهِمْ الْكُفْرِ، وَعِلْمِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِنِفَاقِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾(النساء:94)، قَدْ اقْتَضَى الْحُكْمَ لِقَائِلِهِ بِالْإِسْلَامِ»(ا.هـ.
انظر هداك الله الى حسن فهم هذا الامام لهذه القواعد فهو يقول بكل وضوح ان ما تواتر من أدلة يوجب اعتقاد ان اظهار هذه الكلمة يثبت حكم الاسلام لقائلها, فاصبح حكم حال قائلها انه مسلم.
وعليه يقتضي ذلك الحكم له بالإسلام وما يلزم من ذلك من عصمة الدم والمال .
وهذا في وقت الامام.
وقال الإمام ابن تَيمِيَّة _رَحِمَهُ الله في الجواب الصحيح)، ج6، ص456._: «فَأَمَرَهُمْ بِالتَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْجِهَادِ، وَأَنْ لَا يَقُولُوا لِلْمَجْهُولِ حَالُهُ: لَسْتَ مُؤْمِنًا، يَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ إِخْبَارُهُمْ عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مُؤْمِنًا خَبَرًا بِلَا دَلِيلٍ، بَلْ لِهَوَى أَنْفُسِهِمْ لِيَأْخُذُوا مَالَهُ،
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ
إِذَا أَلْقَى السَّلَمَ، وفِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى السَّلَامَ، فَقَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مِنْ قَبْلُ مُؤْمِنِينَ تَكْتُمُونَ إِيمَانَكُمْ، فَإِذَا أَلْقَى الْمُسْلِمُ السَّلَامَ فَذَكَرَ أَنَّهُ مُسَالِمٌ لَكُمْ لَا مُحَارِبٌ، فَتَثَبَّتُوا وَتَبَيَّنُوا، لَا تَقْتُلُوهُ وَلَا تَأْخُذُوا مَالَهُ، حَتَّى تَكْشِفُوا أَمْرَهُ، هَلْ هُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ؟»(ا.هـ.
يقول الامام بن تيميه هنا ان هذا الشخص المجهول الحال ويقصد هنا هل هو مسلم او كافر ,لأنه لو كان كافرا لما قيل انه مجهول الحال ,ولقال الامام لا تقولوا للكافر اذا القي اليكم السلام لست مؤمنا حتى تتبينوا من صدقه او صحة قوله واعتقاده ,ولأنه اخبر بشيء قد لا يكون يعتقده وهو القول بأنه مسلم او مؤمنا لإتيانه بتحية الاسلام او بالشهادتين , وذكر ان ذلك من باب الاخبار الذي يحتمل الصدق والكذب وهذا ما يحتمل الخلاف وهو من باب ثبوت الشيء والتحقق منه فقد يعتقد البعض صدق هذا الرجل في دعواه وقد لا يصدقه البعض الاخر فيها ويحكم بكفره.
ولا يكفر بعضهم بعضاً, لأنه مما يحتمل الخلاف لكونه من باب الاخبار بالشيء.
ويبين صحة هذا الفهم ما ذكره الإمام الطبري _رَحِمَهُ الله
في تفسير الطبري)، ج7، ص351
._: قال ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ (النساء:94) يَقُولُ: فَتَأَنَّوْا فِي قَتْلِ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، فَلَمْ تَعْلَمُوا حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ وَلَا كُفْرَهِ، وَلَا تَعْجَلُوا فَتَقْتُلُوا مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ، إِلَّا عَلَى قَتْلِ مَنْ عَلِمْتُمُوهُ يَقِينًا حَرْبًا لَكُمْ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»(ا.هـ.
يصرح الامام الطبري هنا بان من اشكل امره على المسلمين او التبس حاله فلم يعرفوا حقيقة اسلامه ولا كفره ,يجب عليهم ان يتثبتوا قبل قتله ويتأكدوا من صدق دعواه ,وهذا تطبيق للأصل الأول في الحكم على الناس وهو معرفة حاله قبل أن يتم إجراء الإحكام عليه وهي في هذه الحالة القتل لمن ثبت كفره.
