التكفير بالعموم

أضف رد جديد
الناسخ
مشاركات: 705
اشترك في: الأربعاء يناير 05, 2022 10:28 pm

التكفير بالعموم

مشاركة بواسطة الناسخ »

عيسى
2012-10-22








التكفير بالعموم

الحمد لله رب العالمين
نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، الذي لا عز إلا في طاعته، ولا غنى إلا في الافتقار إليه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. وصلوات الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الكرام الصالحين ومن اتبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (
[آل عمران: 102]
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( [النساء: 1]
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً* (
[الأحزاب 70:71]
وبعـد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد r , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار. فنعوذ بالله من مضلات الفتن.
الأخوة الكرام
سؤال :
هل يجوز إطلاق الحكم بالكفر بالعموم علي طائفة من الناس ، منهم من أظهر الكفر صراحة ومنهم من لم يظهر عليه شيئا من ذلك ؟
وكيف نتهم أو نؤاخذ من لم يظهر عليه شئ من الشرك بجريرة من ظهر كفره واستبان ؟؟


الجواب وبالله التوفيق كالأتي :
(1) ـ أنه من المعلوم اللائح ، والمستقر الثابت أن : [ العلم نور ]
وأن نور العلم لا يخفي إلا علي من ضعف بصره أو انطمست بصيرته
(2) ـ والحقيقة أن الجهل بالمسألة أو خفاء أحكامها عن بعض الناس لا يعني بطلانها حتي يتبين حكمها أو دليلها من كتاب الله تبارك وتعالي وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وللأسف كثير من الناس تعيش بهذا المفهوم ، فيرفض ما صح به الدليل لجهله بالدليل .
ولا يعد رفض الناس لمبدأ جاء ( صريحا بالنص واضحا في الحكم ) دليلا يقتضي بطلانه أو التشكيك فيه لأنه وكما قال تعالي :
] وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[ المؤمنون (71)
(3) ـ ولأن عداوة الناس للمبادئ الشرعية الصادقة الصحيحة لم تنشأ عن انعدام أدلتها ، بل للجهل غير المبرر بأدلتها ، وكما قال أهل الأثر : ( من جهل شيئا عاداه )
(4) ـ ولأن الناس يتفاوتون في العلم ودرجاته تجدهم لذلك يتفاضلون في أحكامه
فكان للعلماء الأتقياء أصحاب البصائر اليد الطولي والسبق في الفضل لما لهم من دور في تعليم الناس الحقائق الشرعية التي غابت عنهم أو بالأحرى غابوا عنها ومن ثم عادوها وتجاهلوها ورفضوها
وما أروع ما قاله الإمام أحمد رحمه الله حين قال : الحمد لله الذي جعل في كل ( زمان فترة من الرسل ) بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، ويحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضالٍ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ،يقولون على الله ، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جُهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن الضالين .([1])
(5) ـ ولكون هذه المسئلة التي بين أيدينا ـ مسئلة التكفير بالعموم ـ هي في الحق والحقيقة تتعلق بأحكام (المؤاخذة الجنائية) والتي يظهر فيها عنصري الاتهام والإدانة وما يستتبعه من إثبات الأحكام المتعلقة بهما عند الثبوت وفق قواعد الإدانة الشرعية من ناحية ( فقه الدليل ) ، و وفق قواعد الإثبات والبينة من ناحية أخري ( فقه الواقع )
لذا كان من الهام جدا أن نعلم أن قدرة الإنسان المسلم علي العلم و الإحاطة بالوجهة الشرعية الصحيحة لهذه المسألة ـ مسئلة التكفير بالعموم ـ لن تستقيم ولن تنضبط إلا بقدر علمه وضبطه لقوعد [الفقه الجنائي الإسلامي] ، وعلي رأسها [قواعد المسئولية الجنائية] ومدي إدراكه للجوانب الحقيقية الصادقة التي تتضمنها
$ ـ فنحن إذا قرأنا قوله تعالي :
] فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) [ العنكبوت
فستجد أن المعني المتبادر الذي يجيد فهمه كل قارئ للآية الكريمة قد ظهر لائحا أن كل من ارتكب معصية لله تبارك في علاه فهو مؤاخذ بها ، من كفر أو شرك أو دون ذلك، فجميع ذلك يؤاخذ به الجاني أو الفاعل ، مسئول عنه . وهذا في الواقع زاوية في الفهم يدركها جميع الناس بلا تردد ويستوي في فهمها عوام الناس وعلمائهم
ولكن إذا ارتقي المسلم بذهنه قليلا لوجد أن هذا المعني السابق وهذه المسئولية القائمة تتحقق بذاتها في أولئك التاركين لما كان عليهم أن يقوموا به من فرائض ضيعوها أو تقاعسوا عنها ... من ترك صلاة واجبة أو صيام أو غير ذلك من سائر الفرائض التي وجبت عليهم بأعيانهم .
  • وهاتين الحالتين من (فاعل الإثم) أو (تارك الفرض) داخلين بلا شك في قواعد المسئولية والمؤاخذة دون أن يكون لذلك أي أثر علي الآخرين من أبناء أو أهل أو عشيرة وبحسب القاعدة الشرعية الحاكمة بـ (شخصية المسئولية) والتي تستند في أصلها إلي قاعدة :

  • الواجب العينى :

وهو ما أمر به الشارع كل مكلف بعينه فلا يجزئه أن يقوم به غيره ، فلا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه . مثل وجوب التوحيد وعبادة الله وحده وفرض الصلاة والطهارة وستر العورة واستقبال القبلة في الصلاة ومثل فرض الصيام ..
  • حكمه : لا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه كل فرد بعينه .
  • ويعتبر الفرض العينى هو الأساس في تقرير مبدأ ( شخصية المسئولية والعقوبة ) الذي يعتبر أحد أهم قواعد المسئولية في الفقه الجنائى الإسلامى ، والمعنى ( مسئولية الفرد ) عن أعماله دون أن يؤاخذ بذلك أى من الآخرين ممن لا علاقة لهم بالجريمة ، استنادا لقوله تعالى:

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ وقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
ونصوص أخرى كثيرة في إثبات نفس هذا المعنى .
فمبدأ ( شخصية المسئولية والعقوبة ) هو المبدأ المعبر عن المسئولية الفردية للأشخاص عن أقوالهم أو أعمالهم المخالفة للشرع المتمثل في ترك واجب ( عينى ) أو ارتكاب نهى. يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ علي نَفْسِهِ ﴾ ] النساء: 111 [.
] كقوله تعالى ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ يعنى أنه لا يغنى أحد عن أحد وإنما علي كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها [ أ.هـ
فجميع ذلك لا يجادل فيه إنسان عاقل ، وهي زاوية في العلم والفهم مشهورة

$ ـ لكن الأمر لم يقتصر علي هذا القدر إلا عند هؤلاء الذين ضاق صدورهم وقل علمهم وانحصر فكرهم علي زاوية واحدة من زوايا وقواعد المسئولية الجنائية ، فجاء تصورهم وعلمهم قاصر ، وحاصرهم في هذه الحدود ، وانكروا ما ورائها وما بعدها ، برغم صدق أدلتها وصراحة أحكامها ، وإلا فمن المعلوم أن المتأمل لهذه الآية الكريمة من سورة العنكبوت ([2]) متسلحا بدرجة أعلي من العلم بقواعد المسئولية وأصولها لأدرك أن هذه القواعد تقضي بنوع آخر من المسئولية يسمي بـ (المسئولية الجماعية ) في مقابلة المسئولية الفردية بل هذا النوع من المسئولية هو أصل بيان هذه الآية الكريمة .. ولنتأمل البيان بنص الآية لتعلم كيف دلت علي العموم في التكفير بل والتعذيب كعقوبة مقررة لهذه الأمم المكذبة لرسولها .
$ ـ فكما أن المسئولية الفردية قد جاءت في مواجهة التارك لشئ من (فرض العين) أو المتلبس بشئ من الحرام ، فقد جاءت المسئولية الجماعية في مواجهة تقاعس الأفراد عن الواجب الكفائي الملزم (لعموم الأمة) ، وقد كان الواجب عليهم أن ينتدبوا من بينهم من يقوم بهذا الواجب لتبرأ ذمتهم فلم يفعلوا ، فلمّا تقاعسوا جميعا عن أدائه ولم يبالوا به ، صار جميع أفراد الأمة آثمين، القادر منهم علي الأداء وغير القادر علي وفق ما تقضي به قواعد :
  • الواجب الكفائى :

وهو ما طلب الشارع فعله من مجموعة المكلفين لا من كل فرد منهم علي حدة ، لأن مقصود الشارع حصوله من الجماعة تحقيقاً للمصلحة الشرعية لا لمجرد ابتلاء المكلف – ولذلك فإذا حصل الفعل المأمور به من بعض المكلفين سقط الفرض عن الباقين وإذا قعد الجميع عن الأداء كان الجميع آثمين ، القادر منهم وغير القادر علي الأداء،
ومن أمثله الفرض الكفائى : الجهاد والقضاء والإفتاء والتفقه في الدين وأداء الشهادة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وإيجاد الصناعات والحرف ، والعلوم التي تحتاجها الأمة لنهوضها وتحقيق قوتها ... ونحو ذلك مما يحقق المصلحة العامة للأمة .
  • والواجب الكفائى هو الأصل في تقرير مبدأ ( المسئولية العامة أو المسئولية الجماعية) لأفراد الأمة حالة تخلفها عن الأداء – وإنما يأثم الجميع إذا لم يحصل الواجب الكفائى لأنه مطلوب من مجموعة الأمة :

  • فالقادر علي الفعل عليه أن يفعله
  • والعاجز عنه عليه أن يحث القادر عليه ويحمله علي فعله ،

وهذا نوع من المسئولية تحقق بطريق سلبي، حيث المنسوب إلي هؤلاء من التقصير هو عدم فعل كان ينبغي أن يفعلوه من تحريض القادر علي الآداء ، فلم يفعلوا ، وهذا ما يسمي (بالمسئولية السلبية) . فإذا لم يحصل الواجب كان ذلك تقصيراً من الجميع :
  • من القادر لأنه لم يفعله
  • ومن العاجز لأنه لم يحمل القادر علي فعله ويحثه عليه

كالآذان للصلاة إذا عُد من الفروض الكفائية وقعد أهل قرية جميعهم عن رفع الآذان ، كان الجميع آثمين رجالا ونساء القادر منهم وغير القادر علي رفع الآذان .
قال صاحب كتاب الوجيز: ] وعلى هذا التصوير للواجب وجب علي الأمة مراقبة الحكومة وحملها علي القيام بالواجبات الكفائية أو تهيئة الأسباب اللازمة لأدائها لأن الحكومة (نائبة عن الأمة) ([3]) في تحقيق المصالح العامة وقادرة علي القيام بأعباء الفروض الكفائية فإذا قصرت في ذلك أثمت الأمة كلها بما فيها السلطة التنفيذية (الحكومة)
  • الأمة لعدم حملها الحكومة علي تهيئة ما تقام به الفروض الكفائية
  • والحكومة لعدم قيامها بالواجب الكفائى مع القدرة [ أ.هـ

فالتخلف والتقاعس من الحاكم ، والمسئولية تقع علي الحاكم والمحكومين ولا تقتصر علي الحاكم وحده ،
ويقول القرطبي – رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
)واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( [sub]الأنفال : 25[/sub].
[ فإن قيل : فقد قال تعالى ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( [sub]الأنعام : 164.[/sub]
)كل نفس بم كسبت رهينة ( [sub]المدثر : 38[/sub] .
) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( [sub]البقرة : 286[/sub]
وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب .
فالجواب : إن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره فإذا سكت عليه فكلهم عاص . هذا بفعله وهذا برضاه ، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي (5) بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة . قاله ابن العربي وهـو مضمـون الأحـاديث كما ذكرنا ومقصود الآية : " واتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح " أ . هـ ... [ فهذا هو العموم الذي تحقق بجريرة الخاصة فأصاب من يُظن أنه لا دنب له ، بل من يُظن أنهم من الصالحين ]
$ ولعل من أدلة ذلك أيضا هذا الحكم بالعموم المصرح به بالنصوص التي ذكر عنها المولي تبارك وتعالي أنها الأسوة الحسنة وقد خص فيها الحكم وعمّ، ومنها :
ما ورد بالذكر الحكيم :
  • ]وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) [ الشعراء

فعمّ في قوله (وقومه ) ، وخص في قوله (أبيه) ، فهكذا جاء البيان الشرعي يخص ويعم . أيضا ورد ذلك في المواطن الكثيرة ومنها :
  • ] إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)[

  • ]فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ [ الأنعام

  • ]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ الممتحنة (4)
  • ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [

إذا الخصوص والعموم وردا في شريعة الرحمن ومصرح به في نصوص القرآن واضحا

ومن السنة المطهرة :
  • الحديث الذي أورده الإمام أحمد في مسنده : ( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتي يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون علي أن ينكروه .. فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة) ([4])
  • وما رواه الإمام أحمد أيضا في مسنده عن أبي بكر t :قال يوماً على المنبر : «يا أيُّها الناسُ إنَّكُم تَقْرَءونَ هذه الآيةَ وتضعونها غيرَ موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعتُ رسول الله r يقول : " إن الناس إذا رأَوا منكراً فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب ))

ويقصد قوله تعالي :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) [ المائدة
فالحكم والمؤآخذة أصاب العام بجريرة الخاص بلا شك .
$ والواجب الكفائى (فرض الكفاية) والذي يعد الأصل في تقرير مبدأ المسئولية الجماعية (ذلك المبدأ الهام المتعلق بقواعد المسئولية) ، لا يتعارض مع مبدأ شخصية المسئولية وقواعد فرض العين ، بل كلاهما معاً يشكلان أهم معالم قواعد المسئولية في شريعة الإسلام والفقه ، بلا تعارض ولا تناقض بينهما إلا في ذهن المحرومين من نور العلم والبصيرة .
  • فقواعد المسئولية الجماعية قد تقرر مسئولية أفراد لعل الناظر الجاهل يظن أنهم لا ذنب لهم ، ولا أثم عليهم ، بل قد يظنهم صالحين ... ولا قيمة لهذا النظر منه مع صراحة الدليل وصدق القواعد ... فالذي يضع عقله بين الشارع وبين الأحكام الشرعية حتي يتبين له الحكمة من كل حكم ، قد يورثه ذلك الشك في الأحكام الصحيحة إذا لم يتبين له الحكمة التي من أجلها شُرعت ...

من هذا الشطح زل مُنكري أحكام الذرية عندما تسائلوا كثيراً عن ذنب الطفل حتي يُلحق بحكم والده في الكفر وبالتبعية ،
ومن هذا الشطح زل أدعياء العلم وجُهال العوام عندما نظروا إلي تبديل (الحكام) والأمراء للأحكام الشرعية وحكموا الناس بالقوانين الوضعية ، فظنوا أن ذلك مسئولية الحكام وحدهم ولا يعود أثر ذلك علي الرعية ... وقد أخطئوا في ذلك أقبح الخطأ
$ بدليل التطبيقات النصية الشهيرة لمبدأ المسئولية الجماعية
  • كقوله تعالى: [المائدة:78]

] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ* [
قال ابن كثير رحمه الله في ذلك:
[كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [ أي كان لا ينهى أحد منهم أحد عن ارتكاب المآثم والمحارم ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه فقال:) لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [.أ.هـ.
  • وقد قيل مثل هذا في تقرير مبدأ المسئولية الجماعية عند تفسير قوله تعالى ]وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ[المائدة:23

قال ابن كثير في تفسير ذلك) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [ يعني هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك. والربانيون: هم العلماء والعمال أرباب الولايات عليهم / والأحبار هم العلماء فقط. ]لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [ يعني من تركهم ذلك.

$ كما يؤكد ذلك أيضا ، ثبوت مبدأ
( علاقة التبعية بين الراعي والرعية )
والذي جاء صريحا في قوله تعالي :
) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ* ( [البقرة:166/167].
والآيات في هذا المعنى والذي يعد حقيقة شرعية كائنة لا محالة أكثر من أن نتقصاه في هذه الصفحات المحدودة والله أعلى وأعلم، فعلاقة التبعية بين الحاكم والمحكومين والراعي والرعية حقيقة لا يجادل فيها إلا جاحد أو معاند، ([5])
(15) وقد انبثق عن هذا الحكم والذي يعد أصلاً ثابتاً من الأحكام الفروعية العديد من المسائل ، منها موضوع العهود والمواثيق بين الحاكم الممثل لدولته وشعبة من ناحية وبين الآخرين من ناحية أخرى
وقد ذكر ابن القيم رحمة الله طرفاً منها في مصنفة(زاد المعاد) لما ذكر [ الهدي المستفاد من فتح خيبر ] و [ الهدي المستفاد من فتح مكة وغزوة الأحزاب ] وغيرها – حيث ذكر خلال ذلك ما كان من قريظة – أحد قبائل اليهود بالمدينة – وكيف كان بينها وبين رسول الله (r) عهد وميثاق أن لا ينصروا عليه أحد من مشركى العرب، فغدرت قريظة ونقضت العهد لما رأي أميرها وزعيمها الأحزاب وقد أحاطت بالمدينة لاستئصال شأفة المسلمين، فتحالف كبيرهم مع قادة الأحزاب ونبذ عهد رسول الله (r)، فحاصرهم رسول الله (r) بعد جلاء المشركين وانصراف الأحزاب عن المدينة على النحو الذي وصفه الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب؛ حيث يقول عز من قائل: ) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً* وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً* وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* ( [الأحزاب: 25/27]
حيث حاصرهم رسول الله (r) والمسلمون حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذفحكم فيهم بقتل مقاتليهم وسبي نساءهم وذريتهم وغنيمة أموالهم لغدرهم برسول الله (r) ونقضهم عهده ، فقال له رسول الله (r) (حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات) والقصَّة مشهورة في كتب السيرة والتفسير والحمد لله رب العالمين.
والشاهد منها أن الغدر والنقض كان فعل كبيرهم وزعيمهم فأخذوا جميعاَ بغدرته ونقضه للعهد.
وقد قال ابن القيم: فكما دخلوا في العهد مع رسول الله تبعاً ولم يعقد كل واحد منهم عهداً مستقلاً به. كان الجميع أيضاً ناقضين للعهد بفعل كبيرهم وبالتبعية أيضاً. بل أخذ مع الرجال والمقاتلة النساء والذرية بجريرة كبيرهم وبالتبعية. وذلك كان هدية (r).
  • وفي صحيح البخاري أورد حديث أبو سفيان (t) وهرقل عظيم الروم وفيه ذكر كتاب رسول الله إلى هرقل وفيه: (أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين...) [sup]([6])[/sup]

قال ابن حجر العسقلاني في الفتح :(قال الخطابي: أراد أن عليك إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليداً له لأن الأصاغر أتباع الأكابر) أ. هـ
  • ويعضد هذا الذي أورده ابن حجر رحمه الله، ما رواه البخاري أيضاً عن قيس بن حازم فيما عرف بحديث المرأة الأحمسية مع أبي بكر الصديق t وفيه قال: دخل أبو بكر على امرأة من قيس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم. فقال: مالها؟ فقال: حجة مصمتة. قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل؛ هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت،فقالت: من أنت؟ قال: أمرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش؟ قال : إنك لسؤول . أنا أبو بكر . قالت: ما بقاؤنا علي هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: ما الأئمة ؟ قال: أما كان لقومك رؤساء وأشراف يأمرونهم فيطيعون ؟ قالت: بلي. قال: فهم أولئك على الناس .) رواه البخاري في صحيحة [sup]([7])[/sup]
    ولذا قيل إذا صلح الإمام صلحت الرعية وإذا فسد الإمام فسدت الرعية،

  • ومما يؤكد ذلك الحديث المخرج في الصحيحين عن ابن عمر:

( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده ) الحديث [sup]([8])[/sup]
$ ولذلك يمكن أن نقول أن تخلف ( أمة القادرين ) عن القيام بالواجب الكفائي ـ كالجهاد مثلا ـ المفروض علي الأمة في هذا مما تسبب عنه ضياع شئ من دار الإسلام أو مدنه وسقوطها في أيدي أهل الشرك هو مسئولية كاملة وإدانة ثابتة في حق جميع أفراد الأمة القادر منهم علي الجهاد وغير القادر
  • وهنا يظهر المعني المقصود ، وكيف جاءت الإدانة جماعية والمسئولية قد أحاطت بجميع أفراد الأمة ... القادر منهم علي الجهاد وغير القادر ... (مبدأ المسئولية الجماعية)
  • ولا يستطيع عاقل أو عالم بصير أن يعتذر عن بعض أفراد الأمة بحجة أنهم ممن لم يُفرض عليهم الجهاد لعجزهم أو مرضهم أو غير ذلك ... فقواعد المسئولية الجماعية المنصوص عليها بأحكام فروض الكفاية تمنع الاحتجاج بمثل هذا ، وتسقط مثل هذه الأعذار .
  • ولا يُعارض النصوص بمثل هذا إلا من أزاغ الله قلبه وأعمي بصره وانتكس فكره ... ويا للأسف كم هم كثير ممن هو علي هذه الشاكلة ... وكما قال تعالي :

]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[ الشعراء
ولذا يُمكن أن نقول أنه إذا كان الآذان أو الجهاد أحد الفروض الكفائية في حق الأمة والذي تأثم الأمة جميعها رجالها ونسائها بالتقاعس عنه ، فإن ( الحكم بما أنزل الله ) بين أفراد الأمة هو أيضا أحد الواجبات الشرعية الأساسية وأخطر وأهم الفرائض الرئيسية في حياة أمة الإسلام والمُخاطب بها عموم الأمة والتي ينبغي علي الأمة أن تنتدب من بينها من يحكم أفرادها بهذا الكتاب العظيم وسنة سيد المرسلين :
- فإذا تقاعسوا عن ذلك أثموا جميعا ،
- أو إذا انتدبوا من بينهم من يفعل ذلك فخان الأمانة وبدل الأحكام وحكم بغير شريعة القرآن ، كانت الأمة جميعها رجالها ونسائها آثمة بتقاعسها عن إقامة الأحكام وفق شريعة الإسلام ،
فجاء الحكم علي أفراد الأمة علي النحو المنصوص عليه بقواعد المسئولية الجماعية الثابتة وفق قواعد الفرض الكفائي ... وقد تعددت في ذلك صيغ العبارات الشرعية الثابتة بيقين من ناحية ، والدالة علي علي نفس المعني الشرعي والحقيقة الشرعية الكبري ... حقيقة الحكم (بالتبعية) من ناحية أخري ، فتجد من ذلك الأقوال الثابتة :
  • عمهم الله بعقاب
  • الأصاغر اتباع الأكابر
  • فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه (أي سكوته ولا مبالاته)
  • فتنة تتعدي الظالم فتصيب الصالح والطالح

ومن حيث أن جريمة تبديل الشرائع الإسلام تختلف عن جريمة التقاعس عن الجهاد أو عن الآذان ، كان لكل جريمة حكما يتناسب مع طبيعة الجُرم ، ومن هنا كان الحكم بتكفير المجتمعات المبدلة لشرائع الإسلام ، الحاكمة بغير ما أنزل الله جاء علي النحو الجماعي [ التكفير بالعموم ] وفقما دلت عليه الأدلة الشرعية ، وقواعد المسئولية ، والفروض الكفائية ، لمن علم شيئا عن هذه القواعد قبلها أو جحدها وعاداها بجهل أو بحماقة ، فليس بين الحق والباطل إلا ميزان وحيد هو العلم ، إذا صدقت النوايا واستقامت الضمائر ،
أما إذا كانت القلوب مريضة والهوى جامح والصفقة قد انعقدت مع الشيطان لمحاربة شرائع الرحمن وأوليائه ، فهؤلاء قد قال تعالي في شأنهم وأمثالهم :
] وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ
لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [ الأنعام : (7)
فالحمد لله علي نعمة الإسلام
والحمد لله علي نعمة القرآن والصلاة والسلام علي سيد الأنام
$ فصل إضافي هام :
  • وفي معنى الجماعة الواجب لزومها :

قال الإمام الطحاوي رحمه الله (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً)؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].
وفي الحديث، قوله (r) ((إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)) وفي رواية قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) فبين أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة، وأن الاختلاف واقع لا محالة.

قال الشاطبي رحمه الله:
اختلف الناس في معنى الجماعة المراد في هذه الأحاديث على خمسة أقوال:
  • الأول - أنها السواد الأعظم، وعلى هذا القول يدخل في الجماعة: مجتهدى الأمة وعلماؤها، ومن سواهم داخلون في حكمهم لأنهم (تابعون لهم) ومقتدون بهم.
  • والثاني - أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدون، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع وهم (تبع لهم ) .
  • والثالث - أن الجماعة هم الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً .([9])
  • والرابع - أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم. قال الشافعي: الجماعة لا تكون فيها غفلة عن كتاب الله ولا سنة ولا قياس.
  • والخامس - ما اختاره الطبري من أن الجماعة هي (جماعة المسلمين) إذا اجتمعوا على أمير، فأمر(r) بلزومه، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه.

قال: وحاصل ذلك أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع - وذلك ظاهر - على الإمام الموافق للكتاب والسنة. لأن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة.. كالخوارج ومن جرى مجراهم من أهل الابتداع.
  • وقد بني على ذلك معنى آخر هام جدا ، ذكره رحمه الله، وهو:
  • لا يقول أحد أن اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وأيضاً فاتباع نظر من لا نظر له ، واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة، ورمي في عماية، وهو مقتضى الحديث: ((إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من الناس، ولكن ينتزع العلم بقبض العلماء، فيتخذ الناس رؤوساً جهالاً..)) الحديث. قال إسحاق: لو سألت الجهال عن (السواد الأعظم) لقالوا: عوام الناس. ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي(r) وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة، فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم، فهذا وهم العوام لا فهم العلماء، وبالله التوفيق
  • فمسخ المختلفون ـ الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور [العامة] ، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار.وما عرف المختلفون أن الشاذ من خالف الحق، وإن كان الناس كلهم كذلك إلا واحد منهم، فهم الشاذون . أ.هـ ([sub][sub][10][/sub][/sub])
  • فأصل موضوع الجماعة قائم علي مبدأ التبعية ، لأنه إذا قيل أن (الجماعة) هي العالم أو الأمير القائم بالحق ، فهذا لمعني أصيل قام به ، ثم من لحق به من الرعية أو العوام فقد جاء بالتبع أو بالتبعية واضحا صريحا في الأثر . فإذا جادل مُجادل وحاول أن ينفي مبدأ التبعية الصريح ويقول أن الحكم ثبت للعوام بالأصالة لا بالتبع ، فقد قال أهل العلم في ذلك أن ذلك وهم العوام لا فهم العلماء .
  • ولعل القارئ الكريم المُستطعم للمعاني المتدبر للنصوص يعي أن هذا المعني الذي دل عليه لفظ (الجماعة) شرعا ، هو بذاته الذي دل عليه الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري والسابق ذكره في صفحات سابقة من حديث أبو سفيان (t) وهرقل عظيم الروم وفيه ذكر كتاب رسول الله إلى هرقل وفيه: (أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين...)
  • قال ابن حجر العسقلاني في الفتح :(قال الخطابي: أراد أن عليك إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليداً له لأن الأصاغر أتباع الأكابر) أ. هـ
  • ويعضد هذا أيضا الحديث الآخر ـ وقد سبق ـ وقد رواه البخاري أيضا عن قيس بن حازم فيما عرف بحديث المرأة الأحمسية مع أبي بكر الصديق t وفيه ، قالت: ما بقاؤنا علي هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم. قالت: ما الأئمة ؟ قال: أما كان لقومك رؤساء وأشراف يأمرونهم فيطيعون ؟ قالت: بلي. قال: فهم أولئك على الناس .) رواه البخاري

فهذه الآثار المجتمعة قد دلت بما لا يدع مجالا للشك :
  • كيف يتأثر حكم عوام الناس وبسطائهم بحكم الجماعة ،
  • وكيف تأثر حكم الجماعة أو الدار بحال الأمراء والأكابر أصحاب السلطة والسلطان([11])
  • وكيف أن هذا السلطان إما أن يكون سلطان الحق والإسلام فهي جماعة الحق ودار الإسلام([12])
  • وإما أن يكون سلطان الكفر أو الابتداع ، فهي جماعة أو دار الكفر أو الابتداع

  • تمت

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين
  • كتبه عبد الرحمن شاكر نعم الله
  • ( حلمي هاشم )


[1] مقدمة الإمام أحمد بن حنبل لكتابه الرد على الجهمية والزنادقة .

[2] ) من قوله تعالي : ] فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) [ العنكبوت

[3] ) ولهذا يُقال في قرارته المتعلقة بالصالح العام (بسم الشعب ) لا علي سبيل التبرك ولا الاستعانة ولكن لكونه نائبا عنه .

(5) ومظاهر الرضى ثلاثة ، القول والفعل والسكوت حيث القاعدة الشرعية .

[4] ) فقد أصاب الحكم العام والخاص بجريرة الخاص وحده

[5] ) راجع كتاب الدار والديار ... وكتاب أهل التوقف بين الشك واليقين

([6]) فتح الباري شرح صحيح البخاري. جـ1 الحديث رقم 6.

([7]) مجموعة التوحيد صـ 314.

([8]) ابن كثير في تفسير الآية 6 من سورة الأعراف.

[9] ) [ وهذا هو التفسير بضرب المثل ] .

([sub][sub][10][/sub][/sub]) الاعتصام. الشاطبي. الباب التاسع. المسألة السادسة عشر والسابعة عشر (جـ2، صـ470)

[11] ) راجع أحكام الطبقة السابعة عشر من طبقات المكلفين بكتاب طرق الهجرتين لأبن القيم رحمه الله

[12] ) وقد سبق النقل عن الشاطبي قوله : وحاصل ذلك أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع - وذلك ظاهر - على الإمام الموافق للكتاب والسنة. لأن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة.. كالخوارج ومن جرى مجراهم من أهل الابتداع .
التحميل من المرفقات:
المرفقات
word التكفير بالعموم.rar
(46.21 KiB) حُمِّل 39 مرةً
pdf التكفير بالعموم.rar
(666.9 KiB) حُمِّل 55 مرةً
أضف رد جديد