وقد يقول البعض ان هذا لا خلاف فيه اذا اظهر بعض الناس قرينة معتبره مثلما يقوله بعض من ناقشناهم , فنقول لهم ان الكلام هنا عن ما قلتم انه لا يتم اصل الدين الا به وهو الحكم على الناس , فاذا كان الحكم على الناس لا يتم اصل الدين الا به , فالتوقف في هذه الحالة امر كفري لأنه يعني عدم القدرة على الحكم على من كانت هذه حاله , وهذا ما ذكره اهل العلم صراحة ,وهو وقولهم انه اشكل على المسلمين امره فلم يعرفوا اسلامه او كفره , وبالتالي لم يحكموا عليه بحكم معين , وهذا ناقض للدين علي حسب معتقدكم وادعائكم فان الصحابة الذين تكلم عنهم اهل العلم في هذه الآية لم يحققوا احد اركان ومعالم العقيدة الرئيسية وهي مبداء المفاصلة بين المسلمين والمشركين , اذا انهم لم يوالوا هذا الرجل ولم يعادوه لان حاله التبس عليهم , فهم كفار على مذهبكم وحسب معتقدكم , بل حتى من قال هذا الكلام من اهل العلم فهو كافر لأنه نقل كلام كفري ولم يتبراء منه , فانظروا الى اين يأخذكم هذا المعتقد واتقوا الله الذي اليه تحشرون.
قال الإمام الخطّابي _رَحِمَهُ الله_: معالم السنن)، ج1، ص223.«
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها أين الله فقالت في السماء وسألها من أنا فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا السؤال عن امارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده ، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه منك فيقول زوجتي وتصدقه المرأة فإنا نصدقهما في قولهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر . كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه .
وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه ، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك. »(ا.هـ
وهنا ايضاً يبين الامام الخطابي عليه رحمة الله حكمين مختلفين لمن تدبر كلامه
الحكم الاول : من جهل حاله ولم يعرف عنه أمسلم هو ام كافر , اذا فهذا جهل بالحال ولم يتغير حكم حال هذا الشخص حتى قال انه مسلم عندها قال الامام انهم يقبلون منه دعواه ويحكمون له بحكم الاسلام وذلك عملا بالنص وهو قوله انه مسلم , وكذلك اذا رأى منه المسلمون ما يدل على كونه مسلما ً وهذه هي الدلالة, وهذا لانهم لا يعرفون حاله .
لكنه قبل ان يتفوه بهذه الكلمة قال الامام انهم يجهلون حاله , ومع هذا لم يثبت عن احدهم انه قال ان هذا الجهل بحاله هو كفر لأنه مما لا يتم اصل الدين الا به او لان الحكم على الناس هو من وسائل المقاصد او غيره .
الحكم الثاني :واما من عرفوا انه كان كافراً فقد وضح الامام انهم لا يكتفون منه بقوله اني مسلم حتى يصف الايمان بكماله وشرائطه كما قال.
((كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه)) .انتهى
وفي هذا دليل على التقسيم الذي ذكرناه في اختلاف الحكم على من عرف عنه الكفر ومن جهل حاله بإسلام أو كفر ومن عرف عنه الإسلام, ويبين للقارئ انه ليس تقسيما بدعياً وانه من تقسيمات السلف ولله الحمد
وقال الإمام ابن منظور)، ج13، ص25. _رَحِمَهُ الله_
فِي “لسان العرب”:
مادة آمن
« فإن الكافر إذا عُرِضَ عليه الإسلامُ لم يُقْتَصَرْ منه على قوله إني مُسْلِمٌ حتى يَصِفَ الإسلامَ بكماله وشرائِطه.
فإذا جاءنا مَنْ نَجْهَل حالَه في الكفر والإيمان فقال إني مُسْلِم قَبِلْناه فإذا كان عليه أَمارةُ الإسلامِ من هَيْئَةٍ وشارةٍ ودارٍ كان قبولُ قوله أَولى بل يُحْكَمُ عليه بالإسلام وإنْ لم يَقُلْ شيئاً وفي حديث عُقْبة بن عامر أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه وهذا من العامّ الذي يُرادُ به الخاصّ »(ا.هـ.
وقال الإمام ابن الأثير _رَحِمَهُ الله_ فِي “النهاية في غريب الحديث والأثر ر)، ج1، ص70، وجامع الأصول في أحاديث الرسول له)، ج1، ص232.”:
«إِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهل حالَه فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ إِنِّي مسْلم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَيْأةٍ وشَارَةٍ: أَيْ حُسْنٍ ودارٍ كَانَ قَبولُ قَوْلِهِ أَوْلَى، بَلْ نحكُم عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَقُل شَيْئًا»(ا.هـ.
وقد لاحظتم ان اهل العلم في النقلين السابقين قد ذكروا من يجهل حاله فى ايمان او كفر وذكروا الحكم عليه بالنص والحكم عليه بالدلالة والحكم عليه بالتبعية وهي الدار حين قالوا بل نحكم بإسلامه وان لم يقل شيء , فهذا يبين ان قولهم ان هناك من يجهل حاله ولا يعرف أمسلم هو أم كافر هو قول ليس بكفر , وليس فيه مخالفه للقاعدة سالفة الذكر وهي الحكم بالنص او الدلالة او التبعية , والا لقلبوا الامور وقالوا انه لا يوجد من يجهل حاله ويكون الحكم اما بالنص او بالدلالة او بالتبعية وعليه فكل من جاءنا لانعرف اسلامه فهو كافر حتى يغير هذا الحكم بنص او دلالة او تبعية .
وكلام أهل العلم عن هذا الموضوع كثير وسننقل المزيد منه لاحقاً في الاجزاء القادمة من الرسالة بأذن الله.
الخلاصة
إن جهل المسلم الموحد بحال شخص معين فلم يعرف أمسلم هو أم كافر.
ليس بالأمر الذي يكفر به الانسان , وان القول أن في هذا مخالفة لطرق الحكم على الناس وهي مما لا يتم أصل الدين إلا بها لأنه لا يتحقق التميز والمفاصلة بين المشركين والمسلمين إلا بها هو قول عار عن الصحة كما سننقل الأدلة على بطلانه هنا بعد هذا الكلام , وان الله يسر لنا الادلة والعلامات والشواهد والامارات حتى نعرف بها حال الاشخاص ونتمكن من الحكم عليهم اما بما ظهر من اقوالهم وافعالهم وهو الحكم بما ظهر من شروط واسباب وضعها الشارع علامة على كفر من تلبس بها, واما بغالب الظن وهو الاضعف .
وبعد ان نصل الى معرفة حكم حال الشخص يمكننا بعد ذلك ان ننزل عليه الحكم الشرعي المناسب لحاله سواء بالإسلام او بالكفر.
وهذه هي القاعدة اجمالا معرفة الحال أولاً ثم اجراء الاحكام المناسبة لهذا الواقع او لهذا الحال ,وهذه المعرفة كما ذكرنا قد تكون بما ذكره الله ورسوله من اسباب وشروط متى توفرت عرف حال صاحبها واجريت عليه احكامه فاصبح كافراً حقيقة وحكما , او تكون احيانا وللضرورة بدون توفر الشروط والاسباب فيكون التكفير حكما لا حقيقة مثلما هو الحال في كفر اطفال المشركين, والحكم بكفر من يكتم إيمانه وان لم يوجد منه كفر لأنه في الحقيقة مؤمن.
وهذه القاعدة التي سنبينها لاحقاً بعون الله , وهذا تجده موجود وواضح في كل فتاوي أهل العلم المتعلقة بمثل هذه المواضيع , ولا يمكن لعين المنصف ان تخطأه الا ان يشاء الله